أخبار المركز

وساطة تركية:

المآلات المحتملة للتوترات المتصاعدة بين الصومال وإثيوبيا

03 يوليو، 2024


وجّه سفير الصومال لدى منظمة الأمم المتحدة، أبو بكر ضاهر عثمان، في 24 يونيو 2024، تُهماً للقوات الإثيوبية بالقيام بعمليات توغل غير قانونية عبر الحدود المُشتركة بين أديس أبابا ومقديشو؛ الأمر الذي تمخضت عنه مواجهات مسلحة بين القوات الإثيوبية وقوات الأمن المحلية الصومالية. 

ويأتي هذا التصعيد كحلقة جديدة في سلسلة التوترات المتزايدة بين البلدين خلال الآونة الأخيرة؛ وهو ما يثير العديد من التساؤلات بشأن مآلات هذا التصعيد على الأوضاع الداخلية المأزومة في الصومال، وحالة عدم الاستقرار المتفاقمة في منطقة القرن الإفريقي. 

توترات مُتزايدة:

شهدت الأشهر الأخيرة تصاعداً مطرداً في حدة التوترات بين الصومال وإثيوبيا؛ وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تُهم مقديشو لأديس أبابا: جاء اتهام سفير الصومال لدى الأمم المتحدة، إثيوبيا بقيام قواتها، من خارج عناصر بعثة "الأتميس"، بعمليات توغل غير قانونية في المناطق الحدودية المشتركة بين البلدين، مُتسقاً مع بعض التقارير الغربية التي رصدت قيام فرقة من الجنود الإثيوبيين، تقدر بحوالي 3 إلى 4 آلاف جندي، بعبور الحدود الصومالية إلى منطقة هيران، بدعوى مراقبة تهديدات حركة الشباب الجهادية. وبناءً عليه، تقدمت الصومال بشكوى رسمية ضد إثيوبيا في الأمم المتحدة. 

وتجدر الإشارة إلى أن هناك نحو 3 آلاف جندي إثيوبي متمركزين في الداخل الصومالي كجزء من مهمة بعثة "الأتميس" الإفريقية لحفظ السلام التي تقاتل حركة الشباب الصومالية، بالإضافة إلى حوالي 5 إلى 7 آلاف جندي إثيوبي آخرين منتشرين في الأراضي الصومالية كجزء من اتفاقيات تعاون ثنائية بين البلدين. وقد ألمح السفير الصومالي إلى أن التحركات الإثيوبية الأخيرة أجبرت مقديشو على تأجيل المرحلة المقبلة من انسحاب قوات بعثة "الأتميس" من مقديشو؛ إذ كان من المزمع انسحاب 4 آلاف جندي من قوات "الأتميس" بنهاية يونيو من العام الجاري، لكن بناءً على طلب الحكومة الصومالية، سيتم فقط سحب 2000 جندي بنهاية يونيو 2024، و2000 آخرين بنهاية سبتمبر المقبل. وقد بدأت البعثة الإفريقية في الانسحاب التدريجي بالفعل من الصومال؛ إذ انسحب حوالي 5 آلاف جندي منذ يونيو 2023 من إجمالي 18500 جندي، ويفترض أن يتم اكتمال الانسحاب بنهاية ديسمبر المقبل.

2- اعتراضات إثيوبية على تُهم مقديشو: جاء الرد الإثيوبي على التُّهم الصومالية في 27 يونيو 2024، فقد نفى المتحدث باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، نبيو تيدلا، أي توغل من قبل قوات بلاده داخل الحدود الصومالية، مشيراً إلى أن بلاده ليس لديها في مقديشو سوى القوات المنتشرة في إطار بعثة الاتحاد الإفريقي والاتفاقية الثنائية مع الحكومة الصومالية، وأن القوات الإثيوبية أجرت بالفعل بعض التدريبات العسكرية وبعض التغييرات في المعسكرات بالقرب من المناطق الحدودية لكنها لم تنتهك الحدود الصومالية.

وقد كشف المسؤول الإثيوبي أيضاً عن تحركات قامت بها القوات الإثيوبية المنضوية تحت مظلة بعثة "الأتميس" الإفريقية في إطار الممارسة الطبيعية التي تقوم بها هذه القوات من قبيل تغيير المعسكرات والتنقل وحركة الإمدادات، بما يدحض التُّهم الصومالية بشأن توغل قوات إثيوبية من خارج قوات البعثة الإفريقية إلى داخل البلاد.

وفي إطار تصاعد التُّهم المتبادلة بين البلدين، انتقد المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية ضعف سيطرة الحكومة الفدرالية الصومالية على الأوضاع الداخلية في مقديشو، ملوحاً إلى أن حكومة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، تفتقر للسيطرة الفعلية على الأوضاع خارج حدود "فيلا الصومال"، مقر القصر الرئاسي في العاصمة الصومالية.

3- اعتراض مقديشو على تقارب إثيوبيا مع صومالي لاند: كانت العلاقات بين الصومال وإثيوبيا قد شهدت توترات حادة منذ مطلع العام الجاري 2024، على خلفية مذكرات التفاهم التي وقعتها أديس أبابا مع جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند) الانفصالية، وكانت الأخيرة قد أعلنت استقلالها عن الصومال من جانب واحد منذ عام 1991، لكنها لم تحظ حتى الآن بالاعتراف الدولي، وقد عرضت إثيوبيا الاعتراف باستقلال صومالي لاند عن الصومال مقابل الحصول على قاعدة بحرية وميناء لها على سواحل أرض الصومال، من خلال استئجار مساحة تقدر بنحو 20 كيلومتراً، وهي الخطوة التي وصفتها الصومال بأنها غير قانونية وتدخل إثيوبي في شؤونها الداخلية.

وقاد الرئيس الصومالي حملة دبلوماسية مُوسّعة في محاولة حشد موقف دولي وإقليمي داعم لبلاده ضد التحركات الإثيوبية. كما حذّرت الحكومة الصومالية، مطلع يونيو 2024، من أنها ستقوم بطرد القوات الإثيوبية المنتشرة في الصومال وفقاً لاتفاقية التعاون الثنائي بين البلدين؛ إذا لم تستجب أديس أبابا لإلغاء مذكرة التفاهم مع هرجيسا. 

4- مُناوشات مُتبادلة: شهدت الأشهر الأخيرة انتقادات مُتبادلة بين البلدين، فقد عبّرت الحكومة الصومالية، في فبراير 2024، عن استنكارها لما وصفته بـ"استفزازات" أديس أبابا، على خلفية اتهامها للحكومة الإثيوبية بمحاولة منع مشاركة الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في قمة الاتحاد الإفريقي بالعاصمة أديس أبابا. في المقابل، عمد الرئيس الصومالي، في إبريل الماضي، إلى محاولة إغلاق القنصليات الإثيوبية في صومالي لاند الانفصالية وبونتلاند التي تتمتع بالحكم شبه الذاتي، لكنه لم يتمكن من ذلك. وفي نهاية مايو الماضي، ألمح حسن شيخ علي، مستشار الأمن القومي للرئيس الصومالي، إلى أنه من المتوقع أن تغادر كافة القوات الإثيوبية بلاده خلال الفترة المقبلة.

سياقات مأزومة:

يأتي التصعيد الأخير بين الصومال وإثيوبيا في إطار جملة من المتغيرات المتتالية المرتبطة بالسياق الصومالي الداخلي المأزوم وتوترات إقليمية متزايدة، يمكن عرضها على النحو التالي:

1- محاولة إبطاء انسحاب بعثة "الأتميس" من مقديشو: لطالما كانت المناقشات قائمة خلال السنوات الأخيرة بين الشركاء الدوليين للصومال بشأن مرحلة ما بعد انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي لحفظ السلام في مقديشو، وكانت حكومة الرئيس الصومالي الحالي، حسن شيخ محمود، قد أبدت استعدادها لتولي مهام الأمن الداخلي بشكل منفرد بعد خروج البعثة الإفريقي، بيد أن العديد من التقارير الدولية كانت قد شككت في مدى قدرة القوات الصومالية على تحمل هذه المسؤولية بشكل منفرد؛ بل إن بعض هذه التقارير لم تستبعد احتمالية تكرار سيناريو أفغانستان حال خروج كامل القوات الإفريقية من مقديشو، في ظل التنامي المستمر في نفوذ حركة الشباب الإرهابية في الداخل الصومالي. 

وقد ألمح رئيس بعثة "الأتميس" الإفريقية، محمد الأمين سويف، خلال إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي بشأن الأوضاع الراهنة في الصومال، إلى أن حركة الشباب لا تزال تشكل قوة كبيرة في مقديشو، وتحتفظ بالقدرة على شن هجمات واسعة ومدمرة ضد القوات الصومالية.

وفي هذا الإطار، كشفت بعض التقارير عن تحركات راهنة من قبل الحكومة الصومالية لمحاولة إبطاء انسحاب قوات "الأتميس" في ظل تخوفاتها من الفراغ الأمني المحتمل، فضلاً عن قلق إقليمي متنامٍ في هذا الإطار بشأن احتمالية أن تتمكن حركة الشباب من إحكام سيطرتها على الداخل الصومالي حال انسحاب كافة قوات البعثة الإفريقية؛ وهو ما سيكون له تداعيات أمنية خطرة على منطقة القرن الإفريقي.

من ناحية أخرى، تجدر الإشارة إلى أن تنظيم داعش المتمركز في قندالا، التي تبعد نحو 70 كيلومتراً من ميناء بوساسو بولاية بونتلاند الصومالية، تمكن خلال الأشهر الأخيرة من توسيع نطاق سيطرته، بل تفوق في بعض الأحيان على حركة الشباب في العدد والسلاح، مُستغلاً بذلك نقاط الضعف في حكومة بونتلاند، فقد تمكنت عناصر داعش المحلية من التوسع خاصة قندالا بحوالي 100 كيلومتر، باتجاه منطقة العلا، في الطرف الشمالي من القرن الإفريقي؛ وهو ما ينذر بتصاعد حدة المواجهات بين التنظيمين الإرهابيين؛ ما يعني مزيداً من الاضطرابات وعدم الاستقرار في الداخل الصومالي، والحاجة لمزيد من الدعم والتنسيق الإقليمي لمواجهة هذه التهديدات المتزايدة.

2- توترات إقليمية مُتزايدة: لطالما كانت منطقة القرن الإفريقي بؤرة توتر مستمرة في السنوات الماضية، وتفاقمت حدة هذه التوترات خلال الأشهر الأخيرة، سواء في داخل السودان وكينيا وإريتريا، أم حتى الصومال التي كشف القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس البعثة الأممية لمساعدة الصومال (UNSOM)، جيمس سوان، عن تمسك حركة الشباب الجهادية بمواصلة نشاطها الإرهابي فيها بغض النظر عن خسائرها البشرية، كما أعرب سوان عن قلقه بشأن مآلات التوترات الراهنة بين الصومال وإثيوبيا.

وفي هذا السياق، حذّرت بعض التقارير الغربية من التداعيات السلبية للتوترات الراهنة بين إثيوبيا والصومال على الأوضاع الأمنية المتفاقمة في منطقة القرن الإفريقي؛ إذ يمكن أن تؤدي هذه التوترات إلى تضييق نطاق التعاون الثنائي بين مقديشو وأديس أبابا في جهود مكافحة الإرهاب. ففي ظل تصاعد نشاط حركة الشباب بوسط الصومال، بالتزامن مع تدهور التنسيق الأمني بين القوات الصومالية والإثيوبية، تزداد احتمالية تكرار حدوث توترات حدودية بين البلدين خلال الفترة المقبلة، في إطار مساعي أديس أبابا إلى تأمين حدودها مع مقديشو وتجنب أي اختراقات من قبل عناصر حركة الشباب.

وحذّرت هذه التقارير من إمكانية تكرار التوغلات غير المنسقة بين القوات الإثيوبية والصومالية؛ الأمر الذي يمكن أن ينذر بتصاعد حدّة الاشتباكات بين الطرفين في المناطق الحدودية؛ ما قد يدفع الحكومة الصومالية إلى تسريع خطوة رحيل القوات الإثيوبية المنتشرة بشكل قانوني في الداخل الصومالي؛ ومن ثم خلق فراغ أمني يمكن أن تستغله حركة الشباب في توسيع مناطق نفوذها؛ لذا تتزايد الحاجة إلى محاولة رأب الصدع بين البلدين؛ لتعزيز التنسيق والتعاون المشترك لتجنب تفاقم الأوضاع الأمنية الهشة بالفعل.

3- تقارب بين الحوثيين وحركة الشباب الصومالية: كشف تقرير صادر عن معهد "جيتستون" الأمريكي، في يونيو 2024، عن مناقشات راهنة بين حركة الشباب الصومالية وجماعة الحوثي اليمنية؛ إذ تسعى الأخيرة إلى التوصل لاتفاق بموجبه تقوم الجماعة بتوفير الأسلحة المتقدمة كالطائرات من دون طيار والصواريخ المتطورة لحركة الشباب مقابل توسيع نفوذ الجماعة على عمليات الشحن في مضيق باب المندب، وقد حذّر التقرير من احتمالية أن تؤدي هذه التفاهمات إلى أن تحل عناصر حركة الشباب محل عصابات القرصنة؛ ومن ثم تفاقم حركة التجارة المأزومة بالفعل في منطقة البحر الأحمر، وكانت بعض التقارير المحلية الصومالية قد كشفت سابقاً عن وجود تدفقات للأسلحة من اليمن إلى الصومال، فضلاً عن رصد وجود أسلحة مضادة للطائرات على متن بعض السفن المختطفة بالقرب من السواحل الصومالية.

ورغم أن التقارب الراهن بين الحوثيين، المدعومين من إيران، وحركة الشباب، التابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، يبدو تطوراً حديثاً، فإن هناك تطلعات قديمة لطهران لتعزيز تقاربها مع حركة الشباب الصومالية؛ ومن ثم تنذر هذه التطورات بمزيد من الفوضى والاضطرابات في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، وتهديدات أكبر لمصالح القوى الإقليمية والدولية. 

لكن تجدر الإشارة إلى أن هناك تقريراً آخر صادراً عن مركز "Africa Confidential" طرح منظوراً آخر، مفاده ضعف الأدلة حتى الآن بشأن حقيقة وجود تعاون فعلي بين الحوثيين وحركة الشباب في ظل الاختلافات الأيديولوجية بين الطرفين؛ إذ يشير التقرير إلى أن هناك اتجاهاً شائعاً بين الخبراء الأمنيين الغربيين ينطوي على عملية أيديولوجية لبناء عدو واحد كبير، من مجموعات متباينة ومتنافسة؛ من أجل تسهيل بناء صورة كلية وشاملة لهذا العدو. 

4- وساطة تركية بين الصومال وإثيوبيا: كشفت بعض التقارير الغربية عن وساطة تركية للتوصل لتفاهمات جديدة بين الصومال وإثيوبيا؛ إذ يفترض أن تبدأ المحادثات الفعلية بين الجانبين في إسطنبول، مطلع يوليو 2024، على المستوى الوزاري، من خلال مشاركة وزيري خارجية البلدين في هذه المشاورات. في محاولة لتخفيف حدة التوترات الأخيرة، وعلى الرغم من تعدد المؤشرات التي تعزز فرص التوصل لتوافقات جديدة بين البلدين، فإن تعقد الملفات المطروحة، فضلاً عن تداخل شبكة الفواعل الإقليميين المنخرطين في هذه الملفات، ربما يزيد من صعوبة هذا الأمر، ولاسيما في ظل المصالح المتعارضة بين هذه الفواعل. 

وقد أشارت بعض التقارير إلى أن الحكومة الصومالية باتت مُستعدة لمنح إثيوبيا حق الوصول إلى ميناء هوبيو بولاية غالمودوغ، بشرط تراجع أديس أبابا عن اتفاقها مع حكومة صومالي لاند. لكن لا تزال هناك حالة من الغموض بشأن طبيعة التوافقات الجديدة التي يمكن التوصل إليها من خلال الوساطة التركية.

مآلات مُحتملة: 

في إطار المتغيرات السابقة، هناك جملة من الارتدادات الداخلية والإقليمية المُحتملة خلال الفترة المقبلة؛ وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- تفاهمات مُحتملة بين مقديشو وأديس أبابا: رجّحت بعض التقديرات احتمالية التوصل إلى تفاهمات جديدة بين الصومال وإثيوبيا خلال الفترة المقبلة، ولاسيما في ظل الوساطة الراهنة التي تقودها تركيا بين مقديشو وأديس أبابا، وربما يعزز هذا الطرح إعلان الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، في 25 يونيو 2024، أن حكومته تتفهم التطلعات الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري، لكنها تعترض على الأساليب التي تستخدمها أديس أبابا في هذا الشأن. كما كشف محمود عن ترحيب بلاده بالتعاون مع إثيوبيا في حصولها على موطئ قدم على البحر الأحمر من خلال اتباع النهج ذاته الذي تتبعه جنوب السودان وأوغندا في الوصول إلى موانئ كينيا، وكذا وصول رواندا وبوروندي لموانئ تنزانيا؛ وهو ما يتسق مع تصريحات رئيس صومالي لاند، موسى بيهي، الذي كشف عن عدم معارضة الصومال في وصول إثيوبيا للبحر، لكنها تريد أن يتم ذلك من خلال مقديشو وبعد موافقتها.

وتعكس تصريحات الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، بشأن موقف بلاده من حصول إثيوبيا على موطئ قدم بحري لها، تحولاً ملحوظاً في موقف مقديشو في علاقتها مع أديس أبابا؛ وهو ما اعتبرته بعض التقديرات مؤشراً على إمكانية التوصل لتفاهمات مرتقبة بين البلدين.

2- ترتيبات جديدة في منطقة القرن الإفريقي: ذهبت بعض التقديرات إلى أن هناك ترتيبات يجري التحضير لها بين الصومال وإثيوبيا بشأن هجوم واسع مرتقب على مناطق تمركز حركة الشباب. وربما تنطوي الترتيبات الجديدة المرتقبة بين مقديشو وأديس أبابا على تفاهمات بشأن وصول الأخيرة للبحر؛ وهو ما يتسق مع التقارير غير المؤكدة التي نشرت خلال الأيام الأخيرة بشأن اتجاه إثيوبيا لإلغاء مذكرة التفاهم الموقعة مع صومالي لاند، فرغم نفي الحكومة الإثيوبية لهذا الإلغاء، فإن هناك بعض التقديرات اعتبرته مؤشراً على وجود مشاورات تجري حالياً بين الحكومتين الصومالية والإثيوبية بخصوص حصول الأخيرة على موطئ قدم بحري لها.

3- دعم غربي للتقارب الإثيوبي الصومالي: تعكس كافة المؤشرات وجود دعم أمريكي وأوروبي للتطلعات الإثيوبية في الوصول إلى منفذ بحري لها على البحر الأحمر، باعتبار أن القاعدة الإثيوبية المرتقبة يمكن أن تساعد على دعم الترتيبات الأمنية والمصالح الغربية المتضررة حالياً في منطقة البحر الأحمر وباب المندب. وفي هذا الإطار؛ يبدو أن التحول الأخير في موقف الحكومة الصومالية إزاء تطلعات أديس أبابا البحرية يتسق مع الموقف الغربي، الأمريكي بالأساس، من هذا الملف، فضلاً عن دعم القوى الأوروبية والولايات المتحدة للتقارب بين مقديشو وأديس أبابا في إطار تأمين المصالح الغربية في المنطقة، مقابل استمرار الدعم للحكومة الصومالية في جهودها المرتبطة بمكافحة الأنشطة المتنامية لحركة الشباب.

4- استمرار تحدي التمويل لبعثة حفظ السلام في الصومال: كشف رئيس بعثة الأمم المتحدة لمساعدة الصومال (UNSOM)، جيمس سوان، أن التمويل لا يزال يشكل التحدي الحاسم لبعثة "الأتميس" وأية قوات جديدة يمكن أن تتولى خلال الفترة المقبلة مهام الأمن في مقديشو. وربما تُعزز هذا الطرح التقارير التي كانت قد كشفت مؤخراً عن مساعٍ راهنة للاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الممول الأكبر للبعثة الإفريقية في الصومال، لتقليص تمويلهم طويل الأجل لعملية حفظ السلام في مقديشو؛ الأمر الذي ينذر بتداعيات سلبية على الجهود الإفريقية لدعم الحكومة الصومالية في مواجهة حركة الشباب الإرهابية.

5- بعثة جديدة مُحتملة في الصومال: على الرغم من التحدي التمويلي الراهن لبعثة حفظ السلام الإفريقية في الصومال، بالتزامن مع استمرار حاجة الحكومة الصومالية لدعم خارجي لقواتها في مواجهة حركة الشباب، يرجح أن تشهد الفترة المقبلة الإعلان عن قوة جديدة لدعم مقديشو في حفظ السلام، من خلال مشاورات إقليمية ربما تفضي إلى شكل جديد من القوات الداعمة للحكومة الصومالية. ويتماشى ذلك مع إعلان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي دعمه لطلب الحكومة الصومالية بشأن تشكيل بعثة جديدة للصومال بعد نهاية بعثة "الأتميس" نهاية العام الجاري.

وفي الختام، على الرغم من التوترات التي شهدتها العلاقات الصومالية الإثيوبية خلال الأشهر الأخيرة، فإن ثمة مشاورات تجري حالياً بشأن صياغة تفاهمات جديدة لحلحلة الخلافات القائمة، وبلورة صيغة جديدة للتعاون والتنسيق الإقليمي، بدعم من بعض القوى الدولية والإقليمية؛ لتجنب تفاقم التوترات الإقليمية في منطقة القرن الإفريقي من ناحية، وتوحيد الجهود المشتركة لمواجهة التهديدات المتزايدة في منطقة البحر الأحمر ومضيق باب المندب من ناحية أخرى.