يسعى تنظيم "داعش" إلى استغلال مجمل التطورات السياسية والأمنية الأخيرة التي طرأت على الساحة العراقية من أجل استعادة نفوذه، الذي سبق أن فقده بعد إعلان الانتصار العسكري عليه عام 2017 والضربات القوية التي تعرض لها في الفترة التالية، وذلك على الرغم من الجهود التي يبذلها الجيش العراقي للقضاء على عناصره وخلاياه المتبقية.
مؤشرات عديدة:
يمكن رصد عدد من المؤشرات الدالة على مسعى تنظيم "داعش" لتوسيع نطاق نشاطه من جديد على الساحة العراقية، وذلك على النحو التالي:
1- التوقعات الأممية بتهديدات وشيكة لـ"داعش": أعلن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة رئيس مكتب مكافحة الإرهاب بالمنظمة فلاديمير فورونكوف، في 7 فبراير الجاري، أن "أعداد الإرهابيين الأجانب في صفوف تنظيم داعش في سوريا والعراق تتراوح حالياً بين 20 و27 ألف شخص، وأنهم سيمثلون تهديداً في الآفاق القريبة والمتوسطة والبعيدة." وتابع فورونكوف: "ينبغي علينا أن نكون متيقظين ونقف صفاً واحداً في وجه هذا الشر"، مضيفاً أن "داعش يحاول استعادة قدراته على خوض عمليات كبيرة على نطاق دولي، أما خلايا التنظيم المحلية فهى متمسكة باستراتيجيتها السابقة المتمثلة في سعيها إلى تعزيز وجودها في مناطق الأزمات، مستغلة المشكلات المحلية".
2- المخاوف الدولية من إمكانية عودة التنظيم: دعا نائب المندوب الصيني الدائم لدى الأمم المتحدة وو هاى تاو، في 7 فبراير الحالي، المجتمع الدولي إلى توخي الحذر من عودة الإرهاب العالمي مجدداً، مشيراً إلى أن وضع مكافحة الإرهاب لا يزال قاتماً بالرغم من هزيمة تنظيم "داعش" في سوريا العام الماضي. وأضاف أنه على الرغم من انتكاسات "داعش" فإنه يعيد تنظيم نفسه بسرعة في شكل شبكات سرية ويواصل استهداف الموظفين والمرافق في المناطق النائية بالعراق. وأوضح أن "المجتمع الدولي عليه أن يظل يقظاً بشأن عودة الإرهاب العالمي وأن يعزز التوعية بشأن مفهوم مجتمع مصير مشترك للبشرية والتعاون في الجهود المشتركة لمواجهة تهديد الإرهاب". جدير بالذكر أن تصريحات المسئولين الأمريكيين منذ إصدار البرلمان العراقي، في 5 يناير الفائت، قانون إخراج القوات الأجنبية من العراق تُحذر حتى الآن من أن الانسحاب المحتمل للقوات الأمريكية من العراق قد يؤدي، على الأرجح، إلى عودة ظهور "داعش".
3- التحذيرات الكردية المتواصلة من تصاعد نشاط "داعش" في العراق: أشار رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، في 4 فبراير الجاري، إلى احتمال كبير بعودة ظهور "داعش". وبشأن عناصر "داعش" في الوقت الراهن، قال: "من الصعب تحديد العدد الدقيق، ولكن نملك معلومات تشير إلى أن أعدادهم تبلغ 18 ألفاً وربما أكثر، ولكن أود التأكيد على أن تنظيم داعش لديه اليوم عناصر أكثر مما كان عليه عام 2013 قبل أن يبدأوا بشن هجومهم في سوريا والعراق وإعلان خلافتهم"، لافتاً إلى أن "ثمة احتمالاً كبيراً بعودة ظهور داعش مجدداً وبإمكانه إعادة ترتيب صفوفه بسهولة بالغة والقيام بالتجنيد، لأن كل الأسباب الجذرية التي تؤدي الى ظهور داعش وتعاون الناس معهم، مازالت موجودة هناك".
4- الهجمات المتواصلة التي يقوم بها التنظيم: لا يزال "داعش" يشكل خطراً كبيراً في العديد من المناطق العراقية ويشن هجمات تسفر عن قتلى وجرحى بصفوف المدنيين والعسكريين، ولعل أبرز المؤشرات على ذلك كان مقتل 4 عناصر في ميليشيا "الحشد الشعبي"، في 5 فبراير الجاري، في هجومين شنهما التنظيم في محافظتى ديالى وصلاح الدين.
متغيران رئيسيان:
يرتبط مسعى تنظيم "داعش" لاستعادة نشاطه من جديد على الساحة العراقية في الوقت الحالي بمتغيرين رئيسيين هما:
1- استمرار توظيف التنظيم لأزمة التظاهرات العراقية: من الواضح أن الأزمة السياسية الراهنة في العراق، والتي تتعلق بتصاعد حدة التظاهرات الشعبية منذ مطلع شهر أكتوبر الماضي، والمشكلات المتزامنة معها على غرار الانهماك في متابعة مسارات وتداعيات التصعيد الأمريكي- الإيراني على أمن العراق بعد مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس، في 3 يناير الفائت، ثم الضربات الصاروخية التي شنتها إيران على قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية بعد ذلك بخمسة أيام، قد أثرت بشكل سلبي على الجهود التي تبذلها الحكومة من أجل إضعاف احتمالات عودة خلايا التنظيم النائمة لتعزيز نشاطها مجدداً في الساحة العراقية.
2- التقارير التي تشير إلى قوة التنظيم الحالية في سوريا: اعتبر تقرير لمكتب المفتش العام في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاجون"، في 4 فبراير الحالي، أن مقتل زعيم "داعش" أبوبكر البغدادي في العملية التي نفذتها القوات الخاصة الأمريكية في سوريا في 27 أكتوبر الماضي، لم يؤثر على قدرات التنظيم. ونقل التقرير عن القيادة الأمريكية الوسطى المسئولة عن القوات الأمريكية في الشرق الأوسط، قولها أن "تنظيم داعش حافظ على لُحمته، مع هيكلية قيادة بقيت على حالها وشبكات سرية في مدن وتواجد في غالبية المناطق الريفية في سوريا. واستنتجت كل من القيادة الأمريكية الوسطى ووكالة الاستخبارات العسكرية أن مقتل البغدادي لم يتسبب بأى تراجع فوري لقدرات التنظيم في العراق وسوريا".
وعلى ضوء ذلك، من الواضح أن تنظيم "داعش" اعتبر، في أعقاب مقتل زعيمه السابق أبوبكر البغدادي، أن تطورات الساحة العراقية المرتبطة باستمرار الأزمة السياسية حتى بعد تكليف محمد توفيق علاوي برئاسة الحكومة، والمتغيرات الإقليمية التي يأتي على رأسها استمرار المواجهات المسلحة في الشمال السوري، توفر له فرصاً استثنائية لإعادة تفعيل نشاطه على الساحة العراقية مرة أخرى.