أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

سياسات غير متوقعة:

هل يكرر "جونسون" تجربة ترامب في بريطانيا؟

30 يوليو، 2019


شهد شهر يوليو الجاري تولي "بوريس جونسون" رسميًّا منصب رئيس وزراء بريطانيا خلفًا لـ"تيريزا ماي"، بعد قبوله دعوة الملكة "إليزابيث" لتشكيل حكومة جديدة وذلك على خلفية نجاح "جونسون" في حصد أصوات مؤيدة بلغت 92.153 ألف صوت من أعضاء حزب المحافظين مقابل 46.656 ألف صوت حصل عليها منافسه "جيرمي هانت". وبمجرد تسلمه مهام منصبه أصبح على "جونسون" أن يتولى قيادة بريطانيا في مواجهة العديد من التحديات والقضايا الإشكالية التي من المتوقع أن ترسم جانبًا كبيرًا من ملامح مستقبل بريطانيا على الصعيدين الداخلي والخارجي.

إدارة ملف "البريكست":

كانت مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي البريكست الصخرة التي تحطمت عليها رئاسة "تيريزا ماي" لمجلس وزراء بلادها، حيث اضطرت للاستقالة بعدما فشلت في التوصل إلى اتفاق جيد يُرضي جميع الأطراف في بلادها وفي بروكسل. ومن ثم فمن الطبيعي أن تطغى هذه القضية على اهتمام غالبية القوى السياسية البريطانية، وأن تكون عاملًا حاسمًا في اختياراتهم السياسية. ومن ثمّ كان موقف "جونسون" من قضية البريكست من العوامل الحاسمة في نجاحه للوصول إلى منصبه، ومن ثم كان "جونسون" حريصًا بعد دقائق من إعلانه رئيسًا لوزراء بريطانيا على تأكيد أن البريكست سيُنفذ في موعده المحدد، أي يوم 31 أكتوبر المقبل. 

وفي هذا السياق، يواجه "جونسون" مأزقًا بسبب أن الاتحاد الأوروبي يقبل الاتفاق الذي قدمته "تيريزا ماي" في السابق والذي يُتيح للمملكة المتحدة الخروج بشرط الحفاظ على مصالح الرعايا الأوروبيين في البلاد، فضلًا عن الالتزام ببعض بنود التكتل الأوروبي السابقة، وهو ما سيحرم بريطانيا من تجارة حرة مع الولايات المتحدة. في حين يرفضها مجلس العموم البريطاني، معتبرًا أنها تضر ببريطانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن "جونسون" يتبنى نهجًا متشددًا فيما يتعلق بمسألة البريكست، حيث يعتبر أن خطة "تيريزا ماي" "غير مقبولة"، مطالبًا الاتحاد الأوروبي بإجراء مفاوضات جديدة، ولا سيما فيما يتعلق بإلغاء بند "شبكة الأمان" المتعلق بالحدود الأيرلندية، وهو إجراء مؤقت يُبقي بريطانيا ضمن الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي لحين التوصل إلى حل نهائي لأزمة الحدود بين أيرلندا ومقاطعة أيرلندا الشمالية. وفي حال الخروج بدون اتفاق، هدد "جونسون" بعدم دفع فاتورة الخروج وقدرها 39 مليار جنيه إسترليني، مشيرًا إلى أنه سيُنفق الأموال بدلًا من ذلك على التحضيرات للخروج بدون اتفاق. ويرى "جونسون" أن تهديد الخروج دون اتفاق من الاتحاد الأوروبي سيجبر بروكسل على الإذعان ومنح لندن شروطًا أفضل ستتيح لها إبرام اتفاقيات تجارية مع قوى عالمية مثل الصين والولايات المتحدة. وبطبيعة الحال، يتضمن فريق "جونسون" عددًا من المتشددين الذين يؤيدون خطته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في موعده المحدد، بل ويشككون في الوحدة الأوروبية، مثل "دومينيك راب" الذي تولى حقيبة الخارجية، و"جاكوب ريس موج" المكلف بتولي العلاقات مع البرلمان.

وعلى صعيد متصل، تأتي الانعكاسات الاقتصادية لقضية البريكست لتشكل تحديًا صعبًا أمام "جونسون"، إذ تعاني العملة البريطانية حالة من عدم الاستقرار، مما أدى لانخفاض الجنيه الإسترليني بنحو 2.5 % منذ بداية العام الجاري. كما هبطت أسعار المنازل في لندن بأكبر وتيرة في 10 سنوات في مايو الماضي وذلك بنحو 4.4%.

وتُساهم تصريحات "جونسون" في إثارة قلق المستثمرين، فأحيانًا يُعلن تأييده للبريكست دون صفقة، ثم يتراجع عن هذه التصريحات، ليمنح المستثمرين إشارات متباينة حول مستقبل الخروج من الاتحاد الأوروبي. فمن ناحية أولى، يؤكد "جونسون" أن استراتيجيته للبريكست هي استخدام التهديد المتعلق بتنفيذه دون اتفاق لإقناع الاتحاد الأوروبي بحذف مسألة الحدود الأيرلندية الجدلية من اتفاق الانسحاب الذي تفاوضت بشأنه "ماي". 

ومن ناحية ثانية، يصرح "جونسون" بأن فرص مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي بدون اتفاق هي "واحد إلى مليون". ويؤدي هذا الغموض إلى تقلب سعر الجنيه الإسترليني بشكل كبير وسط المخاوف الناتجة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. كما تبرز تحذيرات من أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاق سيدفع معدل البطالة إلى ما يزيد عن 5 %، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار المنازل لنحو 10 %، وفي النهاية ستغرق بريطانيا في حالة ركود، بحسب بعض المحللين.

تسوية أوضاع المهاجرين:

تحتل مسألة الهجرة وقضايا اللاجئين مساحة كبيرة من الاهتمام في الدول الأوروبية بصفة عامة، ومن المتوقع أن تكون لـ"جونسون" بصمات واضحة في هذا السياق، لا سيما وأن لديه مقترحًا لتنظيم أوضاع المهاجرين غير القانونيين، سبق أن قدمه عندما كان رئيسًا لبلدية لندن. وينص المقترح على تنظيم أوضاع المهاجرين في وضع غير قانوني، رافضًا فكرة ترحيلهم خارج البلاد، وفي الوقت ذاته يدعو لتبني إجراءات للحد من دخول مهاجرين إضافيين بشكل غير قانوني إلى المملكة المتحدة لتفادي حصول "أثر عكسي". بعبارة أخرى، تقوم سياسة "جونسون" في هذا السياق على إظهار "المزيد من الحزم" تجاه المهاجرين الذين يحاولون الدخول بشكل غير قانوني إلى البلاد، لكن أن تكون "أكثر تعاطفًا مع الموجودين بها أصلًا".

ومن ثم يتوقع أن يسارع "جونسون" لوضع ضوابط على الهجرة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإدخال نظام هجرة قائم على النقاط، على غرار أستراليا. ويسمح هذا النوع من الأنظمة بشكل عام بدخول المهاجرين الذين يستوفون معايير معينة مثل المؤهلات والمهنة واللغة.

العلاقات مع القوى الكبرى:

على الرغم من التحالف الاستراتيجي بين لندن وواشنطن، أثيرت في الفترة الماضية العديد من علامات الاستفهام حول خلافات في المصالح والرؤى بين الدولتين حول بعض القضايا، ومنها التغير المناخي والملف الإيراني وغيرها. ويرى مراقبون أن "جونسون" ربما يكون له تأثير واضح في تجسير الفجوة بين البلدين خلال عمله كرئيس لوزراء بريطانيا، لا سيما وأن "جونسون" يتباهى بصداقته بـ"ترامب" لدرجة تجعل المشككين يخشون من أن تصبح بريطانيا رهينة لسياسات "ترامب" الخارجية التي لا يمكن التكهن بها، وإن كانت هناك تحليلات أخرى تذهب إلى أن العلاقة المميزة بين "ترامب" و"جونسون" قد تُعزز فرص بريطانيا في إبرام اتفاق تجارة مع الولايات المتحدة بعد بريكست مثلما ألمح لذلك الرئيس الأمريكي "ترامب" خلال زيارته الأخيرة للندن. 

وفي السياق ذاته، يثمّن البعض من أهمية تصريحات "ترامب" المتكررة بأن "بوريس جونسون" سيكون رئيس وزراء جيدًا للغاية، وربما يلجأ "جونسون" لتوظيف إعجاب "ترامب" به وتقديم خطوات لاسترضاء "ترامب" بهدف تجاوز الأزمة الدبلوماسية التي نشبت بين الجانبين، خاصة بعد تسريبات سفير لندن في واشنطن "كيم داروك"، التي قال فيها: "إن إدارة ترامب تعاني من خلل جسيم، وانقسام تحت قيادة ترامب".

ومن ناحية ثانية، يخشى كثيرون من أن تشهد علاقات بريطانيا مع روسيا تصاعدًا في التوتر بسبب وجود "جونسون" على رأس صانعي قرار السياسة الخارجية البريطانية، لا سيما وأن العلاقة بين الجانبين شهدت توترات واضحة خلال عمل "جونسون" كوزير لخارجية بلاده، على خلفية مقتل عميل روسي معارض لبوتين كان يقيم في بريطانيا بغاز الأعصاب، حيث قالت الحكومة البريطانية وقتها إنه غاز تم تطويره في روسيا، ويحمل اسم "نوفيتشوك". وفي أعقاب ذلك طردت لندن 23 دبلوماسيًّا من السفارة الروسية، وفرضت ضوابط أكثر صرامة على الروس الذين يسافرون على متن طائرات خاصة، وكذلك إجراءات تفتيش أكثر تشددًا، كما كثفت أجهزة الاستخبارات الوطنية تحقيقاتها بشأن الأموال الروسية القادمة إلى البلاد.

واستمر توتر العلاقات بين الجانبين في أعقاب تلك الواقعة حتى إن "جونسون" شبه "بوتين" بالزعيم النازي "أدولف هتلر"، معتبرًا استضافة روسيا لكأس العالم لكرة القدم عام 2018 حدثًا مماثلًا لعقد دورة الألعاب الأولمبية عام 1936 في ألمانيا النازية. ومن ثم، فإن المحللين يتوقعون أن تستمر لندن في نهجها المتشدد إزاء موسكو في ظل حكومة "جونسون" الذي يرى في روسيا المصدر الرئيسي للتهديد الخارجي للسلام والاستقرار في أوروبا. 

الملف الإيراني:

يعد التحدي الأكثر إلحاحًا على أجندة رئيس الحكومة البريطاني الجديد هو إدارة العلاقات المتوترة مع طهران التي بلغت حد التأزم مع احتجاز إيران ناقلة نفط ترفع علم بريطانيا في مضيق هرمز، ما دفع لندن للإعلان عن قرب تشكيل قوة للحماية في الخليج مع شركاء أوروبيين. 

ويأتي ذلك إضافة إلى تفاقم التوتر بين الولايات المتحدة (الحليف الأهم لبريطانيا) وإيران منذ أن قرر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" العام الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي الذي وافقت إيران بموجبه على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية. وعلى الرغم من أن "بوريس جونسون" أكد مرارًا قبل فوزه أنه لن يساند الولايات المتحدة إذا ما شنت عملًا عسكريًا ضد إيران، وعلى الرغم تأكيدات "جونسون" السابقة على أن الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية هو اتفاق قيم؛ إلا أن سياسات لندن تجاه الملف الإيراني برمته ربما تختلف في المستقبل القريب، ولا سيما بعد حادثة احتجاز طهران لناقلة النفط البريطانية، حيث اتجه "جونسون" لإعلان قيامه بالتنسيق مع الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، مؤكدًا حاجة البلدين للعمل معًا في هذه القضية، التي يتوقع أن تنال قدرًا أكبر من التباحث والتوافق بين الجانبين إبان لقاء الزعيمين في قمة مجموعة الدول السبع المقرر عقدها في فرنسا في أغسطس المقبل. 

ختامًا، يمكن القول إنه من غير الممكن التنبؤ برد الفعل المتوقع من رئيس الوزراء البريطاني الجديد في التعامل مع أزمة إيران، خاصة وأنه لم يعلن خطة واضحة للتعامل مع طهران، بل إنه ليس من المستبعد أن تتجه لندن للتنسيق مع الاتحاد الأوروبي لإنشاء قوة للحماية في الخليج، وهو ما يبدو متناقضًا مع مساعي بريطانيا للخروج من المشروع الأوروبي.