أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التهديد الإسرائيلي:

لماذا تصاعد التوتر بين إيران وأذربيجان مجدداً؟

17 مايو، 2023


أعلنت وزارة الداخلية وجهاز الأمن ومكتب المدعي العام بأذربيجان، في بيان مُشترك، الثلاثاء 16 مايو 2023، اعتقال 9 أفراد بتهمة التخطيط لقلب نظام الحكم بالقوة واغتيال شخصيات بارزة ومسؤولين أذريين كبار، مشيرة إلى أنهم على صلة بأجهزة الاستخبارات الإيرانية، وأن الخلية تتكون من شخص يُدعى رؤوف الله آخوند زاده ونجله مرسل و7 آخرين يعملون تحت إشرافه.

ومن جهته، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في 18 من ذات الشهر، تلك الاتهامات، نافياً وجود أي علاقة رسمية أو غير رسمية بين هؤلاء الأشخاص بإيران، مؤكداً أن سجن العديد من الأفراد بزعم ارتباطهم بإيران أمر غير مقبول.

تصعيد مُتزايد:

تصاعدت مؤشرات التوتر بين الجانبين الإيراني والأذري، خلال الفترة الأخيرة، ويمكن رصد أبرز تلك المؤشرات على النحو التالي:

1- تبادل الاتهامات بدعم المعارضة: تكرر خلال الآونة الأخيرة إعلان باكو إلقاء القبض على مجموعات على صلة بإيران، تقوم بعمليات تجسس وتخطط لقلب نظام الحكم وتنفيذ عمليات تخريبية، إذ أعلنت السلطات الأذرية، في 6 إبريل 2023، اعتقال 6 أفراد تم تجنيدهم على أيدي أجهزة الاستخبارات الإيرانية، بتهمة "محاولة الانقلاب العسكري وزعزعة استقرار البلاد"، كما اعتقلت باكو، في 1 فبراير 2023، 29 فرداً بتهمة التجسس لصالح طهران، هذا إلى جانب إعلان جهاز المخابرات والأمن الأذري، في 2 نوفمبر 2022، عن اعتقال مجموعة مُسلحة تلقت تدريباً وتمويلاً من قبل المخابرات الإيرانية لنشر أفكار دينية متطرفة.

ومن جهة أخرى، تتهم طهران باكو بالسماح للمجموعات المناهضة بتنفيذ عمليات إرهابية في الداخل الإيراني، ومنها على سبيل المثال، إعلان السلطات الإيرانية عن اعتقال مواطنيْن أذريين بتهمة المشاركة في الاعتداء على ضريح "شاه جرغ"، في مدينة شيراز، في أكتوبر 2022، والذي أودى بحياة نحو 13 شخصاً وإصابة آخرين.

2- الهجوم على سفارة أذربيجان في إيران: تعرضت سفارة أذربيجان في طهران، في 27 يناير 2023، لهجوم مُسلح من قبل أحد الأفراد، أسفر عن مقتل مدير أمن السفارة، وإصابة حارسيْن، ووصفت باكو الهجوم بأنه إرهابي، مُتهمة السلطات الإيرانية بالتقاعس عن فرض إجراءات أمنية مُشددة حول السفارة، ما سهّل وقوع الحادث. وردت طهران على ذلك بأن باكو ترغب في تسييس الحادث. 

كما قامت باكو، في 6 إبريل 2023، بطرد أربعة دبلوماسيين من السفارة الإيرانية لديها، مشيرة إلى أن أنشطتهم لا تتناسب مع وضعهم الدبلوماسي، في إشارة إلى تورطهم في الاتهامات التي وجهت إلى المجموعة التي تم إلقاء القبض عليها في نفس اليوم، المُشار إليها آنفاً. كما قامت إيران باتخاذ إجراء مماثل، في 5 مايو 2023، وطردت أربعة دبلوماسيين أذريين؛ اثنين من السفارة في طهران واثنين من القنصلية في تبريز. 

3- افتتاح سفارة أذربيجان في إسرائيل: افتتحت باكو، لأول مرة، سفارتها في تل أبيب، في 29 مارس 2023، وقد صرّح وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، على هامش افتتاح السفارة، بأهمية تشكيل جبهة مُوحدة بين بلاده وأذربيجان ضد إيران، وتعزيز العلاقات بين الجانبين في كافة المستويات، وهي التصريحات، التي أثارت حفيظة طهران، والتي طالبت بتوضيحات من باكو حول تلك التصريحات، مُشيرة إلى إنها "لن تظل غير مبالية بهذه المؤامرة"، في إشارة من جهتها إلى إمكانية التصعيد.

وفي هذا السياق، قامت إيران بتسليم مذكرة احتجاج إلى سفارة أذربيجان في طهران رداً على ما وصفته بـ"التصرفات غير اللائقة لبعض وسائل الإعلام" في أذربيجان، التي تهاجم إيران، وذلك في أعقاب افتتاح السفارة الأذرية في إسرائيل، وقد قامت باكو باستدعاء السفير الإيراني لديها وتقديم قائمة بالمواد المنشورة بوسائل الإعلام الإيرانية التي تهاجم أذربيجان.

دوافع التصعيد:

ثمّة أسباب ودوافع أدت إلى تجدد التصعيد بين إيران وأذربيجان، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- مخاوف من العلاقات الأذرية الإسرائيلية: تنظر إيران بتوجس إلى العلاقات المتنامية بين إسرائيل وأذربيجان، والتي تجمعها بها حدود مُشتركة بطول 765 كيلومتراً، إذ تتهم طهران أذربيجان باستضافة قوات وعناصر إسرائيلية على أراضيها، تقوم بتنفيذ عمليات تخريبية في الداخل الإيراني، كان منها عمليات استهدفت برنامج إيران النووي، انطلاقاً من أذربيجان، مثل سرقة الأرشيف النووي في 2018، واغتيال العالم النووي البارز محسن فخري زاده في 2020.

وجاءت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أذربيجان، في 19 إبريل الماضي، لتزيد من تلك المخاوف الإيرانية، إذ صرّح عقب لقائه نظيره الأذري جيهون بيراموف، أن إسرائيل وأذربيجان قد بدأتا عهداً جديداً في العلاقات الاستراتيجية، كما قام المسؤول الإسرائيلي بزيارة إلى تركمانستان المجاورة لإيران، في أول زيارة لوزير إسرائيلي إلى عشق آباد منذ 30 عاماً، وافتتح سفارة لبلاده فيها، على بُعد 20 كيلومتراً من الحدود مع إيران، وأكد تعزيز العلاقات الاقتصادية والعسكرية مع الدولتين المجاورتين لإيران، في محاولة لإيصال رسائل تهديد مباشرة إلى الأخيرة. 

ومن جهة أخرى، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في 5 مارس 2023، تحقيقاً يكشف عن بيع إسرائيل لأذربيجان أسلحة وأدوات حربية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، مقابل توفير النفط وتوفير موطئ قدم لإسرائيل في أذربيجان، كما ذكرت أن الأخيرة أتاحت لجهاز الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) إقامة محطة متقدمة، توفر للأخيرة القدرة على تعقب ورصد ما يجري في إيران.

وزعمت الصحيفة الإسرائيلية كذلك أن السلطات في باكو عملت على تأهيل مطار مخصص لمساعدة إسرائيل في حال قررت مهاجمة منشآت نووية إيرانية. وبجانب ذلك فقد أشارت الصحيفة، في أعقاب زيارة كوهين لباكو، إلى أن شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية ستقوم بتزويد أذربيجان بقمريْن اصطناعييْن مقابل 120 مليون دولار، لدعم جهود "وكالة الفضاء الوطنية" الأذرية في مجال الأقمار الاصطناعية لأغراض الاتصالات والمراقبة.

2- قلق طهران من التحولات الإقليمية: تعرب طهران عن تخوفها بشأن أي تعديل في الجغرافيا السياسية لمنطقة جنوب القوقاز، بما يؤثر في طرق النقل الإيرانية، إذ أبدت اعتراضها على مخطط أذربيجان بإنشاء ممر زانجيزور على الحدود مع أرمينيا، في سبتمبر 2022، وهو الممر الذي يسمح لأذربيجان بالوصول إلى إقليم ناختشيفيان التابع لها، والواقع داخل حدود أرمينيا، لما يمثله هذا المخطط، في حال تنفيذه، من حصار جغرافي لإيران من جهة الشمال، حيث تعني سيطرة أذربيجان على هذا الممر، انتفاء الحاجة إلى استخدام الأراضي الإيرانية، للعبور، بل إن إيران ستضطر لدفع رسوم، ربما مضاعفة، للسماح بمرور شاحناتها، سواءً إلى الأراضي الأذرية، أو عبر الممر الواقع على الحدود مع أرمينيا.

وبالتوازي مع ذلك، أعربت وزارة الخارجية الإيرانية، في 20 ديسمبر 2022، عن الأمل في أن تستجيب أذربيجان لدعوات الحل مع أرمينيا بعد سيطرتها على مناطق بممر لاتشين، الذي يربط يريفان بمرتفعات قرة باغ، الواقعة كلياً داخل حدود أذربيجان، في محاولة لتفادي أن تكرر باكو نفس السيناريو، مع ممر زانجيزور الحدودي مع إيران.

3- هواجس النزعات القومية: تُشير المصادر إلى وجود أكثر من 20 مليوناً من القومية الأذرية يعيشون في شمال إيران، وهم أكبر من عدد سكان أذربيجان نفسها، والبالغ عددهم 10 ملايين نسمة، وتتهم إيران أذربيجان تقليدياً بدعم الحركات الانفصالية في شمال إيران، والتي يقطنها الأذريون. ونشطت تلك المجموعات في أعقاب انتصار أذربيجان في الحرب على أرمينيا، في 2020، بدعم تركي، ورفعت شعارات المطالبة بإنشاء "أذربيجان الكبرى"، والتي تضم دولة أذربيجان الحالية، والمحافظات الأذرية في شمال إيران، بل إن الأمر وصل إلى حد رفع المشجعين من أصول أذرية أعلاماً تركية وترديدهم أناشيد أذرية في المباريات التي تقام بين أندية ترجع أصولها للقومية الأذرية وأندية أخرى في الدوري الإيراني. 

ومن جهة أخرى، تتخوف أذربيجان من استخدام النظام الإيراني للجماعات الدينية في الداخل الأذري، وتشكيل خلايا نائمة، بهدف زعزعة أمن واستقرار أذربيجان، وتشكيل حركات مسلحة تابعة لها، على غرار مليشياتها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، وهو ما بدا فعلياً في تأسيس حركة تدعى "حسينيون" الشيعية في 2021.

وفي التقدير، يمكن القول إنه من المرجح تواصل الاتهامات بين الجانبين في محاولة لتهديد أمن كل منهما، بما يعزز استمرار عوامل عدم الثقة بينهما، إلا أنه من المستبعد أن يصل التوتر بينهما إلى حد الانخراط في مواجهة عسكرية مباشرة، نظراً لعدم قدرة أي منهما على تحمل كُلفة ذلك التصعيد، خاصة في الوقت الذي تسعى فيه إيران لتهدئة خلافاتها مع محطيها الخارجي، وتبني نهج التطبيع والانفتاح مع دول الجوار. ومما يُدلل على ذلك إحجام إيران عن القيام بعمليات تستهدف مواقع في أذربيجان، رغم اعتقادها بوجود إسرائيلي فيها. وفي المقابل، أرجأت أذربيجان مخططها بشأن السيطرة على ممر زانجيزور بسبب موقف طهران الرافض له.

إلا أن ذلك لا يمنع من الاستمرار في مواصلة التصعيد المحدود بين الجانبين، والذي قد يشمل القيام بمناورات عسكرية في المناطق الحدودية المشتركة، كما قد تلجأ باكو إلى تعزيز علاقاتها مع تركيا وإسرائيل لردع إيران، في الوقت الذي ترد فيه الأخيرة بتعزيز علاقاتها بأرمينيا ودول آسيا الوسطى الأخرى.