نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ورشة عمل، يوم 19 نوفمبر 2014، لمناقشة التحديات التي تواجه استطلاعات الرأي العام في المنطقة العربية. وقد أدار هذه الورشة الدكتور ماجد عثمان، المدير العام للمركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، للحديث حول "اتجاهات الرأي العام في المنطقة العربية".
تولى دكتور ماجد عثمان رئاسة مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري في الفترة من يناير 2005 إلى يناير 2011، وهو من أصحاب الإسهامات في تطوير قياسات استطلاعات الرأي العام في المنطقة العربية.
تطرق دكتور عثمان خلال ورشة العمل إلى عدة قضايا رئيسية، منها أهمية استطلاعات الرأي العام، والصعوبات التي تواجهها في المنطقة العربية، مشيراً إلى أن استطلاعات الرأي تجري في معظم الديمقراطيات العريقة منذ سنوات طويلة، فقد بدأت في الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف القرن الماضي، وتهدف إلى معرفة اتجاهات تصويت الناخبين للمرشحين المختلفين، كما أنها تفيد في فهم خصائص الذين سيصوتون لكل مرشح، ومعرفة الفئات العازفة عن المشاركة في العملية الانتخابية؛ مما يساعد كل مرشح على إعادة صياغة خطابه وتصحيح حملته الانتخابية لاجتذاب هذه الفئات. كما تمثل استطلاعات الرأي من ناحية أخرى ضرورة لصانعي القرار، لمعرفة اتجاهات الرأي العام السائدة تجاه قضايا أو أحداث جارية، مما يساعد على صياغة البدائل التي يمكن أن يتقبلها الجمهور.
أهمية استطلاعات الرأي العام
أكد الدكتور عثمان أن أهمية استطلاعات الرأي العام تكمن في قدرتها على ملاحقة سرعة التغيير في المجتمعات، وفهم التقلبات السريعة التي تطرأ على الرأي العام، فضلاً عما تتميز به من قدرة على التنبؤ بالأحداث القادمة، وتوضيح الفارق بين الحقائق والمدركات، فالوقائع تحدث، أما إدراك الناس لها قد يختلف. وقد عبر المحاضر عن ذلك بمقولة " Facts are facts but perception is reality".
من جانب آخر تساعد استطلاعات الرأي في فهم حالات عدم التجانس في المجتمعات، وهو ما يساعد صانع القرار في اتخاذ إجراءات استباقية للتعامل مع الأحداث منعاً لتطورها أو لتفادي
وقوعها، والتعامل مع الجمهور بطريقة فعالة تضمن احتواء الرأي العام وتجنب الأزمات المحتملة والتعامل معها بكفاءة.
وضرب دكتور عثمان مثالاً على ذلك بحالة مصر قبل ثورة 25 يناير 2011، حيث ساهمت مساحة حرية التعبير المسموح بها بإجراء عدد من استطلاعات الرأي العام في مصر، من خلال مجلس الوزراء ذاته، ورغم أن هذه الاستطلاعات كانت توضح درجة عالية من عدم الرضا لدى الجمهور تجاه أداء الوزراء وأعضاء البرلمان، والغضب من انتشار الفساد بالمؤسسات الحكومية، لاسيما بين أوساط الشباب والقطاعات الأكثر تعليماً؛ فإن كل ذلك لم تقابله استجابة سريعة من النظام الحاكم.
استطلاعات الرأي والقدرة على التنبؤ
وحول قدرة استطلاعات الرأي العام على التنبؤ بالمستقبل، أشار المشاركون بورشة العمل إلى أن دورها يكمن بالدرجة الأولى في رصد الواقع ومحاولة تفسير تعقيداته خلال فترة الاستطلاع، بمعنى أنه يعرض مثلاً نسبة تأييد المرشحين المتنافسين في سباق الرئاسة في يوم معين. ويعرض بالتحليل للتفاوتات الجغرافية والتفاوتات بين الشرائح الاجتماعية مثل النوع والعمر والحالة التعليمية والمستوى الاقتصادي. وتعتمد قدرة هذه الاستطلاعات على التنبؤ، وهو ما يتوقف على العديد من العوامل الفنية، من أهمها مدى تمثيل العينة للمجتمع محل الاهتمام والدراسة.
كما أن طبيعة السباق الانتخابي نفسه لها أهميتها الكبيرة، فالقدرة على التنبؤ تكون أكثر صعوبة كلما زاد التقارب بين المرشحين المتنافسين. وترتبط دقة التنبؤ في المقام الأول بدرجة الاطمئنان التي يشعر بها الناخب حيال الإفصاح عن رأيه، وهو ما يتحقق بشكل أكبر في الدول الديمقراطية العريقة.
وهنا يجب الرجوع إلى المحددات التي تشير إلى قدرة استطلاع ما للرأي العام على النجاح في تأدية المطلوب منه، ألا وهو معرفة توجهات غالبية المبحوثين، وتحليلها، والتنبؤ وفق ذلك. وتتمثل هذه العوامل في: المناخ العام، وطبيعة المستجيب، والمتلقي، والحكومة. فالمناخ العام الصحي يسمح بإجراء استطلاعات رأي ناجحة، وهو ما يتوقف بدوره كذلك على كل من المستجيب، أي مجتمع المستطلعة آراؤهم، وما إذا كانوا يشعرون بمناخ من الحرية والقدرة عن التعبير عن رأيهم، والمتلقي الذي يحلل هذه النتائج بحيادية وتجرد، وأخيراً الحكومة باعتبارها الجهة المنوط بها اتخاذ سياسات ما بما يتوافق مع ما تظهره استطلاعات الرأي من نتائج وخلاصات تجاه قضية معينة.
تحديات تواجه استطلاعات الرأي العام العربية
وفي تساؤل خاص حول التحديات التي تواجهها عملية استطلاعات الرأي العام في المنطقة العربية، أوضح الدكتور ماجد عثمان أن هناك عدة تحديات، من أبرزها البيئة المحيطة والتي تشمل القيود الأمنية على إجراء استطلاعات الرأي العام، واستقلالية مراكز استطلاعات الرأي العام، وتوفر الاعتمادات المالية والكوادر البشرية اللازمة للقيام بعملية الاستطلاع، فضلاً عن التحديات التي يطرحها المستجيب نفسه، والتي تتعلق بخوفه من التعبير عن الرأي والخلط في الإجابة على تساؤلات الاستطلاع بين الواقع والتطلعات، وأخيراً الطريقة التي يتلقى بها المستجيب نتائج الاستطلاع، موضحاً أن الإشكالية الرئيسية التي تحيط باستطلاعات الرأي العام عموماً، وباستطلاعات الرأي العام المتعلقة بانتخابات الرئاسة خصوصاً، تكمن في الحكم على الاستطلاعات من خلال نتائجها، فعادة ما تأتى نتائج الاستطلاعات لصالح طرف ما وضد طرف آخر؛ ما يترتب عليه التشكيك من الطرف المتضرر.
من جانب آخر، فإن المتلقي لنتائج استطلاعات الرأي العام يتعاطف عادة معها، إذا توافقت مع توقعاته، ويفتر تعاطفه إذا جاءت النتائج مخالفة لهذه التوقعات، مع التسليم بأن رد الفعل غیر الموضوعي هو أمر غير مستغرب في حالات كثيرة، لأن المتلقي – في هذه الحالة - يرى أن رأيه هو المرجعية التي يقاس عليها رأى المجتمع وليس العكس.
وفيما يتعلق بتجربة مركز استطلاعات الرأي العام، بمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، أوضح الدكتور ماجد عثمان أن هذا المركز كان الأول من نوعه في استخدام الهاتف في عملية قياس الرأي العام، ليس فقط في مصر ولكن في المنطقة العربية، التي افتقرت لسنوات طويلة لمؤسسات تستخدم الأساليب العلمية في قياس الرأي العام، واقتصرت قياسات الرأي العام فيها على الأجهزة الأمنية، التي لا تتيح هذه القياسات - بحكم طبيعة عملها - إلا لدائرة محدودة، مشيداً بنجاح تجربة مركز المعلومات في إعداد عدة استطلاعات توضح اتجاهات الرأي العام المصري.
ختاماً، أوضح دكتور عثمان أن ثمة عدة اعتبارات أخلاقية لقياس الرأي العام منها ضمان سلامة المستجيب وعدم تعريضه للخطر، وضمان الحفاظ على خصوصيته، وضمان حق المواطن في المعرفة، فضلاً عن ضمان حق المستجيب في المعرفة والشفافية في التعامل معه. فاستطلاعات الرأي العام هي أحد أركان الإصلاح السياسي لأنها تسهم في تحقيق مبدأ المساءلة من خلال الاهتمام برأي المواطن في أداء أجهزة الدولة وكفاءة تقديم الخدمات، وهي تساهم في تحقيق مبدأ المشاركة من خلال التعرف على رأي المواطن في التعامل مع المشكلات التي تواجه المجتمع، بحيث يصبح جزءاً من الحل وليس جزءاً من المشكلة، وهي كذلك تساهم في تحقيق التوافق المجتمعي من خلال إيجاد الحوار حول القضايا المطروحة والسياسات المطبقة والسياسات التي تعتزم الحكومات تطبيقها.