أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

إجراء رمزي:

ما دلالات تصنيف الاتحاد الأوروبي روسيا دولة راعية للإرهاب؟

02 ديسمبر، 2022


اعتمد البرلمان الأوروبي، في 23 نوفمبر 2022، قراراً يصنف روسيا كدولة راعية للإرهاب، وذلك استجابة لدعوات الحكومة الأوكرانية المتكررة في هذا الصدد، خاصة بعدما صعد الجيش الروسي، منذ أكتوبر 2022، هجماته الصاروخية ضد منشآت البنية التحتية خاصة محطات الكهرباء، الأمر الذي أدى لقطع الكهرباء عن أجزاء واسعة من كييف ومناطق أوكرانية أخرى.

أبعاد القرار الأوروبي: 

يتمثل أبرز أبعاد القرار الأوروبي الصادر ضد روسيا في التالي: 

1- إدراج روسيا كدولة إرهابية: صوت البرلمان الأوروبي على قرار وصف "روسيا بأنها دولة راعية للإرهاب ودولة تستخدم وسائل إرهابية"، وذلك بأغلبية 191 صوتاً مقابل معارضة 58 صوتاً وامتناع 44 عن التصويت. ويلاحظ أن القرار لن يترتب عليه أي إجراءات قانونية ضد موسكو، نظراً لعدم وجود قائمة بالإجراءات العقابية ضد الدول الراعية للإرهاب لدى بروكسل، على غرار الولايات المتحدة. 

وعلى الجانب الآخر، فإن قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر تتم مراجعتها كل 6 أشهر، وتشمل فقط الأفراد والمنظمات، وتضم حالياً 13 فرداً، و21 هيئة إرهابية من ضمنها حماس، وحزب العمال الكردستاني، والجناح العسكري لحزب الله. وينتج عن إدراج أي فرد أو مؤسسة على قائمة الاتحاد الأوروبي للإرهاب، تجميد أرصدته، وأيضاً منع الأجهزة الأوروبية من التعامل المالي مع تلك المجموعات والأفراد، ويجوز ضم الهيئات لتلك القائمة بعد اعتراف مجلس الأمن أو الاتحاد الأوروبي فقط بتلك المنظمة كتنظيم إرهابي، ووجود تحقيقات واتهامات بممارسة أنشطة إرهابية. ومن الجدير بالذكر، أن عدداً محدوداً من البرلمانات الأوروبية صنفت روسيا كدولة راعية للإرهاب، وهي ليتوانيا ولاتفيا وبولندا وإستونيا، أي الدول التي تتبنى مواقف شديدة العدائية تجاه روسيا. 

2- التوصية باستحداث قوائم خاصة بالدول: اشتمل القرار على توصية تتعلق بضرورة تطبيق الاتحاد الأوروبي قائمة دول راعية للإرهاب، مثل تلك التي تطبقها الخارجية الأمريكية، والتي تضم الدول التي تعتبرها الخارجية الأمريكية تقدم دعماً لمنظمات إرهابية دولية، وبالتالي توقع عليها عقوبات اقتصادية ومالية، ومنها حظر تصدير الأسلحة الأمريكية لتلك الدول، والسلع مزدوجة الاستخدام (سلع يمكن تطويرها ليتم استخدامها في أسلحة)، وحظر كلي أو جزئي للتعاملات الاقتصادية.

وتضم قائمة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب حالياً 4 دول، وهي كوريا الشمالية، وكوبا، وسوريا، وإيران. ولطالما دعا نواب في الكونجرس الأمريكي بغرفتيه لإلحاق موسكو بتلك الدول، إلا أن معارضة البيت الأبيض، والخارجية الأمريكية، والبنتاجون حالا دون ذلك.

3- تصنيف الميليشيات الروسية كذلك: دعا الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة إلحاق المجموعات المسلحة الروسية الخاصة ضمن قائمة الاتحاد للإرهاب مثل شركة فاجنر للأمن، والفوج الميكانيكي المسلح 141 (القديريون نسبة لأحمد قديروف رئيس جمهورية الشيشان الروسية السابق)، وغيره ذلك من المجموعات المسلحة غير النظامية.

أسباب خطوة بروكسل: 

يمكن فهم أسباب إصدار البرلمان الأوروبي مثل هذا القرار في ضوء الاعتبارات التالية: 

1- الاستجابة لمطالب الرئيس الأوكراني: دعا الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كلاً من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بوضع روسيا على قوائم الدول الإرهابية، وذلك منذ يونيو 2022. وقد استجاب البرلمان الأوروبي لهذه المطالب مؤخراً، وصوّت بأغلبية كبيرة على ذلك القرار، وهو ما يعد نجاحاً رمزياً لكييف. 

2- الرد على الضربات الروسية: جاء القرار الأوروبي بالتزامن مع قيام روسيا بشن ضربات قوية ضد البنية التحتية الحيوية الحرجة في أوكرانيا، وذلك رداً على استهداف كييف مناطق داخل روسيا. وقد ترتب على هذه الضربات أن تراجع إنتاج الكهرباء في أوكرانيا، وذلك بالتزامن مع دخول فصل الشتاء، وهو ما ينذر بموجة نزوح جديدة إلى الدول الأوروبية، خاصة إذا عجزت أوكرانيا على استعادة مستويات إنتاج الكهرباء. وقد يكون الهدف من القرار الأوروبي هو محاولة الضغط على روسيا إعلامياً، عبر التأكيد أن استهداف الكهرباء هو أمر يستهدف السكان المدنيين، ومن ثم يندرج ضمن "إرهاب الدولة".

3- محاولة عزل روسيا: تجيء الخطوة الأوروبية في إطار المحاولات الغربية الرامية إلى عزل روسيا على الساحة الدولية، إذ إن هذه الخطوة قد تؤدي، في حالة تبنيها من برلمانات الدول الأوروبية، إلى إضعاف مستويات التمثيل الدبلوماسي ﻷدنى مستوياته، بغية زيادة العزلة الدولية على روسيا الاتحادية، بل وطالب البرلمان الاتحاد الأوروبي بضرورة استمرار العمل على عزل روسيا في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن، كما دعا البرلمان إلى ضرورة التسريع بعمليات إتمام تنفيذ وإقرار الجولة التاسعة من العقوبات ضد موسكو.

دلالات الخطوة: 

يلاحظ أن الخطوة الأوروبية بتصنيف روسيا دولة راعية للإرهاب هي مجرد خطوة دعائية تأتي في إطار الحرب الإعلامية التي يشنها الغرب ضد روسيا. ومن المستبعد أن يسعى الاتحاد الأوروبي، أو أي دولة من الدول الأعضاء لتبني هذا الإجراء ضد روسيا، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- قرار دعائي: يلاحظ أن خطوة الاتحاد الأوروبي هي خطوة غير ملزمة لدول الاتحاد الأوروبي، إذ إن أغلب قراراته هي مجرد توصيات، ومن ثم، فهي تدخل في إطار الحرب الدعائية التي يشنّها الغرب ضد روسيا.

2- صعوبة التصعيد: على الرغم من مطالبة الاتحاد الأوروبي باستصدار قائمة بالدول الراعية للإرهاب، غير أنه من المستبعد إدراج روسيا في هذه القائمة، حتى وإن تم إنشاء مثل هذه القائمة، وهو ما يرتبط بأن الولايات المتحدة، نفسها، وهي من الدول التي تصنف ضمن الدول التي تتبني مواقف متشددة من روسيا بسبب حربها ضد أوكرانيا، قد امتنعت عن تبني هذه الخطوة، وهو ما يرتبط بأن ذلك الإجراء قد يوقف العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين روسيا والدول الغربية.

ولا شك أن الغرب يحتفظ، حتى الآن، بمصالح ضخمة مع روسيا، ولا يريد تعريضها للتهديد، سواء تمثل ذلك في استيراد الطاقة من روسيا، أو حتى رغبة واشنطن في استئناف المفاوضات حول معاهدة "نيو ستارت"، وهو الاتفاق الرئيسي لضبط السلاح النووي بين القوتين. وكان من المقرر أن يتم إجراء اجتماع للمعاهدة في الفترة من 29 نوفمبر وحتى 6 ديسمبر 2022 في القاهرة، غير أن روسيا قررت إرجاء الاجتماع لأجل غير مسمى، وهو ما دفع المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للتعبير عن أمله باستئناف المناقشات "في أسرع وقت ممكن"، مشدداً على "أهمية هذا الأمر ليس فقط للبلدين، وإنما أيضاً لبقية العالم".

3- سخرية موسكو من القرار: لم تبد موسكو اهتماماً كبيراً بالقرار، وذلك على اعتبار أنه لا يحمل أي قيمة عملية، بل واكتفى وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 23 نوفمبر، بالسخرية من القرار، عبر التأكيد بأنه "ليس طبيباً" نفسياً للبت في مدى أهليتهم العقلية، في إشارة إلى أعضاء البرلمان الأوروبي. 

كما علقت ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، على الخبر، بأنه رداً على قرار البرلمان الأوروبي بالاعتراف بروسيا كدولة راعية للإرهاب، "يمكننا الاعتراف بالبرلمان الأوروبي راعياً للحماقة"، بينما وصف المتحدث الرسمي بالكرملين، دميتري بيسكوف، القرار بغير المهني، وأن روسيا لن تأخذ هذا القرار على محمل الجد، خصوصاً بعد تمسك السياسة الأوروبية الخارجية بالعواطف غير البناءة في قراراتهم.

4- محاولة محتملة لمصادرة الممتلكات الروسية: تتداول الصحافة الغربية من فترة لأخرى أخباراً مفادها أن الاتحاد الأوروبي يدرس إمكانية استخدام أصول البنك المركزي الروسي، التي تقدر بـ 300 مليار اليورو، والتي جرى تجميدها من قبل الدول الأعضاء، للمساعدة في إعادة إعمار أوكرانيا. وقالت مصادر مطلعة، في نوفمبر 2022، إنه تم تكليف خبراء قانونيين للنظر في الخيارات المتاحة.

وقد ينظر إلى قرار البرلمان الأوروبي الحالي باعتباره مقدمة لقرارات أخرى على مستوى الاتحاد الأوروبي؛ تستهدف إرساء الأساس القانوني لمصادرة أصول روسيا في الخارج. وعلى الرغم من أن قرار البرلمان الأوروبي الأخير لا يوفر حتى الآن أساساً قانونياً للمصادرة، فإنه يمكن أن يخلق أساساً لمثل هذه المحاولات مستقبلاً.

ومع ذلك، فإنه من المستبعد أن يقوم الاتحاد الأوروبي بذلك. ففي مايو 2022، أعرب مسؤولون في وزارة الخزانة الأمريكية عن قلقهم من هذه الخطوة، خشية إقرار سابقة من شأنها أن تثني البنوك المركزية الأجنبية الأخرى عن وضع أصولها في الولايات المتحدة. وإذا كانت واشنطن تخشى من رد فعل الدول الأخرى، فإنه لا يتوقع أن تندفع الدول الأوروبية، فرادى أو جماعات، في مسار أحجمت واشنطن عن السير فيه. 

وفي الختام، فإن القرار الأوروبي يتسم بالرمزية الشديدة، ولن يغير أي شيء في مسار العلاقات الأوروبية – الروسية، كما أنه من غير المتوقع تغيير القواعد الحاكمة لقوائم الإرهاب في أوروبا، بحيث تتضمن الدول. كما أن فرص إقدام بروكسل على اتخاذ القرار بداية لإرساء الأسس القانونية لمصادرة الأموال الروسية يعد أمراً مستبعداً، خاصة في ظل إحجام واشنطن عن القيام بهذه الخطوة، نظراً لأنها سوف تقوض الحصانة السيادية للدول، ما يفتح المجال أمام دول العالم لسحب أمواله من الغرب.