أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مواجهة الضغوط :

دلالات إعدام طهران نائب وزير الدفاع الأسبق رضا أكبري

25 يناير، 2023


أعلنت السلطة القضائية الإيرانية، في 14 يناير 2023، تنفيذ حكم الإعدام بحق نائب وزير الدفاع الأسبق للشؤون الخارجية، علي رضا أكبري، وذلك على خلفية إدانته بالإفساد في الأرض والإضرار بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد عبر نقل معلومات حساسة وسرية للاستخبارات البريطانية.

وتولى أكبري منصب نائب وزير الدفاع في الفترة من 2000 حتى 2005، في عهد الوزير، وقتذاك، علي شمخاني، إبان فترة الرئيس الإيراني الأسبق، محمد خاتمي، كما كان أكبري قائداً بالحرس الثوري الإيراني، ومحارباً في الحرب الإيرانية – العراقية، فضلاً عن توليه عدد من المناصب المهمة، ومنها مستشار قائد القوات البحرية، ورئاسة قسم في مركز بحث وزارة الدفاع، إضافة إلى عمله في الأمانة العامة لمجلس الأمن القومي.

دلالات متعددة:

يُعد إعدام رضا أكبري، واحدة من عمليات الإعدام القليلة التي تطال مسؤول إيراني بهذا المستوى، وهو ما يمنحها عدداً من الدلالات والتي يمكن إبرازها على النحو التالي:

1- استمرار اختراق المسؤولين الإيرانيين: يُشير حادث إعدام أكبري إلى تزايد اتهامات التجسس، وتسريب المعلومات الحساسة، لاسيما في المجالات الأمنية والعسكرية والنووية، من قبل مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى، إذ وجهت السلطات الإيرانية تلك الاتهامات لشخصيات نافذة من قبل، ومنها على سبيل المثال، مسؤول ملف إسرائيل في دائرة مكافحة التجسس بوزارة الاستخبارات الإيرانية، والذي تم إعدامه عام 2016، على خلفية اتهامه بالتخابر مع إسرائيل، إلى جانب الحكم بالسجن عشر سنوات على المسؤول المالي في المفاوضات النووية خلال فترة الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، بتهم التجسس لصالح الاستخبارات البريطانية والكندية والتعاون مع الولايات المتحدة، كما تم إعدام شهرام أميري، وهو العالم المُتخصص في النظائر المُشعّة، والذي تم اتهامه بـ"التخابر سراً مع دول معادية، وتهديد الأمن القومي الإيراني وتقديم معلومات حساسة للأعداء". 

وربما يُفسر اختراق الأجهزة والمسؤولين الإيرانيين، تكرار الحوادث التخريبية التي تستهدف المواقع والشخصيات العسكرية ومسؤولي البرنامج النووي الإيراني. وفي هذا السياق، فقد قدم أكبري معلومات ساهمت في التأكيد على أهمية العالم النووي البارز، محسن فخري زاده، وخبرته الفنية الواسعة، ومن ثم تخطيط أجهزة الاستخبارات الغربية لتصفيته في 27 نوفمبر 2020. 

2- صراع الأجنحة داخل النظام الإيراني: كشف تسجيل صوتي، تم تسريبه، قبل إعدام أكبري بيومين، إلى محاولات الاستخبارات الإيرانية انتزاع اعترافات منه بشأن تورط علي شمخاني في الاتهامات الموجهة لأكبري. وتمت الإشارة إلى حوار دار بين الأخير والقاضي في المحكمة، بشأن ما أوردته الاستخبارات من نقل شمخاني معلومات سرية عن الدولة لأكبري مقابل "زجاجة عطر وقميص" بين عامي 2018 و2019.

وتعزز هذه التسريبات، في حال صحتها، من فرضية أن القبض على أكبري يستهدف كذلك الإطاحة بشمخاني، والذي حافظ على منصبه منذ الفترة الرئاسية الثانية للرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، بل ذهبت بعض وسائل الإعلام المحسوبة على الحرس الثوري، إلى الإشارة علناً إلى أن شمخاني ستجري إقالته قريباً، وأنه يجري تجهيز قائمة من المرشحين لخلافته.

3- رسالة تهديد للنخبة والمسؤولين: يحمل إعدام أكبري، رسالة من جانب النظام الإيراني، إلى النخبة السياسية، في التيارين الأصولي والإصلاحي، مفادها أن ما لا يقف إلى جانب النظام، سيلاقي مصير أكبري نفسه، وذلك في محاولة منه لمنع الانشقاقات والتصدعات، لاسيما في الوقت الذي يتعرض فيه النظام لضغوط مكثّفة على خلفية الاحتجاجات، وتوتر العلاقات مع الغرب. لذا سعى النظام من خلال هذه الخطوة إلى تحذير المسؤولين، خاصة في الأجهزة الأمنية، من الانشقاق أو التعاون مع الخارج.

وشهدت الفترة الماضية انتقادات من بعض المسؤولين السابقين، للنظام الإيراني، على خلفية قمع الاحتجاجات، إذ أعرب الرئيس السابق محمد خاتمي، تأييده لها، كما أعلن الرئيس حسن روحاني، تأييده ضمنياً للاحتجاجات، عندما صرّح قائلاً بأنه قدّم بعض الاقتراحات للمرشد الأعلى، علي خامنئي، ومسؤولين آخرين، بهدف حل المشكلات التي يعانيها المواطنون.

يضاف إلى ذلك، الموقف المعارض الذي تبنته أسر بعض الزعامات الدينية والسياسية في إيران، حيال النظام، ومنها على سبيل المثال، الانتقادات اللاذعة التي توجهت بها فائزة هاشمي رفسنجاني، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق، وفريدة مرادخاني، ابنة شقيقة خامنئي، للنظام ورموزه.

تداعيات مُحتملة: 

ثمة تداعيات من المحتمل حدوثها، في إطار إقدام طهران على تنفيذ حكم الإعدام بحق رضا أكبرى، يتمثل أبرزها في الآتي:

1- استمرار عزلة النظام الإيراني: أثار إعدام أكبري، غضب العواصم الغربية، إذ أعربت لندن وواشنطن عن صدمتهما من الحادث، متوعدتيْن بمحاسبة طهران. كما قامت لندن بفرض عقوبات على المدعي العام الإيراني على خلفية ذلك الحادث، إلى جانب إعلان الخارجية البريطانية نيتها سحب سفيرها من إيران.

إلى جانب ذلك، أشارت المصادر البريطانية إلى أن هذا الحادث قد يدفع باتجاه تخلي بريطانيا عن دعم الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما يزيد من تعقيد مسار المباحثات النووية المتوقف تماماً منذ سبتمبر الماضي، كما يتماهى ذلك مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 17 يناير 2023، أن النظام الإيراني أضاع فرصة العودة السريعة إلى الاتفاق النووي قبل بضعة أشهر، مؤكداً أن "الفرصة كانت مطروحة على الطاولة لكنهم رفضوا. وتكشف تلك التصريحات أنه من المستبعد حدوث انفراجة في علاقات إيران مع القوى الغربية خلال الفترة القادمة، في ضوء تزايد حدة التوتر معها.

2- إدراج محتمل للحرس على قوائم الإرهاب الأوروبية: أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، في 17 يناير 2023، أي بعد الكشف عن إعدام أكبري بثلاثة أيام، أنها تؤيد خطوة وضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب، وفرض مزيد من العقوبات على إيران، وهو الموقف الذي أتى بعد أيام مع إعلان لندن أنها ستتخذ إجراءات أخرى ضد إيران، إلى جانب سحب سفيرها.

وردت إيران على تلك الخطوة المُحتملة من جانب الاتحاد الأوروبي، بتحذير الأوروبيين بشكل مباشر من أن الإقدام على ذلك سوف يعرض سفنهم في الخليج للخطر، في إشارة إلى التهديد بإغلاق مضيق هرمز أمام السفن والناقلات الغربية، كما وصفت صحيفة "جوان"، التابعة للحرس الثوري، هذا الإجراء الأوروبي المُحتمل بأنه "إعلان حرب".

وعلى الرغم من رمزية الإدراج المُحتمل للحرس الثوري من جانب الاتحاد الأوروبي، في ضوء كون الحرس خاضعاً بالفعل، في الوقت الراهن، لعقوبات بريطانية، فضلاً عن أنه مدرج ككيان على قوائم الإرهاب لدى واشنطن، فإنها تُعد خطوة ذات دلالة، في حال حدوثها، بالنظر لحجم التعاملات التجارية والبنكية والمالية التي تجريها بعض الدول الأوروبية مع إيران، والتي يسيطر فيها الحرس الثوري على نسبة كبيرة من اقتصادها، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لاسيما في ضوء  ارتفاع حجم التبادل التجاري بمقدار 22% في الفترة من يناير حتى نوفمبر 2022، بين إيران والاتحاد الأوروبي لتصل إلى 4.715 مليار يورو، حسب تقديرات مركز الإحصاء الأوروبي (يورسات).

3- توظيف عملية الإعدام لإرهاب المحتجين: يتزامن إعدام أكبري مع القمع الذي يمارسه النظام بحق المحتجين، ومواصلة إعدام أشخاص على صلة بالاحتجاجات الحالية، إذ بلغ عددهم أربعة من الشباب، وقد بلغ عدد من صدر بحقهم أحكام إعدام 22 شخصاً، في محاكمات، وُصفت بالصورية، والمُفتقرة لأدنى درجات العدالة. 

وقد يستغل النظام إعدام أكبري في إيصال عدد من الرسائل للمحتجين؛ منها أن النظام ما زال مستمراً في إعدام المعارضين والخارجين عن القانون والنظام العام، من وجه نظره، فضلاً عن محاولته الظهور بمظهر المتماسك والذي يسعى لتعقب الجواسيس والحفاظ على الأمن القومي ومقدرات البلاد في مواجهة المخططات الخبيثة ضده.

وفي التقدير، يمكن القول إن حادث إعدام نائب وزير الدفاع الإيراني الأسبق يُدلل على وجود مشكلة داخل منظومة الحكم في إيران، بما تحمله من دلالات تتعلق بوجود اختراق في مؤسسات النظام، فضلاً عمّا يكشفه من صراع بين أجنحة النظام المختلفة. هذا إلى جانب ما سيسفر عنه إعدام أكبري من استمرار التوتر في العلاقات بين إيران والدول الغربية، خاصة في ظل تعثر مسار المفاوضات النووية، واستمرار تصعيد طهران النووي والصاروخي، وانخراطها في دعم روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وهو ما يستبعد من أي إمكانية لاستئناف المفاوضات النووية بين الجانبين، في الوقت الحالي.