شهدت الفترة الأخيرة، وتحديداً منذ بداية العام الجاري 2024، تحركات عديدة قادتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الآسيويون، استهدفت بشكل محدد الصين، حتى وإن لم تعلن عن ذلك صراحة، تنوعت ما بين عسكرية وسياسية واقتصادية، تجلى هدفها الأكبر في استمرار محاصرة الصين، وتضييق الخيارات المتاحة أمامها للتحرك في مواجهة منافسيها، أو بمعنى أدق، أعدائها الإقليميين؛ إذ يسعى الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى تعزيز الشراكات مع حلفاء بلاده في آسيا، بما في ذلك اليابان والفلبين، فيما تُعزز الصين قدراتها العسكرية، وتوطد أقدامها في المنطقة؛ وهو ما يضع القيادة الصينية أمام إشكالية ومعضلة معقدة تتجلى في كيفية الرد على تلك التحركات والحد من انعكاساتها وتداعياتها على الصين.
سياقات مأزومة:
لا يمكن فصل التحركات الأمريكية بالتعاون مع حلفاء واشنطن الآسيويين عن مجموعة من السياقات الإقليمية والدولية المأزومة، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. تنامي التوترات بين الصين والفلبين: اتسمت الفترة الأخيرة بمستوى غير مسبوق من التوترات بين بكين ومانيلا، بسبب خلافاتهما بشأن مطالبهما الإقليمية في بحر الصين الجنوبي؛ إذ شهدت المنطقة منذ بداية العام الجاري 2024، سلسلة حوادث قرب شعاب مرجانية مُتنازع عليها، ومنها حادثيْ التصادم بين سفن صينية وفلبينية قرب جزيرة سكند توماس شول، في مارس 2024.
وقدمت الفلبين 388 احتجاجاً دبلوماسياً بين عامي 2016 ويونيو 2022، بشأن تصرفات بكين في بحر الصين الجنوبي، تضمنت الاحتجاج على بناء الجزر، واصطدام السفن الصينية بقوارب الصيد الفلبينية، وعرقلة المناورات، وإطلاق خراطيم المياه ضد أفراد البحرية الفلبينية.
2. توطيد العلاقات بين واشنطن ومانيلا: تشهد العلاقات بين الولايات المتحدة والفلبين، تحسناً كبيراً في كافة المجالات، منذ تولي الرئيس الفلبيني، فرديناند ماركوس، السلطة في يونيو 2022، فقد استضاف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، نظيره الفلبيني، في العام الماضي 2023، في البيت الأبيض. وخلال اللقاء وافقت الفلبين على منح الولايات المتحدة حق الوصول إلى أربع قواعد عسكرية جديدة في الجزر التابعة لها. وعلى الصعيد الأمني والدفاعي، يناقش مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون لمنح مانيلا 2.5 مليار دولار؛ لتعزيز دفاعاتها ضد الضغوط الصينية.
وعلى الصعيد الاقتصادي والتجاري، قام وفد تجاري واستثماري أمريكي ضم 22 شركة أمريكية بارزة ومنظمة غير ربحية، بقيادة وزيرة التجارة، جينا ريموندو، في مارس 2024، بزيارة الفلبين لاستكشاف الفرص. كما تجري مانيلا محادثات مع واشنطن لتوقيع اتفاقية تجارة حرة قطاعية تجعل معدن النيكل مؤهلاً للحصول على دعم بموجب قانون خفض التضخم الأمريكي لعام 2022.
3. تزايد التنافس بين الصين والولايات المتحدة: تُعد العلاقات بين بكين وواشنطن أهم علاقات ثنائية على المستوى العالمي. والمتابع لطبيعة تفاعلات هذه العلاقات يلحظ أن التنافس بين القوتين الكبريين هو السمة المسيطرة عليها، وذلك في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، والذي يشمل حزمة متنوعة من القضايا، من قبيل شكل النظام الدولي، والهيمنة الإقليمية على جنوب شرق آسيا، وسرعة نمو الاقتصاد الصيني مقارنة بنظيره الأمريكي.
وقد وصف بايدن الصين، بأنها المنافس العالمي الوحيد للولايات المتحدة الذي لديه "نية" إعادة تشكيل النظام الدولي. ورغم سيطرة التوتر على العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، فإن الدولتين تحرصان على إبقاء الصراع سلمياً وتجنب خروجه عن السيطرة، بل والحفاظ على قدر كبير من علاقات التعاون بين القوتين.
4. تطور القوة العسكرية الصينية: تمتلك الصين ثالث أكبر جيش في العالم بعد الولايات المتحدة وروسيا، كما يُصنف أسطولها البحري في المرتبة الأولى عالمياً. وهي تواصل بناء قدراتها العسكرية وتطور أسلحتها الهجومية والدفاعية في البر والبحر والجو، إضافة إلى القدرات الصاروخية بجميع أنواعها. وهو الأمر الذي يُثير، وفقاً لمجلة "ديفينس نيوز" الأمريكية، المخاوف بشأن إمكانية اندلاع حرب مع الولايات المتحدة في المستقبل. وتُعد زيادة حجم الإنفاق العسكري من أهم العوامل التي أسهمت في تسارع القدرات العسكرية للصين، والتي أصبحت تمتلك ثاني أكبر ميزانية دفاع في العالم، قُدرت في عام 2022، بنحو 230 مليار دولار.
تحركات مُكثّفة:
قامت الولايات المتحدة، بالتعاون مع حلفائها الآسيويين، بالعديد من التحركات التي مثّلت في جوهرها ومضمونها استهدافاً واضحاً للصين، وذلك في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. تنسيق المواقف والرؤى السياسية: تعمل واشنطن على تنسيق مواقفها ورؤاها السياسية مع حلفائها الرئيسيين في آسيا، ولاسيما اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين وتايوان، وذلك في إطار جهود إدارة بايدن لتدشين تحالفات مع الدول ذات التفكير المماثل للولايات المتحدة، في المنطقة ذات الأهمية الجيوسياسية التي تتنافس بكين وواشنطن على النفوذ والهيمنة فيها. فضلاً عن رغبة كل من اليابان والفلبين في تعزيز التعاون مع الولايات المتحدة لمواجهة الصين.
وبناءً على مُخرجات القمم الثنائية والثلاثية التي استضافتها واشنطن، في 11 إبريل 2024، فقد عارضت واشنطن وطوكيو بشدة محاولات الصين لتغيير الوضع الراهن في بحر الصين الشرقي؛ إذ تُطالب بكين بجزر سينكاكو الواقعة تحت سيطرة اليابان. كما أكدت الدولتان أيضاً ضرورة التسوية السلمية للخلافات بين الصين وتايوان. ونددت الولايات المتحدة واليابان والفلبين، بما وصفته بـ"السلوك الخطر والعدواني" لبكين في بحر الصين الجنوبي.
2. تعزيز التعاون العسكري والدفاعي: عملت الولايات المتحدة، عبر القمم الثلاث المشار إليها، على تعزيز وتعميق علاقات التعاون العسكري والدفاعي مع اليابان والفلبين في مواجهة الصين. وتمثلت أبرز النتائج بهذا الصدد، في: إعلان تأسيس حوار ثلاثي جديد لتعزيز التنسيق البحري بين الدول الثلاث.
وتخطط واشنطن وطوكيو لإعادة هيكلة القيادة العسكرية الأمريكية في اليابان، وأبدت الولايات المتحدة التزامها بدعم بعض المشروعات العسكرية اليابانية مادياً وتكنولوجياً؛ بهدف جعل قواتهما أكثر استعداداً في مواجهة الأزمات، مثل غزو صيني لتايوان. وتعهد واشنطن بالدفاع عن الفلبين في حالة تعرضها لهجوم من جانب الصين.
بالإضافة إلى تخطيط الولايات المتحدة للقيام بدوريات مشتركة لخفر السواحل في منطقة المحيطين الهندي والهادئ في العام المقبل، بجانب أنشطة التدريب البحري المشتركة.
3. بحث توسيع تحالف "أوكوس": أشارت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية إلى اعتزام الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا إجراء محادثات بشأن ضم أعضاء جدد إلى تحالف "أوكوس"، الذي سُتقدم بموجبه واشنطن ولندن غواصات نووية بتكنولوجيا متقدمة إلى أستراليا؛ إذ تسعى واشنطن إلى ضم اليابان إلى الاتفاقية الأمنية التي تهدف إلى ردع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتي وصفت الاتفاق بأنه خطر، وحذّرت من أنه قد يؤدي إلى سباق تسلح إقليمي. وتُعد اليابان المرشح الطبيعي للانضمام للتحالف، باعتبارها الحليف الأهم في آسيا بالنسبة للأعضاء الثلاثة.
4. تعزيز الضغوط الاقتصادية: تعمل واشنطن على حشد وتوحيد صفوف حلفائها الآسيويين للضغط على الصين اقتصادياً، ولاسيما في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات. فخلال القمة الأمريكية اليابانية، اتفق الطرفان على قواعد جديدة للدعم تهدف إلى تجنب الاعتماد على واردات المنتجات الرئيسية منخفضة السعر، مثل: الرقائق الدقيقة والبطاريات والتعاون البحثي في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والطاقة النظيفة.
كما ناقش القادة الثلاثة التعاون في مجال التنمية الاقتصادية، والشراكات المناخية، والتكنولوجيات الحساسة. وتسعى اليابان إلى زيادة الاستثمارات الاقتصادية في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية للحد من هيمنة الصين في هذا المجال.
وفي إطار تحركاتها المُكثّفة لتقييد طموحات الصين في مجال الرقائق وأشباه الموصلات، ضغطت إدارة بايدن على كوريا الجنوبية لتشديد القيود على صادرات تكنولوجيا أشباه الموصلات إلى الصين. كما أعلنت واشنطن عن منح دعم بقيمة 6.6 مليار دولار وقروض حكومية تصل إلى 5 مليارات دولار، لشركة تصنيع أشباه الموصلات التايوانية (TSMC)، لإنتاج الرقائق المتقدمة في ولاية أريزونا.
دلالات مُهمة:
تعكس التحركات الأخيرة لواشنطن وحلفائها الآسيويين ضد الصين، العديد من الدلالات المهمة، ويمكن توضيح ذلك في الآتي:
1. محاولة عزل الصين: تُبدي الإدارة الأمريكية وحلفاؤها الآسيويون، ولاسيما اليابان والفلبين، قلقاً مُتزايداً حيال ما ترى هذه الدول أنه تصرفات استفزازية من جانب الصين في المحيط الهادئ. وهو ما يدفعها، عبر القمة الثلاثية، إلى توجيه رسالة إلى الصين، مُفادها أن محاولاتها لإرهاب جيرانها، ستجعل الصين تواجه خطر العزلة من جانب دول الجوار الإقليمي. وهو ما يُعد استمراراً لسياسة الاحتواء الاستراتيجي الذي تمارسه واشنطن وحلفاؤها الآسيويون لاحتواء وعزل الصين؛ إذ حذّر كيشيدا، في كلمة أمام الكونغرس الأمريكي، من مخاطر صعود الصين.
2. استمرار الدعم الأمريكي للفلبين: عكست القمة الثلاثية الأمريكية اليابانية الفلبينية في البيت الأبيض، دعماً كبيراً من جانب واشنطن وطوكيو للفلبين، في ظل التوتر المتزايد الذي يشوب علاقاتها مع الصين، في أعقاب المواجهات المتكررة بين سفن الدولتين في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه. وهو ما يُمكن تفسيره بارتباط الولايات المتحدة باتفاقية دفاع مشترك مع مانيلا، تلتزم بموجبها بالدفاع عن الفلبين ضد أي هجوم مسلح في بحر الصين الجنوبي. وتوجه اليابان نحو تعزيز علاقاتها مع الفلبين.
3. بروز الدور الإقليمي والعالمي لليابان: يعكس انخراط اليابان المتزايد في منطقة الإندوباسيفيك، سعي حكومة كيشيدا لجعل طوكيو فاعلاً أكبر في الأمن الإقليمي إلى جانب الولايات المتحدة، ولاسيما مع إعلانها في ديسمبر 2023، عن أكبر ميزانية دفاعية لها على الإطلاق بقيمة 300 مليار دولار، لتطوير وشراء أنظمة دفاع صاروخية وصواريخ هجوم أرضية بعيدة المدي ومنصات استخبارات ومراقبة واستطلاع، وتوسيع العلاقات الاستراتيجية مع دول مثل: أستراليا والفلبين.
كما ترغب الولايات المتحدة في جعل اليابان شريكاً عالمياً كاملاً لها، بما يتجاوز منطقتها ويمتد إلى أوروبا والشرق الأوسط. وهو ما يفسر تصريح بايدن، بأن الشراكة بين الولايات المتحدة واليابان "غير قابلة للكسر".
4. تزايد الانخراط الأمريكي في الإندوباسيفيك: تعتزم الولايات المتحدة واليابان والفلبين إطلاق دوريات بحرية مشتركة في بحر الصين الجنوبي، في وقت لاحق من العام الجاري (2024)، وهي خطوة من المُرجح أن تثير رد فعل قوي من جانب بكين. كما أنها تشير إلى توجه واشنطن نحو تكريس وجودها البحري في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لمواجهة الصين في المنطقة، وجذب مزيد من الحلفاء الآسيويين للانضمام إليها، ولاسيما اليابان، التي ستشارك للمرة الأولى في التدريبات البحرية المشتركة بين واشنطن ومانيلا.
تحركات مُضادة:
في مواجهة التحركات التي تقودها واشنطن وحلفاؤها الآسيويون ضدها، تحركت الصين على أكثر من مسار، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. تحديث وتطوير القدرات العسكرية: قامت بكين خلال السنوات القليلة الماضية بتحديث وتطوير قدراتها العسكرية بصورة مُتسارعة، للعديد من الاعتبارات المهمة، ومن أبرزها: الاستعداد لخوض الحروب الإقليمية والانتصار فيها، العامل التاريخي المرتبط بإدراك القادة الصينيين لأهمية امتلاك جيش قوي للحفاظ على بقاء دولتهم استناداً لتجارب سابقة جعلت إمبراطوريتهم تتراجع نتيجة ضعف قوتها العسكرية. ويُضاف إلى ذلك أن تنامي وضع الصين عالمياً وطبيعتها الجغرافية وحدودها مترامية الأطراف تستدعي امتلاك قوات عسكرية حديثة ومتطورة للتعامل مع التهديدات المستقبلية التي تشمل احتمال الدخول في نزاعات حدودية أو مواجهات مع دول أخرى، كالولايات المتحدة.
وبهدف تعزيز قوتها العسكرية وقدرتها على خوض الحروب العصرية والانتصار فيها، أعلنت الصين عن إنشاء قوة سيبرانية جديدة في الجيش الصيني. وقد عمل الرئيس الصيني، شي جين بينغ، منذ توليه السلطة على تطوير الجيش وتحديث قدراته العسكرية، في ظل تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة ودول أخرى في المنطقة. وصرح شي، بأن تأسيس القوة السيبرانية الجديدة قرار مهم للحزب الشيوعي الحاكم من أجل تحسين نظام القوة العسكرية العصرية.
2. تأكيد قانونية التحركات في بحر الصين: انتقدت بكين القمة الثلاثية بين الولايات المتحدة والفلبين واليابان، مؤكدةً أن نشاطاتها في بحري الصين الشرقي والجنوبي تتوافق مع القانون الدولي. كما أبدت استياءها من القمة الأمريكية اليابانية، وقالت إنها تعرّضت «للتشهير والهجوم» خلالها.
وترى بكين أن التعاون بين واشنطن وطوكيو يقوّض السلام والاستقرار الإقليميين، كما تُلقي باللوم على مانيلا في التوترات التي يشهدها بحر الصين الجنوبي، رغم اتفاق الدولتين، خلال زيارة ماركوس الابن للصين، في يناير 2023، على إنشاء آلية اتصال مُباشر لقضايا بحر الصين الجنوبي.
3. إمكانية التعويل على فوز ترامب: يمكن للقيادة الصينية أن تعوّل على سيناريو فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2024، ووصوله إلى البيت الأبيض. وذلك بالنظر إلى القلق الذي ينتاب العواصم العالمية الكبرى، بما فيها حلفاء واشنطن الآسيويين، حيال مسألة ما إذا كان ترامب سوف يلتزم بالاتفاقات والتحالفات التي أبرمها بايدن والرؤساء الأمريكيون السابقون. وهناك مخاوف حقيقية إزاء إمكانية تحرك ترامب، في حالة فوزه بالانتخابات، للتراجع عن الاتفاقيات المعلنة بين واشنطن وطوكيو. وهو السيناريو الذي سيجد ترحيباً كبيراً من جانب بكين، ولاسيما وأن انتقاد ترامب لاتفاقيات الدفاع الأمريكية مع اليابان وكوريا الجنوبية وتهديده بسحب القوات الأمريكية يصب في مصلحة الصين فيما يتعلق بتايوان.
4. تمتين العلاقات مع روسيا وكوريا الشمالية: أعلنت بكين وموسكو اعتزامهما تعزيز علاقات التعاون الاستراتيجي بينهما، وذلك خلال زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى بكين مؤخراً. وكانت الدولتان قد أعلنتا في فبراير 2022، عن شراكة "بلا حدود"، ومنذ ذلك الحين تتجه علاقاتهما نحو مزيد من القوة، كما ينسق الجانبان بشأن الأمن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وفي الأعوام الأخيرة عززت الصين وروسيا تعاونهما الاقتصادي والدبلوماسي، وأصبحت الشراكة الاستراتيجية بينهما أكثر قوة، كما تشهد العلاقات بين البلدين تطوراً لافتاً، خاصة على الصعيد الاقتصادي. ورغم أن التعاون بين بكين وموسكو قد لا يصل إلى التحالف الرسمي، فإن تطور علاقتهما في السنوات المقبلة سيؤثر بشكل متزايد في العالم ويتحدى الغرب، بحسب التقارير الغربية.
كما ترتبط الصين بعلاقات قوية مع كوريا الشمالية، إذ تُعد بكين أهم شريك اقتصادي وحليف دبلوماسي لبيونغ يانغ، وتعرقل إلى جانب روسيا، الجهود التي تقودها واشنطن في مجلس الأمن الدولي؛ لتشديد العقوبات على نظام الزعيم كيم جونغ أون، رداً على تجارب الأسلحة لكوريا الشمالية.
5. التشدد حيال قضية تايوان: تعتبر الصين، تايوان جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتقول إنها تفضل إعادة التوحيد السلمي مع الجزيرة التي يسكنها 23 مليون نسمة، مع عدم استبعاد استخدام القوة العسكرية إذا لزم الأمر.
وتجري الصين، التي تعتبر تايوان، التي تتمتع بحكم ديمقراطي جزءاً من أراضيها، مناورات دورية حول الجزيرة للضغط على تايبيه لقبول مطالب بكين بالسيادة عليها رغم اعتراضات تايوان القوية. ويؤكد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، أن التدخل الخارجي لن يمنع إعادة توحيد جزيرة تايوان مع بر الصين الرئيسي.
6. دعم قطاع الصناعات التكنولوجية: في مواجهة جهود واشنطن وحلفائها الآسيويين لتقييد وصولها إلى التكنولوجيا المتطورة، رفعت الصين المخصصات المقررة في الموازنة للإنفاق على التكنولوجيا بنسبة 10% العام 2024، لتصل إلى 379.8 مليار يوان (52.7 مليار دولار). كما أعلن البنك المركزي الصيني اعتزامه إطلاق برنامج إعادة إقراض بقيمة 500 مليار يوان (70 مليار دولار)، لدعم قطاعي العلوم والتكنولوجيا في البلاد. وتقترب الصين من صنع الرقائق الأكثر تقدماً رغم العقوبات الأمريكية؛ إذ نجحت شركة (SMIC)، أكبر شركة لتصنيع الرقائق في الصين، في تصنيع شرائح متقدمة في الأشهر القليلة الماضية.
الإشكالية التي تواجه شي:
ربما تكون الصين بحاجة إلى تأسيس آلية عسكرية بالتعاون مع أقرب حلفائها في آسيا، وتحديداً روسيا وكوريا الشمالية، لموازنة التحالفات والتكتلات العسكرية الحصرية الإقليمية ذات العدد المحدود من الدول، التي أقامتها الولايات المتحدة لحصار وعزل الصين.
ومن دون شك، فإن إقامة آلية عسكرية بين الدول الثلاث، الصين وروسيا وكوريا الشمالية، سيعمل على موازنة التحالفات التي تُقيمها واشنطن وحلفاؤها الآسيويون ضد الصين، ومما يدعم إمكانية ذلك، أن واشنطن تنظر إلى كوريا الشمالية وروسيا باعتبارهما يمثلان تهديداً جوهرياً للمصالح الأمريكية. وهو ما يجعل الدولتان تنظران إلى التحالف مع الصين على أنه مكسب لهما ويصب في مصلحتهما في مواجهة واشنطن.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هو: هل الصين لا تفكر أو بمعنى آخر تعجز عن إقامة مثل تلك الآلية العسكرية؟ يمكن الزعم بأن هذا الخيار ربما يكون مطروحاً أمام القيادة الصينية فكراً وإمكانية تنفيذ، ولكن يبدو أن الصين تتأنى في اللجوء إلى هذا الخيار ريثما تتمكن من استكمال قوتها العسكرية والوصول بها إلى مرحلة التعادل مع أو التفوق على القوة العسكرية الأمريكية.