أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

أدوار كاشفة:

كيف تعكس الألعاب الرياضية تفاعلات الشرق الأوسط؟

07 مارس، 2018


تُستخدم الألعاب الرياضية كأداة تفاعل سياسية سواء بالنسبة للحكومات أو الرأى العام في الشرق الأوسط، على نحو ما بدا جليًا خلال الأشهر القليلة الماضية، سواء فيما يخص تطبيع العلاقات المتوترة بين الدول، أو تأكيد التوافقات السياسية بين الدول الصديقة، أو اختيار الدول الوسيطة كمحطة للمباريات بين الدول المتنازعة، أو إنكار الشرعية السياسية للخصوم، أو تجديد شرعية النظم السياسية السلطوية، أو تعزيز دور بعض الفئات المجتمعية، أو الحصول على مكانة دولية رمزية. 

وقد تصاعد تأثير الألعاب الرياضية في تفاعلات الإقليم، بدرجات متفاوتة وأشكال مختلفة، على مدى عقود، لأن تلك الألعاب كظاهرة اجتماعية تتسم باتساع قاعدتها الجماهيرية عبر الحدود باعتبار أنها تركز على إشباع النزعة البشرية لدى الجمهور نحو التنافس والانتصار، لدرجة أنه أطلق على القرن العشرين "قرن الألعاب الرياضية". ولا يعد ذلك حالة خاصة بالشرق الأوسط بل أصبحت الألعاب الرياضية ظاهرة مؤثرة في النظام السياسي الدولي، وصارت أداة من أدوات تنفيذ السياسة الخارجية وتسويق التصورات والاستراتيجيات السياسية للدول، حتى اعترف اللورد كيلانين رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الأسبق بأن التداخل بين السياسة والألعاب الرياضية أمر حتمي.

فالدول تستخدم الألعاب الرياضية لتحقيق أهدافها سواء بالتقارب من أو التباعد عن دولة أو دول أخرى. كما أن تلك الألعاب أصبحت انعكاسًا لطبيعة العلاقات. فالمتسابقون في المباريات الرياضية يلعبون كممثلين لدول وليسوا كأفراد يمثلون أنفسهم فقط، إذ أن التنافس بين فرق رياضية تنتمي لدول مختلفة يرتبط بمشاعر الكبرياء الوطني، بحيث يصبح تفوق أحد الفرق الرياضية بمثابة فوز للدولة ذاتها، وهو ما يحدث في غالبية البلاد التي تدرك معنى ومغزى ما يسمى بالوطن. وعلى الرغم من أن الرياضة تتحول بمرور الزمن إلى أبعاد تجارية ومشروعات استثمارية، فإنها ما زالت- حتى الآن على الأقل- مجالاً للفخر الوطني.

اتجاهان حاكمان:  

هناك اتجاهان رئيسيان في الأدبيات بشأن العلاقة بين الألعاب الرياضية والتفاعلات السياسية. أولهما، يرى أن الأصل في ممارسة الألعاب الرياضية أنها تقود إلى تعزيز السلام، إذ أنها تتغاضى عن الحدود الجغرافية والطبقات الاجتماعية، بل يمكنها أن تتجاوز الأزمات بين دولتين باعتبار أن الرياضة قادرة على جمع شمل الشعوب. وثانيهما، يعتبر أن الألعاب الرياضية بحكم طبيعتها التنافسية تصبح وسيلة للتفريق بدلاً من التقريب، إذ تعد كرة القدم، على سبيل المثال، استمرارًا لمعارك الدول بشكل سلمي، على نحو ما عبر عنه المفكر جورج أوريل بقوله: "إن كرة القدم لا تمارس فقط لمجرد متعة قذف الكرة، بل لأنها فصيل من فصائل القتال".

لذا يرى بعض القادة السياسيين أن الفوز في المنافسات الرياضية يعد شكلاً من أشكال الانتصار على الخصم، وتتحول مباراة في كرة القدم لدى بعض النظم السياسية من مجرد مباراة إلى "قضية دولة"، لا سيما في حال فوز دولة صغيرة على دول كبرى أو قوى عظمى. وقد عكست الألعاب الرياضية، وخاصة كرة القدم وكرة اليد والتنس، سواء الرسمية أو الودية، وفي نطاقاتها الإقليمية والعالمية، تفاعلات دول الشرق الأوسط، سواء على المستوى الداخلي أو البيني، خلال الأشهر القليلة الماضية، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

إذابة الجليد:

1- تطبيع العلاقات السياسية "المتوترة" بين الدول: يمكن أن تكون مباراة لكرة القدم فرصة كى توجه دولة ما بعض الرسائل إلى دولة أخرى تعبر لها من خلالها عن حسن نواياها. ولعل احتضان ملعب "جذع النخلة" في محافظة البصرة، في 28 فبراير 2018، مباراة ودية بين المنتخبين السعودي والعراقي، يعكس ترسخ تطبيع العلاقات الثنائية، التي تعرضت لجفوة كبيرة خاصة بعد الغزو العراقي للكويت. وقد عبرت اللافتات المرفوعة من الجماهير العراقية عن تجاوز هذه الجفوة مثل "داركم يالأخضر" و"السعودية قول وفعل".

وتعد هذه المباراة هى أول مواجهة بين المنتخبين منذ 39 عامًا، ودعت إليها الهيئة العامة للرياضة السعودية برئاسة تركي آل الشيخ دعمًا للعلاقات الثنائية ولرفع الحظر الدولي المفروض من الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) على العراق. وفي هذا السياق، قال عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي ظافر العاني في 1 مارس 2018: "إن مباراة المنتخبين الشقيقين العراقي والسعودي تؤشر إلى مسائل في غاية الاهتمام على صعيد العلاقات بين البلدين على المستوى الرسمي وبين الشعبين السعودي والعراقي على المستوى المجتمعي".

وسبق هذه الدعوة وجود توجه خليجي للانفتاح على العراق، على مستويات مختلفة، بما فيها الدولة التي تعرضت للغزو وهى الكويت، إذ استضافت المؤتمر الدولي لإعادة إعمار العراق خلال الفترة (12-14 فبراير الماضي)، ومشاركة السعودية في معرض بغداد الدولي. وقد دعا الشيخ سلمان بن إبراهيم آل خليفة رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، الاتحاد الدولي لرفع الحظر عن الملاعب العراقية لإقامة المباريات الدولية الرسمية، لا سيما بعد تخفيف الفيفا في العام الماضي من هذا الحظر، حيث سمح للعراق باستضافة المباريات الدولية الودية فقط على ثلاثة ملاعب في كربلاء والبصرة وأربيل.

توافق الحلفاء:

2- تأكيد التوافقات السياسية بين الدول الصديقة: وهو ما تجسده المباريات التي تجمع بين منتخبى السعودية والإمارات، والتي كان آخرها المواجهة بين المنتخبين على ملعب الشيخ هزاع بن زايد، في أغسطس الماضي، في الجولة قبل الأخيرة من التصفيات الآسيوية الحاسمة والمؤهلة لنهائيات كأس العالم 2018، حيث فاز فيها المنتخب الإماراتي على السعودي بهدفين مقابل هدف واحد، وتأجل حسم السعودية للتأهل حتى الجولة الأخيرة أمام اليابان.

وقد عكس تفاعل الجماهير الإماراتية وترحيبها بمنتخب كرة القدم السعودي منسوب التلاحم بين شعبى البلدين، وهو ما بدا واضحًا في اللافتات التي رفعت خلال المباراة على غرار "شعب واحد.. مصير واحد". وفي بطولة المنتخبات الخليجية الأخيرة التي استضافتها الكويت كانت الجماهير السعودية والإماراتية مثالاً للترابط، حيث خصصت اللجنة المنظمة مقاعد متجاورة في الواجهة الرئيسية للملعب دون وجود أى حواجز أمنية، وهو ما يأتي انعكاسًا للتوافق السعودي - الإماراتي سياسيًا.

وسيط السلام:

3- اختيار الدول الوسيطة كمحطة للمباريات بين الدول المتنازعة: على نحو ينطبق على سلطنة عُمان التي تحتفظ بعلاقات متوازنة مع دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية وإيران من ناحية أخرى. وفي هذا السياق، قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو في تصريحات صحفية بعد لقائه وزير الرياضة الإيراني مسعود سلطاني في طهران في 1 مارس 2018 أنه "يجب ألا تدخل السياسة في كرة القدم ولا كرة القدم في السياسة"، مضيفًا أنه "لا توجد مشكلة غير قابلة للحل ولا سيما ملف استضافة المباريات بين إيران والسعودية، والتي تشهد العلاقات بينهما تدهورًا كبيرًا".

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاتحاد الآسيوي لكرة القدم اختار سلطنة عُمان كأرض محايدة لخوض الأندية الإيرانية مبارياتها أمام الأندية السعودية في بطولة دوري أبطال آسيا، خاصة بعد اقتحام السفارة والقنصلية السعوديتين في إيران في يناير 2016. وقد أبدى خالد بن حمد البوسعيدي رئيس الاتحاد العُماني لكرة القدم في 31 مارس 2016 ترحيبه باستضافة ملاعب السلطنة لمباريات الفرق الإيرانية أمام نظيرتها السعودية في دوري أبطال آسيا. كما اختار نادي الهلال السعودي دولة الكويت كأرض محايدة لمواجهة الأندية الإيرانية في البطولة، واختار الأهلى دولة الإمارات لمواجهة الأندية الإيرانية.

وقف التطبيع:

4- إنكار الشرعية السياسية للخصوم: وهو ما عكسه موقف الطلاب القطريين الذين يطالبون بوقف التطبيع وعدم استقبال فرق إسرائيلية على خلفية مشاركة فريقين إسرئيليين أحدهما للفتيان وآخر للفتيات في بطولة مدرسية دولية لكرة اليد استضافتها الدوحة بداية من 22 فبراير 2018، وهى مخصصة للطلاب الذين تتراوح أعمارهم ما بين 15 و18 سنة، وتنظم كل عامين في دول مختلفة منذ عقد السبعينات من القرن الماضي. وتعد قطر، وفقًا لما ذكرته عدد من وسائل الإعلام العربية، الدولة الوحيدة غير الأوروبية، باستثناء إسرائيل، التي تستضيف هذه البطولة الرياضية.

وقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة "تويتر"، حملة "طلاب قطر ضد التطبيع"، حيث تبلور رأى عام إلكتروني يرى أن "التطبيع الرياضي لا يقل سوءًا عن التطبيع السياسي" باعتبار أن "كلاهما اعتراف بكيان محتل وشرعنة لواقع غير شرعي لا سيما في ظل الجرائم التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي المحتلة وبشكل خاص بحق الرياضة الفلسطينية، ومنها قصف ملاعب في قطاع غزة، ومنع لاعبين فلسطينيين من السفر للمشاركة في فعاليات رياضية". ويأتي حراك شباب قطر ضد التطبيع بعد استضافة لاعب تنس إسرائيلي في بطولة قطر المفتوحة للتنس.

المزاج العام:

5- تجديد شرعية النظم السياسية المتصدعة: وذلك عبر تغيير مزاج الرأى العام، إذ يرى اتجاه في الأدبيات أن الرياضة، وبصفة خاصة كرة القدم، في بعض المجتمعات المغلقة تساهم بدور محوري في تجميع القوى المجتمعية المناصرة من مختلف الشرائح والأعمار للتعبير بشكل جماعي عن دعم أحد الأنظمة، بشكل يتعذر إيجاده خارج الأطر الرياضية.. وينطبق ذلك على حالة الانقسامات والصراعات الداخلية التي تعاني منها مجتمعات، على نحو ما عاني منه الشعب السوري بعد عام 2011.

وقد تمثل ذلك في مباريات كرة القدم للتأهل لكأس العالم بروسيا عام 2018. وعلى الرغم من خسارة الفريق الوطني السوري لكرة القدم في مباراته النهائية أمام الفريق الوطني الاسترالي وعدم تمكنه من التأهل للمونديال، إلا أنه ساهم، حسب اتجاهات عديدة، في تجميع قطاع عريض من السوريين حول هدف واحد وهو التأهل لكأس العالم، مع الأخذ في الاعتبار أن معارضى النظام يطلقون على الفريق السوري الرياضي "منتخب الأسد" أو "منتخب البراميل".

وقد استخدم نظام الأسد نجاحات المنتخب السوري لتحقيق أهداف سياسية، والترويج لدور قواته في الحرب ضد الإرهاب، عبر تصريح الرئيس بشار الأسد لصفحة رئاسة الجمهورية على موقع "فيس بوك" عقب تأهل المنتخب لمباراة الملحق الآسيوي، والذي جاء فيه: "إن ما حققه الرياضيون من إنجازات رفع خلالها العلم السوري في المحافل الدولية، على الرغم من ظروف الأزمة التي نمر بها منذ سنوات، كان بحد ذاته نوعًا من أنواع الدفاع عن سوريا في مواجهة ما نتعرض له".

انفتاح اجتماعي:

6- دعم دور المرأة: وهو ما ينطبق جليًا على حالة السعودية مع صدور القرارات الملكية التي تدعم حقوق المرأة وتدفع بها للأمام في ظل بوادر انفتاح اجتماعي، ومنها السماح للنساء مؤخرًا بدخول ملعب لكرة القدم لحضور احتفالات العيد الوطني. وتأتي حزمة القرارات هذه لدعم التوجه نحو تمكين المرأة من جميع مناحي الحياة تماشيًا مع "رؤية السعودية 2030".

وضعية عالمية:

7- الحصول على مكانة دولية رمزية: الأمر الذي يعكسه حرص الدوحة على استضافة نهائيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2022، حيث سبقها استضافتها لبعض المناسبات الرياضية الآسيوية والعربية والدولية، لتعزيز صورة قطر في مجالات الرياضة وهى جزء من القوة الناعمة للدولة. ومن هنا ربما يمكن تفسير أسباب تصاعد مخاوف الدوحة من احتمال سحب التنظيم منها خلال الفترة المقبلة، لا سيما في ظل اتهامها بدعم التنظيمات الإرهابية وانتهاك حقوق العمالة المهاجرة.

مرآة مزدوجة:

إذا كانت السياسة تصلح ما أفسدته الحروب، فإن الرياضة تصلح ما أفسدته السياسة في بعض الأحيان، على نحو ما يكشفه دور المباريات الرياضية في استعادة العلاقات السعودية- العراقية زخمها مرة أخرى، وتأكيد متانة العلاقات العربية البينية مثلما هو الحال بين السعودية والإمارات. وقد يتم التوصل إلى دول ثالثة تمثل محطة للقاء بين الأندية الرياضية التابعة لدول متنازعة، على نحو ما تقوم به سلطنة عُمان باستضافتها المباريات بين الفرق الإيرانية وبعض الفرق الخليجية.

غير أن المباريات أيضًا قد تعكس بعض التوترات التي تظهر بين الحين والآخر، على نحو ما كشفته الدورة العربية للأندية أبطال كرة القدم، التي استضافتها مصر، في أغسطس 2017، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان أحداث إحدى دورات الألعاب الأوليمبية في العقود الماضية.

بخلاف ذلك، يتم توظيف الألعاب الرياضية داخل كل دولة في الإقليم، لأن الدولة هى الكيان الوحيد الفاعل في النظام الرياضي الدولي، سواء بمحاولات تدعيم أو استعادة الشرعية السياسية لنظم متصدعة كالنظام السوري، أو إبعاد تهمة دعم الإرهاب عن النظام القطري بالسعى لاستضافة كأس العالم 2022، أو تعزيز صورة النجم الرياضي باعتباره رمزًا وطنيًا على نحو ينطبق علي اللاعب محمد صلاح في مصر. وقد تعتمد بعض البلاد على رياضييها كدبلوماسيين ومبعوثين ممثلين لبلادهم في الهيئات العالمية. فالرياضة صارت جزءًا من تفاعلات السياسة الإقليمية.