إعداد: هالة الحفناوي
نظم مركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة يوم 23 يونيو الماضي لقاءً عاماً تحت عنوان (شرق أوسط جديد: الاتجاهات الرئيسية التي تعيد تشكيل الإقليم)، ألقت فيه الأستاذة إيمان رجب، الباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام، والخبير المشارك بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، الضوء على أبرز المتغيرات والتفاعلات السياسة والأمنية الجارية في المنطقة في الوقت الراهن، وأشارت إلى الظواهر والاتجاهات الأساسية التي سوف تساهم في إعادة تشكل المنطقة.
وأكدت المحاضرة أن التغيرات الراديكالية والسريعة التي يشهدها إقليم الشرق الأوسط تزيد من تعقيد وصعوبة عملية التنبؤ بمستقبل المنطقة حتى بالنسبة للباحثين الأكثر تخصصاً في شؤون الشرق الأوسط، فثمة تحولات تجري على مستوى الدولة الواحدة، بل وداخل بعض أقاليمها، وثمة صراعات سياسية تجري على المستوى الإقليمي، وتغيرات على مستوى الفاعلين الدوليين بالمنطقة تشهد دخول أطراف جديدة، مثل روسيا والصين وبعض القوى الآسيوية وتنامي اهتمامهم بما تمر به المنطقة، نظراً لتأثير ذلك على مصالحهم الأمنية والاقتصادية، والتي من أبرزها ضمان استمرار تدفق الواردات النفطية.
إقليم يتلاشى فيه الاستقرار
وقد حددت المحاضرة أهم الاتجاهات العامة والتطورات الجارية في الإقليم، والتي يمكن من خلالها استقراء مستقبله، إذ تشير الأحداث إلى بعض المقولات التي استقرت في الكتابات والدراسات التي تتناول الشرق الأوسط، ومن أبرزها:ـ
أولاً: إقليم غير مستقر، فقد تجلت حالة عدم الاستقرار في إطار الاضطرابات العديدة التي تمر بها المنطقة. وبحسب دراسة صدرت عن معهد هيدلبرجHeidelberg Institute for International Conflict
Research ارتفع معدل الصراعات في منطقة الشرق الأوسط في عام 2013 ليصل إلى 71 صراعاً، وذلك مقارنة بـ 69 في عام 2012، و65 صراعاً في عام 2011. ويلاحظ أن هذه الصراعات تعود إلى أسباب سياسية داخلية، فهي تتراوح بين صراعات على السلطة وأخرى لأسباب خاصة بمحاولة السيطرة على إقليم معين.
ثانياً: صعوبة التنبؤ بتفاعلات الإقليم أو تحديد مسارها، حيث لا تقتصر التفاعلات فقط على مستقبل الدولة القومية، بل تمتد أيضاً إلى التفاعلات بين الدول في الإقليم، وكذا التفاعلات بينها وبين القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة وروسيا.
وأمام هذه المتغيرات العديدة، فإن إقليم الشرق الأوسط لا يزال تحت إعادة التشكيل، وهي عملية ربما تطول لأنها تتوقف على مواقف الفاعلين الرئيسيين وعلى نمط التفاعلات داخل الإقليم، والتي تتسم بأنها تجمع بين التفاعلات التعاونية والصراعية في آن واحد. ولذا فإن ثمة صعوبة في تحديد أي مسار مستقبلي للصراعات الراهنة وللمخرجات النهائية للمراحل الانتقالية.
التطورات الرئيسية في إقليم الشرق الأوسط
تم تحديد مجموعة من التطورات الرئيسية التي شهدها الإقليم في السنوات الأخيرة، والتي تعد بمنزلة مفاتيح أساسية قد تحدد مسار الإقليم في الفترة المقبلة، وأبرزها:ـ
1 ـ تزايد دور الفاعلين المسلحين من غير الدول: يقصد بهم أي كيان لديه تنظيم واضح المعالم مستمر في الوجود فترة من الزمن ونشط وله نصيب من السلطة في البلد الموجود به، مثل حزب الله وحماس. وقد انعكس تزايد تأثير هؤلاء الفاعلين في ظل حالة الصراع التي تشهدها المنطقة. فبحسب دراسة معهد هيدلبرج، فإن الفاعلين من غير الدول هم السبب في 75% من الصراعات التي تشهدها المنطقة. ويطرح ذلك تحدياً كبيراً للمنطقة حيث يرتبط مستقبل الدولة بتطلعات وتوجهات هؤلاء الفاعلين، كما تطرح هذه التفاعلات تساؤلات حول مستقبل الدولة، بمعنى تركيبة الدولة ودورها.. هل ستظل هي الفاعل الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط؟ وما هي طبيعة علاقاتها مع الفاعلين من غير الدول؟ وهل تستطع دمجهم أم تنعزل عنهم وتحاول تصنيفهم بأنهم جماعات إرهابية مسلحة؟
2 ـ تراجع فرص وقوع الحروب الكبرى في الإقليم: فقد تراجعت التوقعات بشأن احتمالات وقوع هجمات عسكرية في المنطقة، خاصة بعد المفاوضات الإيرانية ـ الأمريكية في عام 2013، والتي كان يسبقها احتمال وقوع حرب خليجية رابعة. وتجلى هذا التطور أيضاً في الموقف الأمريكي من الصراع في سوريا، فعلى الرغم من الاستعدادات والتهديدات التي تمت من الجانب الأمريكي بتحريك القوات تجاه سوريا، فإنه بمجرد تدخل روسيا وموافقة النظام السوري على تفكيك سلاحه الكيماوي، انتهت احتمالات التدخل العسكري.
3 ـ التحالفات البرجماتية: فلم يعد الانتماء الأيديولوجي هو الحاكم لتفاعلات إقليم الشرق الأوسط، بل البرجماتية والمصالح، حتى وإن كان ذلك على حساب تبني سياسات ضد أيديولوجية الدولة ذاتها.
اتجاهات تعيد تشكيل الشرق الأوسط
في إطار تلك التطورات الثلاثة الرئيسية، أشارت أ. إيمان رجب إلى خمسة اتجاهات قد تكون هي الأكثر أهمية في تحديد مسار الشرق الأوسط خلال الفترة القادمة وهي:ـ
1 ـ التحول في مركز الثقل السياسي في الإقليم: كانت مراكز الثقل في الإقليم قبل مرحلة "الثورات العربية" مرتبطة بمصر وسوريا وقطر، وقد اختلفت الخريطة بعد تلك الثورات، فأصبحت دول الخليج هي الأكثر تأثيراً في المنطقة، ليس لأسباب الوفرة المالية فقط، ولكن أيضاً بسبب قدرتها على إنشاء شبكات على المستوى الدولي كانت الأكثر تأثيراً من أي شبكات أخرى في إقليم الشرق الأوسط، وكذلك لدى دول الخليج القدرة على استخدام الوسائل الدبلوماسية كافة القادرة على تحقيق مصالحها بالدرجة الأولى.
ويرتبط بالتحول في مراكز الثقل السياسي مجموعة من الظواهر أو الاتجاهات الفرعية منها أن الأدوار الإقليمية في الشرق الأوسط تمر بإعادة تشكل، فهناك أدوار لبعض الدول الصغيرة على حساب أدوار الدول الكبيرة، بل إن ثمة إعادة لتعريف الدولة الكبيرة بعد الصراع المسلح الدائر في سوريا وما تمر به العراق من صراع مسلح بعد سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على بعض مدن العراق.
2 ـ اهتزاز الهيمنة الأمريكية على إقليم الشرق الأوسط: كانت الولايات المتحدة الأمريكية محدداً أساسياً في مسار الشرق الأوسط، إلا أنها اليوم ليست المحدد الدولي الوحيد، فثمة مؤشرات عديدة تؤكد تراجع هذه الهيمنة الأمريكية، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء تغير الأولويات والسياسات الأمريكية في المنطقة التي أصبح يحكمها عاملان أساسيان، أولهما عدم الانخراط العسكري في أي صراع في المنطقة، وثانيهما انتهاج سياسة "القيادة من الخلف"، بمعنى أنه ليس من الضروري التدخل المباشر، بل من خلال مجموعة من الحلفاء الإقليمين الذين تثق فيهم واشنطن. ولا شك أن تراجع الدور الأمريكي يرتبط بشكل آخر بصعود أدوار محتملة لقوى أخرى منها الصين والهند.
3 ـ كيفية التعامل مع الفاعلين المسلحين من غير الدول: أصبح من الواضح أن معظم القوى الفاعلة في الإقليم بدأت تدرك أن الاستقرار في المنطقة لن يتم إلا من خلال الانخراط مع الفاعلين من غير الدول المسلحين الممثلين في الحكومات، وتظل الإشكالية في هؤلاء الفاعلين أن ثمة مواقف جديدة لتيارات أكثر راديكالية وتطرفاً وإرهاباً مثل "داعش" تعمل على السيطرة على الأرض وتصيب معظم دول المشرق العربي بحالة أكثر حدة وخطورة من عدم الاستقرار.
4 ـ انتشار القدرات النووية في إقليم الشرق الأوسط: يرتبط ذلك بصورة أساسية بعملية التقارب التي تتم بين إيران وواشنطن، إذ لم يضع الاتفاق قيوداً على إيران تمنعها من تطوير قدراتها النووية مستقبلاً، بل حدد القدرات النووية الإيرانية وعدد المفاعلات النووية ونسبة التخصيب، وهذا يطرح في حد ذاته تساؤلات سابقة بشأن سعي بعض الدول في المنطقة إلى تملك قدرات نووية، لاسيما في ظل التوجه الجديد لدول المنطقة نحو امتلاك قدرات نووية سلمية، بما يعني أن الحديث عن احتمال انتشار القدرات النووية في الإقليم لا يزال مطروحاً.
5 ـ نمط التحالفات السائد في الإقليم "التحالفات المرنة": فبالرغم من أن هناك خلافات بين بعض الدول، إلا أنها تهتم بالتنسيق مع بعضها البعض ووضع سياسات مشتركة، ويتسم هذا النوع من التحالفات بارتباطه بقضية معينة يوجد حولها تقاطع في المصالح، من دون أن يعني ذلك بالضرورة وجود مصالح في المجالات الأخرى. غير أن هذا النوع من التحالف لا يوجد له إطار مؤسسي أو معاهدة يتم توقيعها، وبالتالي فهو تحالف مرن يمكن التراجع عنه بسهولة، وهو أقرب لتحالف الضرورة، حيث تميل له الدول في المواقف التي لا تستطيع فيها الوصول إلى مصالحها بالاعتماد الذاتي، ومن ثم تدخل في تحالف مع دول أخرى.