أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

خطاب "ترامب":

هل حان وقت المفاوضات بين واشنطن وطهران؟

09 يناير، 2020


كان الشرق الأوسط خلال الأسبوع الأول من عام 2020 على وشك الانفجار، فهذا الإقليم المضطرب دائمًا كاد أن يشتعل على وقع مواجهة أمريكية إيرانية، تلك المواجهة التي تم فرملتها مؤقتًا بعد خطاب الرئيس "ترامب" مساء يوم الأربعاء 8 يناير، الذي ألقاه ليحدد ملامح الموقف الأمريكي من القصف الصاروخي الإيراني لقاعدتين عسكريتين في العراق، ردًّا على مقتل "قاسم سليماني".

فـ"ترامب" بعث برسائل سياسية تدعو للتهدئة، على أمل أن تستجيب طهران. الأمر الذي يطرح سؤالًا رئيسيًّا، يتعلق بالسيناريو الأقل تكلفة في التصعيد الأخير بين واشنطن وطهران. فهل حان وقت المفاوضات بين الطرفين؟ وما الذي يمكن أن تقودنا إليه الأيام القادمة؟ وهل سندخل مرحلة جديدة من إعادة صياغة الشرق الأوسط في ظل أفق للسلام الأمريكي الإيراني؟ أم سيشتعل برميل البارود مرة أخرى ليفجر المنطقة برمتها؟ 

مرحلة التصعيد: 

حَكَمَ التوترُ مشهدَ العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ وصول الرئيس "ترامب" للسلطة. ومع انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي في مايو 2018، زادت حدة التوتر بين الطرفين، وتطور الأمر خلال الشهور الأخيرة لمرحلة التصعيد، وذلك على خلفية الاستفزازات الإيرانية في منطقة الخليج بعد سلسلة من الأحداث المتواصلة شملت الاعتداء على ناقلات النفط أمام السواحل الإماراتية يوم 12 مايو 2019، ثم الاعتداء على ناقلتي نفط في خليج عمان في 13 يونيو، ثم إسقاط طائرة درونز أمريكية يوم 20 يونيو، وأخيرًا الهجمات التي تعرضت لها منشآت أرامكو السعودية في بقيق وهجرة خُرَيص يوم 18 سبتمبر.

وانتقل التوتر من مستوى منخفض للتصعيد إلى مستوى غير مسبوق، وانتقل مباشرة إلى داخل الأراضي العراقية. وقد بدأ التوتر بين الطرفين بقيام ميليشيات "حزب الله" العراقي بتنفيذ هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية أمريكية "معسكر K1" تقع في كركوك شمال العراق، يوم السبت 28 ديسمبر 2019. أعقب ذلك قيام الولايات المتحدة، يوم الأحد 29 ديسمبر، بتنفيذ ضربات جوية استهدفت خمس قواعد لحزب الله في غرب العراق وشرق سوريا. وبلغت ذروة الأحداث بين الجانبين بقيام متظاهرين تابعين لميليشيات "حزب الله" العراقي، يوم الاثنين 31 ديسمبر، باقتحام السفارة الأمريكية في بغداد في مشهد كاد أن يقترب من سيناريو احتلال السفارة الأمريكية في طهران يوم 4 نوفمبر 1979 بعد الثورة الإيرانية. وبعد ذلك قامت الولايات المتحدة يوم 2 يناير 2020 بتنفيذ عملية عسكرية لاغتيال "قاسم سليماني"، ردت عليها إيران يوم الأربعاء 7 يناير بقصف قاعدتين عسكريتين في العراق تتواجد بها قوات عسكرية أمريكية. ولكنّ العملية الإيرانية لم تُسفر عن وقوع خسائر في صفوف القوات الأمريكية. 

رسائل التهدئة:

أدلى الرئيس "ترامب"، يوم الأربعاء 8 يناير، بخطاب للشعب الأمريكي، حدد فيه ملامح الموقف الأمريكي تجاه إيران، بعد قصفها الصاروخي لقاعدتين عسكريتين في العراق، بهما جنود أمريكيون، وفي هذا الخطاب أكد "ترامب" على ثلاث رسائل رئيسية:

1- فرض عقوبات اقتصادية جديدة: لم يُشر "ترامب" في خطابه من قريب أو من بعيد إلى القيام بعمل عسكري ردًّا على القصف الإيراني، لكنه أشار فقط إلى أن إدارته ستقوم بفرض مزيدٍ من العقوبات الاقتصادية على الجانب الإيراني. ويبدو أن هذا هو الخيار الوحيد الذي رأت الإدارة أنه الأفضل في هذه المرحلة للرد على القصف الإيراني. فمن جانب، يؤكد هذا التحرك أن واشنطن قامت بالرد على العمل العسكري الإيراني، لكنه -في الوقت نفسه- لا يعكس تصعيدًا جديدًا.

2- البحث عن صفقة نووية جديدة: وصف "ترامب" الاتفاق النووي الذي عقدته الإدارة السابقة مع إيران، بأنه اتفاق غبي. وطالب إيران والقوى الدولية الأخرى في الاتفاق النووي (فرنسا، وروسيا، والصين، وبريطانيا، وألمانيا) بالخروج من بقايا هذا الاتفاق، وقال إن بلاده مستعدة لاتفاق جديد، وسلام مع إيران. وهذه الرسالة هي الرسالة الأهم في خطاب "ترامب"، وقصد منها أن الباب مفتوح إذا أرادت طهران التفاوض، وأن السلام هو الأساس. وهذه الرسالة تترك الكرة في ملعب طهران، فتجاوب إيران معها يعني بداية جديدة، لكن استمرار التهور والتصعيد الإيراني يعني عودة الموقف إلى وضع لا يمكن التنبؤ بمساراته.

3- الوجود الأمريكي في الشرق الأوسط: جانب آخر مهم من خطاب الرئيس "ترامب" اليوم يتعلق بحديثه عن الشرق الأوسط، فـ"ترامب" أكد على ضرورة أن يضطلع حلف الناتو بدور أكبر في الشرق الأوسط. وألمح بشكل مباشر إلى أن بلاده لم تعد بحاجة كبرى للشرق الأوسط، خاصة وأنها أصبحت أكبر دولة للنفط والغاز في العالم. ورسالة "ترامب" تلك تأتي كتكرار لموقفه التقليدي بضرورة تقليل الانخراط الأمريكي في المنطقة، وأن يتحمل الآخرون مسؤولية في الأعباء الأمنية المرتبطة بالحفاظ على الاستقرار في الإقليم. 

فصل جديد:

أدى التصعيد الأمريكي الإيراني خلال الأيام الأخيرة إلى موجة قلق عالمي من مواجهة غير مفتوحة في الشرق الأوسط، وبات الحديث عن الصدام والمستقبل المحفوف بالمخاطر جزءًا من النقاش في الساحة الداخلية الأمريكية والإقليمية. 

لكن خطاب الرئيس "ترامب"، ومع افتراض وجود سيناريو نظري بعدم استمرار التصعيد الإيراني، وعدم وجود موجة ثانية من الردود الإيرانية؛ يجعل إمكانية العودة إلى مسار التفاوض ممكنة، خاصة في ظل وجود رغبة دولية في عدم التصعيد وخروج الموقف عن السيطرة، وأن التصعيد بين واشنطن وطهران في المرحلة الراهنة وصل إلى أقصى حد مسموح به.

ومع وجود افتراض نظري بأن التصعيد بين الطرفين خلق بيئة جديدة للمفاوضات بينهما؛ إلا أنه من المبكر التنبؤ بالكيفية التي ستبدأ بها المفاوضات، ومتي، وكيف سيتم إدارتها، لكن من المؤكد أن هناك خمس قضايا رئيسية سوف تسيطر على جدول الأعمال الأمريكي تشمل: برنامج إيران النووي، وبرنامج إيران الصاروخي، ودعم إيران لعملائها في المنطقة، ودورها في زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكل عام. وعلى الجانب الإيراني، ستركز طهران على أن تنجح في أن يتم التفاوض على تلك القضايا وفقًا للرؤية الإيرانية، أو على الأقل تحقيق الحد الأدنى من التصورات الإيرانية حولها. 

بشكل عام، فإن الأجواء أصبحت مهيأة نسبيًّا للدخول في مرحلة التفاوض على "اتفاق نووي جديد" JCPOA 2، بين الولايات المتحدة وإيران، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لكن من الصعوبة بمكان التنبؤ بمسار هذه المفاوضات، خاصة وأنه رغم وضوح الموقف الأمريكي، إلا أن الموقف الإيراني ما زال غير متبلور، فطهران حتى الآن لا ترغب أو ربما لا تريد استغلال الفرصة. 

ختاماً رغم ما شهدته منطقة الشرق الأوسط من تصعيد أمريكي إيراني على مدار الأسبوع الأول من عام 2020؛ إلا أن العملية الأمريكية لاغتيال "قاسم سليماني"، والرد العسكري الإيراني المحدود عليها حتى الآن، يبدو أنهما سيفتحان الباب أمام مشهد جديد في منطقة الشرق الأوسط، مشهد إمكانية عودة المفاوضات بين واشنطن وطهران إذا قررت الأخيرة استغلال الفرصة وعدم التهور والتصعيد. ونتيجةُ هذه المفاوضات التي من المؤكد أنها ستستغرق وقتًا ستكون بداية لمرحلة جديدة في الإقليم، عنوانها الانسحاب التدريجي الأمريكي من المنطقة.