أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

صحيفة الشروق:

صراع الحزب الديمقراطى والحزب الجمهورى لتغيير قوانين الانتخابات الأمريكية

03 أغسطس، 2021


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب أحمد الشورى أبوزيد، تناول فيه مظاهر تراجع الديمقراطية الأمريكية، ومساعى الحزبين الديمقراطى والجمهورى لتغيير قواعد اللعبة الديمقراطية، مختتما مقاله بأفكار لإنقاذ الديمقراطية فى الولايات المتحدة.. نعرض منه ما يلى.

فى حدث فريد من نوعه، وقع أكثر من مائة من كبار علماء السياسة والمتخصصين والمتخصصات فى قضايا الديمقراطية، فى مطلع شهر يونيو الماضى، من أبرزهم «فيليب شميتر» و«لارى دايموند» و«بييا نوريس»، بيانا، أعربوا فيه عن مخاوفهم بشأن التهديدات التى تتعرض لها الديمقراطية الأمريكية، وذلك ضمن موجة من الجدل العام فى الدوائر الفكرية الأمريكية حول تراجع الديمقراطية بعد سنوات الرئيس السابق ترامب لاسيما محاولات اقتحام الكونجرس فى 6 يناير الماضى.

وقد تزامن هذا الجدل مع تحركات للحزب الديمقراطى بهدف تغيير قوانين الانتخابات، الأمر الذى يثير العديد من التساؤلات حول الديمقراطية الأمريكية، وأهداف الديمقراطيين وراء محاولة تغيير قوانين الانتخابات.

مظاهر تراجع الديمقراطية الأمريكية

وفقا للعديد من الدراسات والمؤشرات الخاصة بقياس مستوى الديمقراطية، تعانى الولايات المتحدة الأمريكية، التى تعد واحدة من أهم الديمقراطيات الغربية، تراجعا حادا فى مستوى الديمقراطية فى العقد الأخير، إلى درجة أدت إلى حديث البعض عن «موت الديمقراطية» الأمريكية. وفى هذا الصدد يمكن رصد الجوانب التالية:

1ــ تراجع فى مؤشرات ممارسة الديمقراطية: يمكن القول إن الولايات المتحدة تراجعت بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة. وعلى سبيل المثال، أشار أحدث تقرير سنوى لمجلة «الإيكونوميست» حول الديمقراطية فى العالم لعام 2020، إلى تراجع الولايات المتحدة من «الديمقراطية الكاملة» إلى «الديمقراطية المعيبة»، كما كشف تقرير صدر عن مؤسسة بيت الحرية الأمريكى، فى مارس 2021، عن تراجع الولايات المتحدة 11 نقطة ــ على مقياس من 100 نقطة ــ خلال 10 سنوات فى التصنيف العالمى للحرية، حيث تراجع تصنيفها من 93 نقطة فى عام 2010 إلى 83 نقطة فى عام 2020.

2ــ انخفاض نسبة رضا الشعب الأمريكى عن ديمقراطيته: أدى الخلل الوظيفى لمبدأ الفصل بين السلطات أكثر من مرة فى العقدين الأخيرين إلى تعطيل أو إعاقة أداء الحكومات السابقة نسبيا، وهو ما أدى إلى تقويض ثقة الجمهور فى الديمقراطية؛ فوفقا لتقرير أصدره «مركز مستقبل الديمقراطية»، فإن نسبة الأمريكيات والأمريكيين الذين يقولون إنهم غير راضين عن ديمقراطيتهم قد زادت بأكثر من الضعف خلال العقدين الماضيين، ففى عام 2000 كانت نسبتهم تقل عن 25%، بنما زادت إلى 55% فى عام 2020.

3ــ عدم قبول نتائج الانتخابات: من واقع الممارسة الأمريكية، يُلاحظ أن الرئيس السابق «ترامب» ردد كثيرا رواية «سرقة الانتخابات»، وشكك فى نزاهة العملية الانتخابية، وطالب نائبه حينذاك، مايك بنس، بعدم التصديق على نتيجة الانتخابات باعتباره رئيسا للكونجرس فى ذلك الوقت، بل إنه جمع مبالغ طائلة كتبرعات من مؤيديه خلال الأسابيع الثمانية التى أعقبت انتخابات 2020، لتمويل الطعون فى النتائج الانتخابية.

الغريب أن هذا الموقف لم يكن شخصيا، بل مؤسسيا من قطاع كبير من كبار الساسة فى الحزب الجمهورى، والذين يرددون رواية «ترامب» نفسها من دون أى سند أو دليل، ووصل الأمر ببعض المسئولين السابقين فى إدارته إلى الدعوة إلى تدخل الجيش للانقلاب على الإدارة المُنتخَبَة، وهو ما قاد إلى محاولات اقتحام الكونجرس فى مشهد عبر بشكل واضح عن تراجع الديمقراطية الأمريكية.

4ــ حدة الاستقطاب السياسى: وقد أرجع العالم السياسى الشهير، دانييل زيبلات، هذا الاستقطاب، إلى التغير الديموغرافى فى أعداد الملونين والأقليات، وهو ما ساهم فى كسر احتكار الأغلبية الساحقة من البيض، مؤكدا على «أن الاستقرار الظاهرى للديمقراطية الأمريكية كان يعتمد بشكل أساس على الإقصاء العنصرى، والذى استبعد قسرا الملايين من الأمريكيين الأفارقة فى الجنوب».

تجدر الإشارة إلى أن المسيحيات والمسيحيين البيض كانوا يشكلون أكثر من 90٪ من الناخبين الأمريكيين منذ خمسينيات القرن الماضى، وحينما تم انتخاب «بيل كلينتون» فى عام 1992، كانوا يشكلون 73% من الناخبين، فيما انخفضت هذه النسبة لدى انتخاب «باراك أوباما» فى عام 2012 إلى 57%، وتشير التوقعات المستقبلية إلى أن هذه النسبة سوف تقل عن 50% فى عام 2024، ما يعنى فقدان أغلبيتهم الانتخابية، وربما مكانتهم الاجتماعية المهيمنة.

إن هذا التحول الديموغرافى ساهم فى إعادة رسم التكوين الحزبى للحزبين الكبيرين، حيث يظل التيار الجمهورى فى الأغلب من البيض والمسيحيين، فهو يمثل بشكل كبير أمريكا المسيحية البيضاء، بينما أصبح التيار الديمقراطى يمثل أى شخص آخر. هذا هو الانقسام الذى يكمن وراء الاستقطاب الحاد، والذى يزداد خطورة مع شعور الحزب الجمهورى بالتدهور العددى والمكانة، بشكل يجعله خائفا على مستقبله السياسى.

مساعى تغيير قواعد اللعبة الديمقراطية

فى هذا الإطار، يسعى كلا الحزبين إلى إعادة تشكيل هذه القواعد وإعادة هندسة العمليات الانتخابية، لكنهما يتخذان مقاربات مختلفة للغاية لتغيير هذه القواعد، تتمثل فى كيفية توظيف «حقوق التصويت».

فى هذا السياق يعتقد الحزب الديمقراطى أن هيكل الحكم يميل ضده، وأنه لا يفوز بمقاعد تتناسب مع تزايد أعداده، وبالتالى يضغط من أجل إحداث تغييرات رئيسية لقلب ما يرى أنه خلل هيكلى، مستفيد من زيادة الكتلة الصوتية للملونين.

وبالفعل فقد سعى الحزب الديمقراطى، مستفيدا من تحقيقه الأغلبية النيابية فى انتخابات 2020، إلى تمرير مشروع «قانون من أجل الشعب» For the People Act، والذى يضمن حصول الناخبين والناخبات على بطاقات الانتخاب بالبريد حال طلبها، ويحتم أن يكون التصويت المبكر قبل 15 يوما على الأقل من موعد أى انتخابات فيدرالية. كما يمنع هذا القانون الولايات من حرمان المتهمين الجنائيين الذى استكملوا عقوباتهم من التصويت، ويفرض قيودا جديدة على التبرعات غير المعلن عنها، والتى تُسمَّى بـ «الأموال السوداء»، ويجعل القانون عملية تسجيل الناخبين والناخبات الجدد تلقائية، ويقدم دعما حكوميا جديدا لصغار المرشحين الذى يعتمدون على أموال التبرعات.

من جانبه، عمل الحزب الجمهورى على إحباط مشروع القانون، وذلك لتداعياته السلبية عليه مستقبلا، حيث توجد رؤية لديه بأن تمرير هذا المشروع سيقود إلى صعوبات كبيرة له فى الانتخابات القادمة. وبديلا عن ما طرحه الحزب الديمقراطى، يسعى الحزب الجمهورى فى الولايات التى يسيطر عليها إلى إصدار قوانين تشدد من إجراءات التسجيل والاقتراع، سواءً كان التصويت عبر البريد أو التصويت الشخصى، بحجة تفادى إمكانية حدوث عمليات التزوير التى طالما رددها ترامب.

إنقاذ الديمقراطية الأمريكية

دفع التراجع الواضح للديمقراطية الأمريكية العديد من الخبراء فى الداخل الأمريكى إلى طرح مجموعة من الأفكار التى قد تساعد على تعافى الديمقراطية الأمريكية، ومن أبرز هذه الأفكار ما يلى:

1ــ إعادة النظر فى نظام المجمع الانتخابى: أثبت نظام المجمع الانتخابى الذى يمثل محور النظام الانتخابى الأمريكى أنه غير فعَّال ويشوبه العوار، مما يحتم إعادة النظر فى إعادة هيكلته أو إلغائه عن طريق تعديلات دستورية. وهذا يتوافق إلى حد كبير مع المزاج الشعبى، فوفقا لاستطلاع للرأى أجراه مركز «جالوب»، أكد 61% من الأمريكيين والأمريكيات تأييدهم لإجراء تعديل دستورى لإلغاء المجمع الانتخابى وتحديد الانتخابات الرئاسية بالتصويت الشعبى الوطنى. ولجعل الانتخابات التشريعية أكثر عدلا، يمكن أن يتم ذلك من خلال الاعتماد على نظام التمثيل النسبى لانتخابات مجلس النواب والولايات.

2ــ تغيير القواعد الانتخابية للحزب الجمهورى: لن تكون الديمقراطية الأمريكية آمنة إلا عندما يلتزم الحزبان الرئيسيان بقواعد اللعبة الديمقراطية. ولكى يحدث ذلك، يجب أن يتغير الحزب الجمهورى وأن يصبح أكثر تنوعا وتعبيرا عن مختلف الأعراق، وقادرا على جذب الناخبين الأصغر سنا والمُلَّونين، وبالتالى تقل تخوفاته المستقبلية، وتقل حدة الاستقطاب السياسى.

3ــ توافق الحزبين على نظام وحقوق التصويت: يجب اتباع نظام غير حزبى على الصعيد الوطنى لمراقبة الانتخابات؛ من أجل حماية حق الوصول إلى التصويت للجميع، وإنشاء لجان مستقلة لإعادة تقسيم الدوائر، وهذا لن يتم إلا من خلال اتباع أجندة توافقية بين الحزبين، وذلك خلافا لما يحدث حاليا، حيث يصر الجمهوريون على تقييد حق الانتخاب، بينما يصر الديمقراطيون على توسيعه.

وتبدو خلاصة ما سبق أن الصراع بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى من أجل تغيير قوانين الانتخابات يكشف عن إشكالية رئيسية، تتمثل فى تراجع وتآكل الديمقراطية الأمريكية، بشكل سوف يقود لمزيدٍ من الجدل ليس بين السياسيين فقط، ولكن فى أوساط النخب المثقفة فى الداخل الأمريكى.

*المصدر: صحيفة الشروق