أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مأزق نتنياهو:

تداعيات تصاعد الاحتجاجات في إسرائيل بعد إقالة وزير الدفاع

27 مارس، 2023


في مساء يوم 26 مارس 2023، وفي خطوة مفاجئة، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، قبل أن يتم شهره الثالث في الحكومة، وذلك على خلفية تصريحاته التي أصدرها قبل يوم، والتي أعرب فيها عن مخاوفه من استمرار خطط الإصلاح القضائي نتيجة تصاعد مشاعر الغضب داخل الجيش.

وقد أشعل قرار نتنياهو الغضب في الشارع الإسرائيلي اعتراضاً على إقالة غالانت، والاستمرار في خطة الإصلاح القضائي، حيث خرجت ما لا تقل عن 150 مظاهرة في أنحاء إسرائيل، بأعداد قدّرتها "القناة 12" الإسرائيلية بين 600 ألف و700 ألف.

ماذا حدث؟

كان غالانت يُشير منذ أيام إلى أنه غير مرتاح للعدد المتزايد من العسكريين الذين انضموا إلى حركة الاحتجاج الجماهيرية ضد الإصلاح القضائي، وأشارت تقارير صحفية مُسرّبة أنه لن يقف مكتوف الأيدي أمام خطط الإصلاح القضائي التي تُعمِّق أزمة الجيش الإسرائيلي. وفي يوم 23 مارس الجاري، قال غالانت إنه سيُدلي بتصريح علني حول تأثير الاضطرابات في الاستعداد العسكري الإسرائيلي، ولكن تم استدعاؤه على الفور إلى مكتب نتنياهو، وبعد لقائهما، ألغى غالانت كلمته.

بيد أنه في مساء يوم السبت 25 مارس، وبعدما سافر نتنياهو إلى لندن لاستكمال جولته الأوروبية، أصدر غالانت بياناً أعلن فيه عن مخاوفه من استمرار خطة الإصلاح القضائي، حيث قال إن "مشاعر الغضب والألم وخيبة الأمل غير المسبوقة قد ارتفعت داخل الجيش بسبب التغييرات المقترحة في ميزان القوى في إسرائيل". وأضاف: "هذا يُشكِّل تهديداً واضحاً وفورياً وملموساً لأمن الدولة.. من أجل أمن إسرائيل ومن أجل أبنائنا وبناتنا، يجب إيقاف العملية التشريعية".

وسرعان ما أدان أعضاء في الحكومة الإسرائيلية بيان غالانت، حيث طالب وزير الأمن الوطني، إيتمار بن غفير، بإقالة غالانت من منصبه. بينما صرّح وزير الاتصالات، شلومو قرعي، أن زميله في حزب الليكود "استسلم لضغوط اليسار". وفي المقابل، أشاد زعماء المعارضة بتصريحات غالانت، حيث اعتبرها رئيس الوزراء السابق، يائير لابيد، "خطوة شجاعة ومهمة لأمن دولة إسرائيل".

ومن جانبه، لم يتأخر نتنياهو كثيراً في الرد، حيث أعلن، مساء يوم الأحد 26 مارس، إقالة غالانت. وهو القرار الذي أثار عاصفة من الغضب في الشارع الإسرائيلي. ووفقاً لتقارير الصحافة الإسرائيلية، خرجت ما لا تقل عن 150 مظاهرة في جميع أنحاء البلاد، واحتشد المتظاهرون حول مبنى الكنيست، وبالقرب من مقر إقامة نتنياهو، واخترقوا الحواجز المعدنية القريبة من المنزل. 

احتجاجات العسكريين:

جاء تصاعد الأحداث في إسرائيل على خلفية استمرار خطة الإصلاح القضائي في المُضي قُدماً، وذلك في تحدٍ واضح للاحتجاجات السياسية والشعبية المستمرة في البلاد منذ حوالي 12 أسبوعاً، والتي قد تزداد وتيرتها، بسبب طرح تشريع للتصويت النهائي سيمنح أعضاء الكنيست نفوذاً أكبر في اختيار قضاة المحكمة العليا، وتشريع آخر سيسمح لوزير الداخلية والصحة السابق، أرييه درعي، بالعودة مرة أخرى إلى منصبه الحكومي، بعدما تمت إقالته في يناير 2023، على خلفية حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بعدم قانونية تعيينه في منصب حكومي.

ليس هذا فحسب، بل صارت انعكاسات أزمة الإصلاح القضائي أكثر وضوحاً وتهديداً للجيش الإسرائيلي. ففي 24 مارس 2023، وفي أعقاب خطاب نتنياهو الذي أعلن فيه عزمه استكمال خطة الإصلاح القضائي، أبلغ نحو 200 طيار من تشكيلات القوات الجوية كافة، قائد القوات بتجميد خدمة الاحتياط النشطة لهم، وتحدثت التقارير الصحفية عن أن هؤلاء الطيارين يقودون عمليات عسكرية حساسة في ميادين عسكرية نشطة ومهمة جداً للجيش الإسرائيلي.

كذلك أبلغ نحو 100 من ضباط الاحتياط في القوات الجوية، قادتهم بتجميد التطوع في خدمة الاحتياط الروتينية. ومن بين المحتجين؛ ضباط مخابرات، وموظفو نظام التحكم، ومشغلو الطائرات من دون طيار. كما أعلن عدد كبير من قوات العمليات الخاصة المتعاقدين مع الجيش الإسرائيلي، أنهم يعتزمون إلغاء عقودهم الدائمة في حالة إقرار قوانين الإصلاح القضائي. وأرسل 700 من قدامى المحاربين في لواء "ناحال" رسالة إلى غالانت قبل إقالته، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، طالباهما فيها بفعل كل ما في وسعهما لوقف التشريعات. كما أعلن جنود الاحتياط من "الوحدة 8200" في شعبة المخابرات أنهم بدأوا التوقيع على عريضة تعهّدوا فيها برفض الاستمرار في التطوع للخدمة طالما استمرت تشريعات الإصلاح القضائي.

وفي 25 مارس الجاري، كشف تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن أن رئيس الأركان الإسرائيلي هاليفي حذّر كبار المسؤولين الحكوميين في بلاده، مؤكداً أنه بسبب موجة الاحتجاجات داخل الجيش، انخفض عدد جنود الاحتياط الذين يحضرون للخدمة في شهر مارس، لدرجة أن الجيش الإسرائيلي على وشك تقليص وإلحاق الضرر بنطاق عمليات معينة.

إقالة عاصفة:

في أعقاب إصداره لقرار إقالة غالانت من وزارة الدفاع، غرّد نتنياهو على تويتر: "يجب علينا جميعاً أن نقف بقوة ضد أولئك الذين يرفضون الخدمة في الجيش". وردّ غالانت مُغرداً: "لطالما كان أمن دولة إسرائيل وسيظل دائماً مهمة حياتي".

فيما جاءت ردود أفعال أعضاء الائتلاف الحكومي حذرة، خاصة أن إقالة غالانت بمثابة تحذير لهم جمعياً، بمعنى أن أي عضو سيرفض خطة إصلاح القضاء سيلقى نفس المصير. وقال وزير الثقافة، ميكي زوهار: "إصلاح النظام القضائي ضروري، لكن عندما يحترق المنزل، لا تسأل من هو على حق، بل تصب الماء وتنقذ ساكنيه.. إذا قرر رئيس الوزراء وقف التشريع من أجل منع الصدع الذي نشأ في الأمة، يجب علينا دعم موقفه". بينما قال وزير الشتات، عميحاي شكلي: "لقد ارتكبنا خطأً، لا في الاعتراف بالحاجة المُلحة للإصلاح، فهو ضروري أكثر من أي وقت مضى، ولكن في طريقة تنفيذه". وأشار وزير الاقتصاد، نير بركات، إلى أن "الإصلاح ضروري، وسننفذه، لكن ليس على حساب الحرب الأهلية".

من ناحية أخرى، جاء موقف حزب عوتسما يهوديت (عظمة يهودية)، واضحاً ومؤيداً لقرار نتنياهو، حيث أصدر بياناً، أكّد من خلاله دعم نتنياهو ووزير العدل ياريف ليفين في عدم وقف التشريعات.

أمّا المعارضة فقد عبّرت عن غضبها من قرار نتنياهو بإقالة غالانت، حيث رأى لابيد أن "إقالة وزير الدفاع خطوة جديدة تمس الأمن القومي من حكومة مُعادية للصهيونية"، واصفاً نتنياهو بأنه "خطر على أمن إسرائيل". فيما قال بيني غانتس، وزير الدفاع السابق، إن "نتنياهو الليلة وضع السياسة ونفسه فوق الأمن". وصرح قائد الجيش الإسرائيلي السابق، غادي إيزنكوت، للقناة 12 الإسرائيلية، بأن "إقالة وزير الدفاع وصمة عار لإرث نتنياهو ورهان خطر على حياتنا كلها". ورأى رئيس الشاباك السابق، عامي أيالون، أن "نتنياهو يتخذ خطوة كبيرة أخرى على طريق حل الجيش والإضرار بأمن الدولة"، مضيفاً أن غالانت فهم أكثر من أي شخص آخر العملية الخطرة التي تقودها الحكومة الإسرائيلية، وضرورة إيقافها قبل أن تصل إلى وضع لا رجوع فيه.

ولم تكن التظاهرات الحاشدة فقط هي أبرز تداعيات قرار إقالة غالانت، ولكن على مدار ساعات شهدت إسرائيل سلسلة من الأحداث، ومنها:

- إعلان آساف زمير، القنصل العام الإسرائيلي في نيويورك، استقالته، في تغريدة على موقع تويتر.

- إعلان بايز بن تسور، محامي نتنياهو في إحدى قضاياه الرئيسية، أنه لن يتمكن من الاستمرار في تمثيله إذا لم تتوقف الحكومة عن خطتها لإصلاح القضاء.

- إعلان عشرات الأطباء في المستشفيات الإسرائيلية عن نيتهم عدم الحضور للعمل احتجاجاً على تداعيات المشهد السياسي.

- إعلان الجامعات الإسرائيلية أنها ستُوقِف الدراسة بدءاً من يوم الاثنين 27 مارس، حتى إشعار آخر.

دلالات كاشفة:

يُشير المشهد الحالي في إسرائيل، في ضوء الاحتجاجات غير المسبوقة وخاصة بعد إقالة وزير الدفاع غالانت، إلى عدة دلالات مهمة، يمكن تناولها على النحو الآتي:

1- أزمة ثقة متكررة بين نتنياهو ووزراء دفاعه: منذ توليه منصبه لأول مرة في عام 1996، كانت علاقة نتنياهو غالباً متوترة مع كل وزير دفاع خدم تحت قيادته، وكأن نتنياهو لم يكن قادراً أبداً على قبول حقيقة أن وزيراً في حكومته يتمتع بالسلطات والمسؤوليات الهائلة التي تمنحها إسرائيل لمسؤول دفاعي. وانطبق هذا الأمر على إسحاق مردخاي وموشيه أرينز في التسعينيات، وكان كلاهما من حزب الليكود. ولاحقاً توترت علاقة نتنياهو مع إيهود باراك، وموشيه يعالون، وأفيغدور ليبرمان، ونفتالي بينيت، وبيني غانتس، وبعد أن كانوا حلفاء سياسيين لنتنياهو، انقلبوا ضده، وصاروا خصوماً له.

صحيح أن غالانت لم يكن وحده منْ حذّر من تداعيات أزمة القضاء الإسرائيلي، حيث تذكر التقارير أن رئيس الأركان هاليفي، ورئيس الشاباك رونين بار، دعما تحذيراته أيضاً، إلا أنه قرر تحدي نتنياهو علانية، ولم يبذل جهده للسيطرة على أزمة جنود الاحتياط داخل الجيش، وفقاً لتقييمات نتنياهو.

2- إصرار نتنياهو على تنفيذ خطة الإصلاح القضائي: بعث قرار إقالة غالانت برسالة قوية إلى شركاء نتنياهو داخل الليكود أو الائتلاف الحكومي، مفادها أنه مُصمّم على المُضي قُدماً في خطة الإصلاح القضائي، مهما كانت العواقب. ففي كل منعطف ضمن الحركة الاحتجاجية، وعندما كانت تظهر مؤشرات على احتمالية تراجع نتنياهو عن خطته، كانت تخيب التوقعات دائماً. وترى بعض التقديرات أن تصميم نتنياهو على استكمال خطته هذه ليس من منطلق سياسي، كما هو حال شركائه من اليمين المتطرف، ولكن لأنه يرى أن هذه التشريعات الجديدة هي سبيله للنجاة من تهم الفساد التي تلاحقه حالياً.

3- التخلي مؤقتاً عن الخطط العسكرية لمواجهة إيران: في ضوء اتساع نطاق حركة الاحتجاج بين ضباط وجنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي، وخاصة في سلاح الجو، حذّر مسؤولون أمنيون إسرائيليون من أن هذه الأزمة قد تُلحِق ضرراً كبيراً بالجيش، الذي يعتمد بشكل كبير على قدرات جنود الاحتياط، ولاسيما مع تصاعد التوترات في الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن المواجهة مع إيران.

كما رأى بعض الخبراء العسكريين أن إقالة غالانت تعني تخلي نتنياهو، ولو مؤقتاً، عن أي خطط عسكرية لمواجهة تهديدات إيران. كما أن قيادة الجيش حالياً لا تعرف الوزير المسؤول عنها، لذلك، وفي خطوة غير معتادة، أمر رئيس الأركان هاليفي بإلغاء سلسلة من المناقشات المهمة في الأسبوع المقبل مع قادة هيئة الأركان، والتي كانت مُقررة لصياغة خطة جديدة مُتعددة السنوات للجيش الإسرائيلي.

4- فقدان نتنياهو السيطرة على المشهد السياسي: هذه هي إحدى النتائج التي تشير إليها معظم التحليلات الإسرائيلية والأمريكية، ومردّ هذا الموقف أن نتنياهو أطلق العنان لمجموعة من المعطيات المركبة التي أدت إلى تصعيد مُطرّد للأحداث، ومواجهات على الأصعدة كافة. فمن أجل الوصول إلى السلطة مرة أخرى، قام بتشكيل حكومة صُنِّفت على أنها الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل.

وتمتلك أحزاب الائتلاف اليمينية أجندتها الخاصة بها، ونتيجة إدراكها لخصوصية اللحظة التي تعيشها، اغتنمت فرصة حاجة نتنياهو لها، ومضت لإقرار تشريعات تدفع مشروعها الديني إلى المجتمع الإسرائيلي، مع تسهيل عملية توسيع مستوطنات الضفة الغربية، وإعفاء الرجال الأرثوذكس المتشددين من الخدمة العسكرية.

وهكذا، أسفرت خطة الإصلاح القضائي عن سلسلة من الاحتجاجات في الشارع، وكشفت عن أزمة حقيقية داخل حزب الليكود، الذي بالرغم من سيطرة نتنياهو عليه، فإن أجندة الحكومة تتنافى مع مبادئه الأيديولوجية. كما تصاعدت المخاطر حول الاقتصاد، ومستقبل الاستثمار الأجنبي في إسرائيل، وقيمة العملة المحلية. علاوة على أن التصرفات السياسية لشركاء نتنياهو في الحكم، وضعته في حرج شديد وأزمات متتالية على الصعيدين الإقليمي والدولي. ثم جاءت الاحتجاجات داخل الجيش، لتحرم نتنياهو من ورقته الأخيرة التي طالما اعتمد عليها في مواجهة أزماته الداخلية، وهي إحداث تصعيد عسكري على إحدى جبهات القتال الخارجية، لتوحيد الداخل إزاء هدف خارجي.

ختاماً، على الأرجح أن نتنياهو لن يتوقف عن تنفيذ خطة إصلاح القضاء، وبالرغم من أن المشهد السياسي ربما يكون قد خرج عن سيطرته، وبعدما صار الوضع مفتوحاً على الاحتمالات كافة، لا يبدو أن نتنياهو يملك خياراً آخر غير المُضي قُدماً في الطريق الذي اختاره منذ تشكيل حكومته الحالية. وحتى بعد أن أعلن نتنياهو يوم 27 مارس الجاري تأجيل خطة التعديلات القضائية حتى الشهر المقبل لتجنب "حرب أهلية"، فإن ذلك الأمر قد يكون مؤقتاً، لأن نتنياهو لن يملك رفاهية التخلي تماماً عن هذه الخطة؛ لأنه يحتاج إلى إقرارها قبل أن يصدر القضاء أحكاماً ضده، ومن جهة أخرى لعدم قدرته على النكوص عن الإجراءات التي اتخذها منذ يناير 2023، فضلاً عن أن شركاءه في الائتلاف الحكومي أظهروا تمسكاً شديداً بتنفيذ خطة إصلاح القضاء كما هي دون تغيير، وإلا سيكون الانسحاب من الحكومة وحلّها هو مآلهم الأخير.