عرض: دينا محمود
في العام 2017، تم إطلاق برنامج "أرتميس" من قِبل الإدارة الوطنية للملاحة الجوية والفضاء "ناسا"، في فترة رئاسة دونالد ترامب؛ بهدف إعادة الوجود البشري على القمر لأول مرة منذ رحلة "أبولو 17" في عام 1972؛ ومن ثم إنشاء قاعدة دائمة على القمر لتسهيل المهمات البشرية إلى المريخ، ثم قادت إدارة ترامب التوقيع على "اتفاقيات أرتميس" مع 8 دول في أكتوبر 2020، وتحوي هذه الاتفاقيات مبادئ توجيهية تحكم السلوك في الفضاء والسيطرة على الأجرام السماوية مثل القمر.
وتُعد اتفاقيات "أرتميس" غير ملزمة قانوناً؛ إذ تمثل شكلاً من أشكال "القانون المرن"، كما تستند إلى معاهدات قائمة كمعاهدة الفضاء لعام 1967. وتشجع الولايات المتحدة جميع البلدان على الانضمام لتلك الاتفاقيات؛ إذ وقعت عليها 43 دولة، بما في ذلك فرنسا؛ لتعزيز فرص التعاون العلمي والصناعي، على الرغم من التحفظات الأولية على بعض البنود، وينظر إلى الاتفاقيات على أنها نوع جديد من المبادرات الدبلوماسية لتنظيم التعاون الدولي في مجال الفضاء.
وفي هذا السياق، تطرح ورقة بحثية صادرة عن المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، صدرت في يوليو 2024، تساؤلات حول طبيعة مبادئ اتفاقيات "أرتميس" والقيمة القانونية لها، فضلاً عن الاستراتيجية الأمريكية لحوكمة القمر، والتي تهدف إلى خلق تحالف دولي ضد الصين وروسيا، في ظل السباق الجديد نحو القمر، ناهيك عن مناقشة مدى ارتباط تلك الاتفاقيات بالتعددية القطبية في النظام الدولي.
مبادئ "أرتميس":
تنطوي اتفاقيات "أرتميس" على مبادئ أساسية بعضها متفق عليها وأخرى تحمل طابعاً جدلياً؛ وذلك على النحو التالي:
- مبادئ متوافق عليها دولياً: تؤكد اتفاقيات "أرتميس" التزامها بمبادئ معاهدات الأمم المتحدة الفضائية، بما في ذلك معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، واتفاقية المسؤولية الدولية للأضرار الناجمة عن الأجسام الفضائية لعام 1972، واتفاقية تسجيل الأجسام المطلقة في الفضاء الخارجي لعام 1975. وهكذا تم التأكيد من جديد لمبادئ الاستخدام السلمي للفضاء في هذه الاتفاقيات، وتقديم المساعدة الطارئة لرواد الفضاء المنكوبين، ونشر البيانات العلمية.
ومع ذلك؛ فإن حماية التراث القمري، مبدأ جديد تم تقديمه في اتفاقيات "أرتميس"، والاتجاه نحو الحفاظ على المواقع التاريخية من جميع أشكال التدهور بسبب الأنشطة القمرية المستقبلية. وقد تشمل هذه المواقع بعثات "أبولو"، أو غيرها من مهام الاستكشاف الآلية. وتخضع مواقع التراث القمري لنظام حماية قانوني خاص، وتنص الاتفاقيات أيضاً على إمكانية التشغيل البيني للأنظمة المستخدمة لاستكشاف القمر؛ وهو مفهوم لا يظهر في قانون الفضاء الدولي؛ إذ يعني قدرة أنظمة التشغيل على العمل مع الأنظمة الأخرى الحالية أو المستقبلية؛ وهو أمر ضروري لمواجهة تحديات التعاون في المهام القمرية.
- مبادئ جديدة مثيرة للجدل: هناك مبادئ أخرى جديدة أكثر إثارة للجدل في اتفاقيات "أرتميس" لتنظيم الأنشطة القمرية. فهي تقدم مفهوم "المناطق الآمنة" للسماح للدول بتنفيذ أنشطتها دون التسبب في تدخلات ضارة؛ ومن ثم، يمكن لأي دولة تقوم بأنشطة على القمر أن تحظر دخول السفن من دول أخرى إلى مناطق البحث العلمي الخاصة بها. ووفقاً لتلك الاتفاقيات، ستكون هذه المناطق مؤقتة، لكن يخشى بعض الخبراء أن تصبح "مناطق نفوذ فعلية لدولة ما"؛ وهذا من شأنه أن يتعارض مع المبدأ الأساسي المتمثل في عدم الاستيلاء على الفضاء المحدد في المادة الثانية من معاهدة الفضاء لعام 1967.
ولذلك، تتساءل بعض الدول عما إذا كان الهدف الحقيقي وراء هذه المناطق الآمنة التي تقترحها "ناسا" هو استعمار القمر، والذي تحظره معاهدة الفضاء الخارجي، وتُعد دولتا الصين وروسيا هما أول الدول التي أبدت تحفظاتها على تلك المناطق، ولم تتحدث دول أخرى؛ ولاسيما أعضاء وكالة الفضاء الأوروبية (ESA)، علناً عن ذلك. لكنها لم توقع على اتفاقيات "أرتميس". وتشمل الدنمارك وإستونيا وفنلندا والمجر وأيرلندا والنرويج والبرتغال.
- القيمة القانونية للاتفاقيات: تختلف اتفاقيات "أرتميس"، بحكم طبيعتها ونهجها، عن المعاهدات الدولية السابقة المتعلقة بالفضاء، والتي تم التفاوض بشأنها تحت رعاية الأمم المتحدة. وهي تختلف أيضاً عن الاتفاقية الحكومية الدولية (IGA) لعام 1998 التي تم التفاوض عليها بين الدول الشريكة في مشروع محطة الفضاء الدولية (ISS)؛ إذ تُعد غير مُلزمة مقارنة بتلك الاتفاقيات.
ولكن وعلى الرغم من عدم إلزاميتها؛ فإنه في بعض الأحيان يُستخدم القانون غير الملزم على نحو متزايد لإدارة التعاون الدولي في مجال الفضاء، على سبيل المثال، فالمبادئ التوجيهية لتخفيف الحطام الفضائي الصادرة عن لجنة التنسيق المشتركة بين الوكالات المعنية بالحطام الفضائي (IADC) لعام 2002 والمعتمدة من "لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي" (CUPEEA) في عام 2009؛ هي في حقيقتها ليست ملزمة، ولكن ورغم ذلك؛ فإن غالبية وكالات الفضاء قد طبقت هذه القواعد لسنوات.
سباق حول القمر:
تمثل المشروعات القمرية إحدى ساحات التنافس الصيني الأمريكي، ولدى بكين برنامج طموح لاستكشاف الفضاء، يتضمن مهمات روبوتية مثل: المسبار "تشانغ آه-4"، وعودة العينات القمرية بواسطة المسبارين "تشانغ آه 5 و6". خلال صيف 2020، وأشارت إدارة الفضاء الوطنية الصينية إلى نية استكمال بناء البنية التحتية الأساسية لمحطة أبحاث القمر الدولية (ILRS) بحلول عام 2030، والتي ستنافس البوابة القمرية (Lunar Gateway) التابعة لـ"ناسا". وحتى قبل نشر هذه المحطة، تعتزم الصين تنفيذ مهمات بشرية إلى القمر في بداية العقد المقبل. كما أنها ترغب بالتعاون مع روسيا في جذب شركاء دوليين إلى (ILRS) ؛ وهو ما سيكرس تعددية قطبية في التعاون الفضائي. هنا يمكن الإشارة إلى مواقف بعض الدول من اتفاقية "أرتميس"، ومنها:
- فرنسا: تسهم بالفعل فرنسا من خلال مشاركتها في وكالة الفضاء الأوروبية في عناصر أساسية للبرنامج القمري الأمريكي، مثل: وحدة الخدمة في كبسولة الفضاء أوريون. وبفضل خبرتها، ينبغي لفرنسا أن تسهم بشكل مباشر في البرنامج الأمريكي من خلال وحدة (ESPRIT) (النظام الأوروبي الذي يوفر البنية التحتية للتزود بالوقود والاتصالات) التي ستوفر أدوات الاتصال والتزود بالوقود على "البوابة القمرية" (Lunar Gateway). ومع ذلك، ظلت فرنسا مترددة منذ فترة طويلة في التوقيع على اتفاقيات "أرتميس"؛ ولاسيما أن بعض الجوانب مثل: المناطق الآمنة والموارد الفضائية بدت متعارضة مع معاهدة الفضاء لعام 1967.
كانت باريس قد وقعت على اتفاقية تنظيم نشاط الدول على القمر أو الأجسام الفضائية الأخرى المعروفة باسم "اتفاقية القمر" عام 1979، والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 1984. وحتى الآن، وقعت 17 دولة فقط وصدقت على اتفاقية القمر؛ نظراً لانخفاض عدد الموقعين، فضلاً عن حقيقة أن أياً منها لم تكن من القوى الفضائية في ذلك الوقت؛ فغالباً ما يُعتبر هذا الاتفاق فاشلاً.
ووفقاً للتفسير الذي طرحته الولايات المتحدة، سيتم تخصيص استخدام الموارد القمرية في إطار برنامج "أرتميس"؛ لدعم مهام الاستكشاف، وليس لأغراض التسويق. بهذا المعنى؛ يمكن لفرنسا التوقيع على اتفاقيات "أرتميس" دون مخالفة المبادئ المحددة في اتفاقية عام 1979.
- الهند والبرازيل: وقعت الهند والبرازيل على اتفاقيات "أرتميس"، وقد يبدو هذا الأمر غريباً؛ لأن الدولتين جزء من مجموعة "البريكس"، التي تضم أيضاً الصين وروسيا، منشئي برنامج (ILRS) المنافس. مع ذلك، يمكن تفسير هذا القرار من خلال منظور سياسة "عدم الانحياز النشط" الذي تتبناه الدولتان خلال السنوات الأخيرة. وكانت البرازيل الدولة الثانية عشرة التي انضمت إلى اتفاقيات "أرتميس"؛ إذ أشارت إلى أنها مهتمة بتطوير مركبة متجولة على سطح القمر، وفي الواقع، يُعد توقيع البرازيل على "أرتميس" بمثابة إرث من سياسة التقارب مع الولايات المتحدة التي كانت تديرها آنذاك إدارة جايير بولسونارو.
من جانبها، كانت الهند الدولة السابعة والعشرين التي وقعت اتفاقيات "أرتميس" في عام 2023. وقد طورت الهند طموحات فضائية كبيرة؛ خاصة في مجال الطيران المأهول واستكشاف القمر، مع سلسلة بعثات شاندرايان، كما أطلقت في عام 2021 أول قمر اصطناعي مصنوع بالكامل في البرازيل، وهو "أمازونيا"؛ ومن ثم فإن برنامج "أرتميس" يوفر لها الفرصة لتطوير مهاراتها ومكانتها الدولية من خلال أنشطة طموحة.
- القوى الفضائية الناشئة: في 13 ديسمبر 2022، انعقد أول منتدى للفضاء بين الولايات المتحدة وإفريقيا. وأكد المنتدى من جديد التزام الولايات المتحدة بالعمل مع شركائها الأفارقة بشأن الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي واستكشافه، وتعزيز تعاونهم في مجالي العلوم والتجارة. وهكذا شهد المنتدى توقيع اتفاقيات "أرتميس" من قِبل نيجيريا ورواندا، أول الموقعين الأفارقة. وتمثل نيجيريا أحد الاقتصادات الرائدة في القارة، ولديها وكالة فضاء منذ عام 1999، وقد أطلقت بالفعل عدة أقمار اصطناعية إلى الفضاء. أما رواندا، فقد أطلقت أول قمر اصطناعي لها (RwaSat-1) في عام 2019، وأنشأت وكالة الفضاء الرواندية (RSA)في عام 2020. وفي عام 2021، أعلنت عن طموحها لنشر كوكبة تضم أكثر من 300 ألف قمر اصطناعي "نانوي" في الفضاء.
وكذلك، وقعت دولة إفريقية ثالثة هي أنغولا، على اتفاقيات "أرتميس" في عام 2023؛ إذ كانت قد أسست وكالتها للفضاء في عام 2013، وفي عام 2017 اعتمدت استراتيجيتها الفضائية الوطنية للفترة من 2016 إلى 2025. وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أطلقت أنغولا برنامج القمر الاصطناعي "أنغو سات" لبناء وإطلاق أول قمر اصطناعي "أنغو سات 1" بالتعاون مع روسيا في عام 2017، يليه إطلاق "أنغو سات 2" في عام 2022.
ختاماً، بات السباق الدولي نحو الفضاء يشكل مجالاً للتنافس بين الصين والولايات المتحدة؛ وهو سباق يشير إلى صعود التعددية القطبية في ظل اتفاقيات "أرتميس" الأمريكية وبرنامج (ILRS) الصيني الروسي الذي يسعى لجذب الشركاء الدوليين؛ لذلك فمن المرجح أن التأثير المستقبلي لاتفاقيات "أرتميس" في قانون الفضاء يعتمد على جنسية الإنسان التالي الذي تطأ قدماه التربة القمرية.
المصدر:
Martin, A.-S., & Wohrer, P. (2024, July). Les accords Artemis: Une stratégie américaine pour la gouvernance lunaire. Ifri.