عدد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الرسائل السياسية للاحتجاجات الليلية في تونس.
وعرفت تونس أخيرا احتجاجات وتظاهرات ليلية شملت العديد من المدن والمحافظات وبعض الأحياء الشعبية بتونس العاصمة، “تخللتها أعمال عنف وتخريب دون رفع شعارات أو مطالب سياسية، وبالتالي لا وجود لواجهة أو لجهة ممثلة لها”.
وتراجعت التظاهرات الليلية في اليومين الأخيرين، لكنها “تركت أثرًا وبلغت رسالة لكل الطبقة السياسية، كما أنها لم تستطع أن تستقطب أعدادًا كبيرة من المحتجين، وليست لها حظوظ لأن تتحول إلى ثورة ثانية”، وفق المركز.
وحسب وثيقة المركز البحثي فقد “أخفق الذين حاولوا مسايرة الاحتجاجات وتبنيها في النهاية، وزعموا أنها حركة شعبية عريضة قد تطيح بالمنظومة الحاكمة وتفتح لهم أفقًا جديدًا نحو إمكانية الوصول إلى السلطة”، وأضاف: “الأقرب أنها محاولة احتجاجية أخرى، تضاف إلى المحاولات الكثيرة التي حدثت في الأشهر الأخيرة، ولم تنجح في تحقيق أغراضها، وأقصى ما يمكن أن تنتجه هو المزيد من الإرباك لدوائر الحكم، والتعقيد في وضع تراكمت صعوباته ومآزقه”.
واعتبر المركز أن الاحتجاجات التي شهدتها تونس تبدو في ظاهرها عفوية، “إلا أن تواترها وانطلاقها في تاريخ وأوقات موحدة، وتزامنها مع التعديل الوزاري المختلف حوله، واحتدام الصراع والتنافس بين مختلف دوائر السلطة، دفع البعض إلى البحث في أصولها السياسية والأطراف التي قد تكون تقف وراءها، مع الاعتراف بصعوبة الوضع الاقتصادي والاجتماعي لمختلف الشرائح الاجتماعية، وخاصة في بعض مناطق الظل والفئات المحرومة وشريحة المعطلين والشباب اليائس، خصوصًا في زمن (كوفيد-19)”.
وتابع المركز: “لعل التساؤل الأول يكون حول الفاعلين في هذه التظاهرات الليلية”. وتُفيد أشرطة الفيديو المتناقلة على مختلف وسائط التواصل والتفاعل الاجتماعي وكذلك شهادات إعلامية وتقارير المصالح الأمنية المسؤولة، بأن التجمعات يقودها وينظمها بضع عشرات من الأحداث والقُصّر الذين تتراوح أعمارهم في الكثير منها بين 14 و17 سنة، مع مشاركة بعض الشبان الذين لا تتجاوز أعمارهم 25 عامًا إلا بالنادر، يتجمهرون مع دخول توقيت حظر التنقل الذي فرضته السلطات الحكومية بسبب تزايد أعداد الإصابات بكورونا (بعد الساعة الرابعة عصرًا).
وتابع المركز: “نحن أمام شريحة اجتماعية اقتحمت مجال الفعل السياسي عبر الاحتجاج والتظاهر دون رفع شعارات أو مطالب دقيقة واضحة ودون استهداف جهة سياسية بعينها”.
وحسب الوثيقة فإن التساؤل الوجيه الثاني يتعلق بإمكانية وجود أطراف سياسية أو غيرها حرضت ووقفت وراء هذه الأحداث.
وقال المركز: “تزامن التظاهرات وانتشارها وتشابه السلوكيات الاحتجاجية فيها أمور تترك انطباعًا بوجود جهة أو أطراف تقف وراءها”، وأردف: “صحيح أنه لم يتم تبنيها من قبل أحزاب سياسية من المعارضة، وأن كل الأطراف سارعت إلى التنديد بالعنف والتظاهر الليلي، وذهبت جهات أخرى مثل المركزية العمالية التي كثيرًا ما تقود تظاهرات وإضرابات واعتصامات شعبية أو قطاعية إلى المطالبة بالكف عن هذا النمط من الاحتجاج المنفلت”.
وأشار المركز إلى أن “بعض الأطراف الناشطة سياسيًّا على وسائل التواصل الاجتماعي دعت منذ بداية الاحتجاجات إلى المشاركة فيها، بل وشجعتها، وحاولت توجيهها ومنحها غطاء ومطالب سياسية”.
وحسب الوثيقة، “تتمثل هذه الأطراف في التنسيقيات التي تزعم انتماءها إلى الأوساط القريبة من الرئيس قيس سعيد، وهي تنظيمات شبابية نشطت منذ الحملة الانتخابية الرئاسية، وكانت مؤيدة للرئيس، لكن لا علاقة مباشرة له بها”.
ويذكر هنا أن الرئيس قيس سعيد توجه إلى المحتجين يوم الإثنين 18 يناير بطريقة غير مباشرة، وفي كلمة ألقاها في أحد الأحياء الشعبية بالعاصمة (حي الرفاه بالمنيهلة) على مجموعة من المواطنين، وحض على التزام الهدوء، وعدم اللجوء إلى العنف، وحذر من محاولة استغلال غضب الشباب. “وبالتالي تبرأ من هذه الاحتجاجات الليلية وما يرافقها من أعمال نهب وتخريب”، وفق الوثيقة.
المصدر: هسبريس.