أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الاعتماد الذاتي:

هل فقدت "تايوان" الثقة في واشنطن بعد درس أوكرانيا؟

25 أغسطس، 2022


شهد شرق آسيا العديد من التطورات عقب زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان مؤخراً، وتصاعدت المخاوف من أن تؤدي هذه التطورات إلى نشوب صراع بين الصين وتايوان، قد يجر معهما الولايات المتحدة أيضاً . وتأتي تلك الأزمة في خضم الحرب الروسية الأوكرانية التي نشبت في ظروف مشابهة، حيث تعهدت الولايات المتحدة أيضاً بمساندة أوكرانيا، غير أن التداعيات كانت وخيمة، وفي هذا الإطار يأتي السؤال، إلى مدى قد تعتمد تايوان على دعم الولايات المتحدة بعد إحجام الأخيرة عن التورط المباشر في حرب مع روسيا بعد أن تدخلت عسكرياً في أوكرانيا؟ وما هي الخطوات المحتملة التي قد تتخذها تايوان وسط هذه الفوضى؟

التمسك بمبدأ "صين واحدة":

على مدى تاريخها الطويل الذي يمتد لآلاف السنين، حكمت الصين أُسر إمبراطورية مختلفة. وفي عام 1912، أشعل أعضاء حزب الكومينتانغ ثورة أدت إلى هزيمة أسرة تشينغ الحاكمة آنذاك، وإقامة ما كان يعرف باسم جمهورية الصين. وظل حزب الكومينتانغ يحكم الصين حتى عام 1949، إلى أن اندلعت حرب أهلية أخرى أسفرت عن خروج حزب الكومينتانغ إلى تايوان، وهي جزيرة تقع على بعد 100 كيلومتر تقريباً قبالة الساحل الجنوبي للصين، والتي تأرجحت ما بين الدخول تحت الحكم الصيني والخروج عنه منذ القرن الثامن عشر. واستمر حزب الكومينتانغ في حكم تايوان، بينما حكم الحزب الشيوعي الصيني البر الرئيسي للصين، والذي يُشار إليه الآن باسم جمهورية الصين الشعبية منذ عام  1949.

ومع ذلك، ظلت جمهورية الصين الشعبية تعتبر تايوان جزءاً من أراضيها على الرغم من استقلال الأخيرة، وتعهدت بأنها ستوحد تايوان والبر الرئيسي للصين في المستقبل حتى لو اضطرت إلى اللجوء إلى القوة في سبيل ذلك. وفي عام 1992، توصل ممثلون غير رسميين من كل من الحزب الشيوعي الصيني وحزب الكومينتانغ إلى اتفاق يطلق عليه "توافق 1992"، على إقامة صين واحدة، وهو ما عارضه فيما بعد قادة حزب الكومينتانغ مستشهدين بتأويلات مختلفة لبنود الاتفاق .

سياسة الغموض الاستراتيجي:

وسط هذه العلاقات، لعبت الولايات المتحدة هي الأخرى دوراً مؤثراً في سياسة المنطقة، فمن جانب اعترفت بمبدأ "صين واحدة" –  وهي السياسة التي تؤكد وحدة الصين، وأنها أرض واحدة، وعلى خضوع أراضٍ مثل تايوان وهونغ كونغ لولايتها القضائية . وفي الوقت نفسه دعمت الولايات المتحدة تايوان، وأشارت إلى أن فرض أي عقوبات اقتصادية أو القيام بأي تحرك عسكري ضد تايوان سيعتبر تهديداً للسلام في منطقة المحيط الهادئ، وسيستلزم بالتالي رداً من الولايات المتحدة نفسها. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة لم تعلن رسمياً أنها ستقدم دعماً عسكرياً مباشراً أو أنها ستتدخل في الصراع بشكل مباشر، فإنها أكدت أنها ستقدم الأسلحة لتايوان للدفاع عن نفسها، وهي سياسة تسمى "الغموض الاستراتيجي" .

ولقد عزز الرئيس دونالد ترامب العلاقات مع تايوان في السنوات الأخيرة من خلال بيعه أسلحة لجيشها تزيد قيمتها على 18 مليار دولار، علاوة على افتتاح مقر للتمثيل الدبلوماسي الأمريكي بقيمة 250 مليون دولار هناك على الرغم من تحذيرات المسؤولين الصينيين. بل وتطور هذا الموقف العدواني برفع الرئيس الحالي جو بايدن لمبيعات الأسلحة لتايوان، وبتشجيعه العلاقات المستقلة مع المسؤولين التايوانيين، واضطلاعه بعدد كبير من الأنشطة العسكرية في المنطقة .

ثم جاءت زيارة بيلوسي لتايوان في ظل هذه الأحداث، مما دفع الصين إلى إجراء العديد من التدريبات العسكرية بالمنطقة المحيطة بتايوان. ولقد أُثير جدل بين العديد من المحللين حول احتمال نشوب حرب بين الصين والولايات المتحدة بسبب هذه التطورات التي وقعت في العقد الماضي. ولقد أجرت الصين عمليات تحديث عسكري مكثفة على مدار العقد الماضي، وهي بالفعل تضع تايوان نصب عينها باعتبارها أحد العوامل الرئيسية الدافعة لذلك. ويكمن مصدر قلق الولايات المتحدة الرئيسي من اقتراب الصين من القواعد العسكرية الأمريكية في مناطق مثل غوام في حالة استيلاء الصين على تايوان، مما سيعرّض الولايات المتحدة لهجمات محتملة من الصين .

درس أوكرانيا:

عند الحديث عن احتمالات نشوب حرب حقيقية بين جمهورية الصين الشعبية وتايوان، لا بد من طرح سؤال: ماذا ستفعل الولايات المتحدة حينها؟ وغالباً ما تتم مقارنة حالة تايوان بحالة أوكرانيا، فالأخيرة نشأت من تفكك الاتحاد السوفييتي في عام 1991 واعتراف الولايات المتحدة بها بصفتها دولة ذات سيادة. علاوة على ذلك، قدمت الولايات المتحدة لها دعماً عسكرياً هائلاً خلال العقود القليلة الماضية في صورة أسلحة بلغت قيمتها قرابة 2.5 مليار دولار ، كما دعمت بعدها طلب أوكرانيا للانضمام إلى منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وهو ما يستلزم رداً عسكرياً أمريكياً في حالة غزو روسيا لأوكرانيا، وهو ما اتخذته روسيا ذريعة لغزو أوكرانيا بالفعل في فبراير 2022 مما تسبب في ارتفاع الأسعار في جميع أنحاء العالم .

واعتقد بعض المحللين أن الولايات المتحدة ستشن حرباً بنفسها ضد روسيا بعد الغزو، ولكنها لم تفعل، فعلى الرغم من إرسال الولايات المتحدة 12000 جندي إلى دول حول أوكرانيا وزيادة الأسلحة التي تقدمها لأوكرانيا – كما أشار الرئيس بايدن – فإن الولايات المتحدة لن تبعث قوات لمحاربة روسيا نظراً لأن ذلك قد يعني بداية الحرب العالمية الثالثة . لذا هناك شكوك كثيرة حول مدى إمكانية تايوان الاعتماد على الولايات المتحدة إذا ما قررت الصين بدء صراع معها.

ولم تكن حرب أوكرانيا الحالة الأولى التي شككت في جدية الدعم الأمريكي لتايوان إذا نشبت حرب عسكرية. ففي أكتوبر 2021 أشار وزير دفاع تايوان، تشيو كو تشينغ، إلى أنه على الرغم من احتمال مساعدة الولايات المتحدة لتايوان في حالة حدوث غزو صيني لها، فإنها ستضطر إلى الاعتماد على نفسها للدفاع عن سيادتها . وقد أكدت الحرب الأوكرانية هذه الحقيقة ووضعتها نصب أعين التايوانيين، فقد تعلمت تايوان أن الهدف الرئيسي للولايات المتحدة تجنب وضع يشبه الحرب العالمية مع روسيا، وهو درس ينطبق أيضاً على صراعها مع الصين. بل أن الولايات المتحدة ذاتها أعلنت أن الدفاع عن المجال الجوي التايواني سيكون أصعب بكثير نظراً لبعده الشديد عن طريق البحر .

من جانبها بدأت تايوان اتخاذ عدد كبير من الإجراءات لضمان الدفاع عن نفسها بنفسها، فعلى سبيل المثال، أشارت العديد من الأنباء الصحفية إلى زيادة عدد التايوانيين الذين يتعلمون المهارات المتعلقة بالحرب، مثل رفع أعداد الأطباء الذين يمكنهم التعامل مع الإصابات المرتبطة بالعنف المسلح والصدمات. بالإضافة إلى ذلك، عكف المشرعون التايوانيون على دراسة فكرة مد فترة التجنيد العسكري الإجباري للرجال من أربعة أشهر إلى سنة، علاوة على تطبيق التجنيد الإجباري على النساء كذلك لزيادة عدد أفراد القوات المسلحة . ولم تقتصر دروس أوكرانيا على كشف الموقف الأمريكي أمام تايوان عندما يتعلق الأمر بالحروب، بل أن الدرس الأهم الذي تحاول تايوان تعلمه عن كثب يتعلق بالمقاومة الأوكرانية وتكتيكاتها واستراتيجياتها، بعد أن أدركت أن انتصار الصين لن يكون حتمياً إذا استطاع التايوانيون استغلال طبيعة الأرض لصالحهم. وهكذا فإن إرادة التايوانيين للتعامل مع الصين ومحاولة ردعها عن غزوهم بأنفسهم من دون الاعتماد على أحد لهو أمر بالغ الأهمية نظراً إلى أن الولايات المتحدة لا تضمن مساعدتهم عسكرياً، بالرغم أنها لم تستبعد ذلك .

في المقابل، ما زال هناك صوت، وهو صوت الرئيسة تساي إنغ وين، واثقاً من دعم الولايات المتحدة لتايوان، واستعدادها للتدخل في حالة حدوث غزو صيني ، وهي ثقة عززتها تصريحات شبيهة أدلى بها الرئيس بايدن، حيث وعد بأن الولايات المتحدة ستتدخل في حالة الغزو ، وهو ما يناقض سياسة الغموض الاستراتيجي التي اتبعتها الولايات المتحدة أغلب الوقت على مدى العقود الماضية والتي تشي بنية بايدن. ومع ذلك، من المهم هنا أن نعي أن السيف أصدق إنباء من الكتب، لذلك تتصاعد أصوات الرأي العام المناهضة لذلك الاتجاه، ويصرح  المواطنون التايوانيون في كل تفاعلاتهم بأنه لا سياسة الغموض الاستراتيجي ساهمت في ردع روسيا في أوكرانيا، ولا الولايات المتحدة التزمت بإرسال قواتها بعد الغزو الروسي ، وهي الحقيقة التي تنطبق على تايوان أيضاً.

ختاماً، مع تصعيد الوضع الحالي في تايوان، ما زالت التخوفات قائمة من أن تدق طبول الحرب قريباً. ويبدو أن استعداد الولايات المتحدة للتدخل الفعلي في حالة الغزو الصيني غير مؤكد في ظل الظروف الراهنة على الرغم من خطابها المناقض لذلك. وقد تعلمت تايوان الكثير عن حقيقة الموقف الأمريكي بعد أزمة أوكرانيا، فلم تبعث الولايات المتحدة قوات عسكرية خوفاً من اندلاع حرب عالمية جديدة.

لذا شاع بين مواطني تايوان اتخاذ إجراءات تمكنّهم من الدفاع عن أنفسهم ضد العدوان الصيني. وخفض سقف التوقعات حول دعم الولايات المتحدة، الذي لن يتجاوز إمدادات الأسلحة والدعم المالي، فالاعتماد أكثر من ذلك على الولايات المتحدة سيكون خطأ استراتيجياً وعسكرياً فادحاً، ويقلل من استعداد تايوان لاعتمادها على نفسها، وهو أمر بالغ الأهمية لمواجهة الصين.