اتخذت بعض دول آسيا الوسطى، خلال الفترة الأخيرة، تدابير أمنية وتشريعية عديدة للتعامل مع التهديدات التي بات يفرضها تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في تلك المنطقة، وفي مقدمتها تنظيم "داعش"، لا سيما بعد تزايد أعداد العناصر الإرهابية التي تنتمي لتلك الدول وقامت بالانضمام إلى هذه التنظيمات، التي تسعى إلى إعادتهم من جديد إلى دولهم الأصلية لدعم تمددها داخلها، بكل ما يفرضه ذلك من تداعيات مباشرة ليس فقط على أمنها واستقرارها وإنما أيضًا على مصالح دول وأقاليم الجوار.
وقد ذكرت بعض التقارير الغربية في الآونة الأخيرة أن الإرهابيين الذين ينتمون لتلك المنطقة يُستخدمون، في كثير من الأحيان، باعتبارهم "قنابل موقوتة" تلجأ إليها التنظيمات الإرهابية للرد على العمليات العسكرية التي تتعرض لها خاصة في العامين الأخيرين.
إجراءات متوازية:
كانت طاجيكستان في مقدمة تلك الدول التي عززت إجراءاتها الأمنية والتشريعية للحد من تهديدات تنظيم "داعش"، حيث أصدرت إحدى محاكمها، في 28 يناير 2018، أحكامًا غيابية بالسجن تراوحت بين 16 و18 عامًا ضد زوجين اتهما بالمشاركة في العمليات الإرهابية والعسكرية التي نفذها وانخرط فيها تنظيم "داعش" داخل سوريا، إلى جانب أحكام أخرى بالسجن صدرت قبل ذلك بيوم واحد ضد ثلاثة أشخاص كانوا يسعون للانضمام للتنظيم.
وقبل ذلك، وتحديدًا في 6 مايو 2016، اتهمت السلطات الطاجيكية تنظيم "داعش" بتجنيد شخصين لاغتيال الرئيس إمام علي رحمانوف، حيث صدر حكم ضدهما بالسجن 10 و8 أعوام ونصف على التوالي.
فضلاً عن ذلك، اتجهت طاجيكستان إلى رفع مستوى تعاونها الأمني مع روسيا في هذا الإطار، إذ قامت، في نوفمبر 2017، بتسليم ضابط روسي متخصص في تقنية المعلومات والتشفير وكان مرشحًا للحصول على لقب عالم في الرقميات، إلى السلطات الروسية، حيث اتهم بالمشاركة في المواجهات العسكرية مع التنظيم داخل كل من سوريا والعراق.
كما بدأت اتجاهات عديدة في التحذير من إمكانية تصاعد حدة العنف في أوزبكستان، بعد قيام عدد من مواطنيها بتنفيذ هجمات إرهابية في الخارج لصالح التنظيم، على غرار سيف الله سايبوف الذي نفذ اعتداء مانهاتن في نوفمبر 2017، وقبله عبد القادر مشاريبوف الذي شن الهجوم على ناد ليلي في اسطنبول في يناير 2017.
ووجهت قيرغيزستان بدورها دعوات إلى ضرورة توسيع نطاق التنسيق بين دول المنطقة للتعامل مع ظاهرة العائدين من مناطق الصراع، خاصة بعد أن كشفت تقديرات عديدة عن توجه عدد من مواطنيها إلى سوريا، من بينهم بعض النساء، للانضمام إلى التنظيمات الإرهابية التي نشطت فيها خلال الفترة الماضية.
وتوازى ذلك مع إعلان بعض دول الجوار، مثل أذربيجان، في 30 يناير 2018، عن مقتل نحو 300 من مواطنيها داخل كل من العراق وسوريا وإلقاء القبض على 92 شخصًا آخرين عادوا إلى البلاد بعد مشاركتهم في العمليات التي شنتها التنظيمات الإرهابية في الدولتين.
تداعيات مختلفة:
يبدو أن هذه التطورات دفعت اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن تكون منطقة آسيا الوسطى والقوقاز إحدى المناطق المرشحة لتصاعد نفوذ التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش"، في مرحلة ما بعد الضربات العسكرية التي تعرض لها في المناطق التي سيطر عليها خلال الفترة الماضية داخل كل من سوريا والعراق، وهو ما يمكن أن يفرض تداعيات عديدة يتمثل أبرزها في:
1- تأسيس مناطق نفوذ "داعشية" جديدة: تشير تلك الاتجاهات إلى أن العناصر التي تنتمي إلى تنظيم "داعش" في تلك المنطقة تتسم بأنها تمتلك إمكانيات تنظيمية وقتالية تعزز من قدرتها على تأسيس بؤر "داعشية" جديدة فيها، وهو ما يمكن أن يزيد من احتمالات تمدد التنظيم إلى دول ومناطق أخرى، بشكل بات يفسر أسباب اهتمام بعض القوى الدولية بالمسارات المحتملة للحرب ضد التنظيمات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط، على أساس أن تلك الحرب سوف تدفع التنظيم إلى البحث عن خيارات أخرى، قد يكون منها منطقة آسيا الوسطى والقوقاز.
2- اتساع نطاق العمليات الإرهابية: ساهمت عودة بعض الإرهابيين الذين شاركوا في المواجهات العسكرية التي شهدتها كل من سوريا والعراق بين التنظيمات الإرهابية والأطراف المحلية والإقليمية والدولية المعنية بالحرب ضدها، إلى دولهم الأصلية في اتساع نطاق العمليات الإرهابية التي شهدتها تلك الدول.
ورغم أن دراسات كثيرة أشارت إلى صعوبة تحديد أعداد العناصر الإرهابية التي تنتمي إلى منطقة آسيا الوسطى وانضمت إلى التنظيمات الإرهابية، إلا أن الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين كشف عن أن هذه الأعداد تتراوح بين 5 و7 آلاف عنصر. وسبق أن حذر، في 20 ديسمبر 2017، من أن "الجمهوريات السوفيتية السابقة مهددة من جانب متشددين يستخدمون آسيا الوسطى والشرق الأوسط نقطة انطلاق للتوسع".
3- تزايد التحذيرات من احتمال استهداف روسيا: خاصة مع اقتراب موعد تنظيم نهائيات كأس العالم التي سوف تقام على أراضيها خلال شهرى يونيو ويوليو 2018. وقد أشارت مؤسسة "آى اتش اس"، ومقرها في لندن، في 18 يناير 2018، إلى أن تلك المناسبة قد تكون هدفًا لتنظيم "داعش"، في ظل تصاعد حدة الانخراط الروسي في العمليات العسكرية التي تشهدها سوريا تحديدًا خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة. واستندت تلك التحذيرات إلى إشارات وجهها التنظيم تكشف عن سعيه لذلك، منها قيام أحد الحسابات الموالية له على مواقع "تيليغرام" بنشر خريطة المدن الروسية التي سوف تنظم فيها النهائيات، مطالبًا عناصره بالاستعداد لاستهدافها.
4- بناء شبكة تحالفات مع تنظيمات أخرى: وذلك بهدف تعزيز قدرة "داعش" على مد نفوذه داخل تلك المنطقة، من خلال رفع مستوى التنسيق بين فروعه مثل "ولاية خراسان" في أفغانستان و"ولاية القوقاز" بشقيها في الشيشان وداغستان، فضلاً عن المجموعات المؤدية له على غرار حركة "أوزبكستان الإسلامية".
ويبدو أن التنظيم يحاول في هذا السياق الاستفادة من نتائج الحرب التي شنتها بعض الأطراف ضده في كل من العراق وسوريا، خاصة على صعيد العمل على تجنب تصعيد حدة الخلافات مع التنظيمات الإرهابية الأخرى، على أساس أن ذلك يضعف من احتمالات الوصول إلى تفاهمات مع تلك التنظيمات، ويقلص من قدرته على استيعاب الضغوط المتتالية التي تفرضها الضربات العسكرية التي يتعرض لها.
من هنا، ربما يمكن القول في النهاية إن مواجهة التهديدات التي يفرضها استهداف تنظيم "داعش" لتلك المنطقة سوف تتحول إلى محور رئيسي في التفاعلات التي تجري بين دولها، التي باتت تدرك التداعيات المحتملة التي يمكن أن ينتجها تمدد التنظيم داخل أراضيها عبر إعادة مواطنيها المنخرطين في صفوفه إليها من جديد.