يستعرض كتاب "تفاعلات صراعية: استراتيجيات إدارة التهديدات في ظل تحولات بيئة الأمن الدولي" الذي شارك فيه خبراء وباحثين وقدم له وحرره د.شادي عبدالوهاب، التطور الذي شهدته الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والعالم، حيث لم تعد تقتصر الصراعات على الحروب النظامية التي تدار بين دولتين، بل كان من الواضح اتجاه الدول المختلفة، بما في ذلك القوى الكبرى، على غرار الولايات المتحدة وروسيا، إلى توظيف الحروب بالوكالة، كما يتضح في الحالة السورية، أو الليبية، أو اليمنية، أو العراقية في منطقة الشرق الأوسط، أو في الأزمة الأوكرانية، وبات من الشائع توظيف الفواعل المسلحة من دون الدول في مثل هذه الصراعات، والتي هيمنت بشكل أساسي خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
أكد عبدالوهاب أن الحرب عبر التاريخ البشري كانت ذات طبيعة واحدة تميزت بقدر من الثبات لقرون طويلة، حتى أنه جرت محاولات عديدة لتعريف الحرب منذ القدم، لكن يبقى تعريف "كارل فون كلاوزفيتز" في كتابه "عن الحرب" (On War) الصادر عام 1832، والذي عرف الحرب على أنها "فعل من أفعال القوة لإجبار العدو على الانصياع لإرادة الطرف القائم بشن الحرب"، هو التعريف الأهم والأبسط والأكثر وضوحاً، ذلك لأنه جمع في طياته الأهداف والمستويات كافة التي يستخدم فيها طرف أو أطراف ما القوة لإجبار العدو على الانصياع لإرادة الطرف أو الأطراف التي اتخذت قرار الحرب.
وأوضح أن التفاعلات الصراعية لا تقتصر على الحرب وحدها، بل تمتد لتشمل طيفاً واسعاً من السياسات، إذ يمكن أن يندرج تحتها التصعيد، والإكراه، وغيرها من السياسات التي تندرج تحت المدرسة الواقعية، والتي تنظر إلى الأشكال السابقة كافة باعتبارها أدوات طبيعية تستخدمها الدولة لتعزيز أمنها في مواجهة الآخرين.
فهي سياسات مشروعة طالما كان الهدف منها هو تأمين بقاء الدولة وصون استقلالها وسيادتها، أو استعادة التوازن بين دول متصارعة في إطار إقليم معين.فالهدف الرئيسي لمثل هذه السياسات هو منع ظهور المهيمن، وصون استقلال وسيادة الدولة في النهاية.
ورأى عبدالوهاب أن الصراعات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط والعالم تطورت بشكل لافت، فلم تعد تقتصر على الحروب النظامية التي تدار بين دولتين، بل كان من الواضح اتجاه الدول المختلفة، بما في ذلك القوى الكبرى، على غرار الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، إلى توظيف الحروب بالوكالة، كما يتضح في الحالة السورية، أو الليبية، أو اليمنية، أو العراقية، أو الأفغانية في منطقة الشرق الأوسط، أو في الأزمة الأوكرانية، وبات من الشائع توظيف الفواعل المسلحة من دون الدول في مثل هذه الصراعات، والتي هيمنت بشكل أساسي خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
وبنهاية هذا العقد، عادت الولايات المتحدة لتعيد أولوياتها الأمنية، فبدأت تنسحب من الصراعات التي ترى أنه لا طائل من الاستمرار فيها، مثل أفغانستان، وبدأت ترى أن الصعود الصيني، والتوسع الروسي يؤشران على تصاعد صراع القوى الكبرى. ورافق كل هذه التطورات ظهور استراتيجيات جديدة تقدم توصيات لكيفية إدارة الدول، خاصة الدول الكبرى والرئيسية في أقاليم العالم المختلفة، لتفاعلاتها الصراعية.
يلقي الكتاب الصادر عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة الضوء على تعريف الحروب والتصعيد والسياسات الإكراهية، ثم يقدم بعد ذلك عدداً من الاستراتيجيات التي تتبعها الدول في سياساتها الخارجية للتعامل مع الخصوم والدول المناوئة لها.
وذلك في أربعة عشر فصلاً، من بينها "الحرب: فهم أسباب نشوب الصراعات الداخلية والدولية"الذي تقف فيه الباحثة هايدي عصمت، على أسباب اندلاع الحروب، سواء داخل الدول أو بينها، وذلك بالاعتماد على مستويات التحليل المختلفة، وهي الفرد والدولة والنظام الدولي. و"حروب اللادول: مأزق الجيوش النظامية في إدارة الحروب اللامتماثلة" للباحث مصطفى شفيق، الذي ناقش فكرة انتشار الحروب اللامتماثلة، وسعى للإجابة عن تساؤل:لماذا أضحت تقع العديد من الجيوش الكبرى في مأزق أمام إدارة هذا النوع من الحروب، والتي أصبحت هي النمط الشائع في الحروب الآن، خاصة مع تراجع، إن لم يكن انعدام، الحروب النظامية بين الدول.
وفي دراستها "التصعيد: المفهوم والأنماط والأطر النظرية المفسرة" تناولت الباحثة مي درويش أبرز اتجاهات تعريف مفهوم التصعيد، والأشكال المختلفة منه، بالإضافة إلى الوقوف على أبرز الاتجاهات المفسرة لظاهرة التصعيد من منظور العلاقات الدولية. وفي دراسة أخرى لنفس الباحثة معنونة بـ "الموازن مــن الخارج: أبعاد استراتيجية تحجيم الأعداء عن بعد"، تناولت اسـتراتيجية الموازن من الخارج التي تسـتند على فكرة ضـرورة حفـاظ القـوى العظمـى علـى مصالحهـا مـن خـلال بنـاء شـبكة مـن التحالفـات مـع القـوى الإقليميـة، بمـا يحقـق التـوازن والاسـتقرار في المناطـق الإقليميـة ويحـول دون صعـود قـوى منافسـة مـن شـأنها تهديـد مكانـة القـوة العظمـى، ولكـن مـن دون التدخـل بشـكل مباشـر في مناطـق الصـراع.
وركز شريف محيي الدين، الباحث المتخصص في الدراسات الأمنية، في دراسته "التصعيد غير المقصود: السيطرة على التفاعلات الصراعية مع الخصوم" على التمييز بين مفهومي التصعيد غير المقصود، والتصعيد بالخطأ، فضلاً عن الوقوف على العوامل التي ساهمت في تزايد وتيرة هذه النوعية من التصعيد، والعوامل المفسرة لذلك. ومن جانبها تناولت د.إسراء إسماعيل، خبيرة الدراسات السياسية والأمنية، في دراستها "الإكراه الشامل: حدود نجاح سياسة الضغوط القصوى في العلاقات الدولية" مدى فاعلية استراتيجية الإكراه الشامل في إجبار الدول على تغيير سياستها المثيرة للاضطرابات الإقليمية، عبر توظيف أدوات متعددة من الضغط العسكري والحصار الاقتصادي والتنسيق مع الحلفاء لإجبار دولة على تغيير سياستها العدوانية.
وحلل د.شادي عبد الوهاب في دراسته "استراتيجية الوقيعة: تفكيك التحالفات المعادية المهددة للأمن القومي للدولة"، مفهوم استراتيجية الوقيعة، وأبرز تطبيقاته في العلاقات الدولية، وكيف تلجأ الدول إلى هذا النمط لتفكيك التحالفات المعادية وتقليص فاعليتها بصورة تحجم من التهديدات الأمنية الموجهة لأمن الدولة وحلفائها، وذلك من خلال اللعب على التناقضات المصلحية بين أطرافه، أو رفع تكلفة الاستمرار فيه، بما يدفعها في النهاية إلى التفكير في الانسحاب منه، أو على الأقل تحييد نفسها عن أي صراعات قائمة، كما يوضح كذلك أبرز أنماطه والأمثلة التاريخية التي شهدت تطبيق هذه الاستراتيجية.
وأوضح ستيرلنج جينسين، الأستاذ مساعد بكلية الدفاع الوطني بالإمارات في دراسته"المجال الحيوي: عودة مناطق النفوذ إلى استراتيجيات القوى العظمى"، مفهوم المجال الحيوي، والذي يقصد به تجمع دولي تتزعمه دولة ذات نفوذ وتأثير وتتمتع بقوة تفوق الدول الأخرى داخل التجمع. وتعد الترجمة العملية لاستراتيجية المجال الحيوي في تأسيس القوى الكبرى لتحالفات عسكرية في جوارها المباشر. ويشرح ستيرلنج التطبيقات العملية لهذا المفهوم بين القوى الكبرى.