أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

اعتماد مُفرِط:

انعكاسات اتفاقية الشراكة بين إيران والصين على العلاقات النفطية

29 مارس، 2021


تؤسس اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين إيران والصين، في 27 مارس الجاري، لمرحلة جديدة في العلاقات النفطية بين الدولتين، أساسها التعاون طويل الأمد وزيادة الاعتماد المتبادل بينهما في هذا المجال. ومن المرجح أن تساهم الاتفاقية في زيادة توريد الإمدادات الإيرانية من الخام للسوق الصينية في مقابل اتساع نطاق مشاركة الشركات الصينية في مشاريع النفط والغاز الإيرانية وغيرها من المشاريع الأخرى، وبما يُعوِّض غياب الشركات الغربية عن المشاريع النفطية في إيران، وهو ما يعزز في الوقت ذاته من الدور الصيني في الاقتصاد الإيراني مستقبلاً. 

شراكة قوية: 

أبرمت إيران والصين، في 27 مارس الجاري، اتفاقية "الشراكة الاستراتيجية الشاملة" طويلة الأجل لمدة 25 عاماً، ووقعها كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ونظيره الصيني وانغ يي، بعد أربع سنوات من العمل للاتفاق على تفاصيلها النهائية، ووسط استمرار فرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على طهران منذ أواخر عام 2018.

وتعتبر الدولتان هذا الاتفاق بمثابة نقطة انطلاق جوهرية للعلاقات الاقتصادية بينهما في الأمدين المتوسط والبعيد. وفي هذا السياق، قال الرئيس الإيراني حسن روحاني قبل التوقيع: "هذا التعاون هو أساس الشراكة بين البلدين في المشاريع الكبرى وتطوير البنية التحتية، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق". وبدورها، دافعت بكين عن أهمية الاتفاق، وصرحت وزارة التجارة الصينية في وقت سابق بأن بكين ستبذل جهوداً لحماية اتفاق النفط الإيراني، والدفاع عن المصالح المشروعة للعلاقات الصينية- الإيرانية. 

ولم تنشر كلتا الدولتين التفاصيل المتعلقة بالاتفاق بالكامل، ولكن من المتوقع أن يتركز التعاون بينهما على العديد من مشاريع البنية التحتية في إطار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، وذلك بحسب تصريح سابق للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده، ويتوافق ذلك مع تكهنات سابقة بأن الاتفاق يتضمن خططاً لتوريد النفط الخام الإيراني إلى الصين مقابل استثمارات صينية في عدد من المجالات، بما في ذلك الموانئ، والسكك الحديدية، والرعاية الصحية، وتكنولوجيا المعلومات وغيرها وبقيمة مشاريع قد تتجاوز 400 مليار دولار. 

تداعيات مباشرة:

على الصعيد الداخلي، أثارت الاتفاقية انتقادات من جانب بعض الشخصيات العامة والسياسية نظراً لسرية بنودها وعدم إعلانها بشكل شفاف وواضح أمام الشعب. وقد صرح الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، في يونيو 2020، بأن "أى اتفاقية سرية ودون الرجوع إلى إرادة الشعب الإيراني مع أطراف أجنبية تتعارض مع مصالح الدولة والأمة، وتعتبر غير شرعية ولن تعترف بها الأمة الإيرانية". وبالإضافة إلى سرية بنود الاتفاقية، فإنها تثير مخاوف لدى بعض التيارات السياسية بأن تسمح للصين بنفوذ اقتصادي كبير على القطاعات الحيوية في البلاد.

أما على المستوى الخارجي، فإن طهران ترغب من خلال هذه الاتفاقية في توجيه رسالة إلى واشنطن بأن لديها حليفاً قوياً يمكن أن يساعدها في الخروج من المأزق الاقتصادي حتى رغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية، وعلى نحو يعطيها مساحة للمناورة في التفاوض مع الدول الغربية بشأن البرنامج النووي. ويشار إلى أن الصين كانت في السنوات الأخيرة شريكاً تجارياً رئيسياً لإيران، ووفرت لها ملاذاً لتجاوز العقوبات الأمريكية التي تستهدف نظامها المصرفي وصادراتها الرئيسية بما في ذلك النفط. 

ومن هنا، فإن الاتفاقية تعد في مثل هذا التوقيت تحدياً للإدارة الأمريكية الراهنة التي تحاول تقليص النفوذ الصيني في الشرق الأوسط والعديد من مناطق العالم الأخرى، مما قد يتسبب في توتر علاقة طهران مع واشنطن وشركاءها الآخرين، ويضع مزيداً من العراقيل في طريق المفاوضات بشأن البرنامج النووي الإيراني. 

تطور التعاون:

رغم العقوبات الاقتصادية الأمريكية على إيران، لم تتوقف الصين تماماً عن استيراد النفط الإيراني منذ عام 2018، حيث حصلت المصافي الصينية الخاصة على شحنات الخام الإيراني، والتي يتم تهريبها عن طريق البحر باستخدام وسائل مختلفة مثل النقل في عرض البحر من سفينة لأخرى، أو تزوير منشأ الشحنات. ووفق تقديرات "ريفنيتف ايكون"، صدّرت إيران حوالي 306 ألف برميل من النفط إلى الصين في الأشهر الـ14 الماضية حتى نهاية عام 2020.  

وقد ارتفعت الشحنات الإيرانية لمستويات قياسية في يناير وفبراير الماضيين وبأكثر من نصف مليون برميل يومياً، كما من المتوقع أن تصل إلى مستويات قياسية في مارس رغم العقوبات الأمريكية وإلى ما يتراوح بين 800 ألف برميل يومياً إلى 900 ألف برميل يومياً، وهو أكبر مستوى في عامين تقريباً. وتتوجه معظم الشحنات النفطية إلى مقاطعة شاندونج، حيث توجد معظم مصافي التكرير الصينية الخاصة، والتي قد يصعب على الإدارة الأمريكية تتبعها أو فرض عقوبات مؤثرة عليها. 

وبجانب توريد النفط الإيراني للسوق الصينية، فمن المرجح أن تؤسس اتفاقية الشراكة الاستراتيجية لدور أكبر للصين والشركات التابعة لها في قطاع النفط الإيراني، فبموجب المعلومات الأوّلية عن الاتفاقية ستتلقى الصين إمدادات ثابتة من النفط الإيراني مقابل ضخ استثمارات في مشاريع في مختلف الأنشطة في إيران ولاسيما النفط والغاز الطبيعي.

 ومعنى ذلك أن الاتفاقية لا تضمن لإيران فقط تسويق إمداداتها من النفط الخام في السوق الصينية ذات معدلات النمو العالية لمدة طويلة، ولكن أيضاً ستحيي آمال طهران في جذب استثمارات من الشركات الصينية عالية التكنولوجيا في مشاريع تطوير حقول النفط والغاز الطبيعي، ولكن قد يبدو دخولها بالفعل للسوق الإيرانية صعباً قبل رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على طهران. 

ولكن بقدر ما تكتسبه هذه الاتفاقية من أهمية في دعم الاقتصاد، وقطاع النفط الإيراني على وجه الخصوص، فإنها تثير مخاوف داخلية من احتمال اتساع نطاق النفوذ الصيني بالقطاعات الاقتصادية الحيوية في إيران، فيما ترغب الولايات المتحدة أيضاً في أن تحد من النفوذ الصيني بالشرق الأوسط بشكل عام.