أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

سيادة البيانات:

استراتيجية التكيف الرقمي الإفريقي تجاه المنافسات الدولية

27 فبراير، 2024


عرض: دينا محمود

يشكل التطوير الرقمي أولوية استراتيجية للدول الإفريقية، ولاسيما أنها تكرس استثمارات كبيرة لتطوير بنيتها التحتية في هذا المجال الذي يكتسب أهمية متزايدة في العلاقات الخارجية لدول القارة مع شركائها الاستراتيجيين. إذ تشكل التكنولوجيا الرقمية في القارة عنصراً هاماً في التنافس الجيوسياسي بين القوى العظمى، بما في ذلك الصين والولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل الجهات الفاعلة الإفريقية أمام خيارات في شراكاتها الدولية بشأن البنى التحتية الرقمية، وفقاً لمصالحها الخاصة. وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي المُحرز، فإن جزءاً كبيراً من السكان الأفارقة ما زال مستبعداً من الاقتصاد الرقمي بسبب الافتقار إلى البنية التحتية ومحدودية توافر التطبيقات والخدمات الرقمية المناسبة وبأسعار معقولة.

في هذا السياق، تسلط دراسة صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية في ديسمبر 2023 الضوء على تصورات الجهات الفاعلة العامة والخاصة الإفريقية فيما يتعلق بالمنافسة الجيوسياسية في القطاع الرقمي في إفريقيا والدور الرائد للصين. كما تحلل استراتيجيات التكيف التي تتبعها الحكومات الإفريقية فيما يتعلق باختيارها للشركاء الرقميين وكيفية التفاوض بشأن هذه الشراكات لتحقيق أهدافها في سياق التنافس، وأخيراً، تحدد الدراسة التحديات أمام عملية الرقمنة في القارة، بما في ذلك ثقل المعايير الفنية الدولية، وانخفاض مستوى مشاركة المجتمع المدني، ومحدودية التنسيق الإقليمي، وتستند الدراسة إلى سلسلة من المقابلات التي أجريت مع رؤساء وكالات التنمية الرقمية والجهات الفاعلة الخاصة والمدنية من بنين وتوغو والسنغال وغينيا وكينيا وموريشيوس ونيجيريا وغانا والجزائر.  

منافسة صينية غربية:

تفتقر العديد من البلدان الإفريقية إلى البنية التحتية اللازمة لتطوير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات على المستوى الوطني. نتيجة لذلك، تعتمد هذه البلدان على التقنيات والخدمات الرقمية الأجنبية المتنافسة التي يتم توفيرها من خلال العقود التجارية أو الشراكات الحكومية. ولا يخلو وجود الصين في قلب هذه المنافسة من خلق التوترات، إلى الحد الذي يسعى فيه المانحون الأمريكيون والأوروبيون إلى تقويض نفوذ الصين في البنى التحتية الرقمية في القارة.

في هذا الإطار، أدت الصين دوراً رئيسياً في تطوير الاقتصاد الرقمي للقارة الإفريقية، وأثبتت نفسها تدريجياً، كأحد شركائها الاستراتيجيين الرئيسيين، كما أصبحت شركات التكنولوجيا الصينية جهات فاعلة ذات أهمية متزايدة في طريق الحرير الرقمي (DSR)، وهو المكون الرقمي الذي تم الإعلان عنه في عام 2015، ضمن مبادرة الحزام والطريق. ومن خلال هذه المبادرة، تؤدي الصين دوراً مهماً في استراتيجية التحول الرقمي في القارة. 

وقدمت شركات التكنولوجيا الصينية للأسواق الإفريقية بديلاً أقل تكلفة من نظيراتها الغربية، إذ مكَّنت صفقات التمويل الجاذبة التي قدمتها شركات تصنيع معدات الاتصالات مثل هواوي، المدعومة بالمنح الصينية والقروض الميسرة، من نشر البنية التحتية للشبكة الأساسية على نطاق واسع، كما أتاحت شركات تصنيع الهواتف المحمولة مثل: (Transsion Holdings)، مالكة العلامات التجارية الشهيرة (Techno) و(Infinix)، للأشخاص ذوي الدخل المنخفض من شراء هواتف ذكية يمكن مقارنتها بأفضل الخيارات من المنافسين التقليديين مثل: (Apple) و(Samsung)، وتَعد العديد من الدول، مثل: كينيا والسنغال، الصين شريكاً مميزاً في مجال البنية التحتية للاتصالات. 

وإذا كانت الصين تحتل مكانة مركزية في العديد من البلدان الإفريقية، فإن الجهات الفاعلة في القارة التي تمت مقابلتها خلال إجراء الدراسة لم تكن دائماً متفقة على القدرات الصينية لنشر البنى التحتية الرقمية. على سبيل المثال، في حالة غينيا، على الرغم من الاتفاق الإطاري المهم مع الصين، لم يتطور القطاع الرقمي في البلاد إلا قليلاً كنتاج لهذه الشراكة، مما يثير الشكوك حول المهارات الصينية في هذا المجال. 

مع ذلك، لا تزال الشركات الصينية خياراً متكرراً للحكومات والشركات الإفريقية، إذ يُنظر إليها على أنها شريك أكثر مرونة في المفاوضات من الشركاء الأوروبيين والأمريكيين. وقد سمح هذا الوجود المحلي للشركات الصينية بالتكيف بسرعة أكبر مع السياقات الثقافية والسياسية والاقتصادية والمؤسسية في مناطق مختلفة من العالم، بما في ذلك إفريقيا.

إلا أن تصاعد التوترات الدولية، خاصة بين الصين والولايات المتحدة، في مجال التكنولوجيا، كان له آثار كبيرة على تصميم العقود والتفاوض بشأنها بين شركاء التنمية والقطاع الخاص والهيئات الحكومية. ولهذه المنافسات تداعيات تتجلى بشكل رئيسي في شكلين. الأول، صياغة مطالبات من قبل بعض الشركاء، بما في ذلك الولايات المتحدة، لتحذير الدول الإفريقية من شراء واستخدام التقنيات ذات المنشأ الصيني. والثاني، توجيهات مُلزمة لتلك الدول بعدم استخدام معدات بعض الشركات الصينية مثل هواوي حتى يتسنى لها الحصول على تمويل من مؤسسات مثل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID). على سبيل المثال، في غينيا، تم إبلاغ مزود خدمة الإنترنت (ISP) من قبل مؤجر غربي بأن الأخير لن يوافق على استخدام خدماته إذا استخدم معدات من الشركات الصينية؛ وقد فضل العديد من المستثمرين الأستراليين والبريطانيين والأمريكيين، لعدة سنوات، تجنب استخدام المعدات الصينية في مشروعاتهم.

في إطار هذه المنافسة، يحاول الشركاء الغربيون والصينيون التفوق على بعضهم بعضاً لتقديم عروض مواتية للحكومات والمشغلين الأفارقة لتنفيذ مشروعات رقمية واسعة النطاق. وتُعَد عمليات النشر الأخيرة لتقنيات شبكات الجيل الخامس (5G) أحد الأمثلة، فقد أدت إلى مواجهة عالمية بين كبار الفاعلين في مجال التكنولوجيا الصينية، مثل: هواوي و(ZTE)، والشركات الأوروبية، مثل: إريكسون ونوكيا. 

وفي إفريقيا، تفوق الفاعلون الصينيون على نظرائهم الأوروبيين والأمريكيين من حيث الحصة السوقية في البنية التحتية للاتصالات وتصنيع الهواتف المحمولة التي تشغل 73% من سوق الإنترنت في إفريقيا. ويبدو أن معظم الجهات الحكومية الإفريقية، مثل: الجهات الفاعلة في بنين، ترغب في الحفاظ على موقف عملي لصالح التعاون مع الشريك الذي يقدم أفضل عرض من حيث التكنولوجيات والتكلفة لتحقيق أهدافها، بدلاً من المواءمة مع منافس جيوسياسي واحد بدلاً من الآخر.

التكيف والسيادة الرقمية:

تخضع المشروعات الرقمية الحيوية ذات البعد الأمني (على سبيل المثال، الأجهزة الوسيطة أو مشروعات المراقبة بالفيديو بمساعدة الذكاء الاصطناعي) للتدقيق بشكل خاص من قبل وسائل الإعلام بسبب المنافسات الجيوسياسية على المستوى الدولي. ومن أجل الحد من مخاطر تلك المنافسات، تختار العديد من البلدان الإفريقية، تعزيز سيادتها الرقمية، من ناحية، وتدعيم تحالفاتها مع الشركاء من القطاع الخاص من ناحية أخرى.

ويمكن تعريف السيادة الرقمية بأنها توجه استراتيجي يهدف إلى إعادة تأكيد سلطة الجهات الحكومية على الفضاء الإلكتروني، بما في ذلك تطوير التكنولوجيا الرقمية، والاعتراف بحقوق كل دولة على حدة في تطوير واستخدام أدوات السياسة اللازمة للتحكم في الأنشطة السيبرانية ضمن أراضيها القانونية. ويعتمد نهج أي دولة في التعامل مع السيادة الرقمية أيضاً على مصالحها الاقتصادية والسياسية، وقدراتها التكنولوجية، وأولوياتها الوطنية، وسياستها الخارجية الرقمية.

وفي إفريقيا، يتمثل أحد التفسيرات الخاطئة الشائعة في المقارنة بين السيادة الرقمية وتوطين البيانات، إذ ترى بعض الجهات الحكومية، أنه إذا كانت البنى التحتية ومراكز البيانات موجودة في القارة الإفريقية وتنتمي إلى كيانات إفريقية، فإن الحكومات الإفريقية تتمتع بقدر أكبر من السيطرة على البيانات والبنى التحتية ومعالجة البيانات التي تتم على أراضيها، وبالتالي ممارسة صلاحيات السيادة الرقمية. وإذا كان يُنظر إلى التوطين كوسيلة لضمان سيادة البيانات، إلا أنه لا يزال من الصعب تحقيقه، ويرجع ذلك أساساً إلى الموارد المالية والقدرات التقنية المطلوبة لنشر مراكز البيانات التي ستكون ضرورية لتلبية هذا المطلب.

مع ذلك، فلتعزيز الشراكات الناجحة بين القطاع الخاص والحكومات في مجال التنمية الرقمية، لا بد من معالجة العديد من التحديات. فوفقاً للجهات الفاعلة الإفريقية الخاصة التي تمت مقابلتها في الدراسة، فإن الحكومات الإفريقية غالباً ما تحمي الأصول الوطنية وتشكك في نيات بعض الجهات الخاصة الأجنبية، خوفاً من استغلالهم البلاد لتحقيق الربح وتحقيق أرباح غير متناسبة في الخارج. لذلك، ينبغي على الحكومات خلق بيئة مواتية لربحية الشركات الخاصة، الأمر الذي ينطوي على تحسين الشفافية في اختيار شركاء القطاع الخاص ووضع قواعد واضحة للشراكة في الترخيص والملكية الفكرية وقابلية التشغيل البيني والتنظيم.

تحديات الرقمنة:

على الرغم من تنفيذ استراتيجيات التكيف الرقمي الإفريقي، لا تزال هناك العديد من التحديات التي تواجه تنفيذ الشراكات الرقمية، فلا يزال المجتمع المدني مشاركاً بشكل ضئيل للغاية في المفاوضات الحكومية. وأخيراً، بدأ التعاون المتعدد الأطراف في القارة في إحداث تأثيراته، ولكن ينبغي تعزيزه حتى تتمكن البلدان الإفريقية من الاستفادة بشكل أكبر من آليات التنسيق.

وتشكل جهات المجتمع المدني في القارة، خاصةً التي تعمل على تعزيز الحقوق الرقمية، مصدراً هاماً في تزويد الحكومات بإمكانية الوصول إلى شبكات الخبراء لإجراء الدراسات والتوصل إلى استنتاجات تؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين اتفاقيات الجودة المبرمة مع نظيراتها الدولية ومع القطاع الخاص. على المستوى المحلي، يمكن للجهات الفاعلة في المجتمع المدني، من خلال دعمها، معالجة أوجه القصور في المؤسسات الحكومية، التي تكون في بعض الأحيان غير مجهزة لإدارة التحديات المرتبطة بالقانون الرقمي، إذ يكون المجتمع المدني الإفريقي في بعض الأحيان أكثر قدرة على العمل بسرعة، ويمكن أن تكون استنتاجات عمله بمثابة أساس للحكومات.

كما يدعو المجتمع المدني إلى زيادة شفافية العمليات وتحسين الهياكل والاستراتيجيات لتنفيذ الأطر المعيارية المختلفة في جميع أنحاء القارة. وفي الحالات التي لا تعمل فيها الأطر القانونية بفعالية، تتمتع منظمات المجتمع المدني بسلطة مساءلة الحكومات. وكان هذا هو الحال في كينيا، إذ أدى المجتمع المدني دوراً مهماً في إجبار الحكومة على ضمان التنفيذ السليم لقانون حماية البيانات. لذا، ففي قارة قد لا يكون فيها تنفيذ الحقوق متقدماً كما هو الحال في أجزاء أخرى من العالم، وتكون محاسبة الأفراد مُكلفة، يؤدي المجتمع المدني دوراً حيوياً في دعم هذه الجهود.

ولطالما أدت التعددية دوراً رئيسياً في التنمية الرقمية في إفريقيا، خاصة في مشروعات البنية التحتية عبر الحدود والاتفاقيات المتجاوزة للحدود الوطنية، التي تهدف إلى مواءمة الأنظمة في قطاعات معينة من الاقتصاد الرقمي، مثل: الأمن السيبراني، وحماية البيانات، وكذلك المدفوعات والتجارة عبر القارة. ففي عام 2014، اعتمد الاتحاد الإفريقي اتفاقية الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية (اتفاقية مالابو)، والتي تسلط الضوء على الحاجة إلى إنشاء أطر تنظيمية مشتركة، وتطوير تحالفات إفريقية متعددة أصحاب المصلحة وتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص. علاوة على ذلك، هناك تحالفات شبه إقليمية، مثل اتحاد نهر مانو (الذي يضم كوت ديفوار وغينيا وليبيريا وسيراليون)، والذي يهدف إلى تعزيز التعاون بين هذه البلدان في عدة مجالات، بما في ذلك الرقمية.

ومن خلال التركيز بشكلٍ أكثر تحديداً على القضايا الرقمية، يضم تحالف إفريقيا الذكية (Smart Africa)، 36 دولة إفريقية من الدول الأعضاء ومنظمات دولية وهيئات فاعلة في القطاع الخاص العالمي تسعى لتقوية وتعزيز الأجندة الرقمية لإفريقيا، كما تنسق الجهود المبذولة في جميع أنحاء القارة لجعل الاقتصاد الرقمي عاملاً بارزاً في التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأخيراً، ستتمكن الحكومات الإفريقية من الاعتماد على الأدوات المتعددة الأطراف مثل منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (AFCFTA)، لزيادة مواءمة القوانين واللوائح. 

ختاماً، تجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي دعت فيه التحالفات والمنظمات الإقليمية مثل: (Smart Africa) و(AFCFTA) و(ECOWAS) والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا إلى مزيد من التكامل الرقمي وإنشاء سوق رقمية واحدة في إفريقيا، فإن السياسات والقوانين غير المتسقة داخل البلدان الإفريقية لا تزال تشكل عقبة رئيسية لتحقيق هذا الهدف، ويتفاقم هذا الوضع بسبب اختلاف مستويات التطور الرقمي في القارة. وعلى الرغم من السياقات المحلية الصعبة والميزانيات المحدودة، تسعى الحكومات الإفريقية جاهدة لتحقيق الأهداف الوطنية الطموحة المتعلقة بالتحول الرقمي.

المصدر:

Folashadé Soulé, «Rivalités géopolitiques et partenariats numériques en Afrique. Stratégies d’adaptation et défis», Ifri, Décembre 2023.