عقد مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، حلقة نقاشية، يوم 13 مايو 2015، تحت عنوان: "التحولات الحالية في أعمال الإرهاب وأساليب مواجهته في المنطقة العربية"، وكان المتحدث الرئيسي للحلقة هو اللواء: صلاح الدين الشربيني، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، وعضو المجلس الأعلى للشرطة.
وقد عقب على ورقة العمل الرئيسية كل من اللواء الدكتور شوقي صلاح، عضو هيئة التدريس بأكاديمية الشرطة ومستشار التدريب الأمني؛ والدكتور محمد عبدالسلام، المدير الأكاديمي لمركز المستقبل.
ناقشت الحلقة عدة محاور مختلفة، منها أبرز الجماعات الإرهابية والمتطرفة الرئيسية في المنطقة العربية، وتطور أعمال الإرهاب في المنطقة، وأساليب مواجهة الإرهاب بالمنطقة، وتقييم عام للموقف الرهن.
وقد خلصت الحلقة النقاشية إلى مجموعة من الاتجاهات الأساسية، من أبرزها:
أولاً: إن السمات الجديدة لظاهرة الإرهاب بالمنطقة هي امتداد لإرهاب تنظيم القاعدة بشكل ما، فقد نشأ الإرهاب منذ زمن طويل، وأخذ بعض الصور مثل أعمال القرصنة وقطع الطرق، لكن الإرهاب في طابعه الديني أخذ بعداً دولياً تمثله تنظيمات مثل "القاعدة" و"داعش".
ثانياً: إن السمة المشتركة، لكنها الأبرز عند "داعش"، أن أمر الإرهاب قد تطور بشكل كبير حينما ظهرت مجموعات منظمة لها فكرها المستقل، وأهدافها، وبات لها إعلامها الخاص، بل وسيطرت على مساحات من الأراضي وشكلت ما يشبه "الدولة".
ويحمل هذا الأمر أخطاراً شديدة لأن هذه التنظيمات، "داعش" تحديداً وبعض التنظيمات في سوريا مثل جبهة النصرة ومجموعات إرهابية سابقة في شمال مالي، بدأت تمارس دور "الدولة"، حيث الأرض والشعب والسلطة. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل امتد عبر الحدود، وحاز دعماً مالياً وبشرياً، وبذلك بات الواقع الحالي يفرض على الدول الانتقال من كونها في حالة صراع مع الإرهاب إلى دخولها في حالة حرب عليه، وهي تمثل في جوهرها حرب بين الخير والشر.. بين النور والظلام.. بين الحضارة والفوضوية.
ثالثاً: ثمة بعض الظواهر الجديدة التي طرأت على أعمال الإرهاب وعلى طبيعة التنظيمات الإرهابية، من أبرزها: أن غالبية التنظيمات الإرهابية باتت عابرة للحدود، ولم يعد يكتفِ الكثير منها بالطابع المحلي. كما برزت ظاهرة المقاتلين الأجانب في صفوف هذه التنظيمات، خصوصاً في سوريا والعراق. والأكثر خطراً أن هناك دولاً تتعامل مع هذه الجماعات بشكل مستمر لتحقيق أهدافها السياسية.
رابعاً: تعرف المنطقة العربية اليوم أشكالاً مختلفة من الإرهاب وجماعاته، فنحن أمام إرهاب شديد الهيكلية والتنظيم مثل "داعش" و"النصرة" و"القاعدة"، وأمام إرهاب عشوائي وبدائي أيضاً، حيث تنتشر في المنطقة العربية وغيرها ظاهرة الإرهاب الفردي أو الذئاب المنفردة، أو الإرهاب بدون قيادة أو هيكل. ويحمل كل من النوعين أفكاراً متشابهة حتى لو اختلفت الذرائع الدينية والسياسية.
خامساً: لم يعد من الممكن تفسير تعقد وانتشار التنظيمات الإرهابية وفق أسباب دينية ـ أيديولوجية فقط، ولا وفق أسباب تتعلق بالظروف الاقتصادية والاجتماعية وحدها، فالإرهاب أيضاً "ظاهرة سياسية" في بعض الحالات، خاصة في العراق وسوريا؛ كما يتضح في تنظيم "داعش" الذي يضم قيادات بعثية ضمن هياكله القيادية، كما يجد حاضنة اجتماعية، ولو نسبياً، بسبب التهميش الذي مارسته الحكومة العراقية ضد السنة.
سادساً: إن السبب الأبرز في انتشار ظاهرة الإرهاب خلال السنوات الأخيرة يتمثل في ضعف الدولة العربية منذ اشتعال "الثورات"، فضعف الدولة وفقدان سيطرتها على جزء من أراضيها يقوي ويدعم الإرهاب، ولذا فإن استعادة قوة الدولة يمثل أبرز الأطر المهمة لمواجهة الظاهرة في الوقت الراهن.
سابعاً: تمثل وحدة أفكار المجموعات الإرهابية عبر الإقليم تحدياً فكرياً، فغالبية الإرهابيين اليوم يعملون تحت مسمى "داعش"، إذ أصبحت بعض هذه التنظيمات جاذبة للعناصر المتطرفة. وخير مثال على ذلك، أندريس بريفيك، الإرهاب النرويجي "غير المسلم" الذي هاجم برلمان بلاده، حيث قال أمام المحكمة إن "تنظيم القاعدة" ألهمه بارتكاب هذه الجرائم.
ثامناً: تتمثل أبرز إجراءات مكافحة الإرهاب في ثلاثة أنواع أساسية، وهي:
أ ـ إجراءات وقائية، فمن المهم مواجهة أسباب الإرهاب حتى يمكن اجتثاث الظاهرة من جذورها، والقضاء على مسبباتها وهي: الجهل والفقر والظلم، ومعالجة الفكر المتطرف من خلال الإعلام التوعوي والدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدينية، وكافة الإجراءات الأخرى التي يمكن أن تقوم بها الدولة في هذا الاتجاه؛ وهو ما يعني تجفيف منابع الدعم المادي واللوجيستي كإجراء وقائي.
ب ـ إجراءات احترازية، من خلال مراقبة الموانئ وكثافة إجراءات أمن الحدود، وزيادة نقاط التفتيش الأمنية، خاصة داخل المدن.
ج ـ إجراءات المواجهة، وهي إجراءات لا تتوقف على النواحي الأمنية، بل يجب أن تتم بتفاعل مجتمعي ومشاركة مجتمعية بين المواطنين وأجهزة الأمن. كما يجب أن يكون هناك تعاون دولي في هذا الصدد، لأن الدول منفردة لا يمكنها التصدي لهذا الخطر.
تاسعاً: تنتهج بعض الدول العربية الآن سياسات مختلفة على المستوى الداخلي لمواجهة الخطر الإرهابي، ومنها إصدار قوانين الكيانات الإرهابية أو وضع قوائم بالتنظيمات الإرهابية، والعمل على منع وصول الأموال إليها، علاوة على العمل على إحداث اختراق صعب في قضية تجديد الخطاب الديني من خلال تفعيل دور مؤسسات الدولة في هذا الإطار. هذا علاوة على خوض حرب لامتماثلة مع هذه التنظيمات في مناطق عديدة بالمنطقة، كما يحدث في شبه جزيرة سيناء وليبيا وغيرها.
ومع ذلك يجب على كافة الدول أن تنتهج إجراءات أكبر فيما يتعلق بتعزيز السرية في الحرب على الإرهاب، والتحفظ على كل أموال من تثبت علاقتهم بتنظيمات إرهابية وليس جزءاً منها فقط، وضرورة تعزيز المشاركة المجتمعية بشكل أكبر، وبذل مزيد من الجهود لحل الخلافات أو الصراعات السياسية الداخلية.
من جانب آخر، ثمة ضرورة لإعادة النظر في التجارب الخاصة بالمراجعات الفكرية والمناصحة لأصحاب الفكر المتطرف، إذ تشير تجربة المراجعات الفكرية التي تمت في السجون المصرية خلال حقبة التسعينيات، والتي استهدفت قادة الجماعة الإسلامية وبعض قادة تنظيم الجهاد، إلى أنه رغم وجود إيجابيات لهذه التجربة؛ فإن نتائجها كانت محدودة. فمع أنه قد تم إتاحة الفرصة لهؤلاء للاطلاع على أمهات الكتب الدينية ومؤلفات العديد من الفقهاء والعلماء المعاصرين، وجرت بعض التعديلات على أسلوب معاملتهم داخل السجون؛ مما دفع قياداتهم إلى تبني قرار وقف العمليات القتالية ضد الدولة، بإعــلان مبادرة غير مشروطة بوقف نهائي وكامل لكل أشكال العنف داخل وخارج مصر؛ إلا أنه حينما سنحت الفرصة للعديد منهم عادوا مجدداً إلى استخدام العنف.
عاشراً: تتطلب جهود مكافحة الإرهاب على المستوى العربي إدراك أن التنظيمات الإرهابية الآن لا تستقر في مكانها، بل إنها عملت على توسيع نطاق امتدادها الجغرافي، ولذا فإن الإجراءات العربية المشتركة تعتبر جوهرية لمكافحة الإرهاب. وربما تؤدي تجربة العمل العسكري العربي المكون من "تحالف الراغبين" في اليمن، إلى مزيد من التنسيق العربي لمواجهة تنظيمات إرهابية في مناطق أخرى. كما يمكن تعزيز عمليات تبادل المعلومات وإمداد الدول بعضها البعض بالدعم اللوجستي والتسليحي لمواجهة الإرهاب العابر للحدود.
أخيراً، خلصت حلقة النقاش إلى أن الطريقة الأنسب للتعامل مع خطر الإرهاب الآن تتمثل في خوض حرب ضارية ضده، لأن الأمر بات يتعلق ببقاء بعض الدول، وبسيادة دول أخرى، وبتهديدات عابرة لدول المنطقة العربية.