أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

تحديات معقدة:

السيناريوهات الثلاثة أمام الاتفاق الإطاري في السودان

07 مارس، 2023


جاء الاتفاق السياسي الذي وقعه المكون العسكري في السودان مع عدد من القوى المدنية البارزة التي تصدرها ائتلاف إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) في 5 ديسمبر 2022، بعد أكثر من عام على أزمة حادة نتجت عن الإجراءات التي اتخذها الجيش السوداني بقيادة الفريق عبدالفتاح البرهان في 25 أكتوبر 2021 تجاه المكون المدني في السلطة وشملت حل كل من الحكومة برئاسة عبدالله حمدوك ومجلس السيادة الانتقالي واعتقال بعض الوزراء وإقالة الولاة.

وخلال العام الذي سبق الاتفاق شهد السودان مظاهرات واعتصامات تخللتها أعمال عنف وسقوط قتلى وجرحى كانت ذروتها مباشرة بعد إجراءات 25 أكتوبر، ولم تفلح محاولة إعادة عبدالله حمدوك لرئاسة الوزراء لفترة قصيرة في نوفمبر 2021 في تهدئتها بل استمرت طوال الأشهر التالية.

 وقد تبلور الاتفاق الذي اصطلح على تسميته بـ"الاتفاق الإطاري" بعد جهود قادتها الآلية الثلاثية الخاصة بالسودان (الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة إيغاد) إضافة للرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية والإمارات.

يرسم الاتفاق الإطاري معالم مرحلة انتقالية جديدة بديلة عن تلك التي بدأت في 21 أغسطس 2019 وكان من المقرر أن تنتهي في 2024 بانتخابات عامة، ولكن أنهتها إجراءات البرهان مبكراً في أكتوبر 2021. ومع ذلك ما زال الاتفاق الإطاري يواجه بعض التحديات الحالية، فضلاً عن أخرى متوقع تصعيدها خلال تنفيذ بنود الاتفاق.  

أبعاد الاتفاق

بالنظر إلى تفاصيل الاتفاق الإطاري نجد أنه حاول بشكل حاسم مراعاة مخاوف المعارضة المدنية عبر تطمينها بحتمية نأي القوات المسلحة عن الحكم، إضافة إلى نصه على إصلاح الأجهزة الأمنية وتوحيد الجيش مع قوات الدعم السريع وفق جدول زمني، وغلق الباب أمام محاولة إعادة إنتاج النظام السابق عبر تيارات دينية بالنص على ضرورة الفصل بين الدين والدولة. 

وينقسم الاتفاق الإطاري إلى أربعة أجزاء تضم المبادئ العامة وقضايا ومهام الانتقال وهياكل السلطة الانتقالية والأجهزة النظامية.

تناولت المبادئ العامة النص على وحدة السودان والتعددية الدينية والثقافية فيه، وكونه دولة مدنية ديمقراطية برلمانية. كما شملت الالتزام بمبدأ العمل السياسي السلمي ورفض الانقلابات وتقويض الديمقراطية.

أما البند الخاص بقضايا ومهام الانتقال فقد ركز على الإصلاح الأمني والعسكري والعدالة الانتقالية وإيقاف التدهور الاقتصادي، إضافة إلى استكمال العمل على القضاء على نفوذ نظام البشير وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، كما تطرق لمسألة صناعة دستور جديد وتنظيم انتخابات شاملة نهاية فترة الانتقال، مركزاً كذلك على شكل السياسة الخارجية للدولة.

وفي بند هياكل السلطة الانتقالية نص الاتفاق الإطاري على أن هياكل السلطة الانتقالية تتكون من المجلس التشريعي الانتقالي، والمستوى السيادي الانتقالي، ومجلس الوزراء الانتقالي، والمجالس العدلية والمفوضيات المستقلة؛ مع تفصيل عمل وشكل كل هيكل من الهياكل المذكورة.

وتناول البند الرابع تسمية الأجهزة (الأمنية) النظامية في السودان والتي تشمل القوات المسلحة والدعم السريع والشرطة وجهاز المخابرات العامة، وتناول بالتفصيل وصف كل جهاز من تلك الأجهزة وتحديد مهامه وسلطاته والمحاذير الخاصة بكل جهاز.

لم تكن كافة الأطراف موافقة على الاتفاق الإطاري، ففي حين التفت حوله غالبية التيارات، رفضته عدد من الأطراف السياسية.  وقد تمثلت الأطراف الموقعة على إعلان الاتفاق الإطاري في 5 ديسمبر 2022 بشكل رئيسي في قيادة الجيش ممثلة في الفريق عبدالفتاح البرهان وقيادة قوات الدعم السريع ممثلة في قائدها محمد حمدان دقلو من المكون العسكري، وفي الطرف المدني وقع كل من قوى إعلان الحرية والتغيير (المجلس المركزي) وحزب المؤتمر الشعبي وعدد من لجان المقاومة.

وفي المقابل من ذلك، كانت هناك قائمة من الرافضين، شملت أحزاباً محسوبة على تيار الإسلام السياسي على رأسها المؤتمر الوطني المنحل وما يعرف بـ"التيار الإسلامي العريض" وهو تحالف يضم مجموعة من الأحزاب والتيارات الإسلامية بعضها محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى الحزب الشيوعي السوداني وتجمع المهنيين السوداني والحزب الاتحادي الديمقراطي، وعدد كبير من لجان المقاومة التي تقود احتجاجات الشارع، فضلاً عن حركات مسلحة موقعة على اتفاق جوبا للسلام على رأسها حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان. وجهوياً برز رفض مجلس نظارات البجا الناشط في شرق السودان للاتفاق.

تحديات متعددة

بالنظر إلى الحراك السياسي وردود الأفعال التي كشفت عنها الأطراف السياسية الفاعلة في السودان بعد الإعلان عن تفاصيل الاتفاق الإطاري، وبالتدقيق في نصوص الاتفاق نفسه، يمكن القول إن ثمة تحديات قائمة وأخرى متوقعة قد تؤدي كلها أو بعضها إلى فشل الاتفاق كخريطة طريق للخروج من نفق الفوضى السياسية الراهن.

1- التحديات القائمة

تتمثل التحديات القائمة بشكل رئيسي في الأطراف الرافضة للاتفاق الإطاري، والتي تتنوع خلفيات رفضها تبعاً لتوجهها السياسي؛ فبينما يخشى المحسوبون على تيار الإسلام السياسي إقصاءهم من العملية السياسية المرتقبة طبقاً للاتفاق الذي ينص على حيادية الدولة فيما يخص الشأن الديني، يرفض اليساريون الاتفاق لأنه يشرعن- من وجهة نظرهم- لوجود المكون العسكري كطرف رئيس في بلورة مستقبل السودان السياسي؛ وهو ما يخالف رؤيتهم لما يسمى التغيير الجذري الذي قد يفسر على أنه إصلاح كامل للمؤسسات الحالية بما فيها الجيش وبناء دولة جديدة.

إضافة للطرفين السابقين تبرز كذلك الحركات المسلحة التي ترى في بناء دولة مؤسسية ديمقراطية خطورة على نصيبها في سلطة قائمة على المحاصصة. وتكمن خطورة ذلك في الاعتبارات التالية: 

- تحشيد الشارع: التحدي الذي يمثله الرافضون "السياسيون" سواء الإسلاميون أو اليساريون، يتمثل في قدرتهم على حشد الشارع ضد تنفيذ بنود الاتفاق ما قد يضع القائمين على تنفيذ خارطة الطريق الانتقالية في مواجهة الجمهور، والذي فشلت السلطة العسكرية طوال أكثر من عام في السيطرة عليه أو منع استمرار احتجاجاته رغم الوسائل المتعددة التي قيضت لذلك.

- عودة التمرد: أما التحدي الذي يمثله رفض الحركات المسلحة للاتفاق، فيتمثل في الخوف من تصعيد موقفها والانسحاب من اتفاق جوبا للسلام الذي أنهى أعواماً من التمرد المسلح ضد الخرطوم، ويهدد بعودة الاحتراب الأهلي مرة أخرى.

- ضرب الاقتصاد: التحدي الذي تطرحه الفئة الثالثة من الرافضين للاتفاق المتمثلة في مجلس نظارات البجا شرق السودان له بعد اقتصادي بالنظر لسابقة إغلاق ميناء بورتسودان قبل إجراءات أكتوبر 2021؛ ما كاد يتسبب في أزمة غذاء ودواء وفقاً لتصريحات الحكومة حينها. وفي حال صعد ناشطو البجا رفضهم للاتفاق الإطاري إلى خطوات إغلاق مماثلة فسيكون تأثيرها ربما أكبر من نظيرتها في 2021؛ نظراً لتدهور الوضع الاقتصادي بشكل أكبر خلال الفترة الماضية.

2- التحديات المحتملة

تنبع التحديات المستقبلية المتوقعة بشكل أساسي من تفاصيل بنود الاتفاق الذي شمل ملفات شائكة، قد يصعب تحويلها إلى إجراءات عملية على أرض الواقع أو إخراجها من الإطار النظري للعملي. ويمكن إجمال التحديات المستقبلية في الآتي:

- صعوبة احتواء المكون العسكري: على الرغم من أن الاتفاق ينص صراحة على خضوع القوات المسلحة بتسمياتها المختلفة لسلطة المدنيين؛ إلا أن سالف الأحداث يعطي صورة متشائمة عن التوقعات المستقبلية؛ فمع ثبات رؤوس أطراف الأزمة من المدنيين والعسكريين لا يوجد ما يمنع تكرار التجربة السابقة التي وقعت في أكتوبر 2021 ومعاودة العسكريين الكرة بإقصاء المكون المدني مرة أخرى.

- تحدي دمج القوات العسكرية: طبيعة تكوين الأطراف العسكرية المسلحة التي تأخذ شكلاً عائلياً أحياناً وجهوياً أحياناً أخرى؛ وعلى رأسها قوات الدعم السريع (الرسمية) وحركات الكفاح المسلح؛ تجعل من المستبعد أن توافق تلك المجموعات على الانخراط في منظومة واحدة تحت قيادة مختلفة عن قيادتها التاريخية.

- تحدي الضغط الاقتصادي: ينص الاتفاق الإطاري ضمن سياق قضايا ومهام الانتقال على "إيقاف التدهور الاقتصادي، والإصلاح الاقتصادي وفق منهج تنموي شامل ومستدام يعالج الأزمة المعيشية وينحاز للفقراء والمهمشين ويحقق ولاية وزارة المالية على المال العام ويعمل على محاربة كافة أنواع الفساد". وبالنظر إلى واقع الاقتصاد العالمي ارتباطاً بالتأثيرات السلبية لجائحة "كورونا"، ثم الحرب الروسية في أوكرانيا، لن يكون من السهل على أي سلطة تنتج عن الاتفاق المذكور التعامل مع الأزمة الاقتصادية التي بدأت في السودان قبل سقوط نظام البشير وتضاعفت تجلياتها المتمثلة في التضخم الكبير لاحقاً تبعاً لانهيار العملة؛ إذ وصل سعر الدولار نحو 580 جنيهاً سودانياً مطلع العام 2023 صعوداً من نحو 18 جنيهاً في نهايات العام 2018.

- عودة النظام السابق: على الرغم من مرور ما يقارب أربع سنوات على إسقاط نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وما تبع ذلك من تجميد لحزبه "المؤتمر الوطني"، إلا أن الأزمات القاسية التي عاشها السودانيون طوال الفترة اللاحقة لرحيل البشير مكنت أنصاره من الخروج علناً في أكثر من مناسبة واللعب على وتر نوستالجيا الاستقرار النسبي إبان حكمهم. وعليه فإن من التحديات التي تواجه نجاح الاتفاق الإطاري في هذا الصدد احتمال عودة أنصار البشير من خلال الاتفاق نفسه الذي يرفضونه عبر المشاركة في الانتخابات المقرر إجراؤها نهاية الفترة الانتقالية المفترضة، وسيعتمدون في دعايتهم على المقارنة بين ما كان عليه البلد في عهد النظام السابق وما آلت إليه الأوضاع بعد رحيله ما قد يمكنهم من الحصول على تأييد ملايين السودانيين الذين كفروا بالثورة بسبب ما جرته عليهم من تأزم اقتصادي وأمني واجتماعي. وفي هذا السيناريو ربما يلجأ أنصار النظام للتخفي في أجسام سياسية جديدة أو موجودة بالفعل للتحايل على "الفيتو" الذي ترفعه قوى الثورة ضدهم.

سيناريوهات المستقبل

إزاء التحديات المذكورة، وبالنظر إلى تعقيدات المشهد السياسي السوداني، فإن مستقبل تنفيذ الاتفاق الإطاري ونجاحه أو فشله قد يسير في أحد السيناريوهات التالية:

1- انهيار مبكر: في هذه الحالة ربما - وبضغط من الأطراف الرافضة - يُنهي الموقعون على الاتفاق الإطاري طرحه كحل مأمول للأزمة السياسية، مما سيبقي الوضع الحالي لفترة أخرى؛ وما يرجح هذا السيناريو تشعب وتباين رؤية الأطراف المختلفة للاتفاق والانقسام البيني بين كل طرف من الرافضين أنفسهم، ما قد يجعل التفاوض معهم غير مجد؛ وقد تبدى هذا في موقف الكتلة الديمقراطية التي تضم بعض حركات الكفاح المسلح؛ حين تراجعت عن رفضها للاتفاق بعد لقاء مع نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو، ثم ما لبثت أن عادت لموقفها الأول موضحة أن الموافقة على الاتفاق لم تصدر بالإجماع داخل مكوناتها.

2- نجاح مشروط: في هذا السيناريو يعتمد نجاح الاتفاق الإطاري بشكل أساسي على زيادة حجم التدخل الخارجي في المشهد؛ عبر فرض عقوبات على الرافضين لتنفيذه من ناحية، وتقديم الدعم لاسيما الاقتصادي للأجسام التي ستنتج عن الاتفاق لتمكينها من كسب الشارع عبر تلبية احتياجاته الأساسية من ناحية أخرى.

3- اتفاق جديد: يفترض هذا السيناريو وصول الأطراف المتصارعة لاتفاق جديد يحظى بنسبة تأييد أكبر من سابقه، ويهدئ مخاوف الأطراف الرافضة للاتفاق الحالي، لكن يبقى التباين الشديد في وجهات نظر الفرقاء حجر عثرة في طريق هذا السيناريو.