عندما ضعف تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان في السنوات الأخيرة، تنبأ العديد من المتخصصين بانتقال شبكات الإرهاب إلى مناطق أخرى في العالم. ومع عودة فصائل القاعدة وظهورها في دول أفريقيا خاصة في الصومال ومالي ونيجيريا، فضلاً عن شمال أفريقيا، أشار المراقبون إلى أن أفريقيا سوف تصبح مستقبلاً "أرض الجيل الثالث لتنظيم القاعدة" بحيث تكون "أفغانستان جديدة".
في هذا السياق استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يوم الخميس 4 سبتمبر 2014 الأستاذ/ مادي إبراهيم كانتي خبير الشؤون الأفريقية، والمدرس في جامعة باماكو في دولة مالي، حيث ألقى محاضرة عن الإرهاب الأفريقي والحركات الإسلامية المتطرفة وخريطة انتشارها في أفريقيا.
غرب أفريقيا منطقة للمرور بلا قيود
بدأ المحاضر حديثه بإلقاء الضوء على تقسيم مناطق أفريقيا المختلفة، ليؤكد أن ثمة تداخلاً كبيراً بين المناطق المختلفة من الغرب إلى الشمال والوسط والشرق والجنوب، وأن لكل منطقة تجمعاً إقليمياً محدداً، ولا يمنع ذلك من سهولة التنقل من بلد أفريقي لآخر ومن منطقة لأخرى من دون قيود كبيرة.
وأشار إلى أن العلاقات الإقليمية بين الدول الأفريقية، يمكن فهمها من خلال الإشارة إلى الاتحادات الأفريقية الأساسية، ومن أبزرها:
منظمة الإيكواس ECOWAS : وتعد أقوى منظمة في غرب أفريقيا، وتضم 15 دولة، استطاعت أن تقوم بمجموعة من الإنجازات مثل توحيد جوازات السفر لكل الدول الأعضاء، الأمر الذي سهل انتقال الأفراد بين دول غرب أفريقيا، بل إن للمسافر نفس حقوق المواطن، وكذلك توجد تسهيلات كبيرة في الجمارك، كما استطاعت المنظمة توحيد العملة بين دولها، ولديها جناح عسكري موحد له صلاحية التدخل في أي مشكلة أو صراع في أي دولة من دول غرب أفريقيا (الأعضاء) من دون إذن الدولة المباشر.
الإيكاس ECCAS : وتضم دول وسط أفريقيا.
وفي الشرق توجد منظمة الإيجاد IGAD، والتي لاتزال ضعيفة مقارنة بالإيكواس، نظراً لتصاعد المشاكل الداخلية والتوترات البينية بين دول شرق أفريقيا.
وخلص المحاضر إلى أن طبيعة منطقة غرب أفريقيا أدت إلى تيسير انتشار الجماعات الإرهابية والجرائم المنظمة من بلد لآخر، هذا فضلاً عن الحدود غير المنضبطة في منطقة وسط أفريقيا وشرقها، إذ يكفي القول إن دول الساحل والصحراء لا توجد بها قيود على حركة الأفراد، ولا رقابة على الحدود، ولا صعوبات في التنقل من مكان لآخر، فضلاً عن سهولة الحصول على إذن سفر وجنسية إحدى الدول الـ 15 بمنظمة إيكواس، وهي أمور كلها سهلت حركة المجموعات الجهادية المتطرفة، والتي بدأت بالأساس في الجزائر مطلع التسعينيات من القرن الماضي، ثم انتقلت لكل من السودان وأفغانستان، لتعود مجدداً إلى حيث المنشأ، في جنوب الجزائر ولتتوغل في منطقة الساحل والصحراء التي أضحت من أكبر البؤر المفرغة للجهاديين في أفريقيا.
وأكد كانتي أن مرحلة ما بعد "الثورات" العربية، خصوصاً ما حدث في ليبيا قاد إلى تصاعد أنشطة هذه التنظيمات، والتي تمكنت من نقل أسلحة مختلفة عقب سقوط نظام القذافي الذي كان جيشه من مرتزقة هربوا بعتادهم لدى الضربات الجوية الغربية ضد ليبيا، واستطاع المتطرفون عبر عمليات البيع والشراء والعلاقات القبلية، لاسيما من الطوارق، في استغلال هذه الأحداث لتحقيق أهدافهم في شمال مالي وغيرها.
وبالمثل فإن جماعة بوكو حرام تستفيد من هذه الحدود المفتوحة كثيراً، لتتمكن من التنقل من بلد لآخر بمنتهى السهولة، كما أن للحركة أعضاء بارزين سابقين في مؤسسات الحكم النيجيرية، وتقيم علاقات قوية مع قبائل مختلفة، وتستغل عدم وجود مواطنة حقيقية ترعى فكرة احترام حقوق المسلمين وتعليمهم وهويتهم داخل نيجيريا لتنقلب من جماعة ثقافية إلى تنظيم إرهابي متطرف.
وتطرق كانتي إلى أن ثمة ما يعزز أنشطة الإرهاب والجريمة المنظمة في معظم مناطق أفريقيا، وخصوصاً في الساحل والصحراء، حيث لدى العديد من الشركات الغربية علاقات وثيقة مع هؤلاء من أجل تسهيل حركة أعمالهم، وثمة انتقال مخيف لحركة أموال واسعة من دولة لأخرى ومن حسابات متعددة لا يمكن تتبعها بسهولة، ولهذا فمن السهل توفير تمويل كثيف للجماعات المتطرفة التي تمكن الكثير منها كذلك من السيطرة على حقوق للنفط أو مناجم للمعادن الثمينة وغيرها.
خريطة توزيع الحركات الإرهابية في أفريقيا
بدأت الحركات الإسلامية بالأساس في الجزائر، وعملت ضد الاستعمار الفرنسي خشية ضياع الإسلام من الجزائر نظراً للسيطرة التامة التي كانت تريد أن تفرضها فرنسا على الجزائر، ثم قامت حكومات ما بعد الاستقلال بطرد المجاهدين الذين ذهبوا إلى السودان ثم إلى أفغانستان التي قويت شوكتهم فيها عقب الاحتلال السوفييتي في أواخر السبعينيات، ثم عادوا للجزائر مرة أخرى، في ظاهرة أطلق عليها "عودة الأفغان العرب".
ويؤكد كانتي أن انتشار التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء هو نتاج تضافر العديد من العوامل، من أبرزها تردي الأحوال المعيشية في الدول الأفريقية، والتدخل الأجنبي السافر في شؤون القارة، وانتشار الجماعات التبشيرية بشكل كثيف، وسهولة التنقل بين الدول وبعضها البعض، والاحتكاك بمجموعات جهادية كثيرة خارج الإقليم في أفغانستان والسودان وغيرهما، هذا علاوة على الطبيعة الداخلية، الاقتصادية والعرقية والقبلية، للعديد من الدول التي تشجع على إفراز تنظيمات متشددة، في كل من موريتانيا والجزائر ونيجيريا ومالي وبقية الدول المجاورة في الغرب والوسط.
ولهذا يرى كانتي أن الشبكات الجهادية تمتد من أقصى الساحل الأفريقي بالغرب إلى أقصى الساحل الأفريقي في الشرق، حيث انتشار التنظيمات الجهادية في الصومال ومنطقة القرن الأفريقي، والتي كانت أولى المناطق التي شهدت تدخلات خارجية ودولية لمكافحة الإرهاب في القارة الأفريقية.
وحالياً يتغلغل في قارة أفريقيا خمس مجموعات إرهابية مسلحة شديدة الخطورة، ولديها صلات بتنظيم القاعدة، وهي: "بوكو حرام" في نيجيريا، و"القاعدة في المغرب الإسلامي" شمال الصحراء الكبرى، وحركة "الشباب المجاهدين" الصومالية، وحركة "أنصار الدين" السلفية الجهادية في مالي، وحركة "التوحيد والجهاد" في غرب أفريقيا.
1 ـ بوكو حرام: نشأت بوكو حرام في مدينة ميدوجوري في عام 2002 باسم بوكو حرام الذي جاء من اللغة المحلية (الهوسا) بمعنى "التعليم الغربي حرام" لأنه سبب انتشار الفساد في المجتمع الإسلامي، أي أن الجماعة نشأت لمناهضة انتشار التعليم الغربي الذي ألحق الضرر بآلاف المسلمين الذين يعانون البطالة والتهميش (كما يرى أنصار الحركة)، وكانت تضم مثقفين وأكاديميين. ومن هنا جاءت مواجهتها للحكومة التي سمحت بذلك، ومع استمرار اعتماد الدولة على المسار الأمني من دون غيره تصاعدت أعمال العنف من الجهة الأخرى حتى تحولت الجماعة لتنظيم متطرف وعنيف.
2 ـ حركة أنصار الدين: بعد سقوط نظام العقيد القذافي في ليبيا عاد إياد غالي (وكان قائداً قومياً قاد حركة تمرد على حكومة مالي وتم توقيع اتفاقية سلام بين حركته والحكومة عام 1992 ثم أرسلته الحكومة قنصلاً لها في جدة) إلى أزواد، حيث سلسلة جبال أغارغا، ثم بدأ في تجميع المقاتلين الطوارق نظراً لمكانته الاجتماعية وانتمائه القبلي.
3 ـ حركة الجهاد والتوحيد في غرب أفريقيا: ظهرت الحركة إثر انشقاق قادتها على تنظيم القاعدة، وقام بعض أعضائها بتأسيس كتائب خاصة بالمقاتلين من أبناء القبائل العربية في أزواد أسوة بسرية "الأنصار" في تنظيم القاعدة التي تضم المقاتلين الطوارق. وأعلنت الحركة أول بيان لها في أكتوبر 2011 معلنة الجهاد في أكبر قطاع من غرب أفريقيا، وتوصف بأنها "الجماعة الإرهابية المسلحة الأكثر إثارة للرعب في شمال مالي".
4 ـ القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي: جاء التنظيم امتداداً للجماعة السلفية للدعوة والقتال التي انشقت عن الجماعة الإسلامية المسلحة في عام 1997، اعتراضاً على استهداف الجماعة للمدنيين، وتركزت أعمال الجماعة في البداية على المواقع العسكرية، ولكن مع الاحتلال الأمريكي للعراق، تحولت للقيام بأعمال خطف الأجانب، ثم اتخذت أعمالها أبعاداً إقليمية خاصة بعد إعلان أيمن الظواهري عن تحالف القاعدة مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر، لتتحول إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
5 ـ حركة شباب المجاهدين في الصومال: ظهرت الحركة مستغلة أجواء عدم الاستقرار بالصومال، وتم استقطاب المؤيدين لمواقفها، وبدأت الارتباط بتنظيم القاعدة مع إنشاء عدد من معسكرات التدريب في دول القرن الأفريقي.
وختاماً، أشار المحاضر إلى أن البيئة في أفريقيا صالحة لاستمرار وتصاعد وتوغل الحركات الإرهابية، مضيفاً أن "التدخلات الغربية ما هي إلا ادعاءات غير حقيقية، فالغرب يعمل لمصالحة التي قد ترتبط باستمرار الإرهاب في المنطقة لضمان استمرار سيطرته على المصادر الأفريقية".