تُولي دولة الإمارات العربية المتحدة أهمية متزايدة لتوفير الموارد المائية من خلال تشجيع البحث والابتكار في التقنيات الجديدة، خاصةً أن الإمارات تُصنف بين الدول العشر الأكثر جفافاً على مستوى العالم؛ إذ يبلغ معدل هطول الأمطار السنوي نحو 78 ملم فقط، فضلاً عن أن كمية كبيرة من هذه الأمطار يتم فقدانها بسبب التبخر نتيجة الحرارة الشديدة.
وتعد الإمارات واحدة من أكبر الدول في نصيب الفرد من استهلاك المياه، حيث يتجاوز معدل استهلاك الفرد اليومي من المياه في الإمارات 500 لتر مكعب، وهو أعلى من المعدل العالمي الذي لا يتجاوز 200 لتر يومياً.
وقد اتبعت دولة الإمارات حلولاً كثيرة لتوفير المياه، منها المياه المحلاة وهي ذات تكلفة مرتفعة؛ حيث تنتج الإمارات 14% من المياه المحلاة في العالم، وهي بذلك تعد ثاني أكبر منتج للمياه المحلاة بعد المملكة العربية السعودية. كما يتم الاعتماد أيضاً بشكل كبير على المياه الجوفية، بالتوازي مع توعية الأفراد؛ حيث أطلقت دولة الإمارات العديد من البرامج التي تحث الأفراد على حُسن استخدام المياه.
وفي إطار البحث عن حلول غير تقليدية لزيادة الموارد المائية، وبأقل تكلفة ممكنة، اتجهت دولة الإمارات نحو استخدام التكنولوجيا الحديثة في هذا المجال، وذلك من خلال الاستثمار في عملية "الاستمطار".
عملية الاستمطار في العالم
تتم عملية الاستمطار من خلال اختراق طائرات صغيرة السحب، وإطلاق عشرات المشاعل المحملة بجزيئات صغيرة جداً من كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم لتلقيح السحب، بهدف زيادة كميات المياه داخل السحب، وليس لإنشاء أو تكوين السحب.
وتشير الأبحاث والدراسات إلى أن أفضل وقت لاستمطار السحب يكون خلال فصل الصيف، نظراً لامتداد السحب الرأسي في الغلاف الجوي بسبب تيارات الحمل الصاعدة.
وثمة بعض التحديات التي قد تحول دون التطبيق الأمثل لتقنيات الاستمطار، وتكمن في جمع وتحليل البيانات الخاصة بتشكل الغيوم، واختيار وتطبيق المواد الخاصة بتلقيح السحب، وعملية تحديد وتعقب الغيوم المناسبة للتلقيح.
وقد بدأ الاهتمام العلمي بعلوم الاستمطار في أربعينيات القرن الماضي على يد العالم الأمريكي "فنست شايفر"، الذي نجح عام 1946 في تعديل السحب من خلال الثلج الجاف فوق جبال بيركشاير في ولاية ماساتشوستس الأمريكية. ولجأت الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة إلى تقنيات الاستمطار وتلقيح السحب لزيادة هطول الأمطار في المناطق التي تعاني الجفاف.
كما تعتبر الصين من أكثر دول العالم اهتماماً بهذا المجال لتلبية حاجتها المتزايدة من المياه، وقد استخدمت تكنولوجيا الاستمطار أثناء التجهيز لأولمبياد 2008 في بكين، حيث استعدت حينها الصين لمواجهة الأمطار التي كان من المحتمل سقوطها في حفل الافتتاح من خلال إطلاق صواريخ تحتوي على مادة اليودور على السحب الكثيفة التي كان من المتوقع أن تتسبب في هطول أمطار على مكان الاحتفال، في محاولة لإسقاطها قبل وصولها، وذلك من خلال 21 محطة إطلاق حول المدينة، واستخدام طائرات تقوم برش مواد كيمائية محفزة لإنزال المطر من السحب.
وبدورها أيضاً، قامت الهند بتطبيق عمليات الاستمطار خلال الأعوام الأخيرة، بهدف تعزيز هطول الأمطار في ولايات أندرا برديش وماهاراشترا.
بداية اهتمام الإمارات بالاستمطار
يرجع اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بأبحاث الطقس وفيزياء السحب ودراسة حركة الرياح بصورة علمية ومنهجية، إلى تسعينيات القرن الماضي، حيث تعاونت الإمارات مع وكالة الفضاء الأمريكية "ناسا" وبعض الشركات الخاصة الأمريكية، لمحاولة زيادة معدل هطول الأمطار في البلاد وزيادة مخزون المياه الجوفية.
وقد واجه الباحثون بعض التحديات في هذه الفترة، منها كمية الأتربة والملوثات الموجودة في السحب من صناعة البترول والتي تعوق عملية التحفيز، لكن عمليات البحث والتطوير استمرت ولم تتوقف، وبدأت في تحقيق نجاحات تدريجية.
ومن بين العوامل التي شجعت دولة الإمارات على الاستمرار في تطوير علمية "الاستمطار"، هو أن تكلفتها أقل من الخيارات الأخرى المتاحة، مثل تحلية المياه، كما أن "الاستمطار" لا يؤثر في المناخ على المدى الطويل، حيث لا تستخدم دولة الإمارات أي مواد كيماوية ضارة في هذه العمليات، إذ تعتمد على الأملاح الطبيعية، مثل كلوريد البوتاسيوم وكلوريد الصوديوم.
الجهود الإماراتية لتطوير الاستمطار
في إطار الجهود لإجراء وتطوير عمليات تلقيح وتحفيز السحاب في دولة الإمارات العربية المتحدة، تم إنشاء بنية تحتية تتكون من حوالي 74 محطة رصد أرضية موزعة في أنحاء متفرقة من الإمارات، لرصد درجة الحرارة الجافة ودرجة الندى والضغط الجوي وسرعة الرياح واتجاهها، وشدة الإشعاع الشمسي، بالإضافة إلى مقاييس لكميات الأمطار، كما تضم البنية التحتية شبكة رادارات جوية ثابتة وأخرى متحركة تقوم بمراقبة السحب الممطرة والتي تستخدم في توجيه طائرة الاستمطار لوضعها في المكان المناسب داخل السحاب.
وخلال العام الماضي، نفذت الطائرات الست التابعة للمركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل نحو 186 طلعة جوية لتلقيح السحب والاستمطار الاصطناعي، فيما تم القيام بـ24 طلعة جوية وتلقيح اصطناعي للسحب منذ بداية العام الجاري وحتى فبراير الماضي، ونجحت عمليات التلقيح بنسبة 100%، بحسب تأكيدات خبير الاستمطار الاصطناعي والأرصاد الجوية في المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل، سفيان فراح.
كما اهتمت دولة الإمارات بالبحث عن سبل لجمع مياه الاستمطار التي تهطل على الأرض، بدلاً من أن تتبخر بسرعة أو تنجرف إلى البحر. وفي هذا الصدد، شيَّدت الإمارات سدوداً لتخزين المياه التي تتدفق في الوديان بعد سقوط الأمطار، كما تسعى الدولة إلى امتلاك مزيد من هذه السدود، حيث لديها حالياً نحو 130 سداً بقدرة استيعابية تُقدر بحوالي 120 مليون متر مكعب.
وخلال العام الماضي، أطلقت وزارة شؤون الرئاسة مبادرة طموحة لتشجيع الاستثمار والبحث العلمي في علوم الاستمطار، وذلك من خلال تدشين برنامج "الإمارات لبحوث علوم الاستمطار" الذي يشرف عليه "المركز الوطني للأرصاد الجوية والزلازل". ويسعى هذا البرنامج إلى المساهمة في تطوير علم الاستمطار من خلال تحسين مستوى الابتكار في التقنيات والتكنولوجيا المستخدمة فيه، ودراسة حركة واتجاه الرياح، من أجل زيادة كمية تساقط الأمطار خاصةً على المناطق الجافة وشبه الجافة.
ولتشجيع الاستثمار في هذا المجال، قدم "برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار" في دورته الأولى ثلاث منح تُقدر قيمتها الإجمالية بخمسة ملايين دولار أمريكي، فازت بها فرق بحثية من اليابان والإمارات وألمانيا، حيث ركزت دراساتها على عمليات تحسين هطول الأمطار في المناطق الجافة وشبه الجافة من خلال أنظمة رصد خاصة بالتعرف على السحب المناسبة لعمليات التحفيز الصناعي، وتطوير استخدام تكنولوجيا النانو في عملية التحفيز الصناعي لتسريع عملية تكثيف المياه وزيادة كمية هطول الأمطار، بالإضافة إلى دراسة خصائص الرياح التي يمكن أن تؤثر على السحب وتساقط الأمطار.
مُجمل القول، باتت دراسات وأبحاث "الاستمطار" ضرورية في ظل التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بفعل ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، وفي ظل نقص موارد المياه، مع الزيادة السكانية المرتفعة. وبالتالي أصبح من المهم الاستثمار في علوم الاستمطار لزيادة فرص الحصول على المياه، مع ضرورة تطوير التكنولوجيا المستخدمة لكي تكون أرخص من حيث التكلفة، وأقدر على تحقيق نسب استمطار عالية.
وتلعب دولة الإمارات في السنوات الأخيرة دوراً قيادياً عبر التطوير والابتكار في مجال الاستمطار، بما جعلها الأولى خليجياً في علوم الاستمطار، حيث تعمل جاهدةً على تشجيع المجتمع العلمي على البحث في هذا المجال، وتوفير الحلول العملية للتصدي لتحديات الأمن المائي، وبما يؤدي إلى زيادة المياه المتوفرة.