أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الحمائية الغربية:

تحديات هيمنة الصين على صناعة السيارات الكهربائية في العالم

07 فبراير، 2024


تُمثل مبيعات السيارات الكهربائية حالياً حوالي 3% فقط من سوق السيارات العالمية، لكن هناك العديد من دول العالم تنتقل بشكل جزئي نحو السيارات الكهربائية. فعلى سبيل المثال، دولة مثل النرويج تُشكل مبيعات السيارات الكهربائية بها أكثر من حوالي 75% من السوق العالمية. 

ويمكن القول إن الاتجاه نحو السيارات الكهربائية يسير بشكل متصاعد، وبالأخص مع ارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، بالإضافة إلى التقدم التكنولوجي الهائل الذي يسهم في تحسن أداء هذه المركبات بشكل يومي، مثل: زيادة المسافة المقطوعة بالشحنة الواحدة، بالإضافة إلى زمن الشحن، مما يعزز الجدوى الاقتصادية للسيارات الكهربائية ويُساعد على انتشارها بشكل كبير. ونتيجة لذلك، من المتوقع أن تنتشر السيارات الكهربائية خلال السنوات القليلة المقبلة، إذ ستصبح الخيار المنطقي لغالبية سكان العالم.

وفي هذا السياق، تنطلق صناعة السيارات الكهربائية الصينية بسرعة متزايدة، متفوقةً بذلك على دول العالم، من حيث نسب النمو المتوقعة في هذه الصناعة، وذلك بالرغم من التحديات الكبيرة (الاقتصادية والجيوساسية) في دولة تُعد الثانية على مستوى العالم من حيث التعداد السكاني. ولذلك سعت الحكومة الصينية إلى تقديم الكثير من الإعانات الضخمة والحوافز والتسهيلات للمشترين لدعم نمو هذه الصناعة الاستراتيجية. ومنذ عام 2009، سعت بكين إلى العمل على خلق بيئة تتسم بمميزات تنافسية وتحفيزية تستطيع من خلالها أن تجمع بين المنح المباشرة والمساعدات غير المباشرة؛ بهدف المساهمة في ظهور شركات وطنية رائدة في صناعة السيارات الكهربائية.

ولكن كيف وصلت الصين إلى تلك المكانة الرائدة حالياً في صناعة السيارات الكهربائية بالعالم؟ وما التحديات التي تواجهها في الوقت الراهن؟

ريادة صينية:  

تربعت الصين على عرش صناعة السيارات الكهربائية على المستوى العالمي؛ بفضل الإمكانات الضخمة التي تتمتع بها في ظل المتطلبات العديدة لهذه الصناعة، إذ تمتلك الصين أكثر من حوالي 300 طراز كهربائي متاح بشكل تجاري، كما أن بكين تُعد موطناً لأربع من أكبر 10 شركات لتصنيع البطاريات في العالم.

وتمثل مستويات مبيعات السيارات الكهربائية في الصين أكثر من حوالي 65%، وذلك على الرغم من أن متوسط الزيادة في سعر السيارة الكهربائية في الصين يصل إلى حوالي 10% مقارنةً بسعر السيارة التقليدية، ومقارنةً بزيادة تتراوح بين 50 و55% في الأسواق الرئيسية الأخرى. وارتفعت مبيعات السيارات الكهربائية في الصين بشكل كبير من حوالي 1.4 مليون إلى حوالي 6.9 مليون خلال العامين الماضيين، وذلك مقارنةً بحوالي 850 ألفاً فقط في الولايات المتحدة الأمريكية.


تجدر الإشارة إلى أن التوقعات السابقة بشأن السيارات الكهربائية في الصين كانت ذات طبيعة منخفضة ومحدودة للغاية، ولكن مع تحقيق بكين نمواً بمعدلات كبيرة وملحوظة تتجاوز بكثير توقعات الصناعة العالمية، وفي ظل العمل بشكل ملموس ومتسارع على تطوير إمكانات التصنيع للمركبات الكهربائية وسوق المبيعات لعدة سنوات؛ تم ضخ مستويات ضخمة من التمويل الحكومي في صناعة السيارات الكهربائية خلال السنوات الماضية، بالإضافة إلى تقديم إعانات ضخمة وإعفاءات ضريبية لمنتجي السيارات الكهربائية في الصين. 

واستثمرت بكين بشكل كبير في السيارات التي تعمل بالبطاريات بالكامل في المرحلة الأولى من التطور التكنولوجي، في الوقت الذي كان يُنظر فيه إلى المركبات الكهربائية على أنها تجريبية ولا تستطيع الصمود طويلاً. وتماشى ذلك مع خطة الصين طويلة المدى التي تهدف من خلالها إلى امتلاك حصص في سوق الطاقة الخضراء على مستوى العالم، بالإضافة إلى خفض اعتمادها على المصادر الأحفورية العابرة للحدود وبالتالي خفض معدلات استيرادها، وكذلك الحد من مستويات الانبعاثات والتي تأتي الصين على قائمة الدول المُصدرة لها عالمياً.

وفي الوقت الذي لم تكن فيه تكنولوجيا السيارات الكهربائية جاهزة للتوسع محلياً وعالمياً، شجعت الصين على إحلال السيارات الكهربائية محل العديد من سيارات الأجرة والحافلات التقليدية، وذلك عن طريق المنح المقدمة من قِبل الحكومة الصينية المركزية، والتي وصلت إلى حوالي 65 ألف يوان لكل سيارة، وحوالي 110 آلاف يوان لكل حافلة كهربائية، وذلك ضمن استراتيجية صينية تهدف إلى نشر ثقافة السيارات الكهربائية في المجتمع الصيني وبالتالي العمل على توطينها، وهو الأمر الذي انعكس حالياً على مكانة الصين عالمياً في تلك الصناعة.

بشكل عام، تهيمن بكين عالمياً على العديد من الصناعات الاستراتيجية التي تدعم تصنيع السيارات الكهربائية، ويأتي على رأسها تعدين وإنتاج الليثيوم، إذ تنتج الصين أكثر من 62% من الليثيوم على مستوى العالم، بالإضافة إلى تصنيع البطاريات وأشباه الموصلات، إذ تنتج بكين أكثر من 76% من جميع بطاريات أيون الليثيوم عالمياً. 


استراتيجية طويلة المدى:

تُعد الصين الدولة الأولى على مستوى العالم التي ضخت معدلات استثمار ضخمة وبشكل ملحوظ في قطاع الكهرباء، وذلك على الرغم من أن آفاق نمو قطاع الكهرباء داخل الصين كانت غير مؤكدة وغير واضحة المعالم، بالإضافة إلى الاعتماد الكلي على واردات النفط الخام من خارج الصين، وذلك مع تزايد الطلب المحلي على منتجات ومشتقات النفط في بداية عام 2000. 

لكن بعد سنوات قليلة من بداية التوجه الصيني، أثبت الطلب على السيارات الكهربائية ونموه المتزايد صحة الاستراتيجية الصينية فيما يتعلق بقطاع الكهرباء والعمل على نمو القطاع بشكل متزايد. وعليه، فإن الصين حددت هدفها الرئيسي من صناعة السيارات الكهربائية، وهو الهيمنة على السوق العالمية لهذه الصناعة المهمة، بالإضافة إلى مكونات التصنيع الرئيسية لها، إذ وجدت بكين صناعة السيارات الكهربائية فرصة واعدة، لذا استثمرت فيها منذ ما يقارب 24 عاماً، وبالتالي سيطرت على سلاسل إنتاج مكونات البطاريات المستخدمة في تلك الصناعة، وهي سياسة طويلة الأمد، تجني ثمارها الآن.

واستكمالاً لما سبق، تتمتع أسواق صناعة السيارات الكهربائية الصينية بأفضلية ومكانة متميزة فيما يتعلق بمسألة سلاسل إمداد المعادن الضرورية لهذه الصناعة الاستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تعتمد شركة "تسلا" في صناعة سياراتها على الليثيوم المستورد من الصين، وبشكل عام تعتمد صناعة السيارات الأمريكية على شركات صينية في سلاسل الإمداد.

وفي عام 2020، فرضت الصين على الشركات المُصنعة، المحلية والأجنبية، حصصاً إلزامية للسيارات الكهربائية من إجمالي إنتاجها السنوي، ويتم مكافأة الشركات التي تتجاوز هذه الحصص، بالإضافة إلى تحمل الشركات التي تعجز عن تحقيق ذلك عقوبات ضخمة، وكانت هذه إحدى أدوات بكين لنقل تكلفة المنح من الحكومة إلى الشركات المُصنعة نفسها.

فرص النمو:

سجل نمو مبيعات السيارات الكهربائية الصينية صعوداً ملحوظاً في نهاية العام الماضي، وهو ما يؤكد نجاح الاستراتيجية الصينية في صناعة وإنتاج السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى الطفرة التي تشهدها الأسواق الصينية في الوقت الحالي، والتي ظلت قوية بالرغم من حجم المشكلات الاقتصادية الضخم منذ إغلاقات "كورونا" وما بعدها من أحداث جيوسياسية مر بها العالم كله.

بينما تكافح كبريات الشركات في صناعة السيارات الكهربائية على مستوى العالم، من أجل اللحاق بالسباق العالمي لسوق السيارات الكهربائية، فإن الشركات الصينية تقود العالم إلى جانب بالغ الأهمية وهو سلاسل الإمدادات الخاصة بتلك الصناعة، إذ تتبوأ الشركات الصينية موقع الريادة على مستوى العالم في المحور الأهم في صناعة وإنتاج تلك النوعية من السيارات، وهو صناعة البطاريات المُستخدمة في السيارات الكهربائية، والتي تتيح جدوى اقتصادية مع نطاق قيادة أطول بتكلفة منخفضة (المكون الرئيسي في تلك الصناعة).

وتمتلك الصين حوالي أكثر من 70% من الإجمالي العالمي للسعة المرتبطة بتصنيع خلايا البطاريات، كما تهيمن على إنتاج المحركات الكهربائية، بالإضافة إلى تصميم الأنظمة ذات الكفاءة العالية، والتي تربط البطاريات والمحركات معاً.

واستفادت الصين بشكل واضح من التوجه العالمي نحو نشر ثقافة السيارات الكهربائية، الأمر الذي يحظى بدعم قوي من الحكومات كافة، وذلك في ظل السعي العالمي نحو التخلص التدريجي من السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري، والتي تُسهم بشكل ملحوظ في زيادة مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

وبالنظر إلى عدد السيارات الكهربائية التي تم إنتاجها في نهاية عام 2022، فإنها بلغت حوالي 7 ملايين سيارة تعمل بالطاقة النظيفة (من ضمنها السيارات الكهربائية)، وذهب حوالي 18% منها إلى الأسواق العالمية (نصفها تقريباً إلى الأسواق الأوروبية). بالإضافة إلى أنه خلال العام الماضي، صدّرت الصين إلى القارة الأوروبية حوالي 455 ألف سيارة كهربائية، إذ بلغت حصة الصين حوالي 9% من إجمالي الحصة العالمية إلى القارة الأوروبية. 


وعليه، يمكن القول إن صناعة السيارات الكهربائية تُسجل نمواً سريعاً، بالإضافة إلى استراتيجية بكين في الاهتمام بالتصنيع المحلي للأجزاء المرتبطة بالسيارات الكهربائية داخل الأسواق الصينية، إذ تنشئ الصين العديد من المصانع التي تقوم بخدمة مكون واحد من مكونات السيارات الكهربائية، ما أسهم بشكل كبير في خلق تخمة في السعة، مما أدى إلى تراجع أسعار المركبات الكهربائية، وبالتالي رفع معدلات الطلب العالمي على السيارات الصينية.

تحديات أوروبية:

في ظل هيمنة الصين على الأسواق العالمية في قطاع السيارات الكهربائية، ظهرت تحديات تواجه مصنعي السيارات الكهربائية الصينية في الأسواق الخارجية، إذ تواجه تدقيقاً تنظيمياً متزايداً في هذه الأسواق، وبالأخص في الأسواق الأمريكية والأوروبية، وذلك من خلال سعيهم إلى حماية صناعة السيارات الكهربائية المحلية.

فعلى سبيل المثال، أطلق ساسة أوروبا تحقيقاً رسمياً موسعاً فيما يتعلق بإشكالية تلقي شركات السيارات الكهربائية في الصين دعماً حكومياً، وذلك نتيجة شعورهم بالقلق إزاء حجم صادرات السيارات الكهربائية الصينية والمتزايد بشكل كبير إلى الدول الأوروبية، وفي خطوة قد تقود دول الاتحاد الأوروبي إلى محاولة فرض تعريفات جمركية كبيرة على وارداتها من المركبات صديقة البيئة وبالأخص الواردة من الصين. جدير بالذكر أن صادرات السيارات الكهربائية الصينية شهدت صعوداً كبيراً بنسبة حوالي 850% في الأعوام الماضية، وبالأخص إلى الدول الأوروبية.

ولذلك، يجب على الحكومة الصينية العمل على طمأنة الاتحاد الأوروبي، وذلك عن طريق الإعلان الرسمي عن بدء إنشاء أسواق تصنيع داخل القارة الأوروبية، وبالتالي المساهمة في خلق فرص عمل جديدة داخل الدول الأوروبية. كما يتعين على الحكومة الصينية تشجيع الشركات الصينية على التركيز على تلك القضية المهمة، والتي من الممكن أن تعوق النمو الصيني المتسارع بشكل ملحوظ في صناعة السيارات الكهربائية في أسواق تُعد الأهم بالنسبة للجانب الصيني، وهي الأسواق الأوروبية، والتي تشعر بالقلق والخوف المتزايد بشأن النمو والتدفق الملحوظ للسيارات الصينية والتي تتمتع بميزة تنافسية داخل الأسواق العالمية.

خلاصة القول، تفتتح السيارات الكهربائية الصينية العام الحالي بمنافسة قوية بين الشركات الناشئة والقوية على مستوى العالم، وذلك لزيادة حصتها السوقية من تلك الصناعة الاستراتيجية، في ظل اتجاه عالمي متسارع نحو استخدامها بهدف الحد من إنتاج السيارات التقليدية، إذ شهدت صناعة السيارات الكهربائية في الصين نمواً سريعاً، وذلك بسبب ضخ الاستثمارات الضخمة والممزوجة بالتطور التكنولوجي الهائل، بالإضافة إلى الخطط الاستراتيجية الصينية وسنوات عديدة من السياسات الداعمة لنمو صناعة السيارات الكهربائية.