أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

زلزال تركيا وسوريا.. كيف تعزز المساعدات المصالحات الإقليمية؟

13 فبراير، 2023


جرى في الشرق الأوسط، وتعريفه هنا أنه يضم الدول العربية ودول الجوار الجغرافي غير العربية "إيران وتركيا وإسرائيل"، تفاعلات تاريخية صراعية وتنافسية وتعاونية من دول داخل الإقليم وأخرى خارجه. وآخر حلقات التاريخ الطويل للإقليم، بدأت مع بدايات العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، عندما نشبت هبات جماهيرية سُميت بـ"الربيع العربي"، نتج عنها أولاً داخل الإقليم زيادة في الحضور السياسي للجماعات السياسية الإسلامية، وثانياً نشوب العديد من الحروب والصراعات السياسية في الدول، وثالثاً حدوث خلل استراتيجي في الإقليم سمح لدول الجوار بمد نفوذها، مع ظهور استقطاب حاد داخل الإقليم بين الدول التي ناصرت "الثورات" وتلك التي استنكرتها. ورابعاً أنه لم ينته العقد إلا وتراجع نفوذ الحركات الإسلامية، وتراجع الوجود الأمريكي في المنطقة، وظهرت توجهات إصلاحية جذرية في عدد من الدول العربية نجم عنها توجهها نحو التهدئة وتخفيض التوتر وتقديم التعاون على التنافس. وضمن هذا التوجه الأخير، جاءت أحداث الزلازل التي أصابت تركيا وسوريا، لكي تفتح الأبواب لفرص عديدة من المصالحات والتهدئة الإقليمية. 
فاجعة الزلزال:
في 6 فبراير 2023، ضرب زلزال بقوة 7.8 درجة تركيا وسوريا، وأعقبه آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة، وكانت واحدة من أكثر الحوادث دموية من هذا النوع خلال عقد من الزمن، حيث ارتفع عدد القتلى في تركيا إلى 29 ألفاً و605 أشخاص، وفقاً لإدارة الكوارث والطوارئ التركية حتى يوم 12 فبراير الجاري. أما في سوريا فقد قُتل 5200 شخص. وكذلك انهار ما يصل إلى 5775 مبنى، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس، مما ترك مئات الآلاف بلا مأوى. كما بلغ عدد المصابين جراء الزلزال أكثر من 80 ألفاً في تركيا، وأكثر من 7 آلاف مصاب في سوريا. 
كما أعلنت منظمة الصحة العالمية، يوم 12 فبراير الجاري، أن عدد المتضررين من جراء الزلزال بلغ نحو 26 مليون شخص؛ وهم 15 مليوناً في تركيا و11 مليوناً في سوريا. وأكثر من 5 ملايين من هؤلاء يعتبرون من بين الأكثر عُرضة للخطر، وبينهم نحو 350 ألف مسن، وأكثر من 1.4 مليون طفل. وتفيد تقديرات المنظمة بانهيار أكثر من 4 آلاف مبنى في الزلزال، وبتعرّض نحو 15 مستشفى لأضرار جزئية أو كبيرة.
ومن جانبه، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في المقاطعات التركية العشر المنكوبة. وعلى الجانبين التركي والسوري، كان الأشخاص الأكثر تضرراً هم من اللاجئين السوريين والنازحين داخلياً. لقد عاش هؤلاء الأشخاص بالفعل في حالة يُرثى لها للغاية، وهم يكافحون بشدة درجات حرارة الشتاء الباردة، فضلاً عن نقص الغذاء والوقود. والنتيجة من كل ذلك، كانت تفوق الضرورات الإنسانية على المواقف السياسية القائمة، في ظل اتجاهات المصالحة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط.
مساعدات عربية:
كان لوقوع الزلزال في تركيا وسوريا صدى وتأثير كبير في الدول العربية، الشعوب والحكومات معاً، حيث نجح الإعلام في النقل الفوري للحادث ونتائجه المادية والإنسانية. وعلى الرغم من الألم الشديد الذي يمكن أن تسببه مثل هذه الوقائع، فإنها جاءت في فترة زمنية تحسنت فيها العلاقات، وقلت الشروط في تفاعلات الدول، ومن ثم نتج عنها حالة من الزخم الذي يسعى لتقديم المساعدة من قِبل الدول العربية إلى تركيا بالرغم من توترات سابقة، وإلى سوريا بالرغم من أنها لا تزال خارج النطاق العربي مُمثلاً في الجامعة العربية. وأصبحت الضرورات الإنسانية تفوق المواقف والتباينات السياسية، وتعمل في ظل اتجاهات المصالحة الإقليمية التي تعيشها المنطقة بالفعل منذ بداية العقد الثالث من القرن الحالي. 
وكانت الحكومات هي التي بادرت فوراً إلى تقديم المساعدة. ففي دولة الإمارات العربية المتحدة، أمر صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة "حفظه الله"، بتقديم 100 مليون دولار لإغاثة المتضررين من الزلزال في تركيا وسوريا. وتشمل المبادرة تقديم 50 مليون دولار للمتضررين من الزلزال من الشعب السوري، إضافة إلى 50 مليون دولار إلى المتضررين من الشعب التركي. كما وجه سموه بإنشاء مستشفى ميداني، وإرسال فريقي بحث وإنقاذ، إضافة إلى إمدادات إغاثية عاجلة إلى المتأثرين من الزلزال في تركيا وسوريا، لتستفيد منها الأسر في المناطق الأكثر تأثراً. 
ووجه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، بتقديم مساعدات إنسانية عاجلة للمتضررين في سوريا بقيمة 50 مليون درهم، من خلال "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية". كما أعلنت وزارة الدفاع الإماراتية، يوم 7 فبراير الجاري، وصول طائرتين تحملان مساعدات إنسانية إلى مطار دمشق، ضمن الجسر الجوي الهادف لمساعدة المتضررين من الزلزال الذي تعرضت له سوريا، وذلك في إطار عملية "الفارس الشهم 2". وشملت هذه المساعدات الإنسانية في المرحلة الأولى 12 طناً من المواد الإغاثية وعدداً من الخيم لإيواء 216 متضرراً. كذلك، وجهت سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، رئيسة الاتحاد النسائي العام، بتقديم 50 مليون درهم لدعم حملة "جسور الخير" التي أطلقتها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم الجهود الإنسانية والعمليات الإغاثية لصالح المتأثرين من الزلزال في كل من سوريا وتركيا. 
وفي السياق ذاته، أمرت المملكة العربية السعودية بتسيير جسر جوي وتقديم مساعدات وتنظيم حملة شعبية عبر منصة "ساهم" لمساعدة ضحايا الزلزال في سوريا وتركيا. وانتقلت فرق الإنقاذ السعودية إلى مواقع الحدث بعد تدشين الجسر الجوي، ضمن حملة "عطاؤكم يخفف عنهم"، التي تبرع لها أكثر من مليون شخص، حتى مساء يوم 12 فبراير 2023. وأعلنت المملكة عن وصول حجم التبرعات للمتضررين من الزلزال إلى أكثر من 320 مليون ريال سعودي منذ أن انطلقت الحملة عبر منصة "ساهم". 
وعلى هذا المنوال من المبادرات الحكومية والأهلية، جرى تدفق المعونات من الكويت ومصر وقطر والجزائر وتونس والعراق والأردن والبحرين وسلطنة عُمان والسلطة الوطنية الفلسطينية، لتقديم المساعدات ويد العون لمتضرري الزلزال في سوريا وتركيا.

الإقليمية الجديدة:
كان التغيير الموازي لحالة الانسحاب الأمريكية من الشرق الأوسط هو اتجاه دول المنطقة العربية نحو التصالح والتهدئة، وكان أصل التغيير كامناً فيما عُرف ببيان قمة العُلا في 5 يناير 2021، أثناء انعقاد قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي سعت إليه المملكة العربية السعودية، ووضع الأساس لانتهاء "الأزمة القطرية". ومن ثم لم يعد هناك كثير من الخيارات إلا أن تأخذ دول الإقليم الأمور بيدها من خلال التعامل المباشر مع الدول الإقليمية غير العربية؛ إيران وتركيا وإسرائيل من ناحية، وتحسين العلاقات فيما بينها من ناحية أخرى. 
وهكذا ظهرت حالة "الإقليمية الجديدة" التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وتقوم على نسج علاقات ومصالح يجري إنضاجها على نار هادئة، وتكون مهمتها الاستجابة إلى مصالح قائمة ومتوقعة، وفي الوقت نفسه تخلق توازنات جديدة ليست فيها شعارات جوفاء، أو يقظة كبرى على فجر ليست له سابقة، وإنما يوجد فيها القوة مع الترويض والاستيعاب لقوى إقليمية وعالمية. فهي نوع من "الصبر الاستراتيجي"، والقدرة على إقامة الجسور من دون تعجل أو هرولة، المُركب العربي فيها واضح، ولكنه ليس بالذي يستفز أو يخلق مخاوف، وإنما الذي يبادل ويوفق المصالح.

تعزيز المصالحات:
إن المأساة الإنسانية المروعة التي عصفت بكل من سوريا وتركيا، مثلت فرصة واضحة من أجل محاولة دفع عملية المصالحة الإقليمية التي تجري في المنطقة مع بقية العالم العربي، والتي تتقدم بالفعل. فالبداية كانت عندما رحبت بعض دول المنطقة بالرئيس بشار الأسد وعودة العلاقات مع سوريا، وأخذ ذلك أشكالاً رسمية وغير رسمية. ففي مارس 2022، رحبت دولة الإمارات بالأسد في أبوظبي. وفي شهر يناير الماضي، ذكر الرئيس أردوغان أنه قد يلتقي الأسد قريباً لإجراء محادثات سلام. 
وقبيل وصول هذه المساعدات الإنسانية على خلفية الزلزال، تواصل قادة وملوك دول عربية عديدة مع الرئيسين السوري والتركي لإبداء تضامنهم في المحنة التي تعرض لها شعبا البلدين. وتلقى بشار الأسد اتصالاً هو الأول من نوعه، أكد فيه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، تضامن بلاده واستعدادها لتقديم كافة أوجه العون والمساعدة الإغاثية الممكنة. كما تلقى الأسد اتصالاً من العاهل البحريني، الملك حمد بن عيسى آل خليفة، هو الأول من نوعه منذ أكثر من عقد. ونقل وفد وزاري لبناني مُكلف من رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، إلى الأسد استعداد لبنان لفتح مطاراته وموانئه لاستقبال مساعدات ترد إلى سوريا من أي دولة أو جهة. كما تعهدت السعودية، التي قطعت علاقاتها مع نظام الأسد في 2012، بتقديم مساعدات إلى مناطق متضررة تحت سيطرة القوات الحكومية.
ختاماً، وفرت كارثة الزلازل في سوريا وتركيا سبباً إضافياً لتدعيم اتجاهات المصالحة والتهدئة السارية في منطقة الشرق الأوسط. وبينما صب هذا الدعم في تعميق اتجاهات جارية بالفعل بين الدول العربية وتركيا، وكان أبرزها لقاء الرئيسين المصري والتركي على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر؛ فإنها ربما قلصت الفجوة بين دمشق وبعض الدول العربية التي ترددت في إعادة علاقاتها مع النظام السوري. وأصبح لدى بشار الأسد فرصة كبيرة لتحويل هذه المأساة والتضامن الحاصل مع سوريا على المستوى السياسي، إلى قناة واضحة ومفتوحة أمام مشاركة دبلوماسية مستدامة.