أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات جديدة:

"قوات الناتو الخاصة" ومواكبة التحولات الأمنية

25 ديسمبر، 2014


إعداد: أحمد عبدالعليم

يجد حلف شمال الأطلسي "الناتو" نفسه في ظل التفاعلات الدولية المختلفة، خاصةً التحركات الروسية في أوكرانيا وعودة "الدب الروسي" للمواجهة من جديد، والأوضاع في كلٍ من أفغانستان وليبيا، أمام حاجة ماسة إلى ضرورة إعادة تحديد أولوياته، وكذلك تطوير قدراته من أجل مواجهة التحديات الجديدة، إذ يحتاج "الناتو" إلى ضرورة التعامل مع الأزمات الراهنة من دون إغفال أهمية وضع رؤية مستقبلية تأخذ في حسبانها متطلبات التهديدات الناشئة، سواء كانت تقليدية أو غير تقليدية، فالناتو باعتباره الحلف الدفاعي الأقوى في العالم يسلتزم منه تطوير إمكانياته بشكل يتماشى مع التحديات والمسؤوليات المُلقاة على عاتقه.

في ضوء تلك المستجدات، تأتي دراسة الكاتب "أوستن لونج" Austin Long، وهو أستاذ مساعد في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، بعنوان: "العمليات الخاصة للناتو: التعهد والمشكلة"، والتي تطرق خلالها إلى قوات العمليات الخاصة لحلف شمال الأطلسي NATO Special Operations Forces (SOF)، من حيث تطور هذه القوات بشكل خاص، وتطوير حلف الناتو بشكل عام، مروراً بقدرات تلك القوات الخاصة للناتو، وما يمكن أن تحققه من أهداف استراتيجية، وانتهاءً بأهم المشكلات والعقبات التي تُمثِّل تحديات أمام تطور الناتو، وكذلك الحلول المقترحة لتجاوز تلك المشكلات والعقبات.

تطور القوات الخاصة للناتو (SOF)

يبدأ الكاتب "أوستن لونج" دراسته بالتأكيد على أن قوات العمليات الخاصة للناتو أمام مفترق طرق، حيث إنه وبعد أكثر من عقد كامل، باتت هذه القوات أكثر قدرة على العمل في ميادين مختلفة، وإذا استمر الناتو في تطويرها، فإنه من الممكن أن تلعب دوراً رئيسياً، وتحديداً خارج أوروبا.

وطبقاً لما أوردته الدراسة، فقد أصبح لقوات العمليات الخاصة للناتو دور مركزي في حروب القرن الحادي والعشرين بشكل متزايد، فبينما باتت الغارات والحرب غير التقليدية أمراً ليس بالجديد، فإن العوامل الجيواستراتيجية والتكنولوجية، لاسيما على مستوى القيادة والسيطرة والاتصالات والاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، قد تضافرت من أجل تمكين القوات الخاصة للناتو من تحقيق نتائج غير مسبوقة، فمنذ نهاية الحرب الباردة وبداية الحرب على الإرهاب في عام 2001 في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، زادت الحاجة إلى الحرب غير التقليدية، وقد تجلَت بوضوح قوة العمليات الخاصة للناتو في الغزو الأول لأفغاستان في عام 2001، إذ تمَّت هزيمة حركة طالبان هزيمة سريعة وساحقة.

ويذكر "أوستن" أنه وفقاً للقائد الأعلى لحلف الناتو، الجنرال "فيليب بريدلوف"، فإن القوات الخاصة للناتو قادرة على مواجهة التحركات غير المعلنة لروسيا في شرق أوكرانيا، ولعب دور دفاعي في مواجهة حملات غير تقليدية في المستقبل؛ وهو ما يستدعي تطويرها في هذا الإطار، حيث مثَّلت القوات الخاصة للناتو دائماً جزءاً مهماً من دفاع حلف شمال الأطلسي، فهي - على سبيل المثال - لعبت دوراً مهماً في جمع المعلومات الاستخباراتية خلال الحرب الباردة في مواجهة السوفييت.

ومع نهاية الحرب الباردة، ظهرت تهديدات جديدة، ومعها عمليات جديدة للقوات الخاصة للناتو، بعضها لايزال سرياً للغاية، ومنها عمليات القبض على الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب في يوغسلافيا في التسعينيات، حيث تشمل هذه العمليات تنسيقاً كبيراً بين قوات الناتو الخاصة وبين أجهزة مخابرات دول حلف الناتو، وهو ما يعني أن تلك القوات يمكن أن تنخرط في مهام سرية ومعقدة للغاية.

وقد شكّلت الحرب في أفغانستان عام 2001 تطوراً مهماً في قوات العمليات الخاصة للناتو، ولذلك اتفقت دول الحلف على إنشاء قوة الرد السريع، والتي تضمنت (SOF) باعتبارها واحدة من مكوناتها الرئيسية. وفي قمة ريجا بدولة لاتفيا في عام 2006 تم إعلان عمل هذه القوة، وكذلك تمَّ الإعلان عن إنشاء مركز لتنسيق العمليات الخاصة للناتو.

وفي عام 2010، أعيد تنظيم (NSHQ)، والمعروف بـ "مقر القوات الخاصة لحلف شمال الأطلسي"، وصاحب ذلك بذل المزيد من الجهد من أجل تحسين التدريب من خلال مدرسة القوات الخاصة لحلف شمال الأطلسي، بالإضافة إلى الفرع الطبي لقوات العمليات الخاصة للناتو (SOMB)، وأيضاً أشرف مقر القوات الخاصة للناتو على بناء شبكة اتصالات آمنة.

وتشير الدراسة إلى أنه بعد انتهاء الحرب الباردة، شهدت استراتيجية حلف الناتو تطوراً ملحوظاً، حيث امتد نشاطه خلال التسعينيات من القرن الماضي إلى منطقة حلف وارسو السابق، وسعى إلى ضم العديد من دول الكتلة السوفييتية إلى عضويته. وقد تطورت عقيدة الحلف خلال الفترة ما بين عامي 1991 وحتى 2001، من الردع إلى الدفاع عن المصالح الجماعية لأعضائه خارج أراضيه. كما أصبحت تشكيلاته تأخذ شكلاً يناسب التدخل السريع، حال اندلاع أزمة من شأنها تهديد مصالح أعضاء الحلف، خاصةً في منطقة حوض البحر المتوسط.

قوات الناتو الخاصة.. المساهمات المتاحة

يبرز "أوستن" ثلاث مساهمات رئيسية يُمكن للقوات الخاصة للناتو أن تشكل من خلالها تأثيراً مهماً لأمن دول الحلف: أولاها؛ سهولة استخدام تلك القوات في الحالات التي تتطلب إجراءات عسكرية سريعة وعاجلة. الأمر الثاني؛ هو إمكانية المحافظة على تلك القوات في ظل ظروف التقشف خاصةً لبعض دول الناتو الأوربيين. أما الأمر الثالث فهو قدرتها على أن تعزز إلى حد كبير من قدرات الحلف في حالات الطوارئ الإقليمية خارج أوروبا.

على جانب آخر، فإن هذه القوات باتت قادرة على تقديم مساعدات عسكرية تتضمن توفير التدريب وتقديم النصح للدول المضيفة من أجل تحسين قدراتها ومهاراتها، إذ لدى الناتو خمس بعثات رئيسية تتمثل في (أفغانستان، وكوسوفو، والبحر الأبيض المتوسط، ومكافحة القرصنة في القرن الأفريقي، وتقديم الدعم للاتحاد الأفريقي).

علاوة على ذلك، فإن العمليات الخاصة للناتو لعبت دوراً مهماً في الجهود المبذولة عالمياً ضد الأشخاص المتهمين بارتكاب جرائم حرب في البلقان، وكذلك فإن الناتو لعب دوراً رئيسياً في ليبيا في عام 2011، حيث كانت العمليات في ليبيا على مستوى عالٍ من الدقة والسرية خاصةً فيما يتعلق بعمليات الاستطلاع.

ومن المرجح أن تلعب القوات الخاصة للناتو دوراً أكثر أهمية مستقبلاً، خاصةً في ظل مواجهة أي حرب غير تقليدية، ويشمل هذا مواجهة الحملة الروسية في أوكرانيا، كذلك فإن قوات العمليات الخاصة لحلف شمال الأطلسي لديها ميزة رئيسية عن قوات شمال الأطلسي الأخرى من حيث قابليتها للاستخدام، فهي قوات صغيرة الحجم وقادرة على الانتشار السريع، وتتميز باستخدامها للتكنولوجيات المتطورة.

قوات الناتو الخاصة.. أبرز المشكلات والحلول

على الرغم من التقدم الذي أحرزته القوات الخاصة لحلف شمال الأطلسي، فإن ثمة تحديات هائلة تواجهها، إذ يعد تبادل المعلومات على المستوى الاستخباراتي أحد القيود التي تحد من قوة العمليات الخاصة للناتو، بالإضافة إلى وجود انقسامات داخل الحلف نفسه، بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من جانب، وبين عدد كبير من دول الحلف، من جانب آخر.

ولتجاوز مثل هذه التحديات، يرى "أوستن لونج" أنه لابد من معالجة مسألة تبادل المعلومات الاستخباراتية، وذلك من أجل تحقيق الاستفادة من كل الإمكانات المتاحة والفعَّالة لهذه القوات، على اعتبار أن الأهداف الأساسية للحلف تتمثل في دعم القيم الديمقراطية وتشجيع التشاور والتعاون في قضايا الدفاع والأمن لبناء الثقة ومنع الصراع على المدى الطويل.

ويعترف الكاتب أن إجراء تغييرات جوهرية لنظام حلف الناتو، وبصفة خاصة فيما يتعلق بحرية إتاحة المعلومات الاستخباراتية، ليس أمراً سهلاً، لأنه مرتبط بإعادة النظر في كثير من المعاهدات الخاصة بدول حلف شمال الأطلسي، وهي معاهدات وُضعت منذ أكثر من ستة عقود، ولم تعد مناسبة للوضع الحالي.

ويرى أنه من الضروري كذلك أن يلتزم الحلف بالسعي إلى حل النزاعات بالطرق السلمية. وفي حالة فشل الجهود الدبلوماسية، يمتلك الحلف القدرة العسكرية اللازمة لخوض عمليات إدارة الأزمات، ويتم تنفيذ هذه العمليات بموجب المادة الخامسة من معاهدة واشنطن؛ وهي المعاهدة التي تم تأسيس الحلف بموجبها.

ختاماً، يخلص "أوستن لونج" إلى أن القوات الخاصة لحلف شمال الأطلسي باتت أمام مفترق طرق، في ظل التحديات الجديدة التي تواجه الناتو، وهي تحديات تتمثل في انتشار الإرهاب بشكل واسع، بالإضافة إلى الصحوة الجديدة للهوية السياسية القومية والدينية، وهو ما يتطلب منها البناء على مكاسب الماضي وعدم السماح بالتراجع، وكذلك إدخال تعديلات جوهرية فيما يتعلق بتبادل المعلومات الاستخباراتية، مع تخصيص وتجميع الموارد اللازمة من أجل جعل هذه القوات ذات قدرة استراتيجية غير عادية ودائمة للحلف، وأن يكون هناك دمج للخطط والاستراتيجيات بناءً على التشاور بين الدول الأعضاء.

كذلك، فإنه يجب على الناتو أن يكون منبراً للتعاون مع شركاء من خارج الحلف. وفي هذا السياق، فإن الناتو مُطالب بأن يكون أكثر مرونة في التعامل مع مستجدات الأمور من أجل مواجهة تحديات أكثر تنوعاً وتعقيداً، مما يستدعي تبني استراتيجية جديدة تتمثل في تطوير وظائفه من أجل التكيف مع تلك المستجدات ومع تلك المتغيرات التي تحدث في البيئة الأمنية العالمية المحيطة.

* عرض موجز لدراسة بعنوان: "العمليات الخاصة للناتو: التعهد والمشكلة"، والمنشورة عن "معهد أبحاث السياسة الخارجية" في أغسطس 2014.

المصدر:

Austin  Long, NATO Special Operations: Promise and Problem (USA, Foreign Policy Research Institute, August 2014).