أخبار المركز
  • إصدارات جديدة لمركز "المستقبل" في معرض الشارقة الدولي للكتاب خلال الفترة من 6-17 نوفمبر 2024
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

حياد نسبي:

تضارب التصريحات الإسرائيلية من العقوبات الأمريكية على روسيا

25 فبراير، 2022


بدأت الولايات المتحدة تطلب من حلفائها، غير الأوروبيين، اتخاذ مواقف واضحة من الأزمة الأوكرانية، بل ودعمتهم إلى التماهي مع العقوبات الغربية ضد روسيا، وهو الأمر الذي تسبب في ارتباك الموقف الإسرائيلي، والذي أصدر تصريحات متضاربة في هذا الشأن.  

حدود الموقف الإسرائيلي:

تصاعدت حدة التوتر في العلاقات الروسية – الغربية، ومع تلويح الولايات المتحدة وحلفائها بفرض عقوبات على روسيا بفعل خطواتها التصعيدية إزاء أوكرانيا، وجهت نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس، خلال مؤتمر ميونخ للأمن، في 19 فبراير، الدعوة لحلفاء وشركاء الولايات المتحدة للانضمام إلى العقوبات الاقتصادية المُقترحة وغير المسبوقة ضد روسيا، وهو الأمر الذي لاقى قلقاً إسرائيلياً، ويمكن توضيح أبعاد الموقف الإسرائيلي على النحو التالي: 

1- تصريحات إسرائيلية متضاربة: كانت إسرائيل تتبنى حالة الحياد العلني إزاء تلك الأزمة، فقد أعلنت من خلال وزير خارجيتها يائير لابيد، أنها ستقف إلى جانب حليفها الأمريكي التقليدي في حالة إقدام روسيا على غزو أوكرانيا، وذلك على الرغم من اهتمامها بالحفاظ على علاقات ودية مع الروس بسبب جهودهم لحفظ الاستقرار بالحدود السورية – الإسرائيلية، غير أن لابيد تراجع عن موقفه، مؤكداً أنه قد أسُيء فهم تصريحاته، بل نفى ما هو متداول في الأوساط الإعلامية الإسرائيلية أن إسرائيل بصدد المشاركة في فرض عقوبات على روسيا.

وأكد لابيد أن بلاده والولايات المتحدة لديهما علاقة خاصة ولغة مشتركة، إلا أنه أكد أن الموقف الإسرائيلي سيستند إلى الرؤية والقيم الإسرائيلية والتقييمات الاستخباراتية من قبل دوائر صنع القرار الإسرائيلي، وليس انسياقاً مع موقف الحلفاء.

وشدد لابيد على ضرورة امتناع وزراء الحكومة عن الحديث بشأن هذا الأمر، وأن يمتنعوا عن التعقيب على تطورات الأزمة الأوكرانية، حيث أكد أن تصريحاته التلفزيونية تُفيد بتقارب وجهة نظر بلاده مع وجهة نظر الحلفاء، إلا أن لإسرائيل رؤيتها وتقديراتها الخاصة، وأنها بحاجة للتصرف بحذر إزاء تلك الأزمة، وهو ما يمكن الاستدلال منه على أن ثمة تردداً داخل الأوساط الإسرائيلية إزاء تلك القضية، في ظل تباين توجهات مكونات الائتلاف الحاكم إزاءها.

وفي المقابل، عبّر رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، رام بن باراك، عن موقف مغاير نسبياً، إذ أكد أنه يأمل ألا توجد إسرائيل في موقف يتعين عليها فيه الانضمام إلى العقوبات المفروضة على روسيا، لأنها في هذه الحال ستختار الوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، في حين أن وزيرة النقل قد أكدت في تصريحات إذاعية أن العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية تتسم بقدر من الخصوصية بما لا يماثل العلاقات الروسية – الإسرائيلية.

2- تجنب تبني موقف واضح: صرح وزير الشتات، نحمان شاي، بأن قلب إسرائيل مع الأمريكيين، وأن بلاده تحاول، بشكل جيد، المناورة بين جميع القوى المعنية من دون اتخاذ موقف علني واضح، على أمل أن تنتهي الأزمة من دون إطلاق نار، ومن دون إصابات ومن دون مواجهة عسكرية، وهو الأمل ذاته الذي يعول عليه "لابيد"، حيث يأمل أن تسهم جهود الوساطة في منع الحرب. 

3- استعداد إسرائيلي لإجلاء محتمل لليهود: زار الدبلوماسيون الإسرائيليون في بولندا وسلوفاكيا ورومانيا ومولدوفا والمجر المعابر الحدودية مع أوكرانيا، وعقدوا اجتماعات مع القوات الحدودية بتلك الدول؛ لضمان المرور الآمن للمواطنين الإسرائيليين الذين قد يسعون لمغادرة أوكرانيا، إذا ما اندلعت الحرب. 

4- إخلاء الدبلوماسيين الإسرائيليين: أعلنت إسرائيل عبر وزير خارجيتها يائير لابيد، في 21 فبراير، عن نقل سفارتها في أوكرانيا من العاصمة كييف إلى مدينة لفيف في غرب أوكرانيا. وأكدت وزارة الخارجية الإسرائيلية أنها مستعدة لكل التطورات المحتملة، بما في ذلك احتمال إخلاء الأراضي الأوكرانية.

وحسب موقع والا الإخباري، فقد اكتمل إخلاء السفارة بالعاصمة كييف بُعيد خطاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أعلن فيه استقلال جمهوريتين من المقاطعات الانفصالية الواقعة شرق أوكرانيا يوم الاثنين 21 فبراير، فقد استمرت أعمال إخلاء السفارة وتدمير الملفات حتى فجر اليوم التالي.

هذا بالإضافة إلى الإعلان عن إجلاء عائلات الدبلوماسيين الإسرائيليين وموظفي السفارة، بسبب تدهور الأوضاع الأمنية بالبلاد، كما أنها أوصت الإسرائيليين بالامتناع عن السفر لأوكرانيا في الوقت الراهن، وذلك أسوة بالخطوات الأمريكية والغربية المماثلة، في ظل تصاعد التحذيرات الأمريكية من أن الغزو الروسي لأوكرانيا بات وشيكاً. 

محددات موقف تل أبيب: 

تضع تل أبيب عدداً من المحددات في اعتبارها عند تحديد توجهاتها إزاء الأزمة الأوكرانية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- التنسيق الميداني في سوريا: أكد لابيد أن لبلاده حدوداً استراتيجية مع روسيا، في إشارة إلى سوريا، وهو ما يؤكد المخاوف الإسرائيلية إزاء فقدان التنسيق الميداني مع روسيا بما يضر بالأمن القومي الإسرائيلي، حيث يسهم التنسيق المشترك في تحجيم مخاطر وكلاء إيران في الأراضي السورية للحيلولة من دون استهداف إسرائيل من الجبهة الشمالية. فضلاً عن المصالح الإسرائيلية شرقي المتوسط والتي قد تتضرر كذلك بفعل غياب التنسيق مع روسيا.

ويستند الموقف الإسرائيلي إلى حقيقة أن موسكو تُعد الآن لاعباً رئيسياً في المنطقة، لا سيما في سوريا. وبالتالي، تحتاج إسرائيل إلى تبني سياسات حذرة تجاه موسكو إذا أرادت الاستمرار في التمتع بحرية العمل التي تتمتع بها حالياً في ضرب الأصول الإيرانية في سوريا لمنع إيران وحزب الله توطيد أقدامهم في العمق السوري، خاصة أن موسكو قد أقدمت لفترة على اعتراض الهجمات الإسرائيلية على سوريا، مما أثر على فاعليتها، وهو ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت إلى زيارة موسكو، في أكتوبر 2022، لاستعادة التفاهمات مع موسكو حول تنفيذ عمليات إسرائيلية في الأجواء السورية، وهو ما تحقق له.

وتدرك تل أبيب أن تبني أي مواقف إسرائيلية معادية لموسكو في الأزمة الأوكرانية قد يترتب عليه خسارة هذا التنسيق مجدداً، وهو أمر لا ترغب إسرائيل في حدوثه، خاصة في ظل تنامي التهديدات الإيرانية للأمن الإسرائيلي، سواء عبر حزب الله اللبناني، أو حتى بشكل مباشر من إيران.  

2- المصالح الإسرائيلية مع واشنطن: تدرك تل أبيب أن لها العديد من المصالح الأمنية والدفاعية مع الولايات المتحدة، خاصة في ضوء اعتماد الجيش الإسرائيلي على الدعم العسكري الأمريكي، والذي تحصل بموجبه على نظم عسكرية متطورة تمكنها من تأمين نفسها في مواجهة التهديدات الإيرانية. ولذا تحرص إسرائيل على عدم معاداة واشنطن كذلك.

3- تأمين دعم الجاليات اليهودية: تضم روسيا وأوكرانيا جاليات يهودية كبيرة، وهو ما يمثل تحدياً يدفع إسرائيل للمزيد من الحرص في قراراتها إزاء الأزمة، ومحاولة تبني مواقف محايدة نسبياً، مع محاولة الاستفادة من الأزمة عبر إيجاد مصدر جديد للهجرة اليهودية إلى الدولة العبرية. 

تداعيات ومكاسب محتملة:

تبدي إسرائيل قلقاً من تداعيات الأزمة الأوكرانية على الملفات الحيوية التي تهمها، والتي تتمثل في التالي: 

1- تعقد المحادثات النووية: أكد وزير المالية الإسرائيلي ليبرمان في تصريحات إذاعية عن أن الأزمة الأوكرانية لا تهم إسرائيل بالمقام الأول، فالأولوية للملف النووي والخطر الإيراني. وتخشى إسرائيل أن يؤدي الانشغال العالمي بتطورات الأزمة الأوكرانية إلى تعثر إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، في الوقت الذي تستفيد فيه إيران عبر كسب المزيد من الفرص لتطوير قدراتها النووية.

كما أن هناك سيناريو آخر أشد سوءاً، وهو أن تستغل إيران هذا التصعيد، وتعلق مشاركتها في المفاوضات، استغلالاً لتصاعد العقوبات بين روسيا والولايات المتحدة، واصطفاف الصين خلف موسكو، على نحو ينذر بإمكانية انهيار الهيمنة الأمريكية على النظام المالي العالمي، أو تعاون الصين وروسيا مع الولايات المتحدة حول إيران، بما يرتبه ذلك في النهاية من غياب أي اتفاق يحجم طهران، فضلاً عن انشغال أمريكي بملفات دولية أخرى، مثل الصراع مع روسيا والصين.

2- الغاز الطبيعي وأمن الطاقة: علقت ألمانيا تشغيل خط الغاز "نورد ستريم – 2"، وتثور مخاوف أوروبية من أن تصاعد العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا قد يدفع الأخيرة إلى الرد عبر تقليص صادراتها من الطاقة، وهو ما قد يترتب عليه تهديد أمن الطاقة الأوروبي. 

وتبرز أهمية الغاز بمنطقة الشرق الأوسط وتحديداً شرق المتوسط، وهو ما قد يدفع الولايات المتحدة في إعادة مراجعة موقفها بشأن خط الغاز "إيست – ميد" الذي كانت إسرائيل تعتزم تأسيسه لتصدير الغاز إلى أوروبا عبر قبرص، والذي سبق أن رفضته.

وفي الختام، يمكن القول إن إسرائيل تسعى لتجنب تبني موقف واضح من الأزمة الأوكرانية، وذلك لكي تحافظ على علاقاتها مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، خاصة أن الأخيرة باتت فاعلة في عدد من الملفات الإقليمية، وتستطيع الإضرار بالأمن القومي الإسرائيلي، وإن بشكل غير مباشر، عبر تحجيم قدرة إسرائيل على استهداف الوجود الإيراني في سوريا.