أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استباق الصفقة:

هل تُصعِّد إيران مجدداً في البرنامج الصاروخي؟

27 يونيو، 2021


عاد الجدل من جديد حول برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية الذي يمثل أحد محاور الخلافات بين إيران والقوى الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، في 23 يونيو الجاري، أن إيران أجرت تجربة جديدة فاشلة لإطلاق قمر صناعي إلى الفضاء، في 12 من الشهر نفسه. ورغم أن إيران نفت ذلك، إلا أن التصعيد في ملف الصواريخ الباليستية تحديداً يبدو احتمالاً غير مستبعد، خاصة في الفترة الحالية، على ضوء استمرار المفاوضات التي تجري بين إيران ومجموعة "4+1" بمشاركة أمريكية غير مباشرة في فيينا، للوصول إلى صفقة جديدة تعزز من احتمال استمرار العمل بالاتفاق النووي خلال المرحلة القادمة.

واللافت هنا أن هذا الجدل توازى مع ما سبق أن نشرته وسائل إعلام أمريكية حول احتمال قيام روسيا بتزويد إيران بقمر صناعي لأغراض التجسس العسكري، وهو ما نفته الأخيرة أيضاً. ورغم أنه قد لا تكون هناك صلة مباشرة بين الحدثين، فإن تصاعد الجدل حولهما في هذا التوقيت يوحي بأن الخلاف على أشده بين إيران والدول الغربية حول هذا الملف تحديداً، وأن ذلك قد يكون أحد الأسباب التي أدت إلى إطالة أمد المفاوضات حتى الآن، على نحو دفع الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الغربية الأخرى، مثل فرنسا، إلى التحذير من "نفاد الوقت"، في إشارة إلى أنه لا يمكن التفاوض مع إيران إلى ما لا نهاية، وأنه ما لم تكن هناك معالم واضحة للصفقة المحتملة في المرحلة القادمة فإن إيقاف المفاوضات قد لا يكون احتمالاً مستبعداً.

احتمال قائم:

ربما يكون عزوف إيران عن إجراء تجارب خاصة بالصواريخ الباليستية خلال الفترة التي عقدت فيها مفاوضات فيينا، نتيجة لضغوط مارستها حكومة الرئيس حسن روحاني من أجل تعزيز فرص الوصول إلى صفقة جديدة. وقد تكون هذا الضغوط قد نجحت في التأثير على القرار المتخذ في هذا الشأن، نتيجة أنها لم تقابل برفض من جانب المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي يسعى بدوره إلى الوصول لصفقة نووية تتوافق مع مصالح إيران وتمنحها مكاسب استراتيجية وعوائد اقتصادية كبيرة. 

لكن هذا التوجه قد لا يستمر في المرحلة القادمة. ومن هنا، تضفي اتجاهات عديدة أهمية خاصة على التقارير التي تشير إلى بداية اتجاه طهران نحو إجراء تجارب خاصة بإطلاق أقمار صناعية التي تعتمد على تكنولوجيا الصواريخ الباليستية. 

أهداف متقاطعة:

يمكن تفسير تصاعد الجدل حول هذا الملف تحديداً في هذا التوقيت، في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تأكيد التوجه: إذا كانت إيران عزفت في الفترة الماضية عن إجراء تجارب خاصة بالصواريخ الباليستية، لدعم فرص الوصول إلى تسوية أو توافق مع الدول الغربية، فإن ذلك قد لا يستمر خلال المرحلة القادمة. إذ ربما تتجه إيران فعلاً إلى اتخاذ خطوات جديدة في هذا السياق، لتأكيد رفضها المسبق لإجراء مفاوضات جديدة حول هذا الملف تحديداً- إلى جانب ملف الدور الإقليمي ودعم الوكلاء في المنطقة- وهى الدعوة التي تبنتها الدول الغربية في أكثر من مناسبة. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن أحد محاور الخلافات في مفاوضات فيينا ربما يتركز حول ضغوط تمارسها واشنطن من أجل انتزاع موافقة من طهران على إجراء مفاوضات ملحقة خاصة بهذا الملف، وهو ما يقابل برفض من جانب الأخيرة.

2- تثبيت الواقع: قد يكون اتخاذ خطوات تصعيدية في هذا السياق تحديداً مرتبطاً بإصرار إيران على عدم إجراء أى تغيير في البند الخاص بالصواريخ الباليستية، والذي يشير إليه الاتفاق النووي الحالي وقرار مجلس الأمن رقم 2231، الذي صدر بعد أسبوع من الإعلان عن الاتفاق الأخير في 14 يوليو 2015. إذ يتضمن هذا البند عبارة غامضة استغلتها إيران في توسيع هامش الحركة والمناورة المتاح أمامها وتبرير إجراء تجارب متعددة على برنامج الصواريخ الباليستية، بزعم أن مواصفات الصواريخ التي حددها البند ودعا إيران إلى عدم إجراء أنشطة تطوير خاصة بها لا تتطابق مع الصواريخ التي تمتلكها بالفعل، فضلاً عن غياب الصيغة "الإلزامية" في البند، والتي لا تفرض تأثيرات أو ضغوط قوية على إيران في حالة مخالفتها، وهو ما حدث بالفعل، حيث أجرت إيران تجارب عديدة خاصة بالصواريخ الباليستية على مدى الأعوام الستة الماضية ولم تتعرض لضغوط قوية من جانب القوى المعنية، التي اكتفى معظمها بإصدار بيانات للتنديد دون اتخاذ خطوات عقابية مؤثرة.

3- رسائل الانتخابات: ربما لا يمكن استبعاد أن يكون لنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 18 يونيو الجاري، تأثير مباشر في هذا السياق. وهنا، فإن المسألة لا تنحصر في اقتراب موعد انتهاء ولاية الرئيس الحالي حسن روحاني في أغسطس القادم، وإنما تمتد إلى توجهات الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي، الذي أكد في أول مؤتمر صحفي يعقده بعد فوزه في الانتخابات، في 21 يونيو الجاري، أنه "لا تفاوض حول البرنامج الصاروخي أو الدور الإقليمي"، في مؤشر يوحي بأن إيران لن تجري، في الغالب، أية تغييرات على سياستها الخارجية، لاسيما إزاء الملفات الخلافية الرئيسية مع الدول الغربية، بل إنها قد تمعن في اتخاذ خطوات جديدة لتأكيد إصرارها على مواصلة توجهاتها الحالية، لاسيما إزاء البرنامج الصاروخي ودعم الحلفاء الإقليميين. 

4- تأثير الحرس: قد لا تكون "التهدئة" الصاروخية الإيرانية في المرحلة الماضية مرتبطة فقط، بضغوط حكومة روحاني- بضوء أخضر من جانب المرشد- أو بحرص إيران على منح الفرصة لوفد التفاوض من أجل الوصول إلى صفقة جديدة في مفاوضات فيينا، وإنما قد يتصل ذلك بتطلع الحرس الثوري إلى تعزيز دوره مجدداً، لاسيما بعد فوز رئيسي بالانتخابات الرئاسية، وهو الدور الذي تعرض لضربة لا تبدو هينة بمقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس قاسم سليماني برفقة نائب أمين عام ميليشيا "الحشد الشعبي" العراقية أبو مهدي المهندس في 3 يناير 2020، في العملية العسكرية التي شنتها طائرة أمريكية من دون طيار بالقرب من مطار بغداد. 

فرغم أن المهمة الأساسية لـ"فيلق القدس" كانت تتركز حول إدارة العمليات الخارجية، إلا أن ذلك لا ينفي أن سليماني كان يحظى بنفوذ يتجاوز حدود صلاحياته كقائد للفيلق، لدرجة كانت تمكنه من التأثير في عملية صنع القرار إزاء القضايا الأخرى، لاسيما الملف النووي والبرنامج الصاروخي. وبمقتله فإن تأثير الفيلق ودوره في تلك العملية تراجع، وهو ما قد يحاول الحرس تعويضه في الفترة القادمة، لاسيما مع وصول رئيس جديد يتبنى توجهات أقرب إليه من السياسة التي يتبعها الرئيس الحالي حسن روحاني، على نحو قد يدفع في اتجاه اتخاذ خطوات جديدة على المستويين الصاروخي والإقليمي بالتوازي مع مفاوضات فيينا أو ما بعدها.

في النهاية، يمكن القول إنه أياً كانت نتيجة المفاوضات الحالية في فيينا، فإن الخلافات سوف تبقى مستمرة بين إيران والدول الغربية. إذ أن المسألة لا تنحصر فقط في خلاف حول البرنامج النووي، وإنما، وربما يكون ذلك هو الأهم، تمتد إلى التوجهات العامة التي يتبناها النظام الإيراني والتي لا تتوافق مع مصالح وحسابات تلك الدول.