أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مسارات مختلفة :

عقبات أمام تعافي الاقتصاد الإيراني

28 يونيو، 2021


يقف الاقتصاد الإيراني في الوقت الراهن عند مفترق طرق، في ظل المفاوضات التي تجريها إيران بشأن برنامجها النووي، مع مجموعة "4+1" بمشاركة أمريكية غير مباشرة. فهذه المفاوضات يمكن أن تؤول لأحد ثلاثة سيناريوهات، فهى إما أن تنتهي بإبرام اتفاق نووي جديد، أو أن تعود إلى الاتفاق القديم، الذي تم التوصل إليه في عام 2015، أو أن تفشل تماماً، وتدفع العلاقات الإيرانية-الغربية للمزيد من التعقيد والتوتر. 

ولكل من السيناريوهات الثلاثة وقعه على الاقتصاد الإيراني، لما سيكون له دلالة كبيرة بشأن العقوبات المفروضة عليه، وبالتالي على فرص عودته للاقتصاد العالمي، وحصوله على ما يحتاج من النقد الأجنبي، سواء عبر التصدير أو الاستثمار الأجنبي أو الاقتراض؛ وكل ذلك سيعني أن هناك مساراً مختلفاً للتعافي الاقتصادي الإيراني في ظل كل سيناريو على حدة.

الاتفاق الجديد:

تأمل أطراف التفاوض بشأن الملف النووي الإيراني، ولاسيما الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، في عقد اتفاق نووي جديد، يكون أكثر شمولاً مما كان عليه الاتفاق الذي توصلوا إليه منذ ما يزيد عن خمسة أعوام ونصف. وبرغم أن إيران ليست لديها الرغبة ذاتها، كونها تدفع نحو الإبقاء على الاتفاق القائم، لكن تمكن المتفاوضين من إقناعها بتوسيع الاتفاق، سيكون من شأنه إضافة جوانب جديدة تتعلق ببرنامج الصواريخ الباليستية، وغير ذلك من البنود، كما أنه سيعني فرض واقع اقتصادي إيراني جديد، كونه سيزيل كافة العقوبات، بما سيكون له تأثيرات واسعة على فرص تعافيه.

وقد أشار معهد التمويل الدولي إلى أن الوصول إلى اتفاق نووي جديد سيفضي إلى تعافي الاقتصاد الإيراني بوتيرة أسرع مما كان متوقعاً، حيث أنه سينمو بمعدل 4.3% خلال عام 2021، ثم يرتفع نموه إلى 5.9% عام 2022 و5.8% عام 2023. وسيتمكن من زيادة احتياطياته من النقد الأجنبي إلى 140 مليار دولار بنهاية عام 2023، مقارنة بـ70 مليار دولار في مايو 2021. وفي مثل هذه الحالة، فإنه سيكون قادراً على تخفيض معدلات البطالة لمستويات أحادية الخانة، مقارنة بمستويات تبلغ 12% في الوقت الحالي وفق التقديرات الرسمية، ونحو 20% وفق التقديرات غير الرسمية.

ويأتي التعافي الاقتصادي المتوقع لإيران في ظل هذا السيناريو كنتيجة مباشرة لعودة صادراتها النفطية بكامل طاقتها إلى الأسواق العالمية، وهى قد تتجاوز 4 مليون برميل يومياً خلال أيام من رفع العقوبات، وقد تتجاوز هذا المستوى بفارق كبير في غضون أشهر معدودة، وهذا سيعني أن إيران ستكون قادرةً على تعديل ميزانها التجاري من العجز الذي بلغ نحو 4.5 مليار دولار في عام 2020، إلى فائض بأضعاف ذلك المبلغ خلال عام واحد على أقصى تقدير. ومع تحسن قدرة الاقتصاد على الوصول لأسواق التمويل والاستثمار الأجنبي، فإنه سيكون قادراً بشكل استثنائي على تعزيز أوضاعه المالية والنقدية وبشكل سريع، وبالتالي توليد فرص عمل بأعداد من شأنها تقليص رصيد البطالة المتراكم منذ عقود.

عوائد محدودة:

برغم كل ما يحمله الاتفاق النووي الجديد -في حال التوصل إليه- من آمال كبيرة وتبعات اقتصادية إيجابية على إيران، لكن تبقى واقعية تحقق ذلك السيناريو أمراً محفوفاً بالكثير من التحديات، في ظل تمسك إيران بموقفها، وعدم رغبتها في تقديم أي تنازلات بشأن ملفها النووي أو برنامجها الصاروخي، وفي ظل تمسك الولايات المتحدة -على وجه التحديد- في الطرف الآخر، بعدم تقديم أي تنازلات بشأن العقوبات المفروضة على إيران، في حال لم يتم تضمين تلك البنود في الاتفاق.

وفي مثل هذه الظروف، سيقتصر أفضل السيناريوهات على عودة الطرفين للاتفاق النووي لعام 2015، وهذا سيعني الإبقاء على العديد من العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران، بما يحد من قدرتها على الوصول للأسواق العالمية والاستثمارات الأجنبية، وسيدفع الشركات والمستثمرين الأجانب إلى تجنب العودة إلى الأسواق الإيرانية، خوفاً من الوقوع تحت طائلة العقوبات، كما ستبقى صادرات النفط الإيرانية عند حدود بعيدة عن طاقتها الكلية.

وقد توقع معهد التمويل الدولي أنه في حال عودة الطرفين للاتفاق القديم فإن ذلك سيبقي بعض الضغوط على معدلات النمو الاقتصادي لإيران، إذ أنها لن تتمكن من تجاوز 3.5% في عام 2021، ونحو 4.1% و3.8% في عامي 2022 و2023، على الترتيب، وهذه المعدلات قريبة نسبياً من المعدلات المتوقع أن يحققها الاقتصاد الإيراني بمجرد انحسار تداعيات أزمة كورونا تدريجياً، ومن دون التوصل لأي اتفاق نووي، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي.

وفي حال تحقق هذا السيناريو أيضاً، فإن ذلك سيبقي على العديد من القيود والضغوط على أسواق العمل الإيرانية، التي لن تتمكن من توليد الوظائف بمعدلات كبيرة، بما يكفي لمحاصرة أزمة البطالة، على نحو يعني بقاء البطالة قريبة من المعدلات الراهنة، كما ستبقى معدلات الفقر في إيران عند مستوياتها المقلقة بالنسبة للحكومة، ومزعزعة للاستقرار الاقتصادي والكلي على المستوى المجتمعي.

سيناريو كارثي:

في حال عدم قدرة طرفي التفاوض على إبرام أي اتفاق، فإن ذلك يطرح سيناريو ثالثاً، أكثر سوءاً بالنسبة لإيران واقتصادها. وهذا السيناريو يعزز تحققه فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، وهو الرئيس الذي يتبنى مواقف متشددة تجاه الدول الغربية، كما أن الأخيرة تراه في المقابل غير مؤهل لإقامة علاقات شفافة وذات مصداقية معها. ولعل توقف المفاوضات النووية بين الجانبين منذ إعلان نتائج الانتخابات هو خير دليل على ذلك.

ويفضي هذا السيناريو، في حال حدوثه، لانتكاسة أكبر في الأداء الاقتصادي الإيراني، لاسيما أنه سيكون سبباً في مزيد من التوتر في العلاقات الإيرانية-الغربية. وقد تتعرض إيران في ظله لموجة عقوبات جديدة، تكون أشد من العقوبات المفروضة عليها الآن. وقد تنضم الدول الأوروبية للولايات المتحدة، وتصبح هي الأخرى أكثر رغبة في الضغط اقتصادياً على طهران، وهذا سيعني مزيداً من القيود على قدرة إيران على الوصول للأسواق العالمية، كما أنها قد تتعرض لإيقاف شبه تام لصادراتها النفطية، وقد تنعدم قدرتها بشكل شبه كلي على الوصول للنقد الأجنبي.

سيتسبب هذا السيناريو في انتكاسة كبيرة للنمو الاقتصادي الكلي في إيران، وفي ظله يرجح أن يبقى ذلك النمو عند نفس المستويات التي شهدها في عام 2020، في أسوأ مراحل أزمة كورونا، والتي أدت لانكماشه بمعدل يزيد عن 6%، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي. وفي ظل هذا السيناريو، ستتعرض الاحتياطيات النقدية الإيرانية للاستنزاف السريع، ما يعزز فرص انحدار عملتها الوطنية، ودخولها في موجة تدهور أخرى، من شأنها دفع معدلات التضخم لتجاوز مستوياته خلال الفترة الماضية، والتي بلغت 48% خلال عام 2019. وبجانب ذلك، ستتفاقم أزمة البطالة، وتتعاظم معدلات الفقر في إيران، ما قد يدخل البلاد في موجة اضطراب وعدم استقرار سياسي وأمني شديدين.

وفي المجمل، فإن حدوث أىٍ من السيناريوهات الثلاثة، ومن ثم تحقق تبعاتها الاقتصادية على إيران، يظل محكوماً بالتطورات المرتقبة على صعيد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين إيران والقوى الكبرى، بعد تولي الرئيس الإيراني المنتخب مقاليد الحكم في بلاده، وكذلك مدى تمكن إدارة بايدن من إقناع الأوساط السياسية الأمريكية الداخلية بتوسيع الاتفاق النووي، هذا بجانب النهج المتوقع للدول الأوروبية في التعامل مع الملف الإيراني في المستقبل. وأمام كل ذلك، تظل الدول المعنية بالملف النووي الإيراني، وتلك المتضررة من الدور الإيراني بالمنطقة، مطالبة بمراقبة ما يحدث، ولعب دور إيجابي يمكنها من المحافظة على أمنها ومصالحها، من أي تهديد إيراني قائم أو محتمل.