أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات عديدة :

فرص نجاح الخطة الاقتصادية الأمريكية عالمياً لتقويض الصين

04 يونيو، 2022


أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خلال زيارته لطوكيو، واجتماعه مع قادة مجموعة الرباعية "الكواد" التي تضم الهند وأستراليا واليابان في 23 مايو 2022، عن إطلاق اتفاقية تجارية جديدة باسم "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ للرفاهية" (Indo-Pacific Economic Framework for Prosperity)، مؤكداً على أنها ستهدف إلى ربط دول المنطقة بشكل أوثق في أربعة مجالات هي الاقتصاد الرقمي وسلاسل الإمداد والبنية التحتية للطاقة النظيفة ومكافحة الفساد. واعتبر مسؤولون في إدارة بايدن بأن هذه الاتفاقية تُعد بمنزلة إعادة "الترتيبات الاقتصادية للقرن الحادي والعشرين"، لاسيما مع تمسك الإدارة الأمريكية بضرورة محاصرة الصين اقتصادياً، في الوقت الذي تعاني فيه الولايات المتحدة أزمات اقتصادية حادة نتيجة ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار النفط عالمياً، وكذلك تورطها في الحرب الأوكرانية. 

الدوافع الأمريكية للشراكة:

يلاحظ أن الشراكة الجديدة محكومة بدوافع متعددة منها ما يتعلق بالظروف الداخلية للولايات المتحدة، وآخر يتعلق بالظروف الإقليمية والدولية وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- تعزيز شعبية بايدن: لا شك أن تراجع شعبية بايدن، وقرب انتخابات التجديد النصفي أحد أبرز الأسباب الداخلية وراء تحرك الإدارة الديمقراطية للإعلان عن الاتفاق، خاصة مع ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية في الولايات المتحدة بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، على نحو دفع بايدن إلى وصف التضخم في الولايات المتحدة على أنه "تضخم بوتين".

وعلى الرغم مما سبق، فإن العديد من الأمريكيين يشككون في هذه الرواية، ويرون أن بايدن أخفق في الإيفاء بوعوده لتحسين المستوى الاقتصادي في الولايات المتحدة، وجائحة كوفيد-19، وأزمة الطاقة العالمية، وجميعها أزمات كانت سابقة على الحرب الأوكرانية.

وبالتالي، يأمل بايدن أن تكون هذه الاتفاقية ميلاداً جديداً للاستفادة من الشركاء في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما يعزز من تنافسية الاقتصاد الأمريكي وتأمين سلاسل التوريد، في الوقت الذي تراجعت فيه الهيمنة الاقتصادية الأمريكية أمام تنامي النفوذ الصيني الاقتصادي.

2- محاصرة الصين اقتصادياً: على الرغم من انشغال واشنطن وتركيزها على دعم أوكرانيا في حربها ضد روسيا، فإن الصين لا تزال تُشكل "أخطر تحدٍ طويل الأمد للنظام الدولي"، وفقاً لتصريح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكين، في خطاب ألقاه في جامعة جورج واشنطن في مايو 2022، وهو ما يكشف عن احتدام التنافس الاستراتيجي بين البلدين.

وتدرك الولايات المتحدة أنه لا يمكن التصدي لتنامي النفوذ الصيني من خلال التحالفات الأمنية والجيوسياسية مثل تحالف الكواد أو أوكوس، وإنما يتعين لاحتواء الصين اقتصادياً وتكنولوجياً.

وعلى هذا النحو، قررت إدارة "بايدن" إطلاق هذه الاتفاقية وذلك لتحقيق هدف رئيسي وهو تقويض اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الإقليمية (The Regional Comprehensive Economic Partnership)، المكونة من 15 دولة، تتزعمها الصين، والتي تثير مخاوف واشنطن وحلفاؤها؛ إذ إن غياب الولايات المتحدة عن اتفاقيات التجارة الإقليمية يمنح بكين فرصة لتأسيس ريادتها في وضع القواعد والمعايير للتجارة والاقتصاد، لاسيما في التقنيات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي والتجارة الرقمية، خاصة في ظل تمدد الصين الهائل في سلاسل التوريد العالمية. 

3- الأهمية الاقتصادية للمحيطين: تدرك واشنطن أهمية منطقة المحيطين من الناحية الاقتصادية؛ حيث إن الدول المنضمة للاتفاقية (اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والهند سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا وفيتنام والفلبين وتايلاند وبروناي) تُمثل 40% من الاقتصاد العالمي، ومن المتوقع أن تكون هذه المنطقة أكبر محرك للنمو العالمي لمدة 30 عاماً مقبلة، وبالتالي، فإن وضع إطار اقتصادي بين واشنطن وحلفائها في هذه المنطقة سيعطي فرصاً لإدارة بايدن لاستعادة القيادة الأمريكية الاقتصادية في العالم.

عقبات أمام النجاح: 

على الرغم من تعدد الدوافع الأمريكية لإقامة شراكة اقتصادية مع دول المحيطين الهندي والهادئ، فإن فرص نجاح واشنطن في تفعيل الشراكة تبدو ضعيفة للأسباب التالية:

1- الشك في الالتزام الأمريكي: يلاحظ أن الاتفاقية التي أعلن عنها بايدن ما هي إلا نسخة مكررة من اتفاق "الشراكة العابرة للمحيط الهادئ" (The Trans-Pacific Partnership) لعام 2016، والذي تمت صياغته خلال الولاية الرئاسية الثانية للرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، والتي انسحب منها الرئيس الجمهوري السابق، دونالد ترامب في عام 2017، معتبراً إياه مضيعة للوقت، وأنه سيقوض الاقتصاد الأمريكي، وسينال من مبدأ "أمريكا أولاً".

ويعود بايدن، بعد أقل من 6 سنوات، ليكرر التجربة ذاتها، وهو ما يكشف عن تخبط أمريكي، وأن واشنطن لا تمتلك رؤية متسقة لمستقبل النظام الاقتصادي العالمي، وهو ما يجعل العديد من الدول تتريث في الانضمام لها، خاصة أن حظوظ الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي لا تبدو قوية. 

2- إطار محدود للتكامل: يرى مراقبون أن "الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ" هو اتفاق ضعيف، ولا يرقى إلى مستوى اتفاقية تجارة حرة تخفض التعريفات الجمركية، وتضمن لدول المنطقة الوصول إلى الأسواق الأمريكية، وهو ما يعني أن هذا الإطار لن يصب في مصلحة دول منطقة المحيطين من الناحية الاقتصادية قصيرة الأجل. كما يشكك المحللون في مدى دعم الديمقراطيين في الكونجرس الأمريكي لهذا الإطار، بالنظر إلى التكلفة السياسية المرتفعة داخلياً لفتح الباب أمام منتجات الدول الأجنبية للوصول إلى الأسواق الأمريكية.

ولعل ذلك هو ما دفع وزير الخارجية الصيني وانج يي للتأكيد على أن المبادرة الأمريكية في آسيا محكوم عليها بالفشل قبل أن تبدأ، مشيراً إلى أن المبادرة في جوهرها تقوم على "إثارة الانقسام والتحريض على المواجهة وتقويض السلام، وبغض النظر عن كيفية تغليفها أو إخفائها، فإنها ستفشل حتماً في النهاية".

3- رفض دول استعداء الصين: لا يعتقد المحللون أن تكون هذه الاتفاقية عامل جذب لدول المحيطين، وبصفة خاصة تلك التي لا تريد إثارة غضب الصين. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن الصين تُعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وأصبحت أكثر شريك تجاري لمعظم دول منطقة المحيطين، وفي ظل تنامي العولمة وتسهيل حركة التجارة، لاسيما بموجب "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة"، فإنه من غير المتوقع أن تنجح الولايات المتحدة في إضعاف التعاون الاقتصادي بين الصين ودول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لاسيما أن الاتفاقية المُعلن عنها لا تقدم أي معاملات تفضيلية للشركاء.

ويلاحظ أن القادة في الهند لم يتخذوا موقفاً واضحاً بعد تجاهها. وهو ما قد يرجع إلى عدم رغبة نيودلهي في افتعال المزيد من الأزمات مع الصين، إذ تريد نيودلهي أن تلعب دوراً مهماً في الشؤون العالمية من خلال سياسة خارجية مستقلة بعيداً عن الأحلاف الدولية. 

4- جاذبية الاتفاقية الإقليمية للصين: تواجه الاتفاقية التي طرحتها الولايات المتحدة منافسة من أطر أخرى بديلة، وتحديداً اتفاقية "الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة"، إذ إن اتفاق التجارة الحرة هذا يضم الدول العشر الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا (بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام)، بالإضافة إلى الصين، اليابان، الهند، كوريا الجنوبية، أستراليا ونيوزيلندا، وبالتالي، فهي تُعد أكبر اتفاقية تجارة حرة في العالم تغطي حوالي 30% من سكان العالم، كما يمثل حجمها الاقتصادي والتجاري 30% من الإجمالي العالمي.

ومن ناحية أخرى، تعتبر الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة العابرة للمحيط الهادئ، التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2018، (Comprehensive and Progressive Agreement for Trans-Pacific Partnership) إطاراً تجارياً مهماً عابراً للقارات؛ إذ تجمع 11 دولة، هي: أستراليا، وبروناي، وكندا، وتشيلي، واليابان، وماليزيا، والمكسيك، ونيوزيلندا، وبيرو، وسنغافورة، وفيتنام، وتلتزم بتعزيز التجارة، بالإضافة إلى أحكام لحماية حقوق العمال وتعزيز الشفافية ومعالجة القضايا البيئية وتغير المناخ.

5- فشل المبادرات الأمريكية في أفريقيا: لم تستطع استراتيجية ترامب تجاه أفريقيا التي صدرت في ديسمبر 2018، والتي تضمنت مبادرة "ازدهار أفريقيا" (Prosper Africa) الوفاء بالوعود الأمريكية، وهو ما انعكس بطريقة واضحة في تراجع حجم التجارة بين الطرفين إلى 41 مليار دولار في عام 2018 بعدما كان 100 مليار دولار في عام 2008، فضلاً عن انخفاض حجم الاستثمار الأمريكي المباشر في أفريقيا من 50.4 مليار دولار في عام 2017 إلى 43.2 مليار دولار في عام 2019، وجاء هذا الانخفاض بنسبة 14% في وقت كانت فيه دول أخرى، مثل الصين، تزيد من استثماراتها في المنطقة.

وفي الختام، يلاحظ أن الاتفاقية الأمريكية الجديدة تواجه بالعديد من التحديات، سواء بسبب السوابق الأمريكية السابقة، والتي طرحت اتفاقيات مماثلة، ثم ما لبثت أن تراجعت عنها، أو بسبب فشل مبادرة "ازدهار أفريقيا"، والتي كانت تهدف إلى تعزيز الشراكة والتعاون مع الاقتصادات الأفريقية، أو بسبب وجود اتفاقات أخرى أكثر جاذبية لدول المنطقة، بقيادة الصين.