نظم مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة ورشة عمل، يوم 24 مايو 2017، بعنوان: "ماذا سيحدث في الشرق الأوسط بعد زيارة ترامب المملكة العربية السعودية؟"، وذلك بحضور رؤساء الوحدات والباحثين في المركز. وسعت الورشة إلى الإجابة على عدد من التساؤلات ذات الصلة بمستقبل منطقة الشرق الأوسط بعد زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرياض يومي 20 و21 مايو 2017، ومنها ما يتعلق بتحليل تداعيات زيارة ترامب على التوازنات الإقليمية في المنطقة، وتأثير الزيارة على مسار العلاقات السعودية – الأمريكية، والأبعاد الاقتصادية لهذه الزيارة في ضوء الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الجانبين السعودي والأمريكي، وصولاً إلى محاولة التنبؤ بالتأثيرات المحتملة للزيارة على مستقبل المنطقة خلال الفترة المقبلة.
انعكاسات إقليمية
شهدت العلاقات الأمريكية – الخليجية توتراً واضحاً في عهد إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، وهو ما ارتبط بإبرام واشنطن الاتفاق النووي مع طهران، والذي ترتب عليه الرفع التدريجي للعقوبات الدولية المفروضة على إيران، بالإضافة إلى إصرار إدارة أوباما على تحسين العلاقات مع إيران على الرغم من سلوكها الاستفزازي في الإقليم وتورطها في أزماته.
ومع تولي الرئيس دونالد ترامب منصبه، طرأت بعض التغيرات على السياسة الأمريكية تجاه دول المنطقة، وهو ما ظهر في إعادة تصنيف الولايات المتحدة إيران باعتبارها من الدول المثيرة للاضطرابات في الإقليم، بسبب برنامجها الصاروخي أو تدخلها في شؤون الدول الأخرى من خلال دعمها وكلاءها في هذه الدول، أو تمويلها الميليشيات والتنظيمات الإرهابية.
وفي هذا الإطار، أشار الحضور في ورشة العمل إلى أن القمة "الإسلامية - العربية – الأمريكية" في الرياض، مثَّلت منعطفاً تاريخياً في اتجاه إعادة رسم التحالفات الإقليمية؛ إذ أكد خلالها الرئيس ترامب على ضرورة مجابهة الخطر الإيراني، ومكافحة الإرهاب والتطرف، وهو ما لاقى ارتياحاً وتأييداً من دول مجلس التعاون الخليجي وباقي الدول العربية المشاركة في القمة.
تقارب سعودي - أمريكي
استعرضت ورشة العمل ملامح سريعة للعلاقات بين واشنطن والرياض في فترة حكم أوباما وما قبل زيارة الرئيس ترامب الأخيرة، حيث شهدت العلاقات بين الدولتين خلال السنوات الأخيرة ما يمكن تسميته "توتراً مكتوماً" بسبب توجهات إدارة أوباما في التقارب مع إيران، وموقفها غير الحاسم من ميليشيا الحوثيين في اليمن، فضلاً عن التوجهات المعادية للمملكة في الكونجرس الأمريكي والتي كان أبرز مؤشراتها إقرار قانون "جاستا" العام الماضي.
وفي خطوة تعكس تحرك المملكة العربية السعودية للتنسيق مع إدارة ترامب بشأن عدد من الملفات ذات الاهتمام المشترك، قام الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، بزيارة واشنطن في مارس 2017، حيث تناول الجانبان عدة نقاط مهمة؛ منها التأكيد على تعزيز العلاقات الاستراتيجية بين الرياض وواشنطن، وزيادة فرص التعاون الاقتصادي بينهما، والاتفاق على تعزير جهود مكافحة الاٍرهاب والتصدي لتمويل الجماعات الإرهابية ومواجهة التطرف الفكري.
وفي السياق ذاته، أكد المشاركون في ورشة العمل أن اختيار الرئيس ترامب السعودية لتكون أولى محطات زياراته الرسمية الخارجية، هو أمر له دلالات كبيرة، حيث اعتاد الرؤساء الأمريكيون السابقون أن تكون الزيارة الأولى لهم خارجياً لإحدى دول الجوار الأمريكي أو لحلفائهم الأوربيين، ولكن اختيار المملكة هذه المرة من قِبل ترامب يعكس إدراكه مكانتها كقوة إقليمية مؤثرة في قضايا المنطقة، وهو ما ظهر في قدرة السعودية على حشد عدد كبير من القادة العرب والمسلمين من نحو 50 دولة للمشاركة في القمة "الإسلامية – العربية – الأمريكية" مع الرئيس ترامب.
وأيضاً من ملامح التقارب السعودي – الأمريكي، ما أسفرت عنه زيارة ترامب من توقيع عدة اتفاقيات عسكرية ثنائية بقيمة نحو 110 مليارات دولار؛ حيث تنص على تزويد المملكة بأسلحة حديثة تعزز من قدراتها في مجالات مثل الأمن البحري والسيبراني وأمن الحدود، ومكافحة الإرهاب.
أبعاد اقتصادية
تطرقت ورشة العمل إلى الجوانب الاقتصادية لزيارة ترامب الرياض، حيث تم تسليط الضوء على العلاقات الاقتصادية القوية بين الجانبين الأمريكي والسعودي، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بينهما حوالي 38 مليار دولار في عام 2016، وجاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى بين الدول المُصدِّرة للسعودية، وفي المرتبة الثانية بين أكبر الدول المستوردة منها.
وفي جانب الاستثمارات المتبادلة، تبلغ قيمة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة حوالي 750 مليار دولار، مقابل استثمارات أمريكية في المملكة تتراوح بين 100 و380 مليار دولار. كما تمتلك السعودية نحو 116 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية، لتصبح أكبر الدائنين للولايات المتحدة في المنطقة العربية.
واتفق الحضور على أن الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمها الجانبان السعودي والأمريكي خلال زيارة ترامب، والتي قُدرت وحدها بنحو 350 مليار دولار، ستحقق مكاسب مهمة للدولتين، وستساهم في تنفيذ الأهداف الاستراتيجية لرؤية "المملكة 2030"؛ التي تستهدف استقطاب الاستثمارات الأجنبية وجذب كبريات الشركات العالمية الرائدة في مختلف القطاعات الحيوية، وتنويع إيرادات المملكة وعدم الاعتماد على النفط فقط.
مستقبل المنطقة
في ضوء رصد وتحليل نتائج زيارة ترامب الرياض والقمم الثلاث التي شهدتها، خلصت ورشة العمل إلى أن هذه الزيارة ستكون لها تأثيرات على مستقبل منطقة الشرق الأوسط في عدة ملفات، وأبرزها ما يلي:
1- تبني إيران نهجاً أكثر عدائية في أزمات الإقليم: فما حققته زيارة ترامب من عودة الولايات المتحدة للتأثير بقوة في قضايا المنطقة، وتعهد الرئيس الأمريكي بالوقوف ضد تهديدات إيران، واتهامه لها بتمويل وتسليح الإرهابيين وإشعال النزاعات الطائفية، كل ذلك سيكون له تداعيات على مواقف إيران الإقليمية عبر اتخاذ خطوات أكثر حدة لتعزيز نفوذها. وفي هذا الإطار، من المرجح أن تسعى طهران إلى تكثيف أنشطتها غير المشروعة في سوريا والعراق واليمن، وزيادة دعم ميلشياتها في هذه الدول، والقيام بمزيد من الإجراءات المزعزعة للاستقرار في الإقليم، فضلاً عن تسريع خطوات برنامجها الصاروخي الباليستي.
2- مزيد من الانخراط في مكافحة الإرهاب والتطرف: بعد الاعلان خلال الزيارة عن افتتاح المركز العالمي لمكافحة التطرف (اعتدال) ومقره الرياض، وتبادل مذكرة تفاهم بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب، فإنه يُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تسريع انخراط دول المنطقة في الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الارهاب، خاصةً ما يتعلق بمواجهة التطرف الفكري.
3- اختراق محدود في عملية السلام: بعد انتهاء زيارته للمملكة العربية السعودية، قام الرئيس ترامب بزيارة إسرائيل والأراضي المحتلة، وركز خلاها على محاولة دفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، والحصول على دعم إقليمي للسلام. وربما ينجح ترامب في إعادة إطلاق عملية المفاوضات بين الطرفين، ويدعو في مرحلة لاحقة لإقامة مؤتمر سلام إقليمي، لكن تحقيق نجاح حقيقي في هذا الملف يتطلب منه ممارسة ضغوط على إسرائيل، وهذا أمر مستبعد.
في ختام ورشة العمل، أكد المشاركون أن الفترة المقبلة سوف تشهد استكمال الإجراءات المتعلقة بالاتفاقيات الثنائية بين الجانبين السعودي والأمريكي، والحصول على موافقة الكونجرس عليها، وربما تشهد بعض الاعتراضات في الكونجرس خاصةً من جانب الديمقراطيين، لكنها لن تعرقل الموافقة على هذه الصفقات، في ظل عوائدها الاقتصادية المتوقعة.