أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

توتر مُستدام:

أي مُستقبل ينتظر العلاقات الباكستانية الأفغانية؟

23 مايو، 2024


رفضت حركة طالبان الحاكمة في أفغانستان، في 12 مايو 2024، استقبال وفد عسكري باكستاني، كان من المقرر أن يزور مدينة قندهار الأفغانية، حيث يوجد مقر إقامة زعيم الحركة، الملا هبة الله أخوند زاده، لنقل رسالة إليه تتعلق بمسألتي إدارة الحدود والفرع الباكستاني لحركة طالبان. وقد جاء إلغاء الزيارة على خلفية قيام إسلام آباد، بشن هجمات بطائرات مسيرة وصواريخ استهدفت ولاية بكتيكا بجنوب شرق أفغانستان.

وسبق أن قامت القوات الباكستانية، في 18 مارس 2024، بشن غارات جوية على ولايتي خوست وبكتيكا الأفغانيتين، رداً على الهجوم المميت الذي شنته حركة طالبان باكستان على قوات الأمن الباكستانية في شمال وزيرستان؛ وهو ما يُشير إلى استمرار التوتر الذي يشوب العلاقات بين باكستان وأفغانستان، منذ استيلاء حركة طالبان الأفغانية على السلطة في أغسطس عام 2021.

علاقات متوترة: 

يعكس إلغاء زيارة الوفد العسكري الباكستاني إلى أفغانستان، التوتر الملحوظ الذي يشوب العلاقات بين الدولتين، والذي يرجع إلى دوافع واعتبارات عدة، يتمثل أبرزها في الآتي:

1. الخلاف الحدودي بين الدولتين: تشترك كل من باكستان وأفغانستان في حدود يبلغ طولها 2400 كيلومتر. وقد شاب التوتر والفتور علاقات الدولتين طيلة ما يربو على سبعة عقود من الزمن؛ وهو ما يرجع إلى معاهدة ديوراند الموقعة عام 1883، والتي ترتب عليها ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الأفغانية التي تقطنها عرقية البشتون، إلى المستعمرات البريطانية في الهند، وهذه المناطق تقع حالياً ضمن الأراضي الباكستانية. وهو ما جعل أفغانستان تعترض على الترتيبات الحدودية التي أقرتها المعاهدة المذكورة؛ إذ ترفض كافة الحكومات الأفغانية، بصرف النظر عن انتماءاتها السياسية والأيديولوجية، طلب باكستان بشأن الاعتراف بخط ديوراند كحدود دولية رسمية بين الدولتين. ففي الوقت الذي تذهب فيه حكومة طالبان إلى نفي وجود حدود رسمية مع باكستان، فإن الأخيرة ترى أن مسألة الحدود بين الدولتين أصبحت محسومة.

2. وجود حركة طالبان الباكستانية على الأراضي الأفغانية: تتحدث باكستان عن وجود ملاذات للمقاتلين المرتبطين بحركة طالبان الباكستانية والجماعات الداعمة لها في أفغانستان؛ وهو ما تدعمه أيضاً تقييمات استخباراتية للأمم المتحدة تشير ليس فقط إلى وجود الحركة في أفغانستان، وإنما أيضاً إلى انضمام بعض أعضاء حركة طالبان الأفغانية الحاكمة إلى صفوفها. وترى إسلام آباد أن هناك زيادة كبيرة في الإرهاب عبر الحدود، وهي ترغب في نقل رسالة إلى حركة طالبان الحاكمة في كابول بضرورة وضع حد لهذا الأمر.

وتشير بعض التقديرات إلى وجود ما يتراوح بين خمسة إلى ستة آلاف مقاتل من حركة طالبان الباكستانية في أفغانستان، لجأوا إلى الأخيرة هرباً من العمليات العسكرية واسعة النطاق التي شنتها السلطات الباكستانية في ولاية خيبر بختونخوا؛ لطرد الإرهابيين قبل عقد من الزمن تقريباً.

3. استهداف باكستان للأراضي الأفغانية: يقوم الجيش الباكستاني بين فترة وأخرى بتوجيه ضربات عسكرية ضد الأراضي الأفغانية، وخاصة المناطق الحدودية بين الدولتين، تستهدف ما تقول باكستان إنه مخابئ لحركة طالبان الباكستانية داخل أفغانستان. ويترتب على هذه الهجمات سقوط ضحايا من المدنيين، وخاصة من النساء والأطفال؛ الأمر الذي يثير ردود فعل غاضبة لدى الجانب الأفغاني.

فقد قامت باكستان في 18 مارس 2024، بشن سلسلة من الغارات الجوية استهدفت حركة طالبان الباكستانية في ولايتي خوست وبكتيكا بأفغانستان، وذلك رداً على هجوم انتحاري تعرضت له باكستان أدى إلى مصرع العديد من أفراد الجيش الباكستاني.

وهو ما ردت عليه كابول باستهداف عدة مواقع عسكرية باكستانية على طول الحدود. وفي بيان أدان العمل الباكستاني، حذر المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد من "عواقب سيئة للغاية، والتي ستكون خارج سيطرة باكستان"؛ إذا شنت باكستان المزيد من الهجمات عبر الحدود.

4. قرار باكستان بطرد اللاجئين الأفغان: قامت باكستان في نوفمبر 2023، بتسريع إجراءات ترحيل عشرات الآلاف من المهاجرين الأفغان غير المسجلين، في إطار خطة لترحيل أكثر من مليون من أصل 4 ملايين أفغاني يعيشون في البلاد، بزعم تورطهم في هجمات وجرائم ينفذها مسلحون من جماعات متشددة قوّضت أمن باكستان؛ وهو الأمر الذي أدى إلى توتر العلاقات بين إسلام آباد وكابول، التي اتهمت باكستان بترحيل اللاجئين قسراً، وسوء معاملتهم بما يتناقض مع المعاهدات الدولية.

مؤشرات الخلافات: 

برزت خلال الآونة الأخيرة العديد من المؤشرات والملامح التي عكست التوترات والخلافات التي تشوب العلاقات بين باكستان وأفغانستان، ويمكن توضيح أبرزها في الآتي:

1. اتهام كابول بزعزعة الأمن والاستقرار في باكستان: وجهت السلطات الباكستانية التُّهم لأفغانستان بالمسؤولية عن أعمال العنف المتنامية والهجوم الانتحاري الذي استهدف، في مارس 2024، مهندسين صينيين يعملون في مشروعات تُقيمها الصين في باكستان. وهي الأعمال التي ترتب عليها زعزعة الأمن والاستقرار في إسلام آباد، ولاسيما وأن باكستان تشير إلى وجود من تصفهم بأنهم "إرهابيين" من حركة طالبان الباكستانية، يستخدمون الأراضي الأفغانية كنقطة انطلاق لاستهداف باكستان بهجمات إرهابية، وهو ما ترفضه كابول.

2. إغلاق المعابر التجارية على الحدود: دفعت التوترات السياسية والأمنية التي تشوب العلاقات بين إسلام آباد وكابول، ولاسيما منذ تولي حركة طالبان السلطة في أفغانستان، السلطات الأمنية في باكستان إلى اللجوء إلى إغلاق معبر "تورخم" التجاري الواقع على الحدود مع أفغانستان عدة مرات، وذلك رداً على الهجمات الإرهابية التي تستهدف المواقع العسكرية الباكستانية.

وقد دفع قيام السلطات الباكستانية بعرقلة عمليات التصدير والاستيراد للجانب الأفغاني عبر ميناء كراتشي، أفغانستان إلى محاولة البحث عن بديل، وهو ميناء تشابهار الإيراني. كما دفعت تلك الخطوة من جانب باكستان، حركة طالبان الأفغانية إلى مطالبة إسلام آباد بضرورة العمل على فصل العلاقات التجارية عن المسائل السياسية والأمنية، خاصة وأن أفغانستان تُعد دولة حبيسة؛ ما يجعلها تعتمد بشكل كلي على المنافذ البحرية الباكستانية في تجارتها الخارجية.

3. تصاعد الهجمات الإرهابية ضد باكستان: شهدت باكستان تصاعداً في الهجمات الإرهابية منذ عودة طالبان إلى السلطة في أفغانستان في أغسطس 2021. ورغم قيام حركة طالبان الأفغانية بالتوسط في المحادثات بين باكستان وحركة طالبان باكستان، فإن الأخيرة أنهت وقف إطلاق النار من جانب واحد في نوفمبر 2022. ومنذ ذلك الحين، شهدت باكستان ارتفاعاً كبيراً في الهجمات ضد أفراد الجيش والأمن في مقاطعتي خيبر بختونخوا وبلوشستان المتاخمتين لأفغانستان. 

سيناريوهات مُستقبلية:

في ظل حالة التعقيد التي تشوب العلاقات بين باكستان وأفغانستان في الفترة الأخيرة، هناك العديد من السيناريوهات المتوقعة التي يمكن طرحها بهذا الصدد، ومن أبرزها الآتي:

1. سيناريو التهدئة: يفترض هذا السيناريو اتجاه الدولتين إلى تهدئة التوترات والخلافات بينهما. ومما يدعم احتمال حدوث ذلك، اتفاقهما مؤخراً على استمرار العمل مع بعضهما بعضاً لتعزيز العلاقات الثنائية؛ إذ ترغب باكستان في توسيع التعاون مع حكومة طالبان في مجالات الاتصال والتجارة والأمن ومكافحة الإرهاب والاتصالات بين الأفراد، باعتبار هذه المسائل تُعد أولوية كبرى لإسلام آباد، في حين تريد أفغانستان القيام بدور بناء في باكستان، في ظل تنامي التفاعلات الإيجابية في المنطقة وانطلاق مشروعات إقليمية كبرى في مجال البنية التحتية. فضلاً عن تصريح وزير خارجية أفغانستان بالوكالة، أمير متقي خان، عن تطلع حكومة بلاده إلى بناء علاقات قوية مع الحكومة الباكستانية الجديدة برئاسة شهباز شريف.

2. سيناريو استمرار التوتر: يفترض هذا السيناريو استمرار التوتر بين الدولتين، وذلك من خلال استمرار باكستان في ممارسة الضغوط على حكومة طالبان، وقيام الأخيرة في المقابل بدعم الجماعات المعارضة لباكستان، ولاسيما حركة طالبان الباكستانية. ومما يدعم هذا السيناريو أيضاً، الرفض المستمر من جانب كابول لقبول خط ديوراند باعتباره خط الحدود الدولية بين الدولتين؛ وهو ما يعني أن استمرار النزاع الحدودي بين إسلام آباد وكابول وعدم التوصل إلى تسوية مناسبة لهذا النزاع، سيظل أحد العوامل الرئيسية لاستمرار التوترات والخلافات بين الدولتين.

ويُضاف إلى ما سبق، أن ملف إدارة العلاقات بين باكستان وأفغانستان بيد الجيش الباكستاني؛ الأمر الذي يتوقع معه استبعاد حدوث أي تحول جذري في العلاقات بين البلدين؛ وهو ما يعني استمرار التوتر كسمة مسيطرة على تلك العلاقات.

3. سيناريو التصعيد: يفترض هذا السيناريو حدوث تصعيد كبير في حدة التوتر بين الدولتين، قد يصل إلى إمكانية لجوء باكستان إلى الإطاحة بحكومة طالبان الأفغانية. ومما يعضد من إمكانية حدوث هذا السيناريو لجوء باكستان إلى توظيف العديد من الأدوات ضد طالبان الأفغانية، ومنها: الضغوط الاقتصادية، عبر إغلاق المعابر التجارية أمام التجارة الأفغانية، ودعم تنظيم داعش – خراسان الإرهابي كخصم رئيسي لحكومة طالبان، فضلاً عن دعم المعارضة السياسية لحكومة طالبان.

وعلى الجانب المقابل، يمكن أن تلجأ حكومة طالبان إلى توظيف العديد من الأدوات للتصعيد ضد باكستان، ومنها: الدعم الشامل لحركة طالبان الباكستانية، محاولة إيجاد طرق بديلة للتجارة الخارجية للمعابر التجارية الباكستانية، فضلاً عن محاولة تشكيل حكومة شاملة بمشاركة مختلف أطياف الشعب الأفغاني.

وفي هذا السياق أيضاً، يمكن أن تتجه أفغانستان إلى إحباط وعرقلة تنفيذ مشروعات إقليمية مهمة، وأحد هذه المشروعات هو مشروع نقل وتجارة الكهرباء بين آسيا الوسطى وجنوب آسيا، والذي سيجلب الكهرباء من آسيا الوسطى عبر أفغانستان إلى باكستان التي تحتاج إلى المزيد من الطاقة. كما يمكن لحركة طالبان الأفغانية أن تعرقل أيضاً الطريق البري الذي تستخدمه باكستان للتجارة مع آسيا الوسطى.

4. سيناريو الصدام العسكري: يفترض هذا السيناريو إمكانية اندلاع حرب بين الدولتين، في حالة إصرار حركة طالبان الأفغانية على الاستمرار في توفير الملاذ لأعضاء حركة طالبان الباكستانية على الأراضي الأفغانية، وإخفاقها في منع الحركة من القيام بهجمات داخل باكستان، فضلاً عن لجوء الجيش الباكستاني إلى الانتقام مما يرى أنه ضرر يلحق بإسلام آباد في حالة عدم قيام أفغانستان بتلبية المطلب الوحيد لباكستان المتمثل في كبح جماح حركة طالبان الباكستانية؛ مما يحول دون الحاجة إلى توجيه ضربات عسكرية مستقبلية من باكستان، وفقاً لما صرح به وزير الدفاع الباكستاني.

ومع ذلك، يمكن استبعاد احتمال حدوث مثل هذا السيناريو في ضوء عدم رغبة باكستان في خوض صراع مسلح مع أفغانستان، حسبما صرح وزير الدفاع الباكستاني خواجه آصف، فضلاً عن افتقاد حركة طالبان الأفغانية للقوة العسكرية اللازمة لمهاجمة باكستان، رغم إمكانية لجوئها إلى استخدام وسائل غير تقليدية، بما في ذلك الدعم النشط للمسلحين المناهضين لباكستان، للرد في حالة تزايد الضغوط الباكستانية عليها.

5. سيناريو الوساطة الصينية: تمتلك الصين مصالح مهمة لدى باكستان وأفغانستان، ولاسيما على الصعيد الاقتصادي، ومن شأن استمرار التوتر والخلافات بين الدولتين أن يؤثر سلباً في تلك المصالح. وهو ما قد يدفع بكين إلى محاولة التدخل للوساطة بينهما لمنع انزلاق العلاقات بين إسلام آباد وكابول إلى منحى أكثر خطورة؛ وهو ما لا ترغب الصين في الوصول إليه.

وفي التقدير؛ يمكن القول إن إلغاء الزيارة التي كانت مقررة لوفد عسكري باكستاني إلى أفغانستان، مثّل أحدث مؤشر على ما آلت إليه العلاقات بين الدولتين من توتر قد يتصاعد إلى أزمة سياسية واسعة النطاق، في ظل إخفاق الجانبين في التوصل إلى تسوية مقبولة للأزمات الجوهرية التي تدفع إلى توتير علاقاتهما، وعلى رأسها عدم التحديد النهائي للحدود الدولية بينهما، ووجود حركة طالبان الباكستانية في أفغانستان، وهو ما ينذر باحتمال انزلاق العلاقات بين إسلام آباد وكابول إلى منحى أكثر خطورة، ربما يصل إلى سيناريو الصدام العسكري، الذي يظل خياراً مستبعداً، على الأقل، في المدى المنظور؛ ما يجعل التوتر المستدام السمة المسيطرة على علاقات البلدين، وهو ما يتعارض مع مصالح القوى الآسيوية الكبرى، ولاسيما الصين؛ ما قد يدفعها إلى احتمال التدخل للوساطة بين جارتيها.