أخبار المركز
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)
  • شريف هريدي يكتب: (مخاطر الانفلات: خيارات إيران للرد على استهداف قنصليتها في دمشق)

أزمات ممتدة:

أوروبا 2019 بين تحدي "البريكست" واهتزاز الشراكة الأمريكية

13 ديسمبر، 2018


عرض: باسم راشد – باحث متخصص في العلاقات الدولية

يُواجه الاتحاد الأوروبي في العام القادم (2019) تحديات عديدة، منها اقتراب الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد في نهاية مارس القادم، وعدم اليقين بشأن الوضع الاقتصادي لإيطاليا، وكذلك انتخابات البرلمان الأوروبي القادمة في مايو. علاوة على ذلك، يزيد من تعقيد المشهد الأوروبي استمرار بعض التحديات الأخرى، مثل: استمرار انتشار النزعة الشعبوية، وتجزئة التعاون الأوروبي، وتغير المشهد الأمني في ظل العلاقات المضطربة مع الإدارة الأمريكية بقيادة "دونالد ترامب".

في هذا الصدد، عقدت مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي في نوفمبر 2018، ورشة عمل حول أبرز التحديات التي تواجه الاتحاد الأوروبي في عام 2019، شارك فيها عدد من الخبراء، وهم: "كارين دونفريد" (رئيسة صندوق مارشال الألماني للولايات المتحدة)، و"بيير فيمونت" (كبير زملاء في جامعة كارنيجي في أوروبا)، و"جوناتان باسيفوف" (سفير إستونيا في الولايات المتحدة منذ أغسطس 2018)، وأخيرًا "فيدريجا بيندي" (باحثة غير مقيمة في برنامج أوروبا بمؤسسة كارنيجي). وأدار الورشة "إريك براتبرج" (مدير برنامج أوروبا وزميل في كارنيجي وخبير في السياسة الأوروبية).

تحدي خروج بريطانيا:

أكد "بيير فيمونت" أن تحدي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم ينتهِ بعد، خاصة في ظل صعوبة الحصول على أغلبية في البرلماني البريطاني على الصيغة النهائية لاتفاق الخروج، مشيرًا إلى أنه من الواضح حتى هذه اللحظة أن رئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي" لا تحظى بأغلبية واضحة داخل البرلمان للتصويت على الاتفاق النهائي الذي تم التوصل إليه؛ لأنها في الغالب ستخسر حوالي 20 أو 30 صوتًا من حزب المحافظين، كما لن يُصوِّت لها أعضاء البرلمان في أيرلندا الشمالية. وبرغم أنها ستحظى ببعض التأييد والدعم من حزب العمال، إلا أنه لن يكون كافيًا لتحقيق الأغلبية.

وقد أشار إلى ملاحظة هامة في هذا الإطار وهي حالة الضيق التي سادت كلًّا من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا جرَّاء امتداد أجل المفاوضات؛ فقادة الاتحاد أعطوا تفويضًا كاملًا لـ"ميشيل بارنييه"، كبير مفاوضي الاتحاد الأوروبي، بضرورة إنهاء موضوع البريكست بشكل حاسم، لأن هناك أمورًا أخرى في أوروبا ينبغي توجيه الاهتمام إليها. وفي بريطانيا تجد نفس الحالة بسبب امتداد موضوع البريكست حتى الآن دون اتخاذ خطوات فعلية ملموسة تحقق ذلك الانفصال نهائيًّا.

لذا، يؤكد "فيمونت" أنه نتيجة لذلك، قد تحظى "ماي" بالموافقة داخل البرلمان البريطاني على تمرير الاتفاق، وإذا لم يحدث ذلك فسيكون من الصعوبة العودة إلى طاولة المفاوضات مرة أخرى، خاصة أن الداعمين لخروج بريطانيا يريدون خروجًا نهائيًّا وسيطرة كاملة على مواردهم وحلًّا نهائيًّا لأزمة الحدود مع أيرلندا الشمالية، ولن ترضيهم الحلول الوسطى.

أما بالنسبة لإمكانية إجراء استفتاء ثانٍ على الخروج في حال عدم الحصول على الأغلبية، فقد أكد "فيمونت" أنه بديل غير مرجح في الغالب، لأنه يتطلب الحصول على مشروع قانون في مجلس العموم، وهو ما سيُقابل أيضًا بمعارضة كبيرة، مشيرًا إلى أن الفترة القادمة قد تشهد مراجعة لقرار الخروج نفسه في الداخل البريطاني بما يدعم إمكانية بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي.

وفيما يتعلق بإمكانية توسع الدور الألماني بعد خروج بريطانيا من الاتحاد، خاصة في ظل التقارب الفرنسي الألماني في الوقت الحالي، فقد أشارت "كارين دونفريد" إلى أن المستشارة الألمانية السابقة "أنجيلا ميركل" برغم حزنها بسبب البريكست، إلا أنها أبدت ارتياحًا لأن الأمر شبه انتهى، مؤكدة أن العلاقات الفرنسية الألمانية ضعفت بسبب ضعف "إيمانويل ماكرون" و"ميركل" حاليًّا، خاصة في ظل عجزهما عن تقديم حلول للأزمات التي تواجه أوروبا غير البريكست مثل الهجرة واللاجئين وغيرها.

وحول احتمالية تراجع دور المملكة المتحدة الخارجي بعد خروجها من الاتحاد، فقد أكد "جوناتان باسيفوف" (سفير إستونيا في واشنطن) أن بريطانيا ستظل دولة أوروبية، وستظل تلعب دورًا محوريًّا في الأمن الأوروبي حتى بعد خروجها من الاتحاد، مشيرًا إلى أن عملية اتخاذ القرار والتصويت داخل الاتحاد ترتبط بالموضوع وليس بطبيعة علاقات الدول ببعضها، مؤكدًا أنه ليس من شك في أن الاتحاد الأوروبي سيخسر دولة كبيرة مثل بريطانيا لكن في النهاية الاتحاد سيبقى.

وضع اقتصادي إيطاليا:

أشارت "فيدريجا بيندي" إلى أن الأزمة الإيطالية تعبر عن خليط من الأخطاء الحكومية الإيطالية المتكررة وحالة عدم الثقة بين روما وأوروبا بشكل عام؛ فقد بدأت الأزمة الاقتصادية نتيجة عدم القدرة على السيطرة على سوق العملة في ظل التحول نحو استخدام اليورو بدلًا من الليرة، وذلك بالتزامن مع الأزمة المالية في عام 2008، وتزايد معدلات الهجرة إلى إيطاليا، مما أدى إلى أوضاع كارثية للاقتصاد الإيطالي. 

وتحدث "بيندي" عن إخفاقات الحكومات الإيطالية المتعاقبة في التعامل مع الأزمات التي تواجه اقتصاد الدولة، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء السابق "ماريو مونتي" الذي يُفترض أنه عبقري في حل الأزمات، كلّ ما فعله كان رفع الضرائب مما أدى إلى مزيدٍ من الركود. ثم جاءت حكومة "ماتيو رينزي"، وهو متحدث جيد، وتوقع الجميع وقتها أنه سيغير روما تمامًا وينقذها من الركود، لكن في النهاية غلبه "غروره الشخصي"، مما أدى إلى الوضع الحالي المتأزم بين إيطاليا والمفوضية الأوروبية، خاصةً في ظل وجود ائتلاف شعبوي متطرف في الحكم في روما يتمسك برؤيته فقط ولا يقبل تعديلات المفوضية الأوروبية.

وحول رؤيتها لكيفية تعامل إيطاليا مع الاتحاد الأوروبي في ظل استمرار أزمة الموازنة وتمسك الائتلاف الشعبوي في إيطاليا برؤيته، أبدت "بيندي" تخوفها من أن تخضع المفوضية للرأي الإيطالي، مشيرة إلى أنها معادلة مربحة للجانب الإيطالي على المدى القصير، لكنها ستكون خاسرة للجانبين، سواء الحكومة الإيطالية أو المفوضية على المدى البعيد، وأن الضرر سيكون كارثيًّا بالنسبة لروما بالكامل.

انتخابات البرلمان الأوروبي:

أشارت "بيير فيمونت" إلى أن انتخابات البرلمان الأوروبي دومًا لم تكن محل اهتمام الرأي العام الأوروبي، مستدلًا على ذلك بأنه خلال السنوات العشرين الأخيرة كان معدل المشاركة في تلك الانتخابات ينخفض بشكل تدريجي. بيد أنه أكد أن الانتخابات القادمة قد تكون هامة لأنها ستشهد مواجهة بين المعسكر الشعبوي وبين المعسكر التقدمي من الأحزاب المختلفة، وهو ما قد يجذب اهتمام الناخب الأوروبي.

أما بالنسبة لنتائجها المتوقعة، فقد أكد "فيمونت" أن تلك المنافسة ستفرز بالضرورة برلمانًا أوروبيًّا مجزأ أكثر مما مضى كانعكاس لشكل البرلمان في معظم الدول الأوروبية. فمن المتوقع أن تظل السيطرة في يد ائتلافات يمين الوسط، كذلك قد تخسر الأحزاب الاشتراكية بعض المقاعد لكنها تظل جماعة سياسية هامة. أما ما قد يثير الانتباه في الانتخابات القادمة فهو الأحزاب الليبرالية من ناحية واليمين المتطرف من ناحية أخرى. 

فالحزب الليبرالي هو ثالث أكبر حزب حاليًّا في البرلمان الأوروبي، لكن بمساعدة "ماكرون" وحزبه السياسي قد يقوِّي من دوره الليبراليين وتأثيرهم في البرلمان الأوروبي. أما اليمين المتطرف فأنصاره حاليًّا منقسمون داخل البرلمان الأوروبي، وليس من المرجّح أن يتحدوا مستقبلًا نظرًا لوجود اختلافات كبيرة بينهم.

من ناحية أخرى، أكد "فيمونت" أنه بالطبع سيتم تكوين ائتلاف في البرلمان الأوروبي بين يمين الوسط والاشتراكيين، والذي كان دائمًا ما يحدث في السنوات السابقة، لكن في العام القادم فإنه غالبًا لن تكون تلك الأحزاب قوية لدرجة تحقيق الأغلبية في البرلمان الأوروبي، ومن ثم ستحتاج إلى الدعم سواء من الليبراليين أو أحزاب الخضر أو حتى ربما اليمين الشعبوي، وهو ما سيكون له تأثير واضح على تشكيل المفوضية الأوروبية. 

كما أشار إلى أنه من الصعب التكهن بمن سيشغل منصب رئيس المفوضية الأوروبية في ظل هذا المشهد المضطرب، مؤكدًا أنه يأمل في أن يكون واحدٌ من الليبراليين رئيسًا للمفوضية.

نهج الإدارة الأمريكية: 

أكدت "كارين دونفريد" أن الإدارة الأمريكية الحالية تتبع نهجًا غير تقليدي في التعامل مع الاتحاد الأوروبي؛ إذ يبدو أن إدارة "دونالد ترامب" تسعى إلى تفكيك الاتحاد وليس دعمه على عكس جميع الإدارات الأمريكية السابقة منذ عهد الرئيس "هاري ترومان".

واستدلت "دونفريد" على ذلك من خلال أمرين؛ أولهما تصريح الرئيس "ترامب" بأن "الاتحاد الأوروبي تم تأسيسه بهدف الاستفادة من الأمريكيين ولسرقة البنوك الأمريكية"، الأمر الذي اعترضت عليه القوى الأوروبية التي أكدت أن الولايات المتحدة هي الأخرى استفادت من الاتحاد الأوروبي على مختلف المستويات الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية.

الأمر الثاني يتعلق بدعم الإدارة الأمريكية الحالية للتيار القومي الشعبوي في أوروبا قبل انتخابات البرلمان الأوروبي؛ حتى إن "ستيف بانون" (المستشار السابق للرئيس ترامب) لديه مكتب حاليًّا في بروكسل لدعم تشكيل تحالف من الشعبويين في الانتخابات القادمة في مايو.

أما بالنسبة لتداعيات ذلك الأمر على أوروبا؛ فقد أكدت "دونفريد" أنه يؤدي إلى مزيدٍ من الانقسام في الداخل الأوروبي، ويظهر ذلك في الاستجابات المتباينة للحلفاء الأوروبيين تجاه إدارة "ترامب"؛ إذ إن هناك عدة اتجاهات داخل أوروبا في الوقت الحالي: 

الاتجاه الأول يدعم فكرة الاستقلال الاستراتيجي عن الولايات المتحدة وضرورة تعزيز التعاون والاندماج الأوروبي على مختلف المستويات خصوصًا العسكرية لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، ويظهر ذلك الاتجاه بشكل أكبر في فرنسا وألمانيا.

أما الاتجاه الثاني فيشير إلى أن "ترامب" ليس سوى مجرد رئيس أمريكي واحد، وحينما تنتهي ولايته سيأتي رئيس غيره، وستعود العلاقات إلى طبيعتها مع أوروبا، وبالتالي لا يجب تغيير الاستراتيجية الأمنية الأوروبية بالكامل بسبب رئيس واحد فقط.

فيما يظهر الاتجاه الثالث بشكل أكثر وضوحًا في بولندا؛ إذ يدعم التعاون مع "ترامب" بشكل كامل تخوفًا من روسيا، إذ أكد الرئيس البولندي أنه لا يعتقد أن فرنسا وألمانيا ستكونان قادرتين على الدفاع عن بولندا في مواجهة موسكو بدون دعم من واشنطن، حتى إنه جدَّد عرضه للرئيس الأمريكي بأنه سيقدم 2 بليون دولار لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية في بلاده إذا أراد "ترامب" ذلك.

في هذا السياق، أكد "جوناتان باسيفوف" أن الأمن الأوروبي يعتمد على الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أنه ليس من المرجح تأسيس جيش أوروبي موحد مستقبلًا، لكن معدلات الإنفاق الدفاعي في الاتحاد الأوروبي في تزايد مستمر، وهو ما يُعد مؤشرًا إيجابيًّا على تطور النظرة الأوروبية تجاه مسائل الدفاع والأمن.

المصدر: 

Europe 2019, Carnegie Endowment for International Peace, November 27, 2018.