أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

تأثيرات الهيمنة:

نحو استراتيجية أمريكية عالمية أكثر اعتدالاً

27 يونيو، 2015


إعداد: محمد أحمد عبدالنبي


ثمة جدل حول استراتيجية الأمن القومي في واشنطن، حيث ظهر اتجاهان رئيسيان، أحدهما يتبنى الحفاظ على تفوق الولايات المتحدة، والآخر يطالب بتوسيع التفوق والنفوذ الأمريكي في العالم. ولكن هناك آثاراً سلبية مترتبة على اتباع النهج الذي يرى أن الولايات المتحدة هي القوة العظمى الوحيدة في العالم، لأن هذا الزعم تسبب في اندلاع حروب وزرع بذور العنف وعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى أنه أخفق في محاولات ضم روسيا للكيان الأوروبي، فضلاً عن أنه خلق معضلة أمنية كبيرة في منطقة غرب المحيط الهادي.

في هذا الإطار نشرت دورية Survival: Global Politics and Strategy، والتي تصدر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن، دراسة تحت عنوان: "نحو استراتيجية أمريكية أكثر اعتدالاً"، سعى من خلالها "ديفيد أ. شاباك" David A. Shabak، وهو كبير محللي الأبحاث الدولية في مؤسسة راند، إلى تحديد الطريقة المثلي لتحقيق الأمن القومي الأمريكي.

انتهاء النظام الأُحادي القطبية

أكد الكاتب على أن الولايات المتحدة باتت منذ عقدين من الزمن، وتحديداً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، هي القوى العظمى في العالم، ما منحها حرية الحركة الاستراتيجية خاصةً في التصرف العسكري على مستوى العالم، معتبراً أن هذه اللحظة التاريخية في طريقها للانتهاء، سواء بسبب العودة إلى مبدأ "توازن النظام العالمي"، أو بسبب صعود منافسين آخرين.

وفي هذا السياق، أشارت الدراسة إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي هو نظام مُوجه بطريقة سيئة؛ حيث باتت واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية هي القوى الوحيدة عالمياً التي لم يُدمر اقتصادها، وهو ما أعطاها فرصة لبناء اقتصادها الداخلي وإعادة بناء أجزاء من العالم المُدمر، كما شجعها ذلك على تشكيل المؤسسات العالمية في التجارة والنظام المالي العالمي، وقامت هذه المؤسسات بتشجيع بلدان مثل اليابان وأوروبا، وساهمت في الصعود الاقتصادي للنمور الآسيوية والاقتصادات الناشئة، مما أدى إلى تراجع في الهيمنة الأمريكية ذاتها حاليا،ً وهو ما يعني أن الهبوط الاقتصادي للولايات المتحدة كان نتيجة طبيعية لطريقة استخدامها لقوتها الهائلة بالأساس.

واعتبر الكاتب أنه لا يوجد دليل مؤكد على أن الولايات المتحدة بوصفها "القوة العسكرية الكبرى" ستترك هذا الإرث، مشيراً إلى أن النظام الاقتصادي العالمي الحالي هو نظام a positive-sum system يتيح للجميع تحقيق مكاسب معاً، بينما النظام الأمني العالمي هو نظام zero sum game، بمعنى أن مكسب طرف يعني بالضرورة خسارة الآخرين، ما يجعل ثمة صعوبة لوضع قواعد دائمة للتفاعل الأمني.

وترى الدراسة أن تأثير الهيمنة الأمريكية ليس إيجابياً دائماً، وإنما لها انعكاسات سلبية، خاصةً عندما تستخدم الولايات المتحدة قوتها للتدخل في شؤون الدول الأخرى تحت مسمى "التدخل الاستباقي"، وكذلك عندما تستخدم عبارتها التحذيرية للعالم "إما أن تكون معنا أو مع الارهابيين". فقد أدت الحرب في أفغانستان إلى زعزعة استقرار باكستان، كما أوجد الغزو الأمريكي للعراق حالة من الفوضى بالمنطقة ومنح إيران فرصة لزيادة تأثيرها الإقليمي.

كذلك، فإن هذه القوة الامريكية لم تُخفض أسعار البترول، ولم تدفع إسرائيل وفلسطين نحو عملية سلام، أو توقف المذابح في رواندا، ولم تُوقف رغبة كوريا الشمالية أو إيران في تطوير أسلحة نووية، علاوة على الخسائر المادية والبشرية (4-6) تريللون دولار جراء الحرب في أفغانستان والعراق، وفقدان أكثر من 6700 من عناصر الجيش الأمريكي وإصابة نحو 51 ألف آخرين في الحربين، ناهيك عن الإنفاق العسكري الضخم (12 تريلليون دولار) منذ انتهاء الحرب الباردة.

نمط التخطيط الأمني الأمريكي

أكد الكاتب أن ثمة فرقاً بين القوة العسكرية وبين "القيادة"، موضحاً أن الصين والهند وإندونيسيا وباكستان وروسيا ومصر وإيران لا يقبلون أن تقودهم الولايات المتحدة، كما أن التأثير الأمريكي الكبير على العالم ينتقص من قوتها الاقتصادية وقدرتها العسكرية وإبداع شعبها وتعدديتها الديمقراطية، ومع ذلك ثمة اتجاه يؤكد على أهمية توسيع الدور الأمريكي العالمي. وفي هذا الشأن فقد وعد الرئيس "أوباما" بمستقبل أقوى عسكرياً للبلاد يحفظ قيادتها للعالم وتفوقها العسكري.

وأشارت الدراسة - في هذا الصدد - إلى أن عالم اليوم مُعقد وفوضوي، بيد أنه لا يستلزم القيادة الأمريكية له، حيث إنها لن تضيف لقوة الولايات المتحدة، كما أنه ليس من المؤكد أنه في ظل التفوق الأمريكي، سيصبح العالم أكثر أمناً واستقراراً وثراءاً.

ورأى الكاتب أن السياسة الأمنية الأمريكية الحالية قد قوضت من الادعاء القومي بالقيادة الأخلاقية، لاسيما في ضوء (غزو العراق، واستخدام التعذيب في الحرب على الإرهاب، والتجسس على الدول  وغيرها)، معتبراً أن التهديدات التي تواجه وزارة الدفاع الأمريكية ومصالحها المؤسسية ليست هي التي تواجه الولايات المتحدة وأمنها القومي، مما يتطلب تحديد حجم وخطورة التهديدات التي تواجهها الأمة الأمريكية فحسب، وليس ما يقرره المسؤولون بشكل غامض.

ولفتت الدراسة إلى أهمية تغيير نمط التخطيط الأمني الأمريكي المستقبلي، بحيث تستخدم القوة العسكرية في حدها الأدنى باستثناء فترات الضرورة، وهو الوضع الذي كانت عليه واشنطن منذ تأسيسها وحتى اندلاع الحرب العالمية الثانية، وربط إجراء أي تخفيضات في الميزانية العسكرية الأمريكية بالأمن القومي للبلاد، وليس وفقاً للمصالح الخاصة للمسؤولين العسكريين بالبنتاجون كما يحدث.

واعتبر الكاتب أن موقع الولايات المتحدة ووجود محيطان حولها، قد قلل من المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها، مشيراً إلى أن الحروب الأمريكية التي خاضتها منذ عام 1945 - باستثناء حربي العراق وكوريا والمرحلة الأولى من غزو أفغانستان- جاءت نتيجة للتهديد الذي تعرض له الشعب الأمريكي.

ومن ثم، فقد أكدت الدراسة أن العوامل التي تجعل الحروب اختيارية أمام الولايات المتحدة، هي: "العامل الجغرافي، والثقة بالنفس". أما التهديدات الحقيقية على الأمن القومي الامريكي، فهي احتمالات شن هجوم نووي من قِبل الإرهابيين أو إطلاق صواريخ باليستية عابرة للقارات... إلخ. وعليه فإن المهمة الأساسية للقوات المسلحة الأمريكية هي الردع القوي، وعدم الإقدام على الدخول في الحروب "الإختيارية".

ركائز الاستراتيجية الأمريكية (التحديات الأساسية)

أشار الكاتب إلى عدد من التهديدات التي تتطلب استراتيجية أمريكية للتعامل معها، لافتاً إلى ضرورة التحرك بالقوات العسكرية الموجودة في الشرق الأقصى لردع القوة الصينية هناك، وحماية المصالح الأمريكية وحلفائها من التهديد الصيني. إضافة إلى التهديد الروسي لحلفاء الولايات المتحدة في منطقة البلطيق "استونيا ولاتفيا وليتوانيا"، وهو ما ينبغي أن يتم التصدى له من قِبل حلف الناتو ككل، وليس بواسطة الولايات المتحدة بمفردها.

من ناحية أخرى، فإن التحول في موازين إنتاج واستهلاك النفط، والذي سيصبح في صالح الولايات المتحدة، سيسمح لها بتقليل استيراد بترول منطقة الشرق الأوسط وغرب أفريقيا، وهو ما سيؤدي إلى تغير علاقاتها بدول المنطقة. ومن المرجح أن تحتاج واشنطن لاستخدام قوتها العسكرية لإلحاق الهزيمة بإيران في منطقة الخليج، وذلك بعد أن أصبحت الخطر الأكبر على الدول المجاورة لها بسبب احتمال قيامها بتوجيه ضربات صاروخية ضدهم، أو القيام بعمليات ضد مناطق اسكتشافات البترول والغاز، وهو ما قد يُشعل حرباً غير مخطط لها بالمنطقة.

وبناءً عليه، فقد أكد الكاتب على أهمية مساعدة أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة للتعامل مع هذه التهديدات من خلال بناء شراكات عسكرية "تزويدهم بالصواريخ الدفاعية، والغواصات المضادة للحروب، وتطوير قدرات الهجوم الأرضية"، مشيراً إلى أهمية صياغة سياسة ردع أمريكية تسعى لإيجاد إيران غير نووية، وتؤسس لاستقرار علاقاتها مع إسرائيل، وتمنعها من نشر الأسلحة النووية للدول المجاورة لها.

وثمة تهديد آخر للولايات المتحدة يتمثل في التطرف الجهادي الموجود في منطقة الشرق الأوسط، وتوغل تنظيم "داعش"، ما يتطلب تعزيز القانون والعمل الاستخباراتي بالتزامن مع استخدام الأداة العسكرية. ناهيك عن الخطر الذي يتعرض له النقل البحري من قِبل عصابات صغيرة من القراصنة في "سواحل القرن الأفريقي والممرات الملاحية بجنوب شرق آسيا"، والتي يمكن مكافحتها من خلال دوريات مكافحة القرصنة متعددة الأطراف.

أيضاً، تمثل شبه الجزيرة الكورية تهديداً محتملاً قد يؤدي إلى إندلاع حرب واسعة النطاق، خاصةً في ظل التزام الولايات المتحدة بحماية الحليف الكوري الجنوبي، ورغبتها في الإبقاء على دورها في منطقة آسيا والمحيط الهادي، وهي الأمور التي تتطلب استعداداً أمريكياً وتفكيراً عميقاً، حيث لن يفضل الشعب الأمريكي الدخول في حرب جديدة بجانب الحروب الأخرى المتورطة فيها واشنطن.

أما فيما يتعلق بخطر الانتشار النووي ووصول الأسلحة النووية لجماعات التطرف، فقد أوضح الكاتب أنه يمكن تجنب ذلك، فهناك طرق لبقاء الأسلحة النووية آمنة، فضلاً عن وجوب التعاون "غير العسكري" للولايات المتحدة مع الآخرين لتطوير أسلحة نووية أكثر أمنا،ً ومنع وصولها لهذه الجماعات.

حاصل القول، تشير الدراسة إلى وجود خمسة تحديات ينبغي أن تبني عليها وزارة الدفاع الأمريكية خططها، وهي: (ردع الهجوم النووي على الولايات المتحدة من قِبل العدو المُسلح جيداً، ومواجهة النفوذ الصيني من خلال الشراكة الأمريكية مع الحلفاء في الناتو، والتصدي لاستعراض القوة الروسي، ومواجهة أي أعمال عدوانية إيرانية في منطقة الخليج وردع استخدام طهران للأسلحة النووية، وردع هجوم كوريا الشمالية على كوريا الجنوبية والإعداد لاحتواء الأسلحة النووية في حال انهيار النظام في بيونج يانج).

ومن ثم، يتعين أن تتشكل الاستراتيجية الأمريكية من خلال التركيز على التحديات الخمسة سالفة الذكر، وليس على دعم عقيدة أمريكية جوفاء تسعى للحفاظ على موقعها القيادي في العالم، والذي نصبته واشنطن لنفسها، ولم يجلب للعالم أو للمواطنين الأمريكيين أي منافع. وينصح الكاتب باستراتيجية أمريكية معتدلة لدولة أكثر اعتدالاً لها طموح معقول وواقعي، وأن ترى هذه الاستراتيجية العالم كما هو، وليس مدفوعاً بالشعارات التي عفا عليها الزمن.


* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "نحو استراتيجية أمريكية أكثر اعتدالاً" والمنشورة في مارس 2015 عن دورية Survival: Global Politics and Strategy، والتي تصدر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن.

المصدر:

David A. Shabak, Towards a More Modest American Strategy, Survival: Global Politics and Strategy, Volume 57, Issue 2 (London: The International Institute for Strategic Studies, march 2015) PP 59-78.