أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

أدوات جديدة:

كيف يعبر "الفن الرقمي" عن قضايا المجتمع في المنطقة؟

21 فبراير، 2017


يبدو أن ثمة تحولات جذرية سوف تشهدها مكانة وماهية ودور الصورة في وسائل الإعلام الحديث والتقليدي، في ظل تطور تكنولوجي كبير أدى إلى تزايد تأثير "الصورة الرقمية" نظرًا لقدرتها على الانتشار مستفيدة من الاستخدام الواسع لشبكة الإنترنت حول العالم، فيما لم تتوقف تطورات الصورة عند حدودها التقليدية، أو المصنعة كليًا من خلال أجهزة الكمبيوتر، وإنما تطورت لتشهد نمطًا جديدًا من "الفن الرقمي" الذي يعتمد على ابتكار الفنان وإبداعه من خلال أدوات رقمية.

وعلى الرغم من أن "الفن الرقمي" قد ظهر خلال السبعينيات من القرن الماضي كأحد تطبيقات تطور الصورة الرقمية، إلا أن انتشاره واستيعابه من قبل الجمهور قد جاء متأخرًا بعض الشىء في دول المنطقة، فيما مثل دوره الخدمي والمجتمعي أحد أهم عوامل إدراك المتلقي له، بعد أن تم توظيفه بشكل جيد لخدمة العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية.

وتعد السنوات الست الماضية هى أكثر فترات انتعاش هذا النوع من الفن غير التقليدي، لا سيما مع التوظيف الجيد له كأحد أدوات التعبير سريعة الانتشار عن الآراء السياسية والتوجهات المجتمعية في دول المنطقة، التي شهد بعضها حراكًا ثوريًا وشعبيًا لا زال يفرض تداعيات عديدة حتى الآن.

نمط مختلف:

يعد الفن الرقمي أحد أشكال الإبداع التقني المعتمد على ابتكار الفنان وقدرته على التعبير عن فكرته الإنسانية بأدوات رقمية توفرها له الأجهزة الإلكترونية المختلفة، على غرار أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف المحمولة عالية الجودة.

وتتنوع أساليب وتطبيقات الفن الرقمي بشكل كبير، كما تتدرج في مستويات تعقيدها، بداية من صور الجرافيك وتصميمات الإنفوجرافيك، مرورًا بالكاريكاتير الرقمي، وانتهاءً بالتصميمات الرقمية المعبرة عن أنواع الفنون التقليدية المختلفة من سريالي وتجريدي وواقعي، وغيرها.

وقد اختلفت أنماط توظيف هذا الفن، حسب الغرض من هذا التوظيف، فعلى سبيل المثال عادة ما تستعين المؤسسات الحكومية والشركات بتطبيقات الإنفوجرافيك بغرض التوعية وشرح الأنظمة المختلفة، ومقارنة الأداء وتقييمه، فيما تسعى المبادرات المجتمعية إلى الاستعانة بالصورة الرقمية الفنية المعبرة عن فكرتها.

توظيف متنوع:

برز الدور الخدمي للفن الرقمي سريعًا منذ انتشار هذا النمط من الفن في المنطقة، حيث تم توظيفه لخدمة بعض الأهداف، بالمقارنة مع باقي أنواع الفنون الأخرى التي انخرطت في التعامل مع القضايا المجتمعية بشكل متأخر، وهو الأمر الذي يعود، في قسم منه، إلي إمكانية تطويع هذا الفن التقني، بسهولة، وسرعة انتشار أعماله بين مستخدمي شبكة الإنترنت من خلال تطبيقاته المختلفة التي لا تقتصر فقط على اللوحات الفنية، وإنما تشمل أعمال الجرافيك والإنفوجرافيك والكاريكاتير، وغيرها من التطبيقات كما سبقت الإشارة.

فضلا عن ذلك، يعود التوظيف المبكر لهذا النوع من الفن لخدمة قضايا اجتماعية أو تنموية أو سياسية، إلى انخراط أغلب القائمين عليه من الشباب في المنطقة فيما تشهده من تفاعلات سياسية واجتماعية واقتصادية، فرضتها الأحداث والتطورات التي مرت بها المنطقة خلال السنوات الماضية، لا سيما بعد اندلاع الثورات العربية التي شهدت تفاعلاتها أبرز أنماط توظيف هذا الفن، والتي تتمثل في:

1- إلقاء الضوء على معاناة الشعوب: يمكن القول إن الثورة السورية قد حظيت باهتمام منتجي هذا النمط من الفن الحديث، بشكل فاق باقي الثورات العربية، على الرغم من أن توظيفه قد شمل الثورتين المصرية والتونسية أيضًا، فيما لم يقتصر هذا التوظيف على الفنانين السوريين والمصريين والتونسيين والعرب وإنما امتد لفنانين أجانب، حيث ظهرت شعارات الثورتين في العديد من تطبيقات الفن الرقمي، لا سيما رسوم الجرافيك والكاريكاتير.

ويلاحظ أن أحد أهم أنماط توظيف الفن الرقمي في الثورة السورية ارتبط بتوضيح معاناة الشعب السوري من الحرب التي تشهدها الدولة، ولعل مشروع فيلم القصص المصورة "أم من مضايا" الذي تبنته قناة "إيه بي سي" الأمريكية واستوديوهات "مارفل" أحد أهم وأبرز تطبيقات توظيف الفن الرقمي بهدف دعم الشعب السوري المحاصر، حيث تسرد الصور الرقمية المكونة للفيلم القصير وعددها 30 صورة قصة معاناة أسرة سورية من مدينة مضايا السورية التي حوصرت لأكثر من عامين من خلال صور أغلبها أبيض وأسود فقط.

2- تغيير النظرة السلبية للاجئين: في إطار الحملات السياسية والإعلامية في الدول الغربية على اللاجئين من دول الشرق الأوسط، وبصفة خاصة اللاجئين السوريين، برز مشروعان وظفا الفن الرقمي لخدمة هدف تحسين صورة اللاجئين وتغيير الرؤية النمطية الغربية تجاههم. يتمثل أولهما، في المعرض المتنقل "أنا السوري" الذي يتنقل به الفنان تمام عزام منذ ثلاث سنوات، حيث حاول أن يجسد معاناة التهجير من سوريا، وبيان مدى تمسك السوريين ببلادهم ونيتهم في العودة إليها وذلك من خلال صور ورسومات توضح مدى الدمار الذي تتعرض له المنازل في سوريا، فيما تؤكد إحدى الصور المسماة بـ"الرحلة الميمونة" على الفكرة السابقة، وفيها تحمل بالونات أحد المباني المحطمة من دمشق وتجول به في عدد من العواصم والمدن مثل بيروت ولندن وباريس ونيويورك وجنيف.

وينصرف ثانيهما، إلى الحملة التي دشنها الفنان السوري مصطفى يعقوب، وهو أحد النشطاء السوريين في الخارج، على شبكات التواصل الاجتماعي من خلال هاشتاج "I_AM_SYRIAN#"، بالتزامن مع موعد مهرجان حفل الأوسكار، حيث هدفت هذه الحملة البصرية إلى التخفيف من النظرة السلبية للاجئ السوري من خلال تصميم بوسترات لشخصيات شهيرة تعود إلي أصول سورية، من بينها علماء مثل الدكتورة شادية رفاعي أستاذ كرسي فيزياء الفضاء في جامعة ويلز البريطانية، ورائد الفضاء محمد فارس، وفنانين على غرار المخرج مصطفي العقاد، ورجال أعمال مثل ستيف جوبز.

3- الحفاظ على هوية المجتمع: ظهرت العديد من المبادرات التي سعت إلى توظيف الإنتاج الرقمي في تعزيز الانتماء للمجتمع والوطن، حيث تبنى ملتقى الإعلام المرئي الرقمي "شوف" الذي عقد دورته الرابعة في الرياض في 23 أكتوبر 2016، سبع مبادرات فنية رقمية تهدف إلى تعزيز الانتماء للمجتمع السعودي.

4- التأكيد علي أهمية التواصل الاجتماعي الحقيقي: حرص بعض منتجي هذا الفن على توجيه الاهتمام نحو ضرورة الحفاظ على التواصل الحقيقي بين الفرد والمجتمع، في ظل تزايد الاعتماد على التواصل الافتراضي في التفاعل بين الطرفين، وذلك من خلال التعبير عن فكرة عزلة الفرد مع التكنولوجيا بصور رقمية معبرة عن انفصال الأسرة وغياب التواصل وما يمكن أن يفرضه من تداعيات، وهى فكرة نفذت في البداية من قبل فنانين أجانب وانتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي بشكل كبير، غير أنها شهدت محاولات لتعريبها خلال الفترة الأخيرة، عبر التركيز على المظاهر التقليدية للحياة العربية.

وفي النهاية، يمكن القول إن البداية القوية لتوظيف الفن الرقمي لخدمة قضايا اجتماعية وسياسية في دول المنطقة، في ظل انتشار هذا النمط سريعًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ربما تعزز من قدرته على ممارسة مزيد من الأدوار الخدمية خلال المرحلة القادمة.