أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مخاطر مُتصاعدة:

كيف أثرت التغيرات المناخية في دول أمريكا اللاتينية؟

27 مايو، 2024


تشهد أغلب بلدان أمريكا اللاتينية أزمات مناخية غير مسبوقة نتيجة لظاهرة "النينيو" المناخية، وهي دورة مناخية تحدث في المحيط الهادئ، وتبدأ عندما تنتقل المياه الدافئة في المحيط من الجهة الغربية إلى الجزء الشرقي الاستوائي باتجاه سواحل أمريكا اللاتينية على طول خط الاستواء؛ وهي ظاهرة لها تأثير كبير في حالة الطقس في جميع أنحاء العالم، إلى جانب ظاهرة الاحتباس الحراري؛ وهو ما أسفر عن عدد من الكوارث المناخية المختلفة كالجفاف نتيجة لانخفاض نسبة الأمطار، بالإضافة إلى تعرض غابات الأمازون للحرائق وإزالة الغابات مع ارتفاع درجات الحرارة، ناهيك عن كوارث الفيضانات. 

مؤشرات كاشفة: 

ظهرت التداعيات السلبية لتغير المناخ في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالى:

1. كوارث الفيضانات: شهدت العديد من بلدان أمريكا اللاتينية موجات كثيفة من الفيضانات؛ إذ لقي 150 شخصاً حتفهم جراء الفيضانات المدمرة التي اجتاحت جنوب البرازيل خلال شهر مايو 2024، بجانب إصابة 756 شخصاً، بينما لا يزال 130 شخصاً في عداد المفقودين، حسبما أعلنت قوة الدفاع المدني التي تتولى عمليات الإغاثة من الكوارث، تزامناً مع تحذيرات العديد من المسؤولين من أن خمسة سدود مُعرضة لخطر الانهيار خلال الفترة المقبلة.  

على الجانب الآخر، تسبب فيضان نهر لاباز في بوليفيا، في سقوط رصيف شارع هيرنان سيلز زوازو، وهو الطريق الرئيسي في البلاد؛ مما دفع الحكومة البوليفية لطلب دعم الدفاع المدني البوليفي بالآلات الثقيلة لإنقاذ الناس وإزالة الأنقاض، ناهيك عن ارتفاع حصيلة الفيضانات التي ضربت البلاد إلى 51 شخصاً وأكثر من 40 ألف أسرة متضررة، حسبما أشارت السلطات، والتي اضطرت لتفعيل حالة الطوارئ والإنذار الأحمر بسبب الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمنازل والطرق. 

2. حرائق الغابات وارتفاع درجة الحرارة: تشهد مجموعة من الدول في أمريكا اللاتينية مثل: تشيلي والأرجنتين وبيرو وأوروغواي والبرازيل ارتفاعاً غير مسبوق في درجات الحرارة، أسفر عن عدّة حرائق ضخمة في الغابات. ففي فبراير الماضي، أشارت السلطات في تشيلي، إلى إن ما لا يقل عن 51 شخصاً لقوا حتفهم بسبب حرائق الغابات في وسط البلاد، ومن المرجح زيادة عدد القتلى؛ إذ تكافح فرق الطوارئ لإخماد الحرائق التي تهدد مناطق حضرية، هذا إلى جانب زيادة مساحة الأراضي المتضررة من حرائق الغابات من 30 ألف هكتار إلى 43 ألفاً، فضلاً عن تدمير نحو 1100 منزل.

وفي المكسيك، أبلغت اللجنة الوطنية للغابات، عن استمرار حرائق الغابات في البلاد مع وجود 100 حريق نشط تصعب السيطرة عليها؛ إذ ارتفع عدد حرائق الغابات النشطة في ولاية غيريرو فقط من 19 إلى 23 حريقاً، مع تأثر 59.380 هكتاراً. في المقابل، سجلت كولومبيا أكثر من 340 حريقاً خلال الفترة الماضية، بحسب تصريحات وزيرة البيئة سوزانا محمد، والتي أضافت أن هنالك 26 حريقاً ما زالت مشتعلة.  

أخيراً، أعلنت السلطات في الأرجنتين، حالة الطوارئ بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، والتي وصلت إلى 40 درجة مئوية لأول مرة في تاريخ البلاد خلال شهر فبراير الماضي، كما أوصت بزيادة استهلاك المياه دون الانتظار إلى العطش؛ للحفاظ على درجة حرارة الجسم، وعدم التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر. 

3. تصاعد موجات الجفاف: أثر الجفاف الحاد الذي تفاقم بسبب موجات الحر في مناطق واسعة من أمريكا اللاتينية، ففي أوروغواي، كان صيف عام 2023 هو الأكثر جفافاً على الإطلاق منذ 42 عاماً، وأدى إلى انخفاض مخزون المياه إلى مستويات خطرة. كما تعاني المكسيك من موجة جفاف غير مسبوقة، فقد وصل نقص المياه إلى حدود مُثيرة للقلق خلال عام 2024؛ إذ تعاني 75% من أراضيها من درجة ما من الجفاف، وفقاً لبيانات اللجنة الوطنية للمياه. أما بوليفيا، فتعاني من جفاف يؤثر في أكثر من 100 ألف أسرة؛ إذ ألحقت ندرة المياه أضراراً بأكثر من 140 ألف هكتار من المحاصيل في سبع من مناطقها التسع. 

تداعيات مُتباينة:  

ثمّة تداعيات عديدة ألقت بظلالها السلبية على دول أمريكا اللاتينية نظراً لظروف الطقس المتطرفة وتغير المناخ، وهو ما يتضح فيما يلي:

1. تهديد الأمن الغذائي: تُشير العديد من التحليلات إلى أن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى تدهور الإنتاجية الزراعية وانخفاض إيرادات العمالة في معظم دول أمريكا اللاتينية، التي تعاني أصلاً من ارتفاع أسعار الغذاء مع نقص بعض المنتجات. ففي عام 2023، أفادت عدة تقارير بأن 13.8 مليون شخص عانوا من أزمة غذائية حادة في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. 

وفي هذا السياق، أثارت موجة الحر الجاف في الأرجنتين، في فبراير الماضي، تحذيرات بشأن ظروف نمو الحبوب كفول الصويا والذرة؛ إذ انخفضت نسب إنتاجهم من 90% إلى 65%، ناهيك عن تدهور الجودة نظراً لحاجة تلك الحبوب لهطول الأمطار. وفي هندوراس، واجه ما يقدر بنحو 2.6 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال موسم الجفاف من يونيو إلى أغسطس 2022، وفي غواتيمالا، قُدر عدد الأشخاص الذين يواجهون أزمة أو انعدام أمن غذائي حاد بنحو 3.2 مليون بين أكتوبر 2022 وفبراير 2023؛ وهو ما يمثل زيادة حادة قدرها 2.5 مليون.

أخيراً، أدى ارتفاع درجة حرارة البحر، بسبب ظاهرة "النينيو"، إلى انخفاض كميات صيد الأسماك في بلدان: مثل: بيرو والإكوادور؛ وهو ما حدث في فنزويلا؛ إذ أشارت صحيفة "إيفيكتو" الفنزويلية إلى أن تأثير تغير المناخ بدأ بالفعل يظهر علامات تهدد حقوق جميع الأشخاص، وتؤدي إلى الجوع، مُشيرة إلى أن بحيرة سينامايكا التي يعتمد عليها الشعب في الحصول على الأسماك تُعد شبه جافة ولا توجد بها حياة؛ لأنها تعاني من انخفاض كبير في الأسماك. 

2. زيادة المخاطر الصحية: جادل العديد من الخبراء بأن التغير المناخي في أمريكا اللاتينية سيؤثر سلباً في الوضع الصحي للسكان؛ إذ سجلت المنطقة زيادة بنسبة 140% في الوفيات الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة، وتعُد كل من الإكوادور والسلفادور وغواتيمالا وهندوراس من أكثر البلدان المتضررة. بموازاة ذلك، تسببت الزيادة في درجات الحرارة والأمطار والفيضانات في ظهور أمراض الإسهال مثل: الكوليرا، وأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي الناتجة عن حرائق الغابات وغبار الرمال وتلوث الهواء. 

أخيراً، أسهمت ظاهرة "النينيو" المناخية بجانب الاحتباس الحراري في تزايد حالات حمى "الضنك" بالمنطقة، وهو مرض فيروسي ينتقل عن طريق لدغة بعوضة مصابة بالفيروس؛ إذ تم تسجيل 1858 حالة وفاة بسبب هذا المرض مع بدايات عام 2024، فضلاً عن الإصابات التي وصلت إلى 5.2 مليون شخص. 

ومن المتوقع أن تزداد خطورة هذا الأمر لأن البعوض يكون أكثر نشاطاً عندما يكون الجو أكثر دفئاً والفيروس الذي يصيبه يتطلب وقتاً أقل للحضانة؛ مما يسمح له بأن يصبح ناقلاً للفيروس بسهولة شديدة، ناهيك عن ركود مياه العواصف لعدة أيام أو هطول أمطار متواصلة لعدة أسابيع بسبب عدم الاستقرار المناخي بأغلب بلدان المنطقة؛ مما يزيد من مواقع تكاثر الحشرات. كذلك، تؤدي حالات الجفاف الشديدة إلى زيادة الحاجة إلى تخزين المياه، وغالباً ما يكون ذلك بشكل غير كافٍ؛ مما يؤدي إلى مواقع التكاثر.

3. تفاقم معدلات الهجرة والنزوح الداخلي: بدأ تغير المناخ يظهر كمحرك قوي للهجرة والنزوح الداخلي في معظم دول أمريكا اللاتينية؛ وهو ما يعرف بظاهرة الهجرة المناخية التي تعني "تهجير شخص أو مجموعة من الأشخاص الذين يضطرون، في الغالب؛ لأسباب تتعلق بالتغير البيئي المفاجئ أو التدريجي بسبب تغير المناخ، إلى مغادرة مكان إقامتهم المعتاد، أو يختارون القيام بذلك داخل الدولة أو عبر الحدود الدولية"؛ إذ تُشير تقديرات البنك الدولى إلى أن أمريكا اللاتينية ستشهد نزوح نحو 17 مليون شخص داخل حدودها بحلول عام 2050، ولاسيما مع عدم اتخاذ إجراءات مناخية وتنموية ملموسة.

وأبرز مثال على ذلك، الفيضانات الراهنة في جنوب البرازيل، والتي أجبرت 540 ألف شخص على مغادرة منازلهم، بجانب 77 ألف شخص قصدوا ملاجئ أقامتها سلطات الولاية، فضلاً عن وجود أكثر من مليون مسكن بلا مياه؛ وهو ما دفع السلطات إلى مطالبة السكان بعدم العودة إلى المناطق المتضررة بسبب الانزلاق المحتمل للتربة والمخاطر الصحية. 

4. تدهور النمو الاقتصادي: تؤثر الأزمات المناخية في وتيرة النمو الاقتصادى بأغلب دول أمريكا اللاتينية نظراً لآثارها المدمرة على البنية التحتية للإنتاج والسياحة والتجارة وغيرها، فوفقاً للبنك الدولي بحلول عام 2050، قد تكلف الأضرار الناجمة عن تغير المناخ المنطقة 100 مليار دولار أمريكي سنوياً، في الوقت الذي تواجه فيه دول المنطقة مشكلات هيكلية وتحديات مالية وتضخمية تزيد من خطر التباطؤ الاقتصادي؛ حسبما أشارت عدّة مؤسسات اقتصادية؛ إذ أفاد تقرير "الأمم المتحدة" عن الوضع الاقتصادي العالمي وآفاقه لعام 2024، بأن اقتصاد أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي يتوقع أن يتباطأ من 2.2% في عام 2023 إلى 1.6% في عام 2024 بسبب تشديد الظروف المالية وانخفاض الصادرات. 

وهو ما أكدته وكالة "فيتش" حينما أشارت إلى أنه من المتوقع أن يتراجع النمو الإقليمي من 2.3% في 2023 إلى 1.6% في 2024، متأثراً بتباطؤ النمو في البرازيل والمكسيك، وعام آخر من التباطؤ في كولومبيا والركود في الأرجنتين. كذلك، سيؤدي التحول إلى الاقتصاد الخالي من الكربون إلى فقدان أكثر من 360 ألف وظيفة في مجال استخراج النفط والغاز وتوليد الكهرباء باستخدام الوقود الأحفوري في دول المنطقة. 

أخيراً، من المتوقع أن يسقط ما يقرب من 5.8 مليون شخص في براثن الفقر المدقع بحلول عام 2030، ويرجع ذلك الأمر بصفة أساسية إلى نقص المياه الصالحة للشرب، وأيضاً زيادة التعرض للحرارة الشديدة والفيضانات، وفقاً للبنك الدولي. 

5. تحديات جديدة للانتخابات المقبلة: يتوقع العديد من الخبراء بأن الأزمات المناخية الراهنة ستجعل أجندة المناخ من أبرز التحديات التي تمر على انتخابات دول القارة خلال العام الجاري، فمن المقرر أن تجري المكسيك وبنما وجمهورية الدومينيكان وأوروغواي انتخابات رئاسية، في حين ستجري البرازيل انتخابات بلدية، والتي ستقرر رؤساء البلديات وأعضاء المجالس في 5568 بلدية في البلاد، وبناءً عليه، طالب البعض بأن تكون سياسات مكافحة إزالة الغابات وتحويل الطاقة، على سبيل المثال، في قلب تغطية البرامج الحكومية للمرشحين الرئاسيين ورؤساء البلديات. 

فالمكسيك على سبيل المثال، ستصبح فيها أزمة الجفاف الناجمة عن ندرة المياه أكبر التحديات التي تواجهها البلاد في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2 يونيو 2024، ولاسيما مع تصدر المرشحة كلوديا شينباوم، مرشحة الرئيس الحالي لوبيز أوبرادور، استطلاعات الرأي، نظراً لتمتعها بخلفية علمية مناخية ستساعد على ريادة البلاد في سياسة المناخ الدولي. 

وفي التقدير، يمكن القول إنه في ظل استمرار انعدام الأمن والاتجار بالمخدرات وارتفاع نسب الجريمة المنظمة نتيجة لنفوذ العصابات، باتت الكوارث المناخية واحدة من أهم التحديات التي تتوجب مواجهتها من قبل دول المنطقة، للانتقال إلى مسار مناخي آمن؛ وهو ما يستدعي اتخاذ إجراءات جذرية وحاسمة وفورية، مدعومة بالتعاون العالمي، والقيادة السياسية القوية، والشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص، كما سيتطلب أيضاً المال؛ إذ وفقاً لوكالة الطاقة الدولية، يجب على المنطقة مضاعفة الاستثمار في الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.