أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

من الأطراف إلى المركز:

تحولات خريطة الصراعات المسلحة في العالم عام 2017

12 مايو، 2017


على الرغم من التراجع النسبي في عدد ضحايا الصراعات في العالم خلال عام 2016،لا تزال أغلب النزاعات والمواجهات العسكرية في مختلف أقاليم العالم تستعصي على التسوية السلمية، كما أنها مرشحة للتصعيد خلال السنوات المقبلة. فقد كشف تقرير "مسح الصراعات المسلحة" (Armed Conflict Survey) الصادر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) بلندن في 9 مايو 2017، عن أن عشرة صراعات عالمية مرتفعة الحدة تسببت في 80% من عدد قتلى الصراعات في العالم خلال عام، يتصدرها الصراعات المحتدمة في منطقة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وجنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، وهو ما يرتبط باستمرار تعقيدات الصراعات، وانتقالها من الأطراف إلى المراكز الحضرية، وصعود أنماط صراعات العصابات، وصراعات الحصار، وانتشار الصراعات الخامدة التي يُرجَّح أن تشهد تصعيداً خلال السنوات المقبلة.

الانتشار العالمي للصراعات المسلحة: 

تراجعت الخسائر البشرية الناجمة عن الصراعات المسلحة في العالم من 167 ألف قتيل عام 2015 إلى 157 ألف قتيل عام 2016، وعلى الرغم من ذلك تصاعدت تعقيدات الصراعات المسلحة، وتزايد عدد الصراعات مرتفعة الكثافة عالمياً.

وتصدرت منطقة الشرق الأوسط بؤر الصراعات العالمية عالية الكثافة، إذ أدت الصراعات المسلحة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى سقوط ما لا يقل عن 82 ألف قتيل عام 2016، واحتل الصراع الأهلي في سوريا صدارة الصراعات المسلحة الأكثر حدة بعدد ضحايا يقدر بحوالي 50 ألف قتيل، وهو ما يمثل قرابة 61% من عدد ضحايا الصراعات في الشرق الأوسط.

وشهدت أمريكا اللاتينية صعوداً في عدد ضحايا الصراعات المسلحة إلى حوالي 39 ألف قتيل عام 2016، في مقابل 34 ألف قتيل عام 2015، ويمثل ضحايا صراعات العصابات في المكسيك حوالي 58.9% من إجمالي ضحايا الصراعات في أمريكا اللاتينية.


وشهدت الصراعات في إفريقيا جنوب الصحراء تراجعاً في عدد الضحايا بين عامي 2015 و2016، حيث بلغ عدد ضحايا الصراعات حوالي 15 ألف قتيل عام 2016، في مقابل 24 ألف قتيل عام 2015، وهو ما يرجع إلى تراجع العمليات العسكرية لبوكو حرام في نيجيريا خلال عام 2016، وتقاسمت الصراعات في كلٍّ من النيجر في نيجيريا وجنوب السودان والسودان والصومال أغلب أعداد ضحايا الصراعات في قارة إفريقيا.

وفي المقابل، لم تتراجع حدة الصراعات في جنوب آسيا، حيث بلغت أعداد الضحايا حوالي 19 ألف قتيل، وتصدرت أفغانستان قائمة الدول من حيث عدد الضحايا بنسبة 84% من إجمالي الضحايا في جنوب آسيا، تليها باكستان بنسبة 9% من أعداد الضحايا.

أما دول القارة الآسيوية والمحيط الهادي فشهدت صراعات أقل حدة لم تسفر سوى عن سقوط 1250 قتيلاً عام 2016، وتصدرتها الصراعات الانفصالية في الفلبين وميانمار وجنوب تايلاند. وفي القارة الأوروبية لا يزال الصراع الانفصالي في أوكرانيا يتسبب في سقوط 70% من ضحايا الصراعات الذين بلغ عددهم 1000 قتيل في عام 2016، في مقابل 4500 قتيل عام 2015.

الاتجاهات الصاعدة للصراعات: 

تضمن تقرير مسح الصراعات المسلحة لعام 2017 تحذيرات من تحولات طبيعة المواجهات العسكرية، إذ أشار التقرير إلى أن "الصراعات الكامنة" والمجمدة (Frozen Conflicts) قد باتت أكثر عرضة للتصعيد بسبب عدم معالجة الجذور العميقة لهذه الصراعات. وحذر التقرير من التصعيد في بعض الصراعات متوسطة ومنخفضة الكثافة، مثل: الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، والصراعات في أوكرانيا ومالي وشمال الهند وكولومبيا والفلبين. وفي هذا الإطار تمثلت أهم الاتجاهات الرئيسية للصراعات في العالم فيما يلي: 

1- الانتقال للمراكز الحضرية: أضحت المدن والمراكز الحضرية ساحات للصراعات المسلحة في العالم بعدما كانت الصراعات تتركز في المناطق الطرفية البعيدة عن المركز. وفي هذا الإطار رصد تقرير "مسح الصراعات المسلحة" لعام 2017 أن 50% من الصراعات المسلحة الأكثر حدة في العالم البالغ عددها 36 بؤرة صراعية امتدت للمدن والمناطق الحضرية. فقد تسبب الصراع مع حزب العمال الكردستاني في تركيا في انتشار التهديدات للمناطق الحضرية في جنوب تركيا، مما أدى إلى ارتفاع عدد القتلى إلى 3000 قتيل في عام 2016، وهو المستوى الأكثر حدة منذ عام 1997. وينطبق الأمر ذاته على أفغانستان التي شهدت أكثر هجمات طالبان الانتحارية حدة في كابول في إبريل 2016، والتي أسفرت عن مقتل 64 شخصاً، وهو ما تكرر في باكستان مع تكرار التفجيرات ذات الطابع الطائفي في المدن.

كما يُعد الصراع السوري نموذجاً على تصاعد استهداف المدن، وتزايد تدفقات اللاجئين نحو المناطق الحضرية؛ حيث استقر 90% من اللاجئين السوريين في المدن بالدول المجاورة لسوريا بعد عدم قدرة معسكرات اللجوء على استيعاب الأعداد الضخمة من اللاجئين.

2- تزايد النزوح الداخلي: لم ينعكس التراجع الطفيف في عدد ضحايا الصراعات على أعداد اللاجئين والنازحين التي شهدت تزايداً ملحوظاً خلال عام 2016، حيث شهدت الفترة من يناير حتى أغسطس 2016 نزوحاً داخلياً لما لا يقل عن 900 ألف مدني في سوريا، وتزايدت أعداد المشردين داخلياً في العراق إلى 234 ألف شخص، وفي أفغانستان إلى 260 ألف شخص، وفي اليمن حوالي 500 ألف شخص، و192 ألف شخص في السودان، بينما تصل هذه المعدلات إلى ما يقارب 3 ملايين نازح داخلي في نيجيريا.


3- تراجع فاعلية عمليات حفظ السلام: تراجعت كفاءة قوات حفظ السلام الدولية في مواجهة الصراعات، حيث تصاعد استهداف أطراف الصراعات لقوات حفظ السلام، وهو ما تجلى في استهداف مهمة حفظ السلام في مالي بعملية عسكرية في عام 2016، مما أسفر عن سقوط 35 قتيلاً، وهو ما زاد حصيلة قتلى هذه المهمة إلى 87 قتيلاً منذ بدايتها في عام 2014. وفي دارفور تسببت عمليات استهداف قوات حفظ السلام في سقوط 27 قتيلاً منذ عام 2014، وفي وسط إفريقيا أصبحت مواقف المواطنين عدائية تجاه قوات حفظ السلام.

وعلى الرغم من مشاركة حوالي 125 دولة في العالم في عمليات حفظ السلام في مناطق الصراعات، وقيام حوالي 117 ألف فرد بتنفيذ مهام حفظ السلام الدولية في 16 مهمة لحفظ السلام حول العالم، بميزانية سنوية تصل إلى 8 مليارات دولار؛ إلا أن هذه العمليات تواجه ضغوطاً متزايدة مع تقليص الدول الكبرى لتمويلها لهذه العمليات، وتراجع التزامات الدول بعد فقدان الأمل في تسوية هذه الصراعات في الأمد القريب.

4- تصاعد حروب العصابات: تصاعدت حدة حروب العصابات في أمريكا اللاتينية، وهو ما كشف عنه احتلال المكسيك المرتبة الثانية من حيث أكثر الصراعات تسبباً في سقوط قتلى في العالم في عام 2016، حيث أسفر الصراع بين كارتلات تهريب المخدرات بالمكسيك عن سقوط 23 ألف قتيل في عام 2016، كما انتشرت أعمال العنف إلى 22 من بين 32 ولاية مكسيكية. وينطبق الأمر ذاته على هندوراس والسلفادور وجواتيمالا التي شهدت مجتمعة سقوط ما لا يقل عن 16 ألف قتيل عام 2016 نتيجة نشاط العصابات الإجرامية. 

5- انتشار "حروب الحصار": تزايدت أنماط حروب الحصار خلال عام 2016، حيث قامت القوات العراقية مدعومة بفصائل الحشد الشعبي الشيعية والولايات المتحدة الأمريكية بمحاصرة المدن التي يسيطر عليها تنظيم داعش، وبدء العمليات التمهيدية لتحرير الموصل. وفي ليبيا تم تحرير مدينة سرت من قبضة تنظيم داعش بعد حصار تخللته مواجهات عسكرية كثيفة داخل المدينة، كما تسبب حصار مدينة حلب من جانب النظام السوري في نزوح آلاف المدنيين خارج المدينة، ووفقاً لبيانات رسمية فإن نهاية أكتوبر 2016 شهدت حصار ما لا يقل عن 1.3 مليون فرد في 39 منطقة محاصرة في سوريا.

6- تهديدات تفكك التنظيمات المسلحة: عادة ما يُنهي تفكك وانهيار التنظيمات المسلحة تهديداتها للأمن الداخلي، غير أنه يترتب على ذلك انتشار لعمليات أكثر وحشية في مناطق متفرقة من الدولة بعيداً عن مناطق التمركز التقليدية للتنظيمات المسلحة. فعلى الرغم من فقدان تنظيم داعش جانباً كبيراً من الأقاليم التي يسيطر عليها في سوريا والعراق، وتراجع عدد عناصر التنظيم من 31500 عام 2014 إلى 12000 في عام 2016، فإن عمليات التنظيم لا تزال تشكل تهديداً للأمن في سوريا والعراق ودول الجوار.

كما تصاعدت عمليات فروع تنظيم داعش في مناطق متفرقة من العالم، مثل جماعات تنظيم داعش في الصحراء الكبرى التي نفذت هجمات في دول إفريقية متفرقة في عام 2016، في بوركينافاسو، وكوت دي فوار، كما نفذ تنظيم داعش في الصومال عمليات إرهابية في دول الجوار مثل الكاميرون، وإقليم تشاد. 

حالة الشرق الأوسط: 

لا تزال منطقة الشرق الأوسط تشغل صدارة أقاليم العالم في كثافة وحدة الصراعات المسلحة في العالم، إذ ينطوي الإقليم ومحيطه الجغرافي على 8 من بين أكثر 10 صراعات حدة على مستوى العالم، في: سوريا، والعراق، واليمن، والسودان، وتركيا، وأفغانستان، وفي محيطه الإفريقي في جنوب السودان، والصومال. وتحيط بهذه البؤر الصراعية دوائر مضطربة تضم صراعات أقل حدة، مثل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وصراعات متوسطة الحدة، مثل الصراع الأهلي في ليبيا، والتوترات دون مستوى الصراع في مناطق متفرقة من الإقليم.


ويتصدر الصراع السوري الخريطة المضطربة للشرق الأوسط، إذ تسبب الصراع الأهلي في سوريا في سقوط ما لا يقل عن 290 ألف قتيل بين عامي 2011 و2016، من بينهم 50 ألف قتيل في عام 2016، وتسبب تعدد أطراف الصراع والحروب بالوكالة بين الأطراف الإقليمية والدولية والتدخل العسكري المباشر من جانب روسيا والولايات المتحدة وتركيا وإيران في تصعيد الصراع السوري، وتعثر إمكانية تسويته، كما أن مقترحات إنشاء "مناطق آمنة" و"مناطق خفض التصعيد" لم تؤدِّ إلى خفض كثافة الصراع وتهيئة الأجواء المواتية للتسوية السلمية، ولم تتوافق الأطراف الإقليمية والدولية إلا على التصدي لتنظيم داعش، واختراق معاقله الرئيسية، وتحرير مدينة الرقة من قبضته.

وعلى الرغم من انحسار سيطرة تنظيم داعش على مساحات واسعة من الأقاليم العراقية، إلا أن الصراعات في العراق لا تزال تشغل المرتبة الثانية من حيث الكثافة، إذ تصاعد عدد ضحايا الصراع في العراق من 13000 قتيل عام 2015 إلى 17000 عام 2016 وفقاً لبيانات مسح الصراعات المسلحة الصادر عام 2017، في ظل استمرار الصراعات الطائفية، وأعمال الانتقام ضد المدنيين في المناطق المحررة من تنظيم داعش التي تسببت في تصاعد أعداد النازحين داخلياً إلى حوالي 250 ألف نازح خلال عام 2016. 

أما الصراع الأهلي في اليمن فيشهد انسداداً في أفق التسوية في ظل الانقسامات التي ضربت معسكرات الاصطفاف التقليدية، واحتدام الصراع بين أنصار الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح والحوثيين الذين قاموا باعتقال بعض المسئولين من أنصار صالح، ومحاولة اغتياله. وفي المقابل، تسببت قرارات الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي بإقالة المحافظ عيدروس الزبيدي ووزير الدولة هاني بن بريك، في إثارة احتجاجات واسعة النطاق في عدن، والمطالبة بتشكيل قيادة سياسية لتمثيل الجنوب اليمني.

وشهد الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني تصعيداً ملحوظاً خلال عام 2016، تسبب في سقوط 3000 قتيل، وهو ما دفع تركيا للتدخل العسكري المباشر في شمال العراق وسوريا، ومحاولة تأسيس منطقة عازلة على الحدود التركية مع الدولتين، مما تسبب في تأجيج الصراعات بين تركيا والتكتلات الكردية في الدولتين، وتوتر العلاقات التركية-الأمريكية بسبب دعم الولايات المتحدة للأكراد عسكرياً في مواجهة تنظيم داعش.

وفي ليبيا تعثرت كافة جهود التسوية والتوفيق بين حكومة الوفاق الوطني الليبية بزعامة فايز السراج، وحكومة طبرق المدعومة من مجلس النواب الليبي المنتخب، والجيش الوطني الليبي بقيادة اللواء خليفة حفتر، إذ تجددت الاشتباكات المسلحة بين الطرفين في الجنوب الليبي، كما تجدد الصراع للسيطرة على الهلال النفطي والمعسكرات والمطارات والمناطق الحيوية في ظل تصاعد تهديدات تنظيم القاعدة بالسيطرة على طرابلس وبنغازي، وهو ما يزيد من احتمالات التصعيد العسكري.

إجمالاً، من المُرجَّح أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تصاعداً في حدة الصراعات الداخلية، في ظل تعثر تسوية الصراعات، وتمددها خارج نطاق حدودها التقليدية باتجاه دول الجوار، وتصاعد أنماط الصراعات بالوكالة بين القوى الإقليمية والدولية، وتعارض مصالح أطراف الصراعات، بالإضافة إلى اشتعال بعض الصراعات منخفضة الكثافة نتيجة للمحفزات الداخلية والإقليمية، وتهديدات انتقام التنظيمات الإرهابية نتيجة فقدانها معاقلها المركزية داخل بؤر الصراعات.