أعلن تنظيم داعش، في 30 نوفمبر 2022، مقتل زعيمه أبي الحسن الهاشمي القرشي الذي تولى قيادة التنظيم بعد مقتل زعيم التنظيم السابق أبي إبراهيم الهاشمي القرشي في عملية أمريكية خاطفة نفذتها قوات خاصة عبر إنزال جوي في قرية أطمة بمحافظة إدلب في 3 فبراير 2022، وبذلك يكون أبو الحسن الهاشمي القرشي هو ثاني زعيم لتنظيم داعش يجري اغتياله خلال عام 2022، مما يفتح الباب واسعاً أمام تأثيرات كبيرة على هيكل التنظيم ونشاطه خلال الفترة المقبلة.
ملاحظات على تصفية القرشي:
أعلن المتحدث باسم تنظيم داعش أبو عمر المهاجر في رسالة صوتية بُثت عبر مؤسسة الفرقان، الذراع الإعلامية للتنظيم، مقتل الزعيم الذي اختير، في مارس 2022، لقيادة التنظيم، موضحاً أنه قُتل خلال قتاله مع من أسماهم "أعداء الله". ما يعني أنه لم يقتل في عملية أمريكية خاصة مثل سابقيه أبي بكر البغدادي وأبي إبراهيم الهاشمي القرشي. وأكد بيان القيادة المركزية الأمريكية في اليوم ذاته ذلك الأمر، إذ أكد أن زعيم داعش قُتل في منتصف أكتوبر 2022 في عملية نفذها الجيش السوري الحر في محافظة درعا. ويتصل هذا المشهد بعدد من الملابسات، والتي يمكن إجمالها في التالي:
1- تراجع تنظيم داعش: تعرض تنظيم داعش لهزات عنيفة متوالية منذ هزيمته في آخر معاقله في قرية الباغوز بمحافظة دير الزور السورية في مارس 2019، ثم اغتيال زعيمه ومؤسسه أبي بكر البغدادي في أكتوبر من العام نفسه، ما فرض عليه تراجع سيطرته المكانية بشكل مضطرد، الأمر الذي أظهر أن الزعيم الأسبق للتنظيم أبا إبراهيم الهاشمي القرشي قد لجأ إلى إحدى قرى محافظة إدلب وهي المحافظة ذاتها التي اغتيل فيها البغدادي، ما أدى إلى اغتياله هو الآخر في النهاية في عملية مشابهة لعملية اغتيال البغدادي.
ويظهر الأمر كذلك في لجوء الزعيم المقتول، أبي الحسن الهاشمي القرشي، إلى محافظة درعا في محاولة لاستغلال حالة الانفلات الأمني التي تشهدها المحافظة إثر الاشتباكات بين قوات المعارضة المسلحة والجيش السوري. ويشير ما تسرب عن عملية مقتل أبي الحسن الهاشمي القرشي إلى أنه قد قام بتفجير نفسه بحزام ناسف بعد أن تعرض للحصار من جانب مقاتلين محليين بمدينة جاسم بمحافظة درعا، وتم رصد وجوده ومساعديه في مخبأ سري بأحد منازل المدينة، وهو ما يعطي دلالة على الضعف الذي يعتري القدرات التنظيمية للتنظيم، وضعف القدرة على حماية الزعيم وتوفير حراسة قوية له، مما جعل الوصول إليه واستهدافه من جانب مقاتلين محليين أمراً من السهولة بمكان، على الرغم من أن التنظيم فرض قدراً كبيراً من التكتم والسرية عليه؛ خشية استهدافه.
2- تصفية داعش في درعا: شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً في عمليات مكافحة تنظيم داعش في محافظة درعا على وجه الخصوص، سواء من جانب الجيش السوري، أو الجماعات السورية المسلحة أو بالتعاون بينهما، وتم على أثرها مقتل عدد من قيادات داعش وعناصره البارزة في المحافظة منهم القيادي في جنوب سوريا، أبو عمر الجبابي، الذي أعلن الجيش السوري قتله في 15 أغسطس 2022 بمدينة طفس بريف درعا الشمالي الغربي، وذكر أنه كان يعمل مع الإرهابيين أبو سالم العراقي وعبد الرحمن العراقي. وكان الجيش السوري قد أعلن، في 10 أغسطس 2022، قتله القيادي أبو سالم العراقي في بلدة عدوان بريف درعا الغربي.
وبناء على ذلك، يُرجح أن زعيم داعش قد قُتل في إحدى هذه العمليات، بما يعزز ما ذكرته وكالة الأنباء السورية، في 2 ديسمبر 2022، نقلاً عن مصدر أمني في درعا بأن زعيم داعش، أبا الحسن الهاشمي القرشي، الذي أعلن التنظيم مقتله هو ذاته المدعو عبد الرحمن العراقي المعروف باسم "سيف بغداد"، وقد قُتل خلال العملية الأمنية التي نفذها الجيش السوري بمساندة المجموعات المحلية والأهلية ضد تنظيم داعش في مدينة جاسم بريف درعا الشمالي، في 15 أكتوبر 2022، وأن القرشي كان يدير عملياته من خلال مجموعة قياديين في التنظيم تم القضاء على عدد من مهم في وقت سابق منهم أبو سالم العراقي.
3- اختراق قيادات التنظيم: لا تأتي عملية مقتل زعيم داعش الأخيرة منفصلة عما سبقها من عمليات استهدفت عدداً من قيادات الصف الأول للتنظيم بدءاً من استهداف الزعيم الأسبق في فبراير 2022؛ إذ أعقبتها عدة عمليات أبرزها مقتل زعيم تنظيم داعش في سوريا، ماهر العقال، في 12 يوليو 2022، في غارة بطائرة مسيرة في شمال غرب سوريا، ثم أعلنت السلطات التركية، في 9 سبتمبر 2022، القبض على قيادي كبير في التنظيم يُدعى أبو زيد، واسمه بشار خطاب غزال الصميدعي.
ثم أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، في 7 أكتوبر 2022، تنفيذ ضربة في شمال سوريا أسفرت عن مقتل قياديين كبيرين في تنظيم داعش، أحدهما يدعى أبو هاشم الأموي. وتدل هذه العمليات على اختراق كبير في صفوف التنظيم جعل الوصول إلى قيادات الصف الأول واستهدافهم أمراً يسيراً على مختلف الجهات، وهو ما سيكون له تأثيرات سلبية على بنية التنظيم وهيكليته ونشاطه.
تداعيات تنظيمية ممتدة:
حرص تنظيم داعش على عدم الإفصاح عن مقتل زعيمه إلا بعد الاستقرار على خليفة له، حتى لو كان ذلك الأمر صورياً لا أكثر، وذلك لإعطاء رسالة تؤكد استقرار الهيكل التنظيمي والبنيوي للتنظيم، وعدم تأثره بالضربات المتلاحقة التي يتعرض لها بشكل عام، وقادته بشكل خاص في الأشهر الأخيرة. وعلى الرغم من أن التنظيم يبدو وكأنه قد اعتاد مثل هذه العمليات التي تنال من قياداته الأولى، فإن هناك تأثيرات قد ترتبها هذه العملية على نشاط التنظيم، يمكن إجمالها في التالي:
1- تعزيز اللامركزية: على الرغم من أهمية القيادة المركزية لتنظيم مثل تنظيم داعش تقليدياً على المستوى الأيديولوجي والاستراتيجي والتعبوي، فإن التنظيم بات منذ سنوات يتجه نحو تعظيم العمل اللامركزي لأفرعه في الدول والقارات المختلفة، لا سيّما في المناطق الأكثر هشاشة، والتي يمتلك فيها التنظيم مقومات بشرية ولوجستية وعملياتية متقدمة تتيح له تنفيذ عمليات تؤكد استمرار أفرع التنظيم وعدم اندثارها في فترات انحسار التنظيم المركزي، خاصة فرع ولاية خراسان في وسط وجنوب آسيا، وفروع التنظيم في منطقة الساحل والصحراء، خاصة ولاية غرب أفريقيا.
ويلاحظ أن استمرار الضربات التي تتلقاها القيادات المركزية للتنظيم في سوريا والعراق في مقابل زيادة قوة بعض الفروع والولايات التابعة له قد يعزز من استقلالية هذه الفروع عن التنظيم المركزي، خاصة مع إطلاق قدراتها من جانب الخليفة خلال الفترات الماضية في تنفيذ العمليات وجمع التمويلات والتعبئة والتجنيد.
2- الفراغ القيادي: عانى تنظيم داعش منذ مقتل زعيمه ومؤسسه، أبي بكر البغدادي، من فقدان الشخصية القيادية القادرة على الإمساك بزمام الأمور وتحريكها والمتمتعة بسمات شخصية كاريزمية مميزة، فلم يكن خليفتا البغدادي القرشيان على ذات المستوى من الطلاقة والحضور.
وخسر التنظيم على مدار السنوات الأخيرة عدداً كبيراً من قيادات الصف الأول، وعلى الرغم من أن التنظيم استطاع التكيف مع مسألة مقتل قياداته خلال الفترات السابقة، غير أن التكرار قد يعني أن قياداته الحالية قد تكون من عناصر الصف الثالث في فترة ذروة انتشار وسيطرة التنظيم على عدة مناطق، وهو ما يثير التساؤلات حول قدراتها القيادية.
3- البحث عن ملاذ آمن: جرت معظم عمليات استهداف قيادات تنظيم داعش خلال الآونة الأخيرة في سوريا، ما يعني أن وجود قيادات التنظيم في سوريا لم يعد أمراً مأموناً بالنسبة لهم، خاصة أن ضغطاً مكثفاً يتعرض له التنظيم على الأراضي السورية من العديد من القوات، سواء الجيش السوري، أو القوات الأمريكية، أو الجماعات السورية المسلحة وغيرها.
ويطرح ذلك الأمر احتمالات أن يبحث قادة الصف الأول في داعش عن ملاذ آخر أكثر أماناً، سواء داخل الأراضي السورية ذاتها بعيداً عن أماكن الانتشار التقليدية للقيادات في إدلب ودرعا والمناطق الحدودية مع تركيا، أو خارج سوريا تماماً.
وفي الختام، أدى تكرار عمليات استهداف قيادات داعش إلى تراجع نشاط التنظيم الأم، كما أن قصر الفاصل الزمني بين مقتل الزعيمين الأخيرين لداعش، والمقدر بنحو ثمانية أشهر فقط، قد يزيد من حالة الارتباك التقليدية المرتبطة بمثل هذا الأمر. ومن المحتمل أن يلجأ تنظيم داعش إلى تبني عدد من العمليات الإرهابية في الفترة المقبلة لإثبات قدرته على العمل والنشاط في مثل هذه الظروف. وتظهر في هذا الاتجاه فرضية استغلاله للتوترات الجارية في شمال سوريا على خلفية العملية العسكرية التركية التي تستهدف القوات الكردية هناك وما لها من تأثيرات على عمليات مكافحة داعش في هذه المنطقة؛ لينفذ عدداً من العمليات النوعية على غرار استهداف سجن الصناعة بمدينة الحسكة في 20 يناير 2022.