يفتح الهجوم الدموي الذي قام به تنظيم داعش في محافظة السويداء ضد الدروز، والذي أسفر عما يقارب 250 قتيلًا ومئات المصابين، الباب واسعًا أمام توقع قيام التنظيم بهجمات أخرى داعشية خلال الفترة القادمة، وذلك في محاولة منه لإثبات حضوره في الساحة السورية كأحد معاقله الرئيسية رغم خسائره الميدانية الكبيرة بها خلال الفترة الأخيرة.
نتيجة منطقية:
يأتي هجوم داعش الكبير على محافظة السويداء كنتيجة منطقية لعدة أمور مرتبطة بما يحدث بمعركة النظام الحالية في الجنوب السوري، ومن ذلك ما يلي:
1- انسحاب عناصر داعش من درعا للسويداء: ففي ضوء التقدم البارز لقوات النظام السوري على جبهة درعا، أقرت مواقع إعلامية معارضة للنظام في منتصف يوليو الجاري بوجود مفاوضات يقوم بها النظام، وذلك بهدف إخراج عناصر جيش خالد بن الوليد المبايع لداعش من منطقة حوض اليرموك بريف درعا الغربي إلى بادية سويداء، ويُشار -في هذا الإطار- إلى أن توقعات الجانب الأردني لأعداد تنظيم داعش في حوض اليرموك كانت تتراوح ما بين 1000 و1500 عنصر، وذلك بحسب ما ذكره قائد المنطقة الشمالية في الأردن العميد "خالد المساعيد".
2- تسرب التنظيم للمحافظة على مدار الشهور الأخيرة: تشير التقارير الميدانية بشأن جنوب سوريا منذ مايو الماضي إلى أن تنظيم داعش يتسرب تدريجيًّا إلى ريف السويداء الشرقي، وأنه تمكن من خلق ربط لنشاطه بين الحدود الإدارية لمحافظتي السويداء وريف دمشق، وأن عدد عناصر التنظيم في تلك المنطقة وصل إلى نحو 1200 عنصر، وأن عناصر التنظيم فيها شعروا بقوتهم من جديد خلال الشهور الأخيرة في هذه المنطقة وعادوا لتنفيذ ممارساتهم القديمة بحق بدو المنطقة كجمع الإتاوات وتنفيذ الإعدامات ومراقبة اتصالاتهم وتنقلاتهم.
وفي هذا السياق كان لداعش مساحات سيطرة كبيرة داخل السويداء خلال الفترة من ديسمبر 2014 وحتى مطلع عام 2017، لكنه انسحب منها بعد معارك مع الجيش الحر الذي انسحب هو الآخر بعد هجوم شنته قوات النظام وحلفاؤها في أواخر عام 2017.
أهداف داعشية:
تأتي هجمات التنظيم على دروز السويداء ارتباطًا بمسعاه لتحقيق جملة من الأهداف، والتي يتمثل أهمها فيما يلي:
1- فتح جبهة قتالية في منطقة مسالمة: تعتبر محافظة السويداء المحافظة الأقل تأثرًا بين باقي المحافظات السورية الأخرى بما يجري في سوريا منذ بداية الأزمة في عام 2011 وحتى الآن. ولذلك يستهدف التنظيم من وراء هجماته بها، والتي تعد الحصيلة الدموية الأكبر في المحافظة، فتح معارك في منطقة مستقرة نوعًا ما، خاصة أنه يتوقع ألا يجد مقاومة عالية من خصومه فيها.
2- إفساد علاقة الدروز مع النظام: استهدف التنظيم من هجومه إحداث مزيد من الإرباك في العلاقة بين النظام والدروز، ونجح في ذلك حتى الآن، خاصة مع الاتهامات التي وجهها زعماء الأقلية للنظام بتسهيل دخول عناصر التنظيم من جنوب دمشق إلى منطقة بادية السويداء، وذلك على غرار ما ذكره الزعيم الدرزي "وليد جنبلاط" بشأن استغرابه من تساهل النظام مع دخول مسلحي التنظيم للمدينة، وربطه هذا الأمر برفض مشايخ الدروز تطويع أبناء الطائفة للقتال في صفوف القوات النظامية، وكذلك قيام أهالي السويداء بطرد ممثلي النظام من تشييع ضحاياهم.
ويُشار -في هذا الإطار- إلى أن الدروز رفضوا الانخراط في القتال بجانب أي طرف في الصراع رغم قبولهم بسيطرة النظام الحالية على المحافظة. كما يُشار إلى أن مشايخ الدروز رفضوا مؤخرًا مطالب الوفد الروسي الذي زار السويداء في يونيو الماضي لإقناعهم بانضمام شباب الطائفة للخدمة الإلزامية في قوات "الفيلق الخامس".
وتشير إحصائيات غير رسمية إلى أن ما بين 30 إلى 50 ألفًا من أبناء السويداء ممن هم في سن الخدمة العسكرية والمطلوبين للاحتياط، يرفضون الانخراط في صفوف القوات النظامية، وهو أمر دفع بعض أبناء المحافظة للتكهن بأن النظام سمح ضمنيًّا بهجوم داعش، وأن ذلك يأتي كجزء من خطة بديلة من جانب "الأسد" والروس لإرغام أبناء المحافظة على الانخراط في صفوف قوات النظام.
3- استكمال لتجدد نشاطه الحالي في العراق: يستهدف التنظيم من القيام بعمل مدوٍّ في سوريا حاليًّا على غرار مذبحة السويداء، إيصال رسالة مضمونها قدرته على النشاط في أكثر من منطقة في توقيت واحد. ويرتبط بذلك استعراضه العسكري الأخير في 25 يوليو الجاري بمحافظتي صلاح الدين ونينوى، والذي شبهه البعض بالاستعراضات التي كان يقوم بها التنظيم قبل سيطرته على ثلث مساحة العراق في عام 2014.
استراتيجية إجبارية:
كشفت هجمات داعش الأخيرة في السويداء عن استراتيجية فرضت نفسها على التنظيم، لعل أبرز ملامحها ما يلي:
1- التركيز على الزخم الإعلامي لهجمات التنظيم: استغل تنظيم داعش هجمات السويداء إعلاميًّا بشكل جيد، وتمكن من تسويقها لأنصاره في جميع أنحاء العالم على أنه لا يزال يتمتع بحضور قوي في الساحة السورية. ولعل أبرز صور هذا الاستغلال الإعلامي كان قيام التنظيم بنشر صور تُبرز قتلى من العملية، كما تُبرز نجاح التنظيم في أسر مجموعة كبيرة من الأشخاص أغلبهم من النساء خلال هجومه الأخير على محافظة السويداء.
ويُشار في هذا الإطار إلى أن قطاع الإعلام يحتل مكانة كبيرة في فكر التنظيم منذ نشأته وحتى الآن، حيث ركز عليه لحشد وتجنيد أكبر عدد ممكن من المقاتلين، ليس على مستوى العراق وسوريا فقط، بل على المستوى الإقليمي والدولي، وهو ما نجح فيه بالفعل من خلال استقطاب العديد من الشبان من شتى أنحاء العالم، وبالتالي ارتبط النجاح الذي حققه التنظيم في السابق على صعيد العمليات العسكرية بقدرته الكبيرة على الصعيد الإعلامي.
2- إرسال رسائل طمأنة لأنصاره من حين لآخر: يحاول داعش من فترة لأخرى القيام بأعمال إرهابية من شأنها دفع التنظيمات الإرهابية التي تبايعه وتقبل به كمحور أساسي لعملها الجهادي إلى الاستمرار في مبايعتها له، ويُدرك التنظيم على هذا النحو أن عملياته الإرهابية الكبرى ستكفل له احتواء التداعيات النفسية السلبية لأنصاره عبر العالم جراء هزائمه الأخيرة بالعراق وسوريا، وذلك من خلال إيصال رسالة لهم بأنه لا يزال موجودًا، وأن الخلافة فكرة عالمية تُطبق في أي مكان، وأنها ليست مرتبطة بجغرافيا محددة.
3- القيام بهجمات نوعية من الصعب توقعها: يركز تنظيم داعش بعد خسائره الأخيرة في العراق وسوريا على شن هجمات انتحارية مباغتة، وتنفيذ تفجيرات انتقامية نوعية وموجعة ضد خصومه، وترتبط تلك النقطة بعودة التنظيم الإجبارية لتبني النموذج التقليدي للإرهاب الذي يتمثل في اتباع أسلوب الكر والفر، ومنهج العصابات، والعمل بشكل عشوائي، وتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع الأطراف التي تتفوق في العدد والعتاد، والتخفي والعودة للعمل السري من خلال خلايا التنظيم المتبقية، والنأي بالنفس عن أي ظهور إعلامي أو حضور اجتماعي، والاندماج مع المدنيين وإخفاء الهويات الحقيقية.
مسئولية النظام:
يتحمل النظام مسئولية غير مباشرة عن هجوم داعش على السويداء، خاصة وأن هذا الهجوم يأتي نتيجة تراخي النظام في القضاء على عناصر "جيش خالد بن الوليد" المحسوبين على التنظيم في درعا، وسماحه بتسرب عناصر داعش للمحافظة رغم سيطرته الفعلية عليها.
ويمكن اعتبار السياسة التي ينتهجها النظام في الوقت الحالي تجاه داعش في الجنوب تحديدًا، والتي تتسم بالتراخي الواضح في محاربته، وترك جيوب له للحركة بين محافظات الجنوب، ركيزة أساسية في حساباته للسيطرة على كامل الجنوب السوري من خلال خلق دور مساعد وغير مباشر للتنظيم في ذلك.
ختاماً قد يفتح الهجوم الأخير لداعش على السويداء الباب أمام مسارين متناقضين في علاقة النظام مع الدروز، وهما: إما توتر أكبر في العلاقة بين الجانبين وتصعيد من جانب النظام ضد الدروز لابتزازهم وإجبارهم على القبول بمطالبه، أو اضطرار الدروز إلى القبول بالأمر الواقع والموافقة على تجنيد أبنائهم في صفوف قوات النظام لتفادي حدوث هجمات داعشية مستقبلية.
ومن المتوقع أن تشهد محافظة السويداء معدلات أعلى من العنف خلال الفترة القادمة، وذلك بعد تمكن داعش من كسر الهدوء بها ونقل أجواء الدم إليها بقوة، وسيرتبط ذلك إما بهجمات أخرى من التنظيم فيها، أو مواجهات يقوم بها الدروز ضد التنظيم، سواء بشكل منفرد أو بتعاون مع النظام.