أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

متغيرات حاكمة :

هل يستعيد الإنتاج الليبي عافيته قبل نهاية العام؟

28 سبتمبر، 2020


بدأ الإنتاج الليبي في التدفق مجدداً للأسواق الدولية بعدما توصلت الأطراف السياسية في البلاد، في 18 سبتمبر الجاري، إلى اتفاق لإعادة استئناف الإنتاج من بعض الحقول النفطية في غرب وجنوب البلاد. وكان الإنتاج الليبي انخفض بشدة طيلة الثمانية أشهر الماضية مع غلق المنشآت على خلفية اتساع هوة الانقسام السياسي القائم مع تصاعد التدخل التركي على الساحة السياسية الداخلية. ومن المرجح أن يتعافى الإنتاج الليبي تدريجياً في ضوء الاتفاق المبرم مؤخراً، غير أن ضمان استقرار الإنتاج سيظل مشروطاً بتحقيق التوزيع العادل لعائدات الصادرات. 

خطوة جديدة:

أعطى اتفاق النفط المبرم بين الأطراف السياسية في ليبيا، في 18 سبتمبر الجاري، أملاً في انتعاش صناعة النفط الليبية مرة أخرى، والذي يقضي بإعادة افتتاح المنشآت النفطية، التي أغلقت في الثمانية أشهر الماضية، بشرط التوزيع العادل لعائدات صادرات النفط بين حكومتي شرق وغرب البلاد.

وقد أبرم الجيش الوطني الليبي وحكومة الوفاق الوطني، ويمثلها نائب رئيس الوزراء أحمد معيتيق، اتفاقاً ينص على تشكيل لجنة فنية مشتركة تضم أعضاءً من كلا الجانبين، تعمل على توزيع عادل للعائدات النفطية، والحيلولة دون استخدامها في تمويل الإرهاب.

ومن دون شك، يمثل الاتفاق دعامة رئيسية لصناعة النفط في البلاد التي واجهت خسائر واسعة مع إغلاق المنشآت النفطية، بما في ذلك الحقول الرئيسية وموانئ النفط، طيلة الثمانية أشهر الماضية. ووفق المؤسسة الوطنية للنفط، فقد فقدت ليبيا عائدات صادرات نفط تقدر بنحو 10 مليار دولار منذ بداية العام وحتى الآن.

ومما يوضح حجم هذه الخسائر أن الإنتاج الليبي من النفط الخام انخفض إلى قرابة 100 ألف برمل يومياً مقارنة بنحو 1.2 مليون برميل يومياً بنهاية العام الماضي. وعلاوة على ما سبق، فقد أدى توقف الحقول والموانئ وباقي المنشآت إلى تراكم مشكلات فنية عديدة تتمثل في تآكل البنية التحتية لخطوط الأنابيب، وانخفاض معدلات ضغط الضخ من الحقول الرئيسية.

تحول مرحلي:

تستعد المؤسسة الوطنية للنفط لمضاعفة إنتاجها النفطي ثلاث مرات تقريباً إلى 260 ألف برميل يومياً بحلول نهاية سبتمبر الجاري، وستعمل المؤسسة على تحقيق هذا الهدف من خلال تشغيل بعض الحقول المتوقفة عن العمل في الشهور الماضية ولاسيما بغرب البلاد فيما تعتبره "منشآت آمنة" على حد تقديرها.

وعلى هذا النحو، رفعت المؤسسة، في 19 سبتمبر الجاري، حالة القوة القاهرة عن بعض حقول النفط ومحطات التصدير في غرب البلاد لكى تتمكن من استعادة الإنتاج، حيث ستبدأ شركة الخليج العربي خلال الأيام المقبلة في تشغيل حقول سرير، ومسلة، والبيضاء، ونافورة، وحمادة، والتي يمكن أن يصل إنتاجها معاً إلى 300 ألف برميل يومياً. كما أعادت شركة "سرت للنفط" تشغيل حقل زلطن البالغ طاقته الإنتاجية 30 ألف برميل يومياً.


وبالتوازي مع السابق، تحاول المؤسسة الوطنية للنفط سريعاً إعادة تأهيل الحقول والموانئ التي لحقت بها بعض الأضرار نتيجة الإغلاق في الأشهر الماضية، فضلاً عن تصريف المخزونات المتراكمة من الخام بالصهاريج من خلال تصديره للخارج. 

ووفق بعض التقديرات، تحتوي صهاريج التخزين الليبية على ما يتراوح من 15 مليون إلى 20 مليون برميل من الخام والمكثفات، أي ما يعادل إنتاج ما بين 12 إلى 17 يوماً عند مستوى إنتاج قدره 1.2 مليون برميل يومياً.

وتضع مؤسسة النفط أولوية لتصريف المخزن من موانئ مرسى الحريقة والزويتينة ومرسى البريقة، على اعتبار أن الظروف الأمنية تتيح التصدير منها بشكل سريع دون الأخرى. وبالفعل، رست ناقلة مارلين شيكوكو، في الأيام الماضية، على رصيف مرسى الحريقة لتحميل شحنة قدرها مليون برميل ستتجه إلى شرق آسيا.

ومن دون شك، فإن عودة حقل الشرارة في جنوب غرب البلاد، والذي يرتبط بميناء الزراوية، للعمل يمثل مكسباً كبيراً لصناعة النفط الليبية، حيث يبلغ إنتاجه ما يتخطى 300 ألف برميل يومياً، أي ما يوازي تقريباً ثُلث الإنتاج الليبي. وستسعى مؤسسة النفط، وفق الترجيحات، لاستئناف الإنتاج منه بكميات تقارب 50 ألف برميل يومياً في البداية خلال الفترة المقبلة، بجانب إعادة تشغيل حقل الفيل الذي تبلغ طاقته الإنتاجية نحو 70 ألف برميل يومياً. 

وبناءً على المعطيات السابقة، من المرجح أن بزيد المعروض من النفط الخام الليبي إلى قرابة 450 ألف برميل يومياً بحلول ديسمبر القادم من 106 ألف برميل يومياً في أغسطس الماضي، بما في ذلك 300 ألف برميل في اليوم من الحقول البرية الغربية، وذلك ما يساوي تقريباً ثُلث إنتاجها قبل إغلاق المنشآت في يناير الماضي.

عوامل التعافي:

تتوقف قدرة ليبيا على استعادة إنتاج النفط إلى مستويات ما قبل الإغلاق على العديد من العوامل وفي صدارتها تقليص عسكرة المنشآت النفطية، حيث تشترط المؤسسة اللبية للنفط لإعادة تشغيل باقي المنشآت النفطية انسحاب الميليشيات المسلحة أو القوات العسكرية الأجنبية على حد قولها، وهو أمر قد يستغرق وقتاً طويلاً لإحراز تقدم بشأنه لاسيما في ظل ضعف الثقة بين مختلف الأطراف السياسية في البلاد.

وبالإضافة للسابق، يبقى إرساء نظام مالي يضمن التوزيع العادل لعائدات الصادرات وعدم وصولها للميليشيات المسلحة أحد العوامل الرئيسية لاستقرار الإنتاج في الفترة الماضية. ودون الالتزام بهذا العامل، سيكون الإنتاج الليبي من النفط على المحك مجدداً. 

وأخيراً، تحتاج منشآت النفط الليبية إلى إجراء عمليات إعادة تأهيل وصيانة عاجلة، حيث تضرر بعضها بشدة مع طول الإغلاق بالإضافة إلى نقص الاستثمارات اللازمة للصيانة في السنوات الأخيرة. فعلى الرغم من إمكانية إعادة تشغيل بعض الحقول في غرب وجنوب البلاد، غير أن الإنتاج سيكون بطيئاً في البداية بسبب المشكلات الفنية المتعلقة بانخفاض ضغط الضخ بجانب تآكل خطوط الأنابيب والصهاريج وغيرها. 

وفي الأشهرالاخيرة، حذرت المؤسسة الليبية للنفط من أن هناك ما يتراوح بين 160 و260 بئراً بحاجة لإعادة تأهيل عاجلة، بالإضافة إلى الحاجة لصيانة وإصلاح شبكة خطوط الأنابيب الرئيسية التي تمتد على أكثر من 6760 كيلومتراً.

وختاماً، يمكن القول إن تعافي الإنتاج الليبي بشكل تام يتوقف على عدد من العوامل يأتي في مقدمتها وجود نظام مالي يضمن التوزيع العادل لعائدات تصدير النفط، وهو أمر قد يصعب تحقيقه على الوجه الأكمل في ظل تعقيدات المشهد السياسي في البلاد.