أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

قوة "الدولة العميقة":

من هم المرشحون الأكثر احتمالا لخلافة "خامنئي"؟

21 مايو، 2017


جهاد عمر الخطيب – باحثة في العلوم السياسية

على مدى السنوات الثلاث المنصرمة، اكتسبت الأنباء المتداولة بشأن تردي الوضع الصحي للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية الإيرانية "آية الله علي خامنئي" زخمًا حقيقيًّا، وأضحى التساؤل عمَّن يخلفه أمرًا ملحًّا انطلقت على إثره جملة من التكهنات حول السيناريوهات التي يحملها المستقبل للدولة الإيرانية في مرحلة ما بعد "خامنئي"، وأبرز المرشحين لخلافته، وحظوظ كل مرشح استنادًا إلى نقاط قوته ومواطن ضعفه.

تبدو أهمية ذلك في ضوء تصريح المتحدث الرسمي باسم مجلس الخبراء "آية الله أحمد خاتمي" في مارس الماضي (2017)، ومفاده أن المجلس قد شكَّل إحدى اللجان المكلَّفة باختيار المرشحين لخلافة "خامنئي"، وأن اللجنة قد حددت عشرة أسماء، فضلا عن دعوة "خامنئي" في وقت سابق من الشهر ذاته أعضاء مجلس الخبراء إلى اختيار "بديل ليس أقل منه شأنًا".

في هذا الإطار، تُناقش مقالة نُشرت في مجلة Foreign Affairs في عدد (مايو/يونيو 2017) للكاتِبَيْن "سانام فاكيل" و"حسين راسام" بعنوان "المرشد الأعلى الإيراني القادم.. الجمهورية الإسلامية في أعقاب "خامنئي"، معالم "الدولة العميقة" التي نجح "خامنئي" في إرسائها، وعلاقته بالحرس الثوري، وأبرز المرشَّحين لخلافته.

مرتكزات الدولة العميقة:

إذا ما نظرنا إلى المكانة الدينية لـ"خامنئي" قبيل انتخابه مرشدًا أعلى لإيران، لوجدنا أنه كان رجل دين متوسط المكانة؛ فلم يكن سوى "آية الله" وليس "آية الله العظمى" أو "مرجعًا"، ولذا عُدَّ اختياره من قِبل المرشد الأعلى السابق "الخميني" قبيل وفاته، وانتخابه من قبل مجلس الخبراء الإيراني بأغلبية 60 صوتًا مقابل 14 صوتًا، انتهاكًا للدستور.

من ثم، وُضعت جملة من التنقيحات الدستورية ليس فقط من أجل خفض المؤهلات الواجب توافرها فيمن يتولى ذلك المنصب، وإنما ابتغت أيضًا توسيع سلطة المرشد الأعلى. فعلى سبيل المثال، أُضيفت كلمة "مطلقة" قبل وصف سلطة المرشد في المادة التي تُحدِّد الفصل بين السلطات.

وارتأى الكاتبان أن مثل تلك التنقيحات الدستورية قد منحت المرشد الأعلى صلاحيات "غير مسبوقة"، أفضت إلى هيمنة سلطته على السلطات الثلاث للدولة (التشريعية، والقضائية، والتنفيذية) عبر استحداث مجلس دستوري هو مجلس "تشخيص مصلحة النظام"، ومنحه سلطة "حل قضايا ومشكلات النظام التي لا يمكن تسويتها بالطرق العادية".

وكان الشغل الشاغل لـ"خامنئي" هو تدعيم سلطته الدينية، فرغم أنه قد حظي بشبه إجماع لدى مجلس الخبراء الإيراني، واعتباره "مرجعًا" من قِبل جمعية "معلمي قُم العلمية"، وهي مؤسسة دينية وسياسية على قدر كبير من الأهمية في إيران؛ إلا أن عددًا من رجالات الدين كانوا بين فينة وأخرى يشكِّكون في مؤهلاته الدينية. 

لذا، لجأ "خامنئي" إلى توسيع سلطته على المؤسسة الدينية، وتجريد "آيات الله" من استقلاليتهم المالية، ووضعهم تحت سيطرته الضمنية. فضلا عن اتباعه "سياسة العصا والجزرة" مع رجالات الدين، والتي على إثرها أجزل العطاء للمؤيِّدين بالامتيازات المالية والمراكز السياسية، في حين حرم المنتقدين من مثل هذه الامتيازات.

وقد ذهب الكاتبان إلى القول بأن "خامنئي" قد حرص طوال ما يناهز ثلاثة عقود على تقليص سلطات وأدوار الحكومة الإيرانية المنتخبة عبر تركيز سلطاته على المؤسسات التي تقع تحت سيطرته المباشرة، وكذا كيانات الدولة التي تقع خارج نطاق السيطرة المباشرة للحكومة، ووضعه ممثِّلين رسميين وغير رسميين له في جُلّ هيئات الدولة ومؤسساتها، كالوزارات والقوات المسلحة والجامعات والمؤسسة الدينية، ومنوط بأولئك رفع تقارير له. فضلا عن إنشائه عام 2011 كيانًا مسئولا عن تسوية المنازعات التي تنشأ بين مختلف فروع وأجهزة الحكومة، وكذا إنشائه مجلسًا استشاريًّا شخصيًّا بشأن السياسة الخارجية.

ثقل الحرس الثوري:

في معرض حديثهما عن العلاقة التي جمعت بين المرشد الأعلى "خامنئي" وفيلق الحرس الثوري، ناقش الكاتبان ما وصفاه بـ"العلاقة الوطيدة" ما بين الجانبين؛ إذ استطاع "خامنئي" أن يؤسّس لعلاقة قوية مع الحرس الثوري، وذلك من خلال تمهيد الطريق أمامه لتحقيق ثقل اقتصادي في الدولة الإيرانية. 

فعلى سبيل المثال، ساعد "خامنئي" الحرس الثوري في شراء الشركات المملوكة للحكومة بأسعار أقل من معدلات السوق، وساق عقود الحكومة المربحة إليها، وذلك في إطار تبني الحكومة الإيرانية سياسات التحرُّر الاقتصادي خلال العقدين الماضيين.

وكنتيجة لسياسات الدعم المالي والاقتصادي التي انتهجها "خامنئي" لضمان موالاة الحرس الثوري له، تعززت الشوكة الاقتصادية للحرس الثوري، وأصبح قوة تجارية ضحمة تضم مئات الشركات، أبرزها -على سبيل المثال لا الحصر- "شركة خاتم الأنبياء للإنشاءات"، التي تُعَد أكبر الشركات الهندسية الإيرانية، ويعمل بها ما يزيد عن 160 ألف شخص.

بيْد أن الثقل الاقتصادي الذي بات يتمتع به الحرس الثوري في عهد "خامنئي" لم يتوقف عند هذا الأمر فحسب، بل تخطَّاه إلى الحياة السياسية، وقد ظهر ذلك بشكل جليٍّ منذ عام 1999 حينما خرج آلاف الطلاب في احتجاجات واسعة ضد إغلاق صحيفة ذات توجُّه إصلاحي، ما دفع قرابة 24 من ضباط الحرس الثوري إلى مخاطبة "محمد خاتمي" رئيس الدولة الإيرانية إبَّان تلك الأحداث عبر رسالة شديدة اللهجة انتقدت سياساته في التعاطي مع تلك الاحتجاجات، وعدم تصديه لها، وطالبته ضمنيًّا بتقديم استقالته. 

وقد مثَّل ذلك الأمر أولى محاولات الحرس الثوري للتدخل مباشرة في الحياة السياسية أفضت إلى عرقلة برنامج "خاتمي" الإصلاحي، وتراجُع التيارات الإصلاحية، ومنح الحرس الثوري مزيدًا من المناصب الحكومية والمقاعد البرلمانية، ونفَّذ أيضًا حملة فرض النظام في أعقاب اندلاع الثورة الخضراء عام 2009، الأمر الذي رسّخ سلطته بشكل أكثر قوة.

أبرز المرشَّحين لخلافة "خامنئي":

استعرضت المقالة أبرز الأسماء المرشَّحة لخلافة "خامنئي"، وقد استقرَّ الكاتبان على ستة أسماء، وقسماها إلى فئتين، إنْ جاز التعبير، الفئة الأولى هي الأقل حظًّا، وتضم كلا من "حسن روحاني" الرئيس الإيراني الذي فاز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في التاسع عشر من مايو الجاري (2017) لفترة رئاسية ثانية، و"حسن الخميني" وهو حفيد الخميني، و"مجتبى خامنئي" ابن المرشد الأعلى "خامنئي". ويُعْزَى وصف تلك الأسماء بالفئة الأقل حظًّا، كون "روحاني" و"حسن الخميني" معروفَيْن بميولهما الإصلاحية، ومن ثم ستشكِّل الدولة العميقة عائقًا كبيرًا أمامهما، أما "مجتبى خامنئي" فلا يحظى بتأييد شعبي. 

أما الفئة الأوفر حظًّا، فتضم كلا من "صادق لاريجاني" وهو الرئيس الحالي للسلطة القضائية، و"محمود هاشمي شهرودي" الرئيس السابق للسلطة القضائية، و"إبراهيم رئيسي" رئيس العتبة الرضوية المقدسة، وأحد المرشحين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 19 مايو الجاري (2017).

"لاريجاني".. ابن "خامنئي" البار:

"المتشدِّد" هو اللفظ الأنسب لوصف "صادق لاريجاني"، الرئيس الحالي للسلطة القضائية منذ عام 2009، كونه يعارض تخفيف الأعراف الاجتماعية والدينية المتشدِّدة، وكذا تحرُّر النظام السياسي الإيراني، ويتبنى سياسة عدم التسامح مطلقًا مع المعارضة، فضلا عن وجهة نظره المعادية تمامًا للغرب، والتي اتَّسقت مع معارضته للرئيس "حسن روحاني" على خلفية عقده الاتفاق النووي مع القوى الغربية في منتصف يوليو 2015. وقد فرض عقوبات صارمة على متظاهري الحركة الخضراء، ما أفضى إلى إدراجه على قائمة الاتحاد الأوروبي لـ"منتهكي حقوق الإنسان".

ويحظى "لاريجاني" بعلاقة وثيقة مع فيلق الحرس الثوري، وظهر ذلك بشكل جليّ في التعاون بين السلطة القضائية والذراع الاستخباراتي للحرس الثوري في استجواب واعتقال نشطاء الحركة الخضراء عام 2009. 

وزيادةً في نفوذه، ترأس "لاريجاني" مجلس أمناء جامعة "الإمام الصادق" المنوط بها تدريب الموظفين المدنيين لتولي مناصب سياسية رئيسية. وقد أفضى احتكاكه الفعَّال بتلك المؤسسات إلى صقل قدراته على خوض غمار العملية السياسية.

وقد استطاع "لاريجاني" أن يُثْبت ولاء مطلقًا لـ"خامنئي"؛ فهو لم يدّع قط مرتبة "آية الله" احترامًا لأستاذه "خامنئي"، كما يُعَد أبرز المؤيِّدين لممارسة مجلس الخبراء "الحد الأدنى" من الإشراف على المرشد الأعلى. وقد مدحه "خامنئي" واصفًا إيّاه بالثقافة والشجاعة والذكاء والعلم والتقوى والاجتهاد الثوري. 

بيْد أن العقبة الرئيسية التي تقف أمام خلافته لـ"خامنئي" هي تلك الاتهامات التي طالته هو وعائلته بالفساد واستغلال النفوذ منذ عام 2013.

"شهرودي" بين التشدُّد والاعتدال:

"محمود هاشمي شهرودي" يُعد واحدًا من أبرز الأسماء المتداولة لخلافة "خامنئي"، وقد تولَّى منصب رئيس السلطة القضائية فيما بين عامي 1999 و2009. وقد جمعت بين "خامنئي" و"شهرودي" علاقة وثيقة، واتَّفقا على النظرة المعادية للولايات المتحدة والمواقف المتشددة في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الإيرانية. 

بيْد أن أبرز ما يميِّز "شهرودي" هو علاقاته القوية مع طوائف في المجتمع الشيعي بالعراق، وبالتالي فهو يتمتَّع بسلطة دينية تتجاوز حدود الدولة الإيرانية، فضلا عن اتباعه سياسة "التوازن" مع الأطراف المتناقضة؛ إذ يُعرف عنه شخصيته الهادئة، وتجنُّبه السياسة المتعصبة والمتشدِّدة بشكل كبير، وعلاقاته الجيدة مع كلٍّ من دائرة "أحمدي نجاد" المتشددة، وحَشْد "أكبر هاشمي رفسنجاني"، الرئيس الإيراني الأسبق، الذي يميل نحو الإصلاح (توفى في 8 يناير 2017). أضف لذلك، تجنُّبه اتخاذ أية مواقف واضحة لتأييد قضية ما على حساب أخرى، ما قد يجعله مرشَّحًا غير جدير بالثقة لحماية مصالح الدولة العميقة.

"رئيسي" .. مرشَّح الدولة العميقة:

في مارس من عام 2016، عُيِّن "إبراهيم رئيسي" رئيسًا للعتبة الرضوية المقدسة، وهي منظَّمة خيرية ضخمة يُسيطر عليها مكتب المرشد الأعلى، وهو العام ذاته الذي بزغ فيه نجم "رئيسي" كأبرز خليفة لـ"خامنئي". 

ومما يجدر ذكره أن "رئيسي" قد تدرَّج في المناصب القضائية، ففي أعقاب رئاسته الفريق الذي يُحاكِم الفساد في الكيانات المملوكة للدولة، عُيّن عام 2004 نائبًا لرئيس السلطة القضائية، وانْتُخِب لمجلس الخبراء الإيراني عام 2006، وشغل منصب أمين اللجنة التي تُشْرف على المرشد الأعلى داخل المجلس. وفي عام 2014 عَيّن "لاريجاني" "رئيسي" في منصب أكبر مدَّعٍ عامٍّ في البلاد.

ويُعْرف "رئيسي" بسياساته المتشدِّدة؛ ففي عام 1988، وبصفته مدعيًا عامًّا، أدار الإعدامات الجماعية للسجناء السياسيين، ومن ضمنهم أعضاء من حركة "مجاهدي خلق" التي تُطالب بالإطاحة بالجمهورية الإيرانية.

وقد اعتبر الكاتبان أن "رئيسي" هو المرشح الأوفر حظًّا لخلافة "خامنئي"؛ فبمقارنته بغيره من المرشَّحين السالف ذكرهم، نجد أن "رئيسي" يحظى بأوثق علاقة مع الدولة العميقة والحرس الثوري، وقد استطاع طيلة حياته المهنية أن يحافظ على ولائه المطلق لكلٍّ من "الخميني" و"خامنئي"، إلى جانب سياسته المحافظة والمتشدِّدة وخبرته في القضاء، ودهائه السياسي، وهذا يجعله الاختيار الأمثل لحماية مصالح الدولة العميقة التي أرساها "خامنئي". وقد ترشح رئيسي للانتخابات الرئاسية في مواجهة الرئيس الحالي حسن روحاني.

وفي الأخير، يَخْلُصُ الكاتبان إلى كون الآمال التي يعقدها الإصلاحيون على إمكانية تحوُّل إيران إلى دولة أكثر اعتدالا ووسطية في مرحلة ما بعد "خامنئي" إنما هي ضرب من ضروب "اللا عقلانية"، لسببين: أولهما أن الدولة العميقة التي أسَّس "خامنئي" ركائزها ببنياتها الأمنية والاستخباراتية والاقتصادية المعقَّدة، والتي تتألَّف من الموالين له ولسياساته المحافظة والمتشدِّدة ومفهومه حول الدولة الإيرانية وسياساتها الداخلية والخارجية لن تسمح بأن يأتي من يُحدِثُ إصلاحات أو تغييرات جذرية من شأنها الإضرار بمصالحها. 

وثانيهما أنه لو افترضنا جدلا تولي شخص يحمل توجُّهات إصلاحية منصبَ المرشد الأعلى بعد "خامنئي" متحدِّيًا إرادة الدولة العميقة، فإنه لن يصمد طويلا أمامها؛ كونها، وبلا ريب، ستقف حجرَ عثرة أمام أية محاولات إصلاحية، الأمر الذي سيقود إلى إفشال تلك المحاولات.

كما ارتأى الكاتبان أيضًا أن المرشَّح الذي سيحظى بتأييد الدولة العميقة يُرجَّح أن يكون ذا ميول دينية متشددة على غرار "خامنئي"، في كلٍّ من السياستين الداخلية والخارجية، وخبرة وإلمامًا جيِّديْن بالنواحي الإدارية، والأهم من كل ذلك أن يحترم مصالح الدولة العميقة ويضمن حمايتها.

المصدر:

Sanam Vakil and Hossein Rassam, " Iran’s Next Supreme Leader: The Islamic Republic After Khamenei", Foreign Affairs, Volume 96, Number 3, May/June 2017 Issue, Pp76-86.