أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

معضلة صنع القرار في مواجهة «كورونا»

21 أبريل، 2020


اهتمت مدارس التحليل السياسي الحديثة بعملية صنع القرار، باعتبار أن القرارات السياسية هي المُخرَج النهائي للعملية أو التفاعلات السياسية، ومن ثم فإن الفهم العلمي لها يُعَد مدخلاً مناسباً لفهم الظاهرة السياسية عامة، وبالتالي اهتم أنصار هذا الاتجاه ببناء نموذج لتفسير عملية صنع القرار يكون صانع القرار الرئيسي في قلبه ومكونات البيئة المحيطة به، سواء أكانت داخلية أم خارجية، تؤثر عليه وتتأثر به وفقاً لنموذج الممارسة السياسية السائد. كذلك اهتمت بالخطوات الواجب اتباعها كي تتصف عملية صنع القرار بالرشادة، وأولاها تحديد الموقف الذي يُراد اتخاذ القرار في مواجهته، وهي خطوة تعتمد على توافر المعلومات عن هذا الموقف، ثم تحديد الأهداف المطلوب تحقيقها وأحياناً تكون محددة سلفاً قبل أن يثور موقف معين، ثم تبدأ الخطوة الثالثة وهي البحث عن البدائل أو الخيارات المختلفة التي يمكن أن تحقق هذه الأهداف والمفاضلة بينها، فإذا تم التوصل إلى أفضلها يكون هو الخطوة الرابعة أي القرار المُتخذ الذي يُفترض أن يتسم بالرشادة. غير أن تحقيق هذه الصفة في القرارات يثير إشكاليات عديدة؛ لأن المعلومات كثيراً ما تكون غير دقيقة ناهيك بالاختلاف في تفسيرها، بمعنى أنك قد ترصد حشوداً عسكرية معادية لكنك لا تستطيع أن تحسم نواياها، وهل هي لمجرد التهديد أم للعدوان.. وهكذا. كذلك قد يُختلف حول الأهداف، فهل نقبل سلاماً مع العدو أم أن الحرب هي الوسيلة الناجعة لإدارة الصراع معه؟ وتصعب كثيراً المفاضلة بين البدائل لغياب المعلومات الكافية واختلاف التوجهات السياسية ومصالح الأطراف المشاركة في عملية صنع القرار. وهكذا قد يتصف القرار في النهاية بعدم الرشادة بدرجة أو بأخرى.

وقد يتصور البعض أن القرارات في أزمة كأزمة وباء كورونا الحالية بعيدة عن هذه الإشكالية؛ لأن المعلومات فيها ظاهرة للعيان، ولأن الأهداف متفق عليها وهي حماية أرواح الناس، ولأن العلوم الطبية كفيلة بوضع النهج السليم لدحر الأزمة. غير أن هذا كله بعيد عن الواقع، فلم تكن المعلومات كافية منذ بداية الأزمة، إما عمداً لإخفاء بعض الدول عدد الإصابات الحقيقي لديها، أو لأن سلطات هذه الدول غير قادرة على التوصل لهذا العدد بدقة ولأسباب مختلفة. ولو كانت المعلومات الكافية الدقيقة قد اكتملت في وقت مناسب لاختلف الأمر، كما أن اختلافاً بالغ الأهمية قد حدث حول الأولويات، فهل تُعطى الأولوية لأرواح البشر أم لرزقهم؟ حيث إن الأرواح قد تُزهق بالفيروس أو بالفقر، وهو ما تُرجِم في الجدل المحتدم الراهن حول «الإغلاق» من عدمه بين ترامب وبعض حكام الولايات الأميركية وبين رجال أعمال وسلطات بلادهم.. وهكذا. أما الخطوة المتعلقة بالبدائل، فقد رأينا الخلاف الخطير حول سبل المواجهة، وهو خطير؛ لأنه يتعلق بأرواح البشر واقتصادات الدول، ومفاد هذا الخلاف: هل تتم مجابهة الفيروس بالمواجهة الحاسمة للإصابات وبذل أقصى الجهد في اكتشاف المستجد منها وعلاج المصابين أم يُترك الفيروس للانتشار، بحيث يكتسب المجتمع مناعة القطيع؟ وهي سياسة دافع عنها في البداية رئيس الوزراء البريطاني حتى أصيب هو نفسه وتعرضت حياته لخطر حقيقي. وقد دُهِش البعض من اختلاف كهذا لظنهم أن العلوم الطبية تامة الانضباط كالرياضيات والفيزياء، غير أن ثمة مناطق لا تزال رمادية في تلك العلوم، ومن هنا مثلاً الاختلاف بل والتناقض بين الأطباء في وصفاتهم لعلاج مريض بعينه. ولهذا يُلاحظ وجود اضطراب في أمور تشمل مسائل جزئية كجدوى ارتداء الكمامات ومدى فائدة حظر التجول والعزل وإغلاق الاقتصاد. والمشكلة أن هذا الاضطراب مازال موجوداً في بعض الحالات الحادة كالولايات المتحدة التي يقوم الخلاف فيها حول ما إذا كان الوباء قد وصل ذروته كما يقول ترامب أم أنه لا يزال في طور التصاعد. ولا يخفى أن تداعيات الخطأ في تحديد المشكلة على نحو دقيق ستكون فادحة، وهذه هي المعضلة.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد