أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

"مبعوثو المناخ":

كيف توازن دول الخليج بين أمن الطاقة والبيئة؟

01 أغسطس، 2022


أعلنت المملكة العربية السعودية، في 29 مايو 2022، تعيين وزير الدولة للشؤون الخارجية، عادل الجبير، أول مبعوث لها لشؤون المناخ. وجاء هذا التعيين بعد أن قام عدد من الدول المُنتجة والمُصدرة للمواد الهيدروكربونية (النفط، والغاز، والفحم)، خاصةً في منطقة الخليج، باتخاذ خطوات مُماثلة خلال السنوات الأخيرة. فعلى سبيل المثال، قامت دولة الإمارات العربية المتحدة، في نوفمبر 2020، باختيار معالي الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المُتقدمة، مبعوثاً خاصاً للتغير المناخي. كما عينت قطر، في 10 مارس 2021، السفير بدر عمر الدفع مبعوثاً خاصاً لتغير المناخ والاستدامة. وسبق أن أعلنت مملكة البحرين عن تولي الدكتور محمد بن مبارك بن دينه منصب المبعوث الخاص لشؤون المناخ في عام 2014. ويركز هذا التحليل على أبرز الدوافع وراء تلك الخطوات، ودورها في تعزيز الجهود الدولية للتعامل مع قضية تغير المناخ. 

إطار عمل:

يُعد تعيين مبعوثي شؤون المناخ في دول الخليج بمنزلة "حقبة جديدة لدبلوماسية المناخ" في هذه الدول، وذلك في ظل احتمالية حدوث سيناريوهين رئيسيين لتغير المناخ؛ السيناريو الأول يستند إلى احتمالية تقليص بعض دول العالم استخدام النفط والغاز والفحم في السنوات القادمة من أجل تقليل الانبعاثات المُتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض، وذلك في إطار المساعي العالمية المُتسارعة للتعامل مع التداعيات السلبية لأزمة تغير المناخ.

أما السيناريو الثاني، فيقوم على أن استمرار أزمة التغير المناخي في العالم، وتواصل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، سوف يجعل الحياة صعبة في بعض الدول؛ نتيجة زيادة الجفاف والتصحر وغيرها من التداعيات السلبية المُترتبة على ارتفاع درجات الحرارة، طبقاً لتقييمات بعض المنظمات الدولية المعنية بظاهرة الاحتباس الحراري.

ومن ناحية أخرى، يأتي تعيين مبعوثي شؤون المناخ مُتسقاً مع تسارع الديناميكيات العالمية والإقليمية التي تصب في صالح تحفيز العمل المناخي. فعلى الصعيد العالمي، تضع كلُ من الولايات المتحدة، منذ قدوم إدارة الرئيس جو بايدن في بداية عام 2021، والمملكة المتحدة، التي نظمت مؤتمر الأمم المتحدة السنوي الـ 26 للتغير المناخي (كوب 26)، مواجهة التغير المناخي كأولوية مُتقدمة على أجندة سياساتهما الخارجية؛ وهو ما أدى إلى تحفيز المزيد من الطموحات المناخية في معظم أنحاء العالم. 

وفي هذا السياق، يُشار أيضاً إلى أن الصين، ثاني أكبر مصدر للانبعاثات في العالم بعد الولايات المتحدة، أعلنت عن هدفها في الوصول إلى الحياد الكربوني (وهو التوازن ما بين انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المُتسببة في ارتفاع درجة حرارة الأرض التي ينتهي بها المطاف إلى الغلاف الجوي، وبين تلك التي تتم إزالتها من الأرض) في عام 2060. كما أكد الاتحاد الأوروبي تعهده بالحياد الكربوني في عام 2050. 

ومع التزام مُماثل من الإدارة الأمريكية الحالية بتحقيق الحياد الكربوني مع حلول منتصف القرن الحالي، بذلك يكون أكثر من 70% من الاقتصاد العالمي قد تبنى الحياد الكربوني كهدف قريب له، وهو ما من شأنه أن يجعل حد الاحتباس الحراري البالغ 1.5 درجة مئوية لاتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي قابلاً للتنفيذ.

جهود خليجية:

في منطقة الخليج العربي الغنية بالمصادر الهيدروكربونية، تكثفت جهود دول وشركات المنطقة من أجل تأكيد حرصها على مواكبة الجهود المُتسارعة لمواجهة أزمة تغير المناخ في العالم، حيث أعلنت ثلاث دول خليجية، في أكتوبر 2021، أهدافاً للحياد الكربوني؛ وهي بحلول عام 2050 بالنسبة لدولة الإمارات، وبحلول عام 2060 بالنسبة لكلٍ من السعودية والبحرين. 

كما قدمت الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في عام 2021، بموجب اتفاقية باريس لمواجهة التغير المناخي، والتي تم التوصل إليها في عام 2015، خططاً جديدة أو مُحدثة، متوسطة الأجل للتغير المناخي، كمساهمات تم إقرارها وطنياً. 

وإلى جانب ذلك، من المُرجح أن يبقى العمل المناخي على أولوية أجندة المنطقة العربية خلال الفترة القادمة، خاصةً مع استضافة كل من مصر ودولة الإمارات قمتي الأمم المتحدة للعمل المناخي (كوب 27، وكوب 28) على التوالي في العامين الحالي والقادم. 

ومن جهة أخرى، تعهدت أكبر شركة مُنتجة للنفط في العالم، وهي "أرامكو" السعودية، عن طموح الحياد الكربوني بحلول منتصف القرن الحالي. وبالمثل، تعهدت شركة بترول أبوظبي الوطنية "أدنوك" بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول عام 2030. كما صدّرت "قطر للطاقة" شحنة غاز طبيعي مُسال خالية من الكربون إلى سنغافورة، وستدمج تكنولوجيا احتجاز الكربون في خططها التوسعية، وانضمت مؤخراً لمبادرة "استهداف الانبعاثات الصفرية لغاز الميثان".

استراتيجية متوازنة:

يعكس تعيين مبعوثي شؤون المناخ في دول الخليج، الأهمية التي توليها هذه الدول للمساهمة في الجهود العالمية المُتسارعة لمواجهة التغير المناخي. كما يعكس أحد توجهات "اللغة الجديدة" في الحوار مع الدول المُتقدمة والصناعية بشأن كيفية التعامل مع أزمة المناخ العالمية، من دون إضعاف أسواق النفط والغاز. 

وفي هذا السياق، تتبع الدول المُصدرة للهيدروكربونات استراتيجية مزدوجة، تتمثل في الدعوة إلى خفض الانبعاثات من غازات الاحتباس الحراري من خلال التشجيع على استخدام التقنيات الجديدة مثل التقاط وتخزين الكربون وإنتاج الهيدروجين الأخضر، مع العمل، في الوقت نفسه، على زيادة القدرات الإنتاجية للنفط والغاز لتلبية الطلب العالمي، والحد من تقلبات الأسعار والاختناقات في الإمدادات.

كذلك، فإن التركيز على مواجهة تغير المناخ من دون التركيز على أمن الطاقة، قد يدفع المزيد من الدول إلى الفحم، وهو أكثر مصادر الطاقة تلويثاً، وقد يؤدي أيضاً إلى حرمان السكان الأفقر في كثير من دول العالم من الوصول إلى الطاقة. 

ولعل من أهم الأمثلة الدالة على التوازن بين هدفي أمن الطاقة والحرص على التعامل مع قضية التغير المناخي، "الاستراتيجية المزدوجة" التي تتبناها السعودية. فبالتزامن مع اختيار عادل الجبير مبعوثاً لشؤون المناخ، أعلنت المملكة زيادة طاقتها الإنتاجية من النفط بأكثر من مليون برميل، مشيرة إلى أن الإنتاج سوف يتجاوز 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027. 

وكانت الرياض قد أطلقت أيضاً في عام 2021 مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، لتحسين جودة الحياة من خلال زيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة، وتحييد الآثار الناتجة عن استخدام النفط، وحماية البيئة. وتضمنت المبادرتان إطلاق صندوق إقليمي لضخ استثمارات بأكثر من 10 مليارات دولار لتمويل الحلول التقنية لخفض الانبعاثات الكربونية، وتطوير الطاقات النظيفة، بالإضافة إلى زيادة حصتها من الطاقة المتجددة في توليد الكهرباء إلى 50% بحلول عام 2030، وتنفيذ أكبر برنامج إعادة تشجير في العالم عبر زراعة 50 مليار شجرة، منها 10 مليارات في المملكة. كذلك أعلنت السعودية عن تأسيس "مؤسسة المبادرة الخضراء"، وهي منظمة غير ربحية تسعى إلى دعم وضمان تنفيذ أهداف المبادرتين المذكورتين.

وبالنسبة لدولة الإمارات، فإنها تعتزم إضافة استثمارات بقيمة 600 مليار درهم (ما يعادل 164 مليار دولار) في مجال الطاقة النظيفة، سواء في السوق المحلي أو الدولي، وذلك في حرص واضح على التعامل مع قضية التغير المناخي. كما تعمل الدولة على إنشاء مشاريع جديدة في مجال إنتاج الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر، بغية تصديره؛ مما يعزز الانتقال العالمي نحو مصادر الطاقة منخفضة الكربون. 

أهداف مباشرة:

يمثل تعيين مبعوثي شؤون المناخ في دول الخليج، نقلة نوعية مُهمة لدبلوماسية المناخ، وهي من شأنها التأكيد على إصرار هذه الدول على التعامل مع أزمة تغير المناخ في العالم من جهة، والمحافظة على أمن الطاقة من جهة أخرى. فوجود مثل هؤلاء المبعوثين سوف يساهم في خلق شراكات طويلة المدى بين الدول المُنتجة والمُصدرة للهيدروكربونات وبين باقي دول العالم، للتعامل مع أزمة المناخ. 

كما يمكن أن يساعد هؤلاء المبعوثون أيضاً في حشد الاستثمارات المطلوبة لحفز وتشجيع مشروعات الطاقة النظيفة في العالم، وطرح المبادرات التي تغطي العديد من القضايا الأساسية، مثل تسريع نشر الطاقة المتجددة، والتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه (CCUS)، وتقليل كثافة انبعاثات الكربون من الوقود الهيدروكربوني، وإنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، وغيرها. 

كذلك، من المُنتظر أن يلعب هؤلاء المبعوثون دوراً أساسياً في تأمين الأسواق لصادرات دولهم من النفط والغاز، في إطار التحول المُستمر في العالم نحو الطاقة النظيفة، فضلاً عن قيامهم بتوضيح الآثار والأضرار الاجتماعية والاقتصادية التي قد تُسببها خسارة العوائد المالية لصادرات النفط والغاز.

وعلى الأرجح، سوف يُساهم كل ذلك في تعزيز أمن الطاقة العالمي ودعم استقرار الأسواق، جنباً إلى جنب مع التزام دول الخليج بالأجندة الدولية لتقليص الانبعاثات الكربونية، ومواكبة الجهود الدولية للتعامل مع قضية تغير المناخ.