أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

صراع استراتيجي:

تعزيز قانون التفويض الدفاعي الأمريكي استقلالية تايوان عن الصين

06 يناير، 2023


صدّق الرئيس الأمريكي، جو بايدن، يوم 23 ديسمبر 2022، على قانون تفويض الدفاع الوطني للعام المالي 2023، وهو القانون الفيدرالي الذي يحدد ميزانية ونفقات وزارة الدفاع الأمريكية. وكانت تلك المخصصات هي الأكبرـ على الإطلاق، في تاريخ الإنفاق العسكري الأمريكي، إذ جاء بواقع 816.7 مليار دولار أمريكي، وذلك بزيادة قدرها 45 مليار دولار عما قدمه بايدن في مقترحه الأولي لهذا التشريع.

أبرز بنود الدفاع الوطني:

تناول ذلك التشريع اتجاهات الإنفاق العسكري الأمريكي خلال المرحلة المقبلة، وتتمثل أبرز بنود ذلك القانون فيما يتعلق بعلاقة واشنطن بكل من الصين وتايوان في التالي: 

1- دعم تايوان عسكرياً: يستهدف القانون بشكل رئيس تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية لتايوان لردع التهديد الصيني، وذلك عبر تخصيص ما يصل إلى 10 مليارات دولار من المساعدات الأمنية على مدى السنوات الخمس المقبلة لصالح تايبيه. هذا إلى جانب دعوة تايوان للمشاركة في مناورات ريمباك البحرية في عام 2024، وهي أكبر مناورات بحرية أمريكية في المحيط الهادئ، ويتم إجراؤها كل عامين. 

وبموجب هذا القانون، فإن وزارة الخارجية الأمريكية سوف تكون مخولة بإمداد تايوان بما يصل لنحو 2 مليار دولار سنوياً، وفقاً لمنحة التمويل العسكري الأجنبي وبرنامج المساعدة على القروض، وذلك لشراء أسلحة ومعدات دفاعية أمريكية الصنع. 

وينص القانون كذلك على تقديم تقارير تقيّم القدرات الدفاعية لتايوان، مع اقتراح خطة متعددة السنوات لمعالجة الفجوة في القدرات بين الصين وتايوان، ومراجعة قدرة الدفاع المدني في تايوان على إبداء قدرة عالية من المرونة والاستجابة في مواجهة التهديدات، وكذلك توصيف الاستراتيجية المتبعة لمواجهة نفوذ الصين وما قد تتعرض له تايوان من عمليات هجومية، ومعالجة مشاركة تايوان في المنظمات الدولية المختلفة.

2- رصد التهديدات الصينية: اعتبر القانون أن التنافس الاستراتيجي سوف ينحصر بين الولايات المتحدة من جانب، والصين وروسيا من جانب آخر. وعلى سبيل المثال، تضمن نص القانون حوالي 268 إشارة إلى الصين و428 إشارة إلى تايوان، مما يدل على مدى اهتمام القانون بتنامي التهديد الصيني، وكذلك التركيز على دعم تايوان في مواجهة الصين.

ونص القانون كذلك على رفع العديد من التقارير عن الصين، مثل مساعي الصين لشراء أراضٍ بالقرب من المنشآت العسكرية الأمريكية، وكذلك تقارير عن العناصر الأرضية النادرة، حيث يوجد حوالي 35% من احتياطيات العناصر النادرة في الصين، وفقاً لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، وتعتمد أمريكا وأوروبا على الصين في توفير احتياجاتها من هذه المعادن، وحددت بكين حصص تصدير هذه المواد تحت زعم حماية مواردها المهددة بالاستنفاد، وهو ما أثار قلق الدول الغربية، خاصة أنها تكشف عن إمكانية اتجاه الصين لوقف صادراتها من هذه المواد إليها، إذ صعد الغرب من سياساته العدائية ضد بكين.  

ويضاف إلى ما سبق المطالبة بإعداد تقرير يحلل تأثير الحرب الروسية ضد أوكرانيا على نهج الصين تجاه تايوان، وكذلك تقرير عن مؤسسات التعليم العالي التي تقدم الدعم للجيش الصيني، في خطوة تستهدف على ما يبدو منع طلاب هذه المؤسسات عن الدراسة في مؤسسات التعليم العالي الأمريكية.

3- تحجيم القدرات الصينية: أكد القانون أهمية تطوير نظام دفاع صاروخي لردع الصواريخ فرط صوتية، وذلك بسبب نجاح الصين في إنتاج عدة أنواع منها، فضلاً عن عجز نظم الدفاع الجوية الحالية، خاصة الأمريكية، في رصد هذه النوعية من الصواريخ، ناهيك عن التصدي لها، وهو ما يقوض من قدرة الولايات المتحدة في ردع التهديدات الصينية، ومن ثم ينتقص من وزنها أمام حلفائها في المحيطين الهادئ والهندي. 

ومن جهة أخرى، استهدف القانون صراحة بعض الشركات الصينية، مثل المؤسسة الدولية لتصنيع أشباه الموصلات، و"شركة اليانغتسى لتقنيات الذاكرة" (Yangtze Memory Technologies Corp)، و"تشانغكسين لتقنيات الذاكرة" (ChangXin Memory Technologies)، إذ حظر تعامل الكيانات الحكومية الأمريكية معها، مع وضع استثناءات من هذه القيود بسبب الصعوبات العملية التي قد تواجهها الوكالات الحكومية في إزالة المنتجات التي تصنعها الشركات من جميع أنظمتها.

4- تعزيز الوجود في المحيطين: أشار القانون الجديد لزيادة التمويل المخصص لمبادرة الردع بالمحيط الهادئ بأكثر من 60% عن العام السابق، حيث تم تخصيص حوالي 11.5 مليار دولار لصالحها. وكانت المبادرة قد تم اعتمادها لأول مرة العام الماضي، وتشمل امتلاك الجيش الأمريكي قدرات عسكرية متطورة، بما في ذلك صواريخ باليستية وأجهزة استشعار فضائية، فضلاً عن إيجاد طرق لضمان الوصول إلى المطارات والموانئ والمرافق الأخرى اللازمة لدعم جهود انتشار القوات الأمريكية في المحيط الهادئ.  

وأشار القانون الأمريكي إلى تعزيز الشراكة الدفاعية الرئيسية مع الهند، وذلك على أساس محاولة واشنطن المستميتة من أجل دفع الهند إلى الانضمام إلى التحالفات العسكرية الأمريكية الهادفة إلى تطويق الصين. ولاتزال الهند ترفض تحويل تحالف الحوار الرباعي من منصة سياسية إلى تحالف عسكري ضد بكين.  

ردود فعل صينية: 

أثار القانون الأمريكي غضب بكين، وذلك في الوقت الذي لاقى تأييداً من تايوان، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- غضب صيني: عارضت بكين القانون قبل إصداره، وبعيد إقراره، إذ أصدرت الخارجية الصينية بياناً حذرت فيه من تداعيات التشريع على السلم والاستقرار بمضيق تايوان، واصفة الخطوة الأمريكية بالتهديد للصين والتدخل بشكل تعسفي واستفزازي في شؤونها الداخلية بفعل تقديم الدعم العسكري للجزيرة التي تتبع السيادة الصينية بما ينتهك مبدأ الصين الواحدة.

كما اعترضت الصين على ما تضمنه ذلك التشريع من نصوص تتناولها بشكل سلبي عبر مهاجمة الحزب الشيوعي وقياداته، وهو ما اعتبرته الصين محاولة لإحباط مساعيها التنموية. وأكدت بكين التزامها بالتنمية السلمية وسياسة الدفاع الوطني ذات الطبيعة الدفاعية، وسعيها الدائم لحماية السلام العالمي وتسهيل التنمية المشتركة، كما انتقدت بكين سياسة الولايات المتحدة، التي وصفتها بأنها تركز على مصالحها الذاتية، بالإضافة إلى تسببها في شن حروب ضد دول أخرى، وخلقت صراعات عديدة. 

ولم تكتف الصين بالإدانات الدبلوماسية، فقد أفادت وزارة الدفاع التايوانية أنه تم رصد 11 طائرة عسكرية صينية وثلاث سفن حربية بالقرب من تايوان يومي 23 و24 ديسمبر. كما شهدت تايوان يوم 26 ديسمبر مناورات عسكرية صينية، والتي نشرت خلالها بكين نحو 71 طائرة حربية حول تايوان، واخترقت نحو 47 طائرة منها منطقة تحديد الدفاع الجوي بتايوان، بمشاركة طائرات من طراز سو – 30، في استعراض للقوة الصينية على نحو غير مسبوق، والرد على الاستفزازات الأمريكية والتواطؤ بين واشنطن وتايبيه. 

2- تأييد تايواني: حظي ذلك القانون باحتفاء تايوان ومباركتها للدعم الأمريكي لها، إذ وجهت وزارة الخارجية التايوانية شكراً للولايات المتحدة وما تبديه من أولوية لتعزيز أمن تايوان، بالإضافة لوزارة الدفاع التي أعلنت أنها بصدد تكثيف تنسيق التعاون مع الجانب الأمريكي في ضوء ذلك القانون. وأكد البيت الأبيض مواصلة المساعدات العسكرية المقدمة لتايوان، زاعماً أن ذلك يتسق مع سياسة الصين الواحدة، وذلك وفقاً لما أكده مجلس الأمن القومي الأمريكي.

التداعيات المحتملة:

تحمل التطورات الراهنة المتمثلة في قانون التفويض الدفاعي، وما صاحبه من تصعيد العديد من الدلالات والتداعيات لعل أبرزها: 

1- توظيف الورقة التايوانية: ترى الصين في استمرارية الدعم العسكري لتايوان انتهاك لمبدأ الصين الواحدة، وهو أحد المبادئ الأساسية في العلاقات الأمريكية – الصينية، بما ينذر بإمكانية تفاقم التصعيد بين البلدين، بسبب ما تتبناه واشنطن من سياسات تهدف إلى دعم تايبيه عسكرياً، بصورة تحول دون توحدها مجدداً مع الصين. 

ويبدو أن واشنطن سوف تتجه إلى استخدام الورقة التايوانية لمحاولة عرقلة الصعود الصيني إلى مصاف القوى الكبرى، خاصة في ضوء الرفض الأمريكي للصعود الصيني، بينما تتمسك الصين باستعادة مكانتها العالمية، خصوصاً بعد المؤتمر الأخير للحزب الشيوعي في أكتوبر الماضي.

2- تبني واشنطن مسار التصعيد: على الرغم من عقد الرئيسان الصيني والأمريكي لقاء، في نوفمبر 2022، لخفض حدة التصعيد، والذي على أثره وعدت الإدارة الأمريكية بعدم الدخول في حرب باردة مع الصين من خلال التأكيد أنها لا تسعى لدعم استقلال تايوان التي تعتبرها الصين خط أحمر لها، فإن القانون الأخير وما تضمنه من بنود تؤكد، في النهاية، تخلي واشنطن عملياً عن الصين الواحدة، وأنها تتجه إلى تبني خيار التصعيد، وأن ذلك سيظل مساراً حاكماً للسياسة الأمريكية تجاه الصين خلال السنوات، بل والعقود الكاملة. 

3- تقارب صيني – روسي: لا شك أن استهداف واشنطن لبكين عسكرياً سوف يدفعها لتعزيز علاقاتها التعاونية مع روسيا. وقد اتضح ذلك الأمر في عدم التفات الصين إلى التهديدات الأمريكية السابقة بضرورة تقييد بكين لعلاقاتها الاقتصادية مع روسيا، فقد كانت واشنطن تأمل في ألا تقوم بكين بمساعدة روسيا على مواجهة العقوبات الغربية، عبر توفير بدائل للسلع المفروض عليها عقوبات غربية، أو فتح المجال أمام إعادة توجيه الصادرات الروسية من الدول الأوروبية إلى الصين، غير أن ذلك الأمر لم يحدث.   

فقد أكد نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، في 29 نوفمبر، أن صادرات الطاقة الروسية للصين زادت 64% هذا العام من حيث القيمة، و10% من حيث الحجم، بينما زاد حجم التجارة في المنتجات الزراعية بين روسيا والصين بنسبة 36% في الأشهر الـ11 الأولى من عام 2022، بقيمة وصلت إلى 6 مليارات دولار.

ولا يبدو أن التعاون سوف يقتصر بين الجانبين على البعد الاقتصادي وحده، فقد أكد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في 30 ديسمبر 2022، أي بعد صدور قانون تفويض الدفاع الأمريكي بفترة قليلة، نية روسيا تعزيز التعاون العسكري مع بكين، وذلك أثناء مباحثاته مع نظيره الصيني، شي جين بينج، عبر تقنية الفيديو، وهو ما يعني أن السياسات الأمريكية العدائية ضد البلدين سوف تدفعهما إلى تعزيز علاقاتهما الاقتصادية والعسكرية في مواجهة الخصم المشترك لهما، ممثلاً في واشنطن. 

وفي الختام، تشير أغلب المعطيات والتقديرات إلى أن العلاقات الأمريكية – الصينية بصدد أن تشهد المزيد من التصعيد، وستلعب تايوان حتماً دوراً محورياً في هذا الصراع، خاصة مع تبني شي سياسات حازمة لتأكيد الصعود الصيني خلال ولايته الثالثة في رئاسة الصين، فضلاً عن إجماع الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة على تبني سياسات مناوئة للصين، وهو ما يعني أن إقامة قنوات دبلوماسية بين الجانبين سوف تستهدف ضبط التوتر، وليس علاج القضايا الخلافية بين الجانبين.