أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ملفات زيارة بايدن.. العودة "الواقعية" للشرق الأوسط

30 يونيو، 2022


تمثل زيارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى منطقة الشرق الأوسط في الفترة من 13 الى 16 يوليو 2022، نقطة تحول في سياسة إدارته تجاه المنطقة، وعودة إلى الاهتمام بها وبقضاياها بعد تجاهل طويل، على الأقل على المستوى الرئاسي.

ومنذ حملته الانتخابية للرئاسة، نادراً ما تحدث بايدن عن قضايا الشرق الأوسط، فيما عدا إشارات سريعة للعودة إلى الاتفاق النووي مع إيران، الذي انسحب منه الرئيس السابق، دونالد ترامب، في مايو 2018. وقد استمر هذا التوجه بعد وصول بايدن إلى البيت الأبيض.

وقد عكس هذا السلوك اقتناعاً لدى عدد من دوائر صُنع القرار في الولايات المتحدة بأن منطقة الشرق الأوسط أصبحت أقل أهمية للمصالح الاستراتيجية الأمريكية؛ في ظل انخفاض حاجة واشنطن لواردات النفط من المنطقة، وانخفاض وتيرة التهديدات الإرهابية المُرتبطة بها، وظهور نمط جديد من الإرهاب في الداخل الأمريكي يرتبط بالنزعات العنصرية. كما أن المواطن الأمريكي أصبح أقل تأييداً للتورط الخارجي، خاصةً في الشرق الأوسط؛ في ظل التحديات الاقتصادية الداخلية والانتكاسات التي تعرضت لها بلاده في العراق وأفغانستان.

ويُضاف إلى ذلك، أن الوجود الأمريكي في المنطقة لحماية إسرائيل لم يعد له ما يبرره؛ في ظل تمتع الأخيرة بمستوى أمن غير مسبوق على المستوى الإقليمي، ومن دون حاجة لمظلة الولايات المتحدة.

وبالتالي فإن كل هذه الأسباب أدت إلى انخفاض اهتمام إدارة الرئيس بايدن بالشرق الأوسط، وتحول الاهتمام إلى مناطق أخرى؛ على رأسها القارة الآسيوية لمواجهة الصعود الصيني. ولذا كان الإعلان عن زيارة بايدن للمنطقة بمنزلة مراجعه لسياسة التجاهل، وعودة جديدة للاهتمام بالشرق الأوسط وبعض قضاياه.

ويمكن القول إن ثمة ملفات رئيسية ساهمت في عودة الاهتمام الرئاسي الأمريكي بالشرق الأوسط؛ ومن أبرزها ثلاثة ملفات هي النفط، وإيران، وعملية السلام العربي – الإسرائيلي، ويمكن توضيحها على النحو التالي:

1- النفط: على الرغم من انخفاض حاجة الولايات المتحدة لنفط المنطقة، فإنها أدركت خلال الحرب الروسية – الأوكرانية الحالية أن أسعار الطاقة في السوق الأمريكي مازال يحددها العرض والطلب في الأسواق العالمية، وأن العقوبات المفروضة على روسيا أدت إلى ارتفاع الأسعار نتيجة انخفاض العرض؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار الوقود بدرجة غير مسبوقة وصاحبها موجة تضخمية يعانيها المستهلك الأمريكي بشدة، وهو ما يُمكن أن يؤثر على فرص الحزب الديمقراطي (حزب الرئيس بايدن) في الاحتفاظ بالأغلبية في الكونجرس في انتخابات التجديد النصفي المُقررة في نوفمبر 2022.

وفي مثل هذه الحالات، كانت الولايات المتحدة تطلب من أصدقائها في الخليج ضخ مزيد من النفط في الأسواق العالمية لزيادة العرض، وبالتالي تخفيض السعر. ولكن في هذه المرة، وجدت إدارة بايدن أن قيادات المنطقة تتعامل معها بقدر من الندية، وأن ثمة قناعة لدى هذه القيادات بأن العلاقات مع واشنطن تقوم على المصالح المتبادلة، وأن حاجة الولايات المتحدة لدول المنطقة لا تقل عن حاجة الأخيرة لها. وفي ظل تحفظ هذه الدول على عدد من المواقف التي تبنتها إدارة بايدن مثل رفعها ميليشيا الحوثيين في اليمن من قائمة التنظيمات الإرهابية، بالإضافة إلى التأثير المُتزايد لما يُعرف بـ "التيار التقدمي" داخل الحزب الديمقراطي على سياسات البيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط؛ لذا كان من الضروري أن يأتي بايدن إلى المنطقة للتعامل مع ملف النفط بشكل مباشر. 

2- الملف الإيراني: يمكن القول إن مفاوضات العودة الأمريكية للاتفاق النووي مع إيران، والتي بدأت في العاصمة النمساوية فيينا منذ أكثر من عام، تواجه تحديات كبيرة. ولكن من ناحية أخرى، فإن الإعلان عن عقد اجتماعات غير مباشرة بين واشنطن وطهران في العاصمة القطرية الدوحة، قد يعطى إشارة بإمكانية التغلب على العقبات التي تواجهها مباحثات فيينا، وزيادة فرص الوصول لاتفاق بين الطرفين.

ومن ثم تأتي زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط بهدف طمأنة الحلفاء والأصدقاء في المنطقة، والذين قد يتحفظون على عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران، ويعترضون على رفع العقوبات عنها، ويخشون أن تستخدم طهران أرصدتها المالية الجديدة في تبني المزيد من سياسات عدم الاستقرار بالمنطقة.

كما تستهدف زيارة الرئيس بايدن مناقشة "الخطة البديلة" أو ما يُسمى "Plan B"، في حالة عدم التواصل إلى اتفاق مع إيران. وفي إطار الطمأنة أو "الخطة البديلة"، يحمل بايدن معه مجموعة من الأفكار تتعلق بزيادة التعاون العسكري مع دول المنطقة لمواجهة أي تهديدات إيرانية مُحتملة؛ ومنها فكرة إنشاء نظام جوي مُوحد تشارك فيه الولايات المتحدة ودول من المنطقة لمواجهة التهديدات الصاروخية والطائرات من دون طيار "الدرونز" الإيرانية، وغيرها، وذلك من خلال إنشاء شبكة للرصد والإنذار المُبكر، واستخدام الإمكانيات المشتركة لمواجهة هذه التحديات. وفي حالة عدم التوصل لاتفاق للعودة للاتفاق النووي، فقد تلتزم الإدارة الأمريكية باستمرار العقوبات المفروضة على إيران.

3- السلام العربي – الإسرائيلي: أعلنت إدارة بايدن تأييدها لاتفاقيات السلام الإبراهيمي، والتي بدأت في عهد الرئيس السابق ترامب، وسعيها لتوسيع نطاقها. وتستهدف الإدارة الأمريكية الحالية ترسيخ وضعية إسرائيل كدولة شرق أوسطية، وطرفاً في آليات التعاون الإقليمي، وهو ما بدأته إدارة ترامب بضم إسرائيل إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية؛ وهي المسؤولة عن العمليات العسكرية في الشرق الأوسط.

وتعمل إدارة بايدن على تضييق فجوة الخلاف بين إسرائيل ولبنان بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما، لتسهيل التنقيب عن الغاز في المناطق التابعة لكل منهما في منطقة شرق المتوسط. كما تساند الولايات المتحدة الخطط المُتعلقة بالتعاون بين مصر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي لتصدير الغاز لدول الاتحاد.

كما سوف تشهد زيارة بايدن للمملكة العربية السعودية المُشاركة في قمة دعا إليها الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبحضور قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وملك الأردن، ورئيس جمهورية مصر العربية، ورئيس الوزراء العراقي.

وفي زيارته للضفة الغربية وإسرائيل، سوف يستهدف بايدن الحفاظ على حالة الهدوء وعدم التصعيد بين إسرائيل والجانب الفلسطيني. وفي حين لن تُقدم إدارة بايدن أي خطة شاملة للسلام الفلسطيني - الإسرائيلي، لاعتقادها أن الظروف غير مواتية لنجاح مثل هذه الخطط؛ فإنها (أي واشنطن) سوف تؤكد على حل الدولتين، وسوف تسعى لتقديم المزيد من المساعدات الاقتصادية والإنسانية للفلسطينيين، وخلق آلية للاتصال الدبلوماسي المُباشر بالفلسطينيين في القدس الشرقية.

باختصار، يمكن القول إن زيارة بايدن للشرق الأوسط تمثل عودة لاهتمام إدارته بالمنطقة وقضاياها، وإن هذه العودة ليست ناتجة عن قناعات فكرية؛ بل فرضتها "اعتبارات واقعية" ارتبطت بشكل أساسي بنتائج الحرب الأوكرانية، والتطورات في ملف التفاوض مع إيران بشأن برنامجها النووي. ولكن هذه الزيارة في نفس الوقت تمثل فرصة جيدة للحوار العربي - الأمريكي، وإعادة تعزيز الثقة وفتح آفاق جديدة للتعاون بين الطرفين، وبما يحقق مصالحهما المشتركة.