في ضوء الانتخابات الرئاسية التي يشهدها عدد من دول المغرب العربي، وتحديداً الجزائر في 7 سبتمبر 2024، ثم تونس في 6 أكتوبر المقبل؛ عقد مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة"، حلقة نقاشية تناولت تحليل نتائج الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في الجزائر، وكذلك استشراف المسارات المُحتملة للانتخابات الرئاسية التي ستُعقد في تونس الشهر المقبل. وكان المتحدث الرئيسي في الحلقة الدكتور أبو الفضل الإسناوي، مدير تحرير مجلة السياسة الدولية بالأهرام والخبير المتخصص في شؤون دول المغرب العربي، وأدارها حسام إبراهيم، المدير التنفيذي لمركز "المستقبل"، وذلك بمشاركة وحضور خبراء وباحثي المركز.
أولاً: الانتخابات الرئاسية الجزائرية
أعلنت المحكمة الدستورية الجزائرية، يوم 14 سبتمبر الجاري، فوز الرئيس عبد المجيد تبون بولاية ثانية بعد حصوله على 84.30% من الأصوات في الانتخابات التي عُقدت في 7 سبتمبر الجاري؛ أي بإجمالي ثمانية ملايين صوت من أصل 11.2 مليون ناخب، وبنسبة مشاركة بلغت 46.1%. وعقَّب الإسناوي على نتائج هذه النتائج والأحداث المرتبطة بها، من خلال التطرق إلى النقاط التالية:
1- سياقات الانتخابات: شهدت الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية الجزائرية عدداً من التحولات على المستويات السياسية والاقتصادية، وكذلك على مستوى العلاقات الخارجية، أثّرت بشكل مباشر في فرص الراغبين في الترشح، وفي اتجاهات التصويت، وغيرها من المؤشرات المرتبطة بالعملية الانتخابية، وحددها الإسناوي في الآتي:
أ- تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية: أسهمت الإنجازات التي حققها الرئيس تبون في بعض الجوانب الاقتصادية، بشكل إيجابي، في رفع نسبة المشاركة قليلاً في هذه الانتخابات؛ إذ نجح في استرداد نحو 30 مليار دولار من الأموال المنهوبة، كما أعلن عن سعيه لإعادة 300 مليار دولار أخرى، بالإضافة إلى تراجع نسبة التضخم ليصل إلى 5% في الربع الأول من عام 2024 مقارنةً بـ9.3% في 2023.
ب- تقديم موعد الانتخابات: أسفر تقديم موعد الانتخابات الرئاسية الجزائرية إلى 7 سبتمبر الجاري، بدلاً من موعدها الذي كان مُقرراً في ديسمبر المقبل، عن انخفاض نسبة المتقدمين للترشح، إذ بلغ عددهم 35 متقدماً. ولم يستطع سوى 16 مرشحاً منهم استكمال الملفات القانونية المطلوبة وتقديمها إلى السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات؛ وهي الهيئة المنوط بها إدارة العملية الانتخابية، والتي قامت بدورها بتقديمها للمحكمة الدستورية، والتي أعلنت عن قبول ثلاثة مرشحين فقط لخوض السباق الرئاسي، واستبعاد شخصيات أخرى وازنة سياسياً واجتماعياً، والثلاثة هم: الرئيس تبون، وعبد العالي حساني شريف مرشح التيار الإسلامي، ويوسف أوشيش مرشح اليسار.
ج- تحالف تبون مع أحزاب السلطة: تحالفت حملة الرئيس تبون مع الأحزاب التقليدية أو ما يُعرف بـ"أحزاب السلطة"؛ وعلى رأسها حزبي "التجمع الوطني الديمقراطي" و"جبهة التحرير الوطني"، بالإضافة إلى ثلاثة من الأحزاب الإسلامية المُنشقة عن "حركة مجتمع السلم" و"حركة النهضة"، وهم: حزب "البناء الوطني" بقيادة المرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة، وحزب "تجمع أمل الجزائر"، و"حركة الإصلاح الوطني". وهنا تجدر الإشارة إلى أن الشراكة في الدعاية لتبون بين أحزاب السلطة وبعض الأحزاب الإسلامية التي رفضها الحراك بعد رحيل عبد العزيز بوتفليقة، ربما تسببت في تراجع كتلة الشباب التي تمثل 36% من الهيئة الناخبة في الداخل الجزائري عن التصويت.
2- دلالات النتائج: استعرض الإسناوي أبرز الدلالات المرتبطة بنتائج الانتخابات في الجزائر، على النحو التالي:
أ- انتقال الكتلة التصويتية للإخوان إلى الأطراف: تشير الأرقام الخاصة بالانتخابات إلى ارتفاع نسبة التصويت لمرشح التيار الإسلامي في المحافظات النائية؛ ما يعني أن هذا التيار ينشط في المناطق النائية التي تركتها الأحزاب القديمة التي تأسست في هذه الولايات، حيث حصل حساني شريف على أعلى أصوات في ولاية تندوف التي تقع بالقرب من حدود المغرب وموريتانيا والصحراء، وولاية إليزي الواقعة في أقصى جنوب شرقي الجزائر، ثم ولاية الوادي الواقعة في شمال شرقي الجزائر.
ب- تفتت أصوات التيار الإسلامي: بالنظر إلى نتائج الانتخابات؛ يتضح تراجع نسبة الأصوات التي حصل عليها المرشح الإسلامي حساني شريف بالمقارنة بالرئيس تبون في الولايات التي يتمركز فيها الإخوان؛ وهو ما يؤشر على انقسام واضح داخل تيار الإخوان، كما يُعد في الوقت ذاته دليلاً على التزام رؤساء الأحزاب الإسلامية (البناء الوطني، والإصلاح الوطني، وتجمع أمل الجزائر) بدعمهم للرئيس تبون، خاصةً بن قرينة.
ج- تراجع تأثير أحزاب اليسار في مناطقها الجغرافية: هناك نسبة محدودة للغاية من الأصوات حصل عليها يوسف أوشيش في المحافظات الـ13 التي تتمركز فيها أحزاب اليسار، مُتمثلة في حزب "القوى الاشتراكية"، وحزب "العمال"، وغيرهما من الأحزاب ذات التوجه اليساري؛ وهو ما يعني ضعف وجود وتأثير هذه الأحزاب وسط مناطقها الجغرافية. في حين صوّت سكان هذه الولايات بكثافة لصالح الرئيس تبون.
د- تصويت الأمازيغ لمرشح اليسار: كان لافتاً أن المناطق التي يسكنها الأمازيغ هي الأكثر تصويتاً لأوشيش، بالمقارنة بباقي ولايات الجزائر. وتجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من شباب الأمازيغ كانوا من مُحركات حراك فبراير 2019؛ ومن ثم رفضوا سياسات تبون وتحالفه مع أحزاب السلطة وأخرى إسلامية.
3- سياسات مُحتملة: من المُرجح أن يتبنى الرئيس تبون، في ولايته الثانية، عدداً من السياسات على المستويين الداخلي والخارجي، على النحو التالي:
أ- تحسين الوضع الاقتصادي: من المُتوقع أن يركز تبون على تحسين الأوضاع المعيشية للجزائريين، وتنويع الاقتصاد، بالإضافة إلى العمل على وضع خطة عاجلة لجذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
ب- متابعة ملف الأموال المُهربة: في ضوء أهمية هذا الملف بالنسبة للاقتصاد الجزائري عموماً وللرئيس تبون أيضاً؛ فمن المُحتمل أن ينصب اهتمام تبون وحكومته على استئناف العمل في ملف استرجاع الأموال المنهوبة، بالإضافة إلى سرعة التحرك لإعادة الأموال المُهربة في خارج الجزائر.
ج- زيارة فرنسا: قد يقوم تبون قريباً بزيارة إلى فرنسا، خاصةً بعد تعجيل الرئيس إيمانويل ماكرون بتهنئته بمناسبة فوزه بالولاية الثانية، ومحاولة باريس طي صفحة الخلاف مع الجزائر على خلفية التوتر القائم بين البلدين بعد تغير موقف فرنسا من قضية الصحراء وتبنيها المقاربة المغربية.
د- تنشيط العلاقات مع غرب إفريقيا: من المُرجح أن ينشط الرئيس تبون العلاقات مع دول غرب إفريقيا، في ضوء العلاقات المتوترة بين الجزائر وبعض هذه الدول، خلال الفترة الأخيرة، ولاسيما مالي، بعد انسحابها من اتفاق الجزائر والذي وُقّع بين السلطة في باماكو والمتمردين في شمالي مالي، وكذلك مع النيجر وبوركينا فاسو.
ثانياً: الانتخابات الرئاسية التونسية
أصدر الرئيس التونسي، قيس سعيد، في 3 يوليو 2024، قراراً بدعوة الناخبين للانتخابات الرئاسية، مُحدداً موعدها في 6 أكتوبر المقبل. وجدير بالذكر أن عدد الكتلة الناخبة بالداخل التونسي يبلغ نحو 9 ملايين و500 ناخب، وفي الخارج يبلغ عدد المسجلين 620 ألف ناخب من إجمالي مليون و800 ألف تونسي يقيمون إقامة دائمة خارج دولتهم. وفي إطار حديثة عن الانتخابات التونسية، أشار الإسناوي إلى ما يلي:
1- دلالات انتخابية: تتمثل أبرز الدلالات المرتبطة بالمشهد الانتخابي في تونس في التالي:
أ- انخفاض عدد المرشحين: فتحت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، المنوط بها إدارة العملية الانتخابية في تونس، باب الترشح، في 29 يوليو الماضي، وسحب استمارة الترشح 114 تونسياً، في حين استوفى شروط التقديم منهم 17. ورفضت الهيئة 14 متقدماً منهم، وقبلت فقط ثلاثة متقدمين وهم: الرئيس قيس سعيد بصفه مستقلاً، وعياشي الزمال رئيس حزب "حركة عازمون"، وزهير المغزاوي أمين عام حزب "حركة الشعب".
ب- خلاف بين هيئة الانتخابات والمحكمة الإدارية: دفع رفض الهيئة العليا للانتخابات قبول باقي المتقدمين للترشح، إلى قيام ستة منهم بالطعن أمام المحكمة الإدارية، والتي أيّدت قبول ثلاثة منهم؛ وهم منذر الزنايدي الوزير السابق، وعبداللطيف المكي القيادي السابق بحركة النهضة (الإخوان)، وعماد الدايمي القيادي السابق بحزب "المؤتمر من أجل الجمهورية". بيد أن الهيئة العليا للانتخابات رفضت تنفيذ قرار المحكمة الإدارية، وقامت بتثبيت القائمة النهائية للانتخابات بالمرشحين الثلاثة الذين تم قبول ترشيحهم في البداية.
2- مسار الانتخابات: وفقاً للأزمة المستمرة بين القوى السياسية والهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والصراع الدستوري والقانوني بين المحكمة الإدارية والهيئة المستقلة للانتخابات؛ فإن الأرجح إجراء الانتخابات الرئاسية التونسية في موعدها المحدد، وفوز قيس سعيد بولاية رئاسية ثانية، لكن مع تراجع مشاركة الناخبين. وربما تحدث تظاهرات ووقفات احتجاجية من قِبل بعض النقابات والهيئات العمالية وأحزاب المعارضة.