أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

أدوار متغيرة:

تأثير الفاعلين الخارجيين في أمن العالم العربي

17 أغسطس، 2014

أدوار متغيرة:

تشهد المنطقة العربية تحولات جذرية تعود لمرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي في عام 2003 بداية، تصاعدت خلالها أدوار الفاعلين الإقليميين، تركيا وإيران، في التفاعلات العربية ـ العربية، وفي القضايا الجوهرية كافة التي سيطرت على إقليم الشرق الأوسط، ثم بدأت تعرف المنطقة تحولات أخرى وظواهر جديدة لايزال بعضها قيد التشكيل، منذ اندلاع "الثورات العربية" في عام 2011 وحتى الآن، وهي مرحلة تشهد حالياً تغيراً ملموساً في أدوار الفاعلين الخارجيين بالمنطقة، لاسيما مع التقارب الأمريكي ـ الإيراني، وما يتركه من تداعيات متوقعة على مجمل تفاعلات الإقليم.

في هذا السياق استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الأستاذ/ مصطفى سالم، الخبير المتخصص في شؤون الأمن الإقليمي ومستشار الشؤون الأمنية، في محاضرة عامة، يوم الخميس الموافق 14 أغسطس 2014، ليلقي الضوء على أبرز التحولات في أدوار الفاعلين الخارجيين بالمنطقة العربية.

الاعتماد الأمريكي على تركيا

بدأ أ. مصطفي سالم حديثه بالتأكيد على أن المصالح الاستراتيجية الحيوية للولايات المتحدة في المنطقة العربية، والمتمثلة في حماية إسرائيل، والحيلولة دون امتلاك قدرات ردع عربية، وضمان تدفق النفط والحفاظ على الأنظمة القائمة، لم تتغير واقعياً بعد احتلال العراق في عام 2003، سوى ما يختص باستقرار النظم العربية الصديقة، حيث عمدت مراكز الفكر الأمريكية إلى وضع خطط متعددة لإعادة فك وتركيب المنطقة إلى دويلات يمكن التعامل معها بشكل أسهل.

وقد حاولت إدارة بوش الابن تحقيق تغيرات كبرى بالمنطقة من خلال مجموعة من المدخلات أبرزها محاولة إعلاء الفكر الشيعي على الفكر السني، وإحداث خلاف مذهبي، والسماح لإيران بتصعيد نفوذها الإقليمي، والضغط على مصر والسعودية وبعض الدول العربية من أجل الإصلاح السياسي، والسعي إلى عودة الراديكاليين الإسلاميين والإرهابيين الذين نسقت مع بعضهم واشنطن سابقاً في أفغانستان والبوسنة والهرسك وكوسوفو والجزائر إلى مواطنهم الأصلية، أملاً في التخلص من عقدة محاربة العدو البعيد.

لقد استمرت خلال هذه الفترة صفة إحكام القبضة الأمريكية على مجمل تفاعلات الإقليم، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية بشكل غير مسبوق،  وكانت تركيا هي الدولة التي اعتمدت عليها واشنطن خلال هذه الفترة، حيث قدمت تركيا نفسها باعتبارها النموذج الإسلامي الحداثي، ونجح رجب طيب أردوغان في إقناع الغرب بتسويق النموذج التركي باعتباره الأكثر اعتدالاً، ومن ثم بدأ التلاقي الأمريكي ـ التركي على دعم تيارات الإسلام السياسي، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، وأيد ذلك كل من بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا تحديداً، ليبدأ صعود التيارات الإسلامية مع بروز مفاهيم جديدة مثل الدمقرطة والشرق الأوسط الكبير في عام 2004/2005، بدعم كامل من تركيا التي أضحت أكثر تدخلاً في قضايا الإقليم المختلفة، مثل الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والعراق، ودعم ما تعتبره أنقرة وواشنطن تيارات "الإسلام السياسي" المعتدلة.

لقد شهدت هذه الفترة (2003 ـ 2011)، وفقاً للأستاذ مصطفى سالم، تحولين أساسيين، أولهما: تمدد نفوذ إيران حتى البحر المتوسط وتوسع نفوذها بشكل متوحش على حساب أطراف عربية وإقليمية بالمنطقة، في ظل خلاف محكوم حول ملفها النووي مع واشنطن وتل أبيب. وثانيهما: الاعتماد الأمريكي على تركيا بشكل أساسي في تنفيذ خطط الشرق الأوسط الكبير وتعزيز تيارات الإسلام السياسي، وأن تكون تركيا مدخلاً لترتيبات عسكرية وأمنية جديدة بالإقليم أبرزها الدرع الصاروخية، والأنشطة الاستخباراتية بالمنطقة.

إعادة توجيه الدور الإيراني

ويؤكد أ. مصطفى سالم على أنه بعد فترة وجيزة من اندلاع "الثورات" العربية، حدثت تحولات كبرى جديدة على مستوى تغير أدوار الفاعلين الخارجيين بالمنطقة العربية، فبعد أن فشل التحالف التركي ـ الإخواني عقب ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وعودة المحور المصري ـ الخليجي على أسس وثوابت أقوى مما كانت عليه، عرف الدور التركي انتكاسة هائلة سوف تستمر في التراجع خلال المرحلة المقبلة، لتعمد الولايات المتحدة إلى عدة أمور أبرزها: عدم التدخل العسكري في سوريا واستنزاف قدرات واحدة من الدول العربية الرئيسية في أتون صراع داخلي ممتد، ومحاولة علاج فشل الوكيل التركي عبر إعادة توجيه دور إيران بالمنطقة، ليس باعتبارها شرطي الخليج كما كان قبل الثورة الإيرانية عام 1979، ولكن بالعمل على خطوات متوازية تقود لاحتواء إيران، ثم العمل على تحويلها إلى الوكيل الجديد بالمنطقة بديلاً عن تركيا، وذلك عبر عدة خطوات، أبرزها:

1 ـ إضعاف المحور الإيراني بالمنطقة (سوريا وحزب الله وحركة حماس)، وفي سبيل ذلك يطول أمد الصراع الداخلي في سوريا، لأنه يستنزف قدرات هذا المحور، ثم خوض إسرائيل حرباً ضد حركة حماس لإضعافها رغم خروجها جزئياً من المحور الإيراني ـ السوري عقب الأحداث في سوريا.

2 ـ التوصل لاتفاق مع إيران يلجم طموحها النووي، وفي سبيل ذلك تم فرض عقوبات دولية وأمريكية أدت إلى إجبار إيران على التفاوض بجدية مع الغرب، لكنه تفاوض سوف يفضي إلى تفاهمات تؤدي لتعزيز الدور الإيراني بالمنطقة.

3 ـ استنزاف قدرات إيران في المشرق العربي، حيث الصراع السوري، وخروج حزب الله من معاقله اللبنانية، وإنهاك حماس، وهو ما يعني عودة إيران إلى منطقة الخليج باعتبارها منطقة نفوذها الأساسي بعد المشرق العربي والبحر المتوسط، وذلك كي تحدث توازنات جديدة لمضاهاة المحور المصري ـ الخليجي.

محددات أساسية لمستقبل التدخل الخارجي

وينتهي أ. مصطفى سالم إلى التأكيد على بعض الملاحظات، من أبرزها:

1 ـ توقع عدم وجود دور فاعل لتركيا خلال المرحلة المقبلة، إذ سوف ينشغل أردوغان في صراع سياسي داخلي حول الدستور الجديد، هذا علاوة على فقدان تركيا شعبيتها بالمنطقة عموماً، وضعف محورها المستند فقط على دولة قطر.

2 ـ توقع تصاعد الدور الإيراني في منطقة الخليج لتعويض خسارتها الإقليمية في المشرق العربي، حيث سوف تلعب إيران دور المهدد للأمن الخليجي، خصوصاً إذا فشل الاتفاق مع الولايات المتحدة أو تعطل تنفيذه في أي مرحلة لاحقة.

3 ـ ضرورة التعامل مع الحالة القطرية "شوكة قطر"، وفق المحاضر، حيث يجب العمل عربياً من أجل ضبط إيقاع قطر.

4 ـ الانتباه إلى استمرار التواجد الأمريكي بالمنطقة لكن مع مقايضة الملف النووي الإيراني بتعظيم نفوذ طهران في منطقة الخليج تحديداً.

5 ـ عدم الارتكان العربي إلى دور الفاعلين الجدد بالمنطقة، وتحديداً روسيا، فكما ثمة مصالح مشتركة حالياً، إلا أن مراجعة بسيطة للتاريخ القريب تؤكد أن روسيا، وقت الاتحاد السوفييتي، لم تكن هي الدولة التي يمكن الاعتماد عليها لتحقيق الاستقرار أو مصالح الدول العربية التي كانت متحالفة معها خلال الحرب الباردة. وما يحدث التوزان الإقليمي في الفترة القادمة ليس التخوف من قدرات إيران العسكرية التي لم يجر اختبارها أو التهوين من دورها الراهن والقادم، وليس الاعتماد على حلفاء دوليين بشكل كبير، بل العمل على تعزيز دعائم المحور الخليجي ـ المصري ـ الأردني والتوسع قدر الممكن في ضم دول أخرى، عربية وخارجية، تهدف إلى دعم الاستقرار بالمنطقة.

6 ـ إيلاء مزيد من الاهتمام لأمن منطقة البحر الأحمر، فهي منطقة نفوذ إسرائيلي وإيراني، بما يؤثر على الأمن العربي في منطقة تجارية حيوية (المحيط الهندي وبحر العرب)، فضلاً عن التأثير على الدولة اليمنية المعرضة للانقسام.

أخيراً، يؤكد المحاضر على أن إيران لاتزال مهدداً أساسياً، وليست منافساً، وأننا لانزال أمام إشكالية واضحة تتعلق بحدود الدور الإيراني المفترض، والذي يرتبط بالتنازلات المتبادلة ما بين واشنطن وطهران، وأننا أمام محور عربي يعمل على الحد من التدخلات الإقليمية بالمنطقة، ويحفظ التوازنات الإقليمية قدر الممكن، ويحفظ ما بقي من دول عربية تواجه تحديات داخلية جسيمة.