أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

حادث كرج:

دلالات الهجوم على منشأة تابعة للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية

01 يوليو، 2021


تتواصل العمليات التخريبية بين إيران وإسرائيل، أو ما يعرف بـ"حرب الظل" بين الدولتين، والتي كان أبرز فصولها في الفترة الأخيرة، استهداف منشأة تخصيب اليورانيوم الأشهر في إيران "نطنز"، بهجوم في يوليو 2020، وآخر في أبريل 2021، فضلاً عن عملية الاغتيال النوعية للعالم النووي محسن فخري زاده وسط طهران، بالإضافة إلى عمليات الاستهداف المتبادل للسفن في الخليج العربي وبحر عُمان والبحر المتوسط والبحر الأحمر بين الجانبين.

الهجوم على "كرج"

تعرض مبنى لتصنيع أجهزة الطرد المركزي تابع للمنظمة الإيرانية للطاقة الذرية، لهجوم من خلال طائرة مسيرة. ويعرف المصنع باسم "شركة تكنولوجيا الطرد المركزي الإيرانية" أو "تسا"، وهو أحد المصانع الرئيسية لإنتاج شرائح الألمنيوم التي تستخدم في تركيب أجهزة الطرد المركزي، التي يتم استخدامها في عمليات تخصيب اليورانيوم في منشأتي فوردو ونطنز، كما أن الطائرة المسيرة التي استهدفت المبنى أقلعت من موقع غير بعيد عن المصنع الواقع في مدينة كرج بالعاصمة الإيرانية طهران. ويلاحظ على هذه الحادثة ما يلي:

1- إنكار إيراني: أجمعت وسائل الإعلام الإيرانية على تحييد هجوم استهدف منشأة تابعة للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية. فقد ذكرت وكالة "نور نيوز" والتابعة للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، أن الأجهزة الأمنية الإيرانية أحبطت "عملاً تخريبياً" ضد مبنى تابع للوكالة الإيرانية للطاقة الذرية في ضواحي مدينة كرج، مشيرة إلى عدم إلحاق أضرار من دون الكشف عن اسم المنشأة، بينما نفى مصدر مطلع من قاعدة الدفاع الجوي "خاتم الأنبياء" في تصريح لوكالة "إيسنا" الحكومية أن يكون الهجوم بطائرة درون كبيرة. 

2- تلميحات إسرائيلية بتنفيذ الهجوم: أكدت وسائل إعلام إسرائيلية، ومنها صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية، والقناة 13 للتلفزيون الإسرائيلي، إلحاق أضرار جسيمة بالمصنع الذي ينتج أجهزة الطرد المركزي.

ورجحت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوم الجمعة الماضي، أن تكون إسرائيل وراء استهداف مصنع كرج بطهران، على أساس أن "لها مصلحة وقدرة عملياتية على تنفيذ مثل هذه العملية المعقدة داخل الأراضي الإيرانية".

كما ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، في خطاب ألقاه خلال حفل تخرج طياري سلاح الجو الإسرائيلي، الخميس، ضمنياً إلى دور بلاده في الهجوم الأخير، حيث قال "يعرف أعداؤنا أننا أكثر تصميماً وأكثر ذكاءً ولا نتردد في التصرف عند الحاجة"، وأضاف بينيت أن رؤساء الوزراء الإسرائيليين لديهم دائماً مسؤولية مقدسة بعدم السماح بتهديد وجودي لدولة إسرائيل.



دلالات الحادث:

يكشف حادث "كرج" عن دلالات متعددة يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- استهداف البرنامج النووي الإيراني: يمثل الهجوم، كما تحدثت عنه وسائل الإعلام الإسرائيلية، تأكيداً من جانب الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة "نفتالي بينيت" على استمرار الخط الثابت للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بشأن مواجهة التهديدات الإيرانية، وعدم السماح لإيران بتصعيد نووي من شأنه تهديد الأمن القومي الإسرائيلي. 

وما يدعم هذا الاستنتاج أن هذه العملية هي الأولى في عهد "بينيت" الذي ينتمي لليمين الإسرائيلي المعادي لإيران، وكذلك رئيس جهاز الموساد "ديفيد برنياع"، والذي تم تنصيبه على رأس الجهاز الاستخباري الأهم في إسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني، حسبما صرح بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتانياهو في مراسم تعيينه.

2- ضعف قدرة إيران على مواجهة العمليات التخريبية: يكشف توالي العمليات التخريبية ضد إيران عن استمرار اختراق الداخل الإيراني، وهو أمر تكرر في حوادث سابقة، مثل الهجوم على منشأة نطنز واغتيال العالم النووي "فخري زاده" في قلب طهران. 

ولم تخرج العملية التخريبية الأخيرة في كرج عن هذا النمط، حيث تم تنفيذ الهجوم بواسطة طائرة مسيرة "درون" تم إطلاقها بالقرب من موقع الحادث، ما يدلل على عجز الأجهزة الأمنية الإيرانية، سواء التابعة للمؤسسات الأمنية أو الحرس الثوري، عن تحديد شبكات التجسس الإسرائيلية داخل البلاد وتفكيكها.

3- إبطاء البرنامج النووي الإيراني: يشير توالي الهجمات المرتبطة بقدرات إيران النووية، إلى رغبة إسرائيل في إبطاء وتيرة تسارع البرنامج النووي الإيراني، في ظل إصرار طهران على المضي قدماً في تخصيب اليورانيوم بمستويات عالية تبلغ الـ60%، من خلال تركيب أجهزة طرد مركزي متقدمة مثل (IR-4)، و(IR-2M)، و(IR6)، وغيرها من أجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تسريع عمليات تخصيب اليورانيوم في منشأتي نطنز وفوردو.

وفي هذا الصدد، أشارت تقارير عديدة إلى أن مصنع كرج كان يقوم بإنتاج أجهزة طرد مركزي بديلة لتلك التي تعرضت للتلف في منشأة نطنز بعد الهجوم الأخير عليها في أبريل الماضي، وبالتالي فإن تعرض البرنامج النووي الإيراني، خاصة عمليات تخصيب اليورانيوم لعمليات تخريبية سوف يبطئ مساعي طهران لامتلاك القنبلة النووية. 

4- حرمان طهران من توظيف تخصيب اليورانيوم كأداة للابتزاز: لا يمكن فصل الحادث الأخير في كرج عن سياق المفاوضات الجارية في فيينا، على أساس أنه من أدوات ضغط واشنطن على طهران لتقديم تنازلات من أجل التوصل لاتفاق معها. 

ويبدو أن الحادث قد حظي بضوء أخضر أمريكي، على أساس أن مصنع أجهزة الطرد المركزي المستهدف في كرج كان ضمن قائمة الأهداف التي قدمتها إسرائيل إلى إدارة الرئيس الأمريكي السابق "دوالد ترامب"، أي أن الاستخبارات الإسرائيلية كانت تتابع نشاط المصنع المذكور لفترة طويلة. 

5- توجيه رسالة تحذير إلى رئيسي: يعد الهجوم في "كرج" رسالة إلى الرئيس الإيراني المتشدد إبراهيم رئيسي، بأن تل أبيب لن تتراجع عن سياستها الرامية إلى إبطاء البرنامج النووي، وأن مجيء "رئيسي"، وتبنيه سياسات متشددة خارجياً، لن يردعا إسرائيل عن استهدافه. 

انتهاج السياسات السابقة

لا شك أن لكلا الطرفين، الإيراني والإسرائيلي، ثوابت سياسية واستراتيجية لا يتم المساس بها مهما اختلفت توجهات النخبة الحاكمة في الدولتين، حيث ما زالت الكلمة العليا في إيران للمرشد الأعلى، وأن المساحة الممنوحة للرئيس، ثابتة، وتضيق وتتسع حسب قربه من المرشد ودوائر صنع القرار المهمة في إيران.

ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة لإسرائيل، فهناك عقيدة ثابتة قائمة على الحفاظ على المصالح الإسرائيلية وإضعاف الخصوم ومواجهة أي تهديد وجودي من منظور إسرائيل، كما أن النخبة الأمنية والعسكرية الحاكمة في إسرائيل لم تختلف كثيراً، على الرغم من رحيل نتانياهو، وهو ما يعطي استمرارية للسياسات الإسرائيلية تجاه إيران.

وبناءً على هذه الثوابت، من المتوقع أن يستمر التوتر بين الدولتين خلال الفترة المقبلة، مع رد فعل إيراني غير مكافئ للتهديدات الإسرائيلية. ففي الوقت الذي تكمل فيه إسرائيل سياسة اختراق الداخل الإيراني، بهدف تدمير بعض مكونات برنامجها النووي، تسعى إيران للرد من خلال تعزيز انتشارها العسكري بالقرب من إسرائيل، ومواصلة دعم القوى والميليشيات المسلحة المناوئة لها، بل وتوسيع هامش المناورة باستهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، مع تأكيدات مسؤولين إيرانيين بأن منشأة "كرج" لم تتعرض لأي ضرر مادي في الهجوم الأخير، وهو ما يعفيها من حرج الرد على هذا الهجوم، ولو لبعض الوقت. 

                                             لتحميل الموضوع بصيغة PDF يمكن الضغط على هذا الرابط