أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

تكتيكات غير متماثلة:

تحديات وآليات مواجهة استفزازات إيران البحرية

20 يوليو، 2016


إعداد: نوران شريف مراد  

تعتبر التجاوزات والاستفزازات البحرية الإيرانية أحد أهم مصادر الإزعاج للبحرية الأمريكية ودول الخليج العربية. ومع التقارب الأمريكي - الإيراني في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي، يبدو التحدي الأكبر أمام الولايات المتحدة هو كيفية الحفاظ على توازن علاقاتها الخارجية؛ بمعنى تطوير علاقتها مع إيران من دون الإضرار بعلاقتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتجنب أي سوء تفاهم أو تقدير من شأنه إثارة مشكلات تصعب السيطرة عليها في منطقة الخليج.

وفي هذا الإطار، نشر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS تقريراً تحت عنوان: "الإبحار في مياه الخليج بعد الاتفاق النووي الإيراني: الاستفزازات البحرية الإيرانية وتحديات السياسة الأمريكية". وأعدت التقرير "مليسا دالتون" Melissa G. Dalton، وهي زميل بارز ومدير برنامج الأمن الدولي بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، واستعرضت خلاله السياسة الأمريكية في المنطقة، والقوى المحركة للسياسة الإيرانية وقدراتها العسكرية، والاستفزازات البحرية التي تقوم بها طهران، وانعكاس ما سبق على المصالح الخليجية والسياسة الأمريكية.

السياسة الأمريكية في المنطقة

بدايةً، توضح "دالتون" طبيعة الوجود العسكري الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط من حيث مرتكزاته وأهدافه، حيث يصل عدد عناصر القوات الأمريكية في المنطقة نحو 35 ألف عنصر، فضلاً عن وجود عدد من الطائرات والمعدات العسكرية. كما ينتشر عدد من القطع البحرية الأمريكية في الإقليم، لضمان حرية الملاحة والمرور الآمن للسفن، وحرية التجارة العالمية عبر الخليج والمحيط الهندي.

وتتمثل أهداف الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وفقاً للباحثة، في النقاط التالية:

1- ضمان سرعة الاستجابة الأمريكية وقدرتها على الردع في حال حدوث أي اعتداء إقليمي أو عدوان مفاجئ.

2- تحقيق الاستقرار الإقليمي ضماناً لاستمرارية إمدادات الاقتصاد العالمي بالطاقة.

3- مكافحة الإرهاب، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

4- إبقاء الولايات المتحدة على التزاماتها مع الدول الحليفة والشريكة.

تأثير القوى المحافظة في إيران

تحلل الكاتبة السياق السياسي الإيراني الذي تم في إطاره التوقيع على الاتفاق النووي مع الغرب، وتشير إلى أنه لم يكن من الممكن أن يقدم الرئيس الإيراني حسن روحاني على هذه الخطوة من دون موافقة رموز التيار المحافظ. وعلى الرغم من بداية سريان الاتفاق، ترى الباحثة أن روحاني سيظل يواجه عدداً من القيود من قِبل مراكز القوى المحافظة، وعلى رأسها الحرس الثوري الإيراني، فيما يتعلق بتنفيذ الاتفاق النووي. وتُرجع ذلك للأسباب التالية:

1- امتلاك القوى المحافظة الإيرانية العديد من عناصر الضغط، حيث تستحوذ على مجموعة من المقومات الدفاعية، ومقومات السياسة الخارجية للدولة. ومن ثم، تمتلك القدرة على وقف تنفيذ الاتفاق النووي متى أرادت ذلك، من منطلق التصدي لأي تهديد لمصالحها الاقتصادية والسياسية.

2- لدى التيارات المحافظة سلاح شديد الخطورة، وهو "الاستفزازات البحرية"، فقوات الحرس الثوري الإيراني لديها القدرة على القيام بمثل هذه الاستفزازات في مواجهة الغير، ما قد يؤدي إلى إثارة المواجهات العنيفة بين إيران من ناحية والولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي من ناحية أخرى. إذ تتعمد قوات الحرس الثوري القيام بهذه الاستفزازات في مواجهة سفن الشحن وسفن البحرية الأمريكية وغيرها في أوقات محددة. ويتعامل الجانب الإيراني مع تلك الاستفزازات البحرية وكأنها "أداة" لإكساب طهران قدراً من القوة والنفوذ.

القدرات العسكرية الإيرانية والحرب غير المتماثلة

توضح "دالتون" أن إيران في مواجهة الغير، لا تعتمد على تكتيكات الحرب التقليدية، بل على أساليب الحرب غير المتماثلة، نتيجة لمحدودية قدراتها العسكرية التقليدية مقارنةً بالقوات الأمريكية. وتتسم هذه الأساليب غير المتماثلة بغياب المركزية، ومن ثم صعوبة التنبؤ بتحركاتها، ما يمثل تحدياً كبيراً للولايات المتحدة. وتشير الباحثة إلى أن الجانب الإيراني يتبع استراتيجية بحرية غير متماثلة ترنو للسيطرة على مضيق هرمز، وتتمثل هذه الاستراتيجية في ملء المضيق بأعداد من الزوارق الصغيرة مع استعمال أعداد كبيرة من الصواريخ المحمولة المضادة للسفن، بالتوازي مع ابتكارها عدداً من أنظمة الدفاع الصاروخي الساحلي.

ومن وجهة نظر الكاتبة، فإن اعتماد طهران على أساليب الحرب غير المتماثلة مرده أن قدراتها العسكرية التقليدية تواجه العديد من الإشكاليات، ومنها عدم الاهتمام بتحديث وإصلاح القوات الإيرانية البحرية؛ فهي تمتلك نحو 200 سفينة تعود إلى عهد الشاه الإيراني، علاوة على عدم جاهزية القوات التقليدية للعمليات التي تتطلب تحركاً سريعاً.

وعلى العكس من ذلك، تشير الباحثة إلى أن قوات الحرس الثوري الإيراني تتمتع بالعديد من عناصر القوة، فهي تتبنى أساليب الحرب غير المتماثلة، وتكتيكات أخرى متعددة، ما يصعب التنبؤ بتحركاتها. وفي هذا الإطار، كثيراً ما تقوم تلك القوات بفرض عدد من القيود على السفن المارة في الخليج، وممارسة مجموعة من الاستفزازات.

غير أن الكاتبة ترى أن قوات الحرس الثوري ليس بمقدورها إغلاق الخليج لفترة طويلة، بل أقصى ما يمكنها فعله هو تقييد حركة المرور وعمليات الشحن في الخليج لفترة تمتد من 5 إلى 10 أيام. وفي حقيقة الأمر، فإن تكتيكات الكر والفر التي يتبعها الحرس الثوري الإيراني تعقد الأمور، ما يجعلها قادرة على مهاجمة سفن الشحن أو الإغارة على المنشآت النفطية بسرعة كبيرة ومن دون سابق إنذار. وتفسر "دالتون" قدرات قوات الحرس الثوري المتنامية بأن العقوبات التي تم فرضها على إيران طوال العقود الماضية، أجبرت الجانب الإيراني على السعي نحو تطوير منظومة الدفاع المحلي.

الاستفزازات البحرية الإيرانية

يذكر التقرير أمثلة على الاستفزازات البحرية التي مارستها إيران، خلال السنوات الماضية، في مواجهة الدول الغربية ودول الخليج العربية، ومنها ما يلي:

1- في أبريل 2015، اعترضت قوات الحرس الثوري الإيراني إحدى السفن التجارية في طريقها من المملكة العربية السعودية إلى الإمارات العربية المتحدة، وذلك بالقرب من ميناء بندر عباس الإيراني.

2- أطلق الجانب الإيراني صاروخين، في عام 2015، خلال مناورة بالذخيرة الحية في مضيق هرمز. وقد نجت المدمرة الأمريكية "هاري ترومان" وفرقاطة فرنسية بأعجوبة من الصواريخ أثناء رسوهما في الخليج.

ووفقاً للباحثة، تسعى إيران إلى تحقيق مجموعة من الأهداف عبر ممارسة مثل هذه الاستفزازات البحرية، وهي كالتالي:

1- إثبات إيران قدرتها على استعمال الاعتداءات والهجمات البحرية كوسيلة لإرسال رسائل دبلوماسية بشأن عدد من القضايا.

2- تعزيز مكانة إيران على الصعيد الدولي عبر تذكير الجماعة الدولية بامتلاكها القدرة على الإضرار بعمليات الشحن والتجارة التي تمر بمضيق هرمز.

3- من الممكن رؤية هذه الاستفزازات كوسيلة انتقامية تقوم بها السلطات الإيرانية، رداً على التحركات الأمريكية الرامية لمنع طهران من شحن أسلحة إلى اليمن.

4- قد ينظر لهذه الاستفزازات كوسيلة ضغط على الجانب السعودي، كي يتوقف عن مواجهة ميليشيا الحوثيين في اليمن.

التحديات الأمريكية

في ظل إبرام الاتفاق النووي الإيراني، وأخذاً في الاعتبار أسلوب عمل السياسة الخارجية الإيرانية، تشير الكاتبة إلى مجموعة من التحديات التي تواجه الولايات المتحدة، وهي كالتالي:

1- توجس شركاء الولايات المتحدة الخليجيين حيال النوايا الإيرانية، كما يتشككون في قدرة واشنطن على التصدي للتهديدات الأمنية لمنطقة الخليج، خاصةً في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي. إذ يرى عدد من الدول الخليجية أن قيام الولايات المتحدة بتوقيع الاتفاق النووي مع الجانب الإيراني يعد بمنزلة "خيانة" لعقود من الشراكة الخليجية - الأمريكية، وتحديداً في ظل ما يُثار عن تحول اهتمام الولايات المتحدة نحو آسيا بعيداً عن الشرق الأوسط.

2- تشكك الجانب الإيراني، خاصةً الحرس الثوري، في مقترحات ومساعي الولايات المتحدة لبناء الثقة في المنطقة، على اعتبار أنها ليست سوى تحركات للحد من القدرات الإيرانية في الخليج.

3- نتيجة للتقارب بين الجانبين الأمريكي والإيراني، والقلق الخليجي، بدأت دول مجلس التعاون في التحرك بصورة تتسم بقدر كبير من الاستقلالية في التعامل مع مخاوفها الأمنية. وقد بدا ذلك واضحاً في التحركات العربية بقيادة المملكة العربية السعودية للتصدي لانقلاب الحوثيين في اليمن. وتفرض مثل هذه التحركات تحدياً جديداً بالنسبة للولايات المتحدة، لكونها تنتقص من تحكم واشنطن في قرارات المنطقة.

4- في حالة تنامي القدرات البحرية الإيرانية واستمرار استفزازاتها في هذا المجال، من المنتظر أن يتحرك الشركاء الخليجيون بصورة مستقلة عن الولايات المتحدة للرد على هذه الاستفزازات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد الأوضاع بصورة كبيرة ربما تنتهي بنشوب صراع كبير في المنطقة تُزج فيه واشنطن.

5- التكتيكات غير المتماثلة التي تنتهجها طهران تكفل لها القدرة على تعزيز مكاسبها في مناورة السفن الأمريكية، وكسب قدر كبير من حرية الحركة في الخليج.

ختاماً، يؤكد التقرير أن التحركات غير المتوقعة للحرس الثوري الإيراني وما يمارسه من استفزازات، تتطلب تحركاً سريعاً من جانب الولايات المتحدة، وتبني نهج متعدد الأوجه حيال إيران، وطمأنة الشركاء في منطقة الخليج، على أن يستند هذا النهج إلى الآتي:

1- الحرص على تعزيز الاتصالات مع الحرس الثوري الإيراني، والسعي إلى توضيح مخاطر الاستفزازات الإيرانية لمتخذي القرار في طهران، على أن يتم إشراك دول خليجية في ذلك، سعياً لبناء الثقة والمصداقية معها.

2- على الولايات المتحدة أن تسعى إلى ردع الأنشطة والتحركات الإيرانية غير المتماثلة، وتغلغلها في عدد من المناطق المضطربة إقليمياً مثل كسوريا والعراق، على أن يتم تعزيز القدرة على ردع الأنشطة الإيرانية من خلال:

• اللجوء إلى شبكة واسعة من حلفاء وشركاء الولايات المتحدة، وأن يسعى الجانب الأمريكي للتنسيق مع عدد من القوى الدولية الأخرى مثل قوات البحرية الفرنسية والبريطانية، والقيام بتدريبات متعددة الأطراف للوقوف على القدرات الحقيقية والفعلية للولايات المتحدة والدول الشريكة.

• أن تسعى الولايات المتحدة إلى تنويع قدراتها البحرية مع الشركاء الإقليميين، وأن يشمل ذلك سفناً قتالية ساحلية وزوارق صاروخية، لمواجهة الهجمات المفاجئة للحرس الثوري الإيراني في منطقة الخليج.

• على الولايات المتحدة أن تقدم دعماً فورياً في حالة تعرض إحدى السفن التجارية التابعة لدولة حليفة لأي استفزازات أو تجاوزات من جانب قوات الحرس الثوري الإيراني.

وتؤكد الكاتبة أن من شأن هذا النهج متعدد الجوانب أن يساعد الولايات المتحدة على ردع الاعتداءات الإيرانية في الخليج، والحد من مخاطر سوء التقدير المرتبط بالتحركات غير المتوقعة من جانب الحرس الثوري الإيراني.


* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "الإبحار في مياه الخليج بعد الاتفاق النووي الإيراني: الاستفزازات البحرية الإيرانية وتحديات السياسة الأمريكية"، والصادر عن مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS في مايو 2016.

المصدر:

Melissa G. Dalton, Navigating Gulf Waters After the Iran Nuclear Deal: Iran’s Maritime Provocations and Challenges for U.S. Policy, (Washington, Center for Strategic and International Studies, May 2016).